النسب المبارك
هو إمام الزهاد، ورائد العباد أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ يلقب "بزين العابدين"، و"السجاد"، و"ذي الثفنات"؛ لكثرة عبادته (والثفنه هي: الجزء من جسم الدابة تبرك عليه فيغلظ ويجمد؛ فسمي زين العابدين بذي الثفنات لأن أعضاء السجود منه صارت كثفنة البعير من كثرة صلاته).
والده هو: سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وريحانته من الدنيا الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.
وأمه: هي بابويه ويقال لها: سلافةُ بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى أنو شروان؛ كانت من خيرة النساء، وكان عليُّ بن الحسين عليهما السلام بارَّاً بها، حتى أنه عليه السلام كان لا يأكل معها في صحفة واحدة، فسئل عن ذلك فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
🌴تأريخ ومكان الميلاد
ولد علي بن الحسين عليهما السلام في المدينة المنورة يوم الخميس خامس شعبان، سنة 37هـ وقيل: سنة38هـ.
*أولاده
محمد (الباقر)، وزيد(حليف القرآن)، والحسين الأصغر، وعمر (الأشرف)، وعبدالله (الباهر)، قيل أنه سمي بالباهر لأنه: ما حضر مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر، وعلي (الأفطس)؛ وهؤلاء الذين لهم عقب.
والذين لم يعقبوا: الحسن، وعبدالرحمن، ومحمد الأصغر، والقاسم، وعيسى، وسليمان، وعبدالله الأصغر، وداوود، وثمان بنات وهن: خديجة، وأم الحسين، وعبدة، وفاطمة، وأم كلثوم، وعلية، وأم جعفر، وزينب.
*فضل الإمام زين العابدين
روى ابن عساكر بسنده عن سفيان بن عيينة عن ابن الزبير قال: كنا عند جابر فدخل عليه علي بن الحسين، فقال له جابر: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل عليه الحسين فضمه إليه، وقبله، وأقعده إلى جنبه، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( يولد لابني هذا ابن يقال له علي بن الحسين إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش ليقمْ سيد العابدين فيقوم هو)).
قال فيه جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: ((ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين..)).
*زين العابدين مع موكب السبايا
حضر زين العابدين عليه السلام كربلاء مع والده، وبرغم أن كل من حضر كربلاء من أصحاب الإمام الحسين وأهل بيته قد استشهدوا، إلا أن الله حفظ علي بن الحسين، وكان مريضاً، كما حفظ الحسن وعمر ابنا الحسن، فأنجاهم الله ليحفظ بهم نسل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الانقطاع.
كان الإمام زين العابدين شاهداً على واقعة الطفِّ؛ ليروي أحداثها للعالمين، وينقل مأساتها للمسلمين، فكان عليه السلام لسانها الناطق.
وبعد حادثة كربلاء الأليمة، أُخِذَ زين العابدين ومعه النساء والأطفال أسارى إلى الكوفة، والأغلال والقيود تكبلهم، وحرُّ الرمضاء يأكل من أجسادهم، فلما وصل موكبهم الطاهر إلى الكوفة، أُدْخِلوا على عبيدالله بن زياد، وكان والياً ليزيد على الكوفة، فقال لعلي بن الحسين: من أنت؟ قال: علي بن حسين، قال: أولم يقتل الله علي بن الحسين؟ قال: كان أخي أكبر مني قتلتموه، وإن له منكم مطلباً يوم القيامة.
فقال ابن زياد: نحن لم نقتله ولكن الله قتله، فقال علي بن الحسين: الله يتوفى الأنفس حين موتها؛ فلم يتمالك عبيدالله بن زياد نفسه فأمر بقتله، فصاحت أخته زينب عليها السلام: يا ابن زياد حسبك من دمائنا؛ أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه فتركه، فقال علي بن الحسين: يا ابن زياد، أبالقتل تهددني؟! أما علمت أن القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة؟
*أخذهم أسارى إلى الشام
بعد ذلك أُخِذ الموكب الحسيني الطاهر، وأُخِذ رأس الحسين عليه السلام ورؤوس شهداء كربلاء, إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية بالشام, مكبلين بالقيود والأغلال.
فلما وصلوا إلى دمشق أقيمت رؤوس الشهداء على باب مسجد دمشق, فرآها شيخٌ فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأراح البلاد من رجالكم, فقال الإمام زين العابدين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قال: نعم, قال: هل تعرف هذه الآية: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}, فنحن القربى يا شيخ, هل قرأت: {وآت ذا القربى حقه}، فنحن ذاك، هل قرأت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}، فنحن أهل البيت الذي خصنا بالطهارة.
فبقي الشيخ ساعة ساكتاً، ثم بكى, وقال: اللهم إني أتوب إليك من بغض هؤلاء, اللهم إني أبرأ إليك من بغض علي ومحمد وآل محمد.
ثم أدخلت الرؤوس إلى المسجد، فاستأذن الإمام علي بن الحسين في الخطبة فأبى يزيد أن يأذن له، فما زالوا يراجعونه حتى أَذِن، فصعد الإمام زين العابدين المنبر فحمد الله، ثم قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أعرفه بنفسي، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزمٍ والصفا، أنا ابن من حَمَل الركنَ بأطراف الردى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حجَّ ولبَّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهوى، أنا ابن من أسري به إلى المسجد الأقصى أنا ابن من بلغ به جبريل إلى السدرة المنتهى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، فلم يزل يقول حتى ضج المسجد بالبكاء، وأمر يزيد لعنه الله، فأقام المؤذنُ وقطع على الإمام حديثَه، فلما قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، قال علي بن الحسين: شهد به شعري وبشري ولحمي ودمي، فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله التفت إلى يزيد وقال: هذا جدي أو جدك؟! فإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته.
*قصته مع هشام بن عبدالملك والشاعر الفرزدق
روي أن هشام بن عبد الملك حجَّ في أيام أبيه، فلما طاف بالبيت العتيق، جَهِد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر على ذلك؛ لكثرة الزحام، فنُصِب له كرسي، وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين بن علي بن الحسين، وكان من أجمل الناس وجهاً، وأطيبهم أرَجَاً، وبين عينيه سجدة، فلما انتهى إلى الحجر تنحى عنه الناس هيبةً وإجلالاً حتى استلم الحجر، فغاظ ذلك هشاماً، فقال له رجل من أهل الشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبَةَ؟ فقال هشام: لا أعرفه؛ مخافة أن يرغَبَ فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضراً، فقال: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ الفرزدق قائلاً:
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلهِمُ ... هَذَا التقِيُ النقِيُ الطَاهرُ العَلَمُ
هَذَا الذي تَعرِفُ البطحَاءُ وَطأَتَهُ ... والبيتُ يَعْرِفُهُ والركْنُ والحَرَمُ
إذا رَأَتهُ قريشٌ قَالَ قائلُهَا: ... إلى مكارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يَنمِي إلى ذروةِ العزِّ التي قَصرَت ... عَن نَيلِها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ
يكادُ يُمْسِكُهُ عرفانَ راحَتِهِ ... رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَسْتَلِمُ
في كَفهِ خَيزُرَان ريحُهُ عبقٌ ... مِنْ كَفِّ أرْوَعَ في عِرنينه شَمَمُ
يُغَضِي حياءً ويُغضَى مِن مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكلمُ إلاَّ حينَ يَبْتَسِمُ
ينشَق نُورُ الهُدَى مِن نُورِ غَرتِهِ ... كالشمسِ تنجَابُ عَن إشراقها الظلمُ
مُنشقةٌ مِن رَسُولِ اللهِ نَبعَتُهُ ... طَابَت عَنَاصِرُهُ والخيمُ والشيَمُ
هذا ابن فاطمةٍ إن كُنتَ تَجهَلُهُ ... بجَدِّه أنبياءُ اللهِ قد خُتِمُوا
أللهُ شَرفَهُ قدماً وعَظمَهُ ... جَرى بذاك له في لَوْحِهِ القَلَمُ
ولَيْسَ قولُكَ: مَن هذا؟ بضائِرِهِ ... ألعربُ تعرفُ مَن أنكَرتَ والعَجَمُ
كِلتَا يَديِه غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا ... يَستَوكِفَانِ ولا يَعْرُوهما العَدَمُ
سَهلُ الخليقةِ لا تُخشَى بوادِرُهُ ... يَزِينُهُ اثنانِ: حسنُ الخُلْقِ والشيَمُ
حَمالُ أثقالِ أقوام إذا فدحوا ... حلْو الشمائِلِ تَخلُو عنده النعَمُ
ما قال: "لا" قَطُّ إلا في تَشهده ... لَولاَ التَشَهُدُ كانَتْ "لاؤهُ" نَعَمُ
عَمَّ البريَّةَ بالإِحسانِ فانقَشَعَت ... عنها الغَيَابَةُ والإِملاقُ والعَدَمُ
مِن مَعْشَرٍ حُبُّهُم دِينٌ وبغضُهُمُ ... كُفرٌ وقُربُهُمُ مَنجى ومُعتَصَمُ
فأمر هشام بإسقاط صلة الفرزدق من الديوان، فبلغ ذلك زين العابدين عليه السلام، فأمر له ببدرة (مجموعة من الدراهم) فلما حُمِلت إليه ردَّها وقال: إنما تكلمت وقلت ما قلت لله عز وجل، ولا أقبل عوضاً وأجراً، ورد البدرة على زين العابدين، فردها إليه زين العابدين عليه السلام وقال: نحن أهل بيت إذا خرجت عنَّا صلة لم ترجع إلينا أبدا.
🌴أخلاق الإمام زين العابدين
حياةُ الإمام علي بن الحسين وسيرتُه حافلة بمكارم الأخلاق، فقد كان خير ممثل لأخلاق جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام؛ ومما يُروى عنه في ذلك أن جارية له كانت تحمل إبريق وتسكب الماء لوضوئه فسقط من يدها على وجهه فشجه وسال دمه، فرفع رأسه عليه السلام إليها لائماً، فقالت له الجارية: إن الله يقول والكاظمين الغيظ، فقال: لقد كظمت غيظي، فقالت: والعافين عن الناس، فقال: عفى الله عنكِ، فقالت: والله يحب المحسنين، فقال: أنتِ حرة لوجه الله
كما كان عليه السلام المثل الأعلى في الحلم والاخلاق الحميدة، فعن أبي حازم قال: ما وجدتُ هاشميَّاً أفضل من علي بن الحسين بن علي وقف عليه رجلٌ يوماً فآذاه فلم يزل ساكتاً حتى فرغ ثم قال له: أسألُ اللهَ إن كنتَ صادقاً أن يغفر لي وإن كنت كاذبا أن يغفر لك.
*مشروع زين العابدين العلمي والتنويري
بعد وقعة كربلاء، وما كان من خبر موكب السبايا أقام زين العابدين عليه السلام بالمدينة المنورة؛ ليقود مشروعاً تنويرياً وتعليمياً، ساعياً في بثّ المفاهيم الإسلاميـّة الصحيحة، وتوضيح معالم الاِسلام الدارسة، فكان مجلسُه مليئاً بالعلماء والمحدثين الذين جاؤوا ليغترفوا من بحر علمه، كما جاءه الكثير من طلاب العلم ليأخذوا عنه علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم، والسُنّة النبوية الشريفة، روايةً وتدويناً، وتعلموا على يديه أحكام الشريعة من حلالها وحرامها وآدابها إلى غير ذلك.
وكان عليه السلام يُشبَّه في علمه وفقهه بجَدِّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قد أخذ الحديث والعلم عن والده الحسين بن علي عليهما السلام، كما أخذ عن عمه الحسن عليه السلام، وكثير من الصحابة، كما أخذ عنه العلماء والفقهاء ورووا عنه، فممن روى عنه: أولاده الأئمة محمد الباقر، وزيد، وعمر، ومن غيرهم: شيبة بن نعامة الضبي الكوفي، وعبد الله بن عبيدة بن نشيط الحميري القرشي الربذي, وحمد بن الفرات أبو علي التميمي الكوفي، وموسى بن أبي حبيب الطائفي.
فكان عليه السلام واصلة السند بين آبائه السابقين وبين أهل البيت اللاحقين.
*عبادته
اشتهر الإمام علي بن الحسين بـ"زين العابدين" و"سيد العابدين"، وذلك لما كان عليه من العبادة لله تعالى؛ ويكفي شاهداً ودليلاً على ذلك أن ننظر إلى "صحيفته السجادية" التي اشتملت على مناجاته وأدعيته؛ لنستشف منها ما كان عليه من الدين والتقوى والعبادة.
وقد حُكيت عن عبادته عليه السلام قصص كثيرة؛ من ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: دخلت على علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام عند طلوع الشمس، وهو قائم يصلي كأنه ساق شجرة، قد ثفنت جبهته، وانخرم أنفه، فقلت له: ما هذا الاجتهاد لو لم تخلق النار إلا لك؟ فقال: ما يدري علي بن الحسين إلى جنة يصير أم إلى نار، ثم بكى ولم يزل ساجداً حتى زالت الشمس، وهو يقول: لا إله إلا الله حقاً حقاً، لا إله إلا الله إيمانا وصدقا، لا إله إلا الله تعبدا ورقا.
قال طاووس: دخلت الحِجْر الليل فإذا علي بن الحسين يصلي فسجد سجدة أطال فيها فقلت: رجل صالح من بيت النبوة لأصغين إليه فسمعته يقول: (عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك).
قال طاووس: فو الله ما صليت ودعوت بهن في كرب إلا فرج عني.
وقال محمد بن سعد: كان زين العابدين ثقة مأمونَاً، كثير الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عالماً لم يكن في أهل بيته مثله، وكان إذا توضأ يصفر لونه، فإذا قام إلى الصلاة أرعد من الفزع، فقيل له في ذلك. فقال: أتدرون بين يدي من أقوم ولمن أناجي؟
*تعهده المساكين
لقد كان الإمام زين العابدين قدوةً حيَّةً في الإحسان والانفاق وتعهُّدِ المساكين, لاسيما سِرَّاً؛ فيُروى أنه كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، ويقول: "إن الصدقة بالليل تطفي غضب الرب"، وربَّما حمل على ظهره الطعام أو الحطب، حتى يأتي باب كل مسكين، فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير، ولم يعرفوا أن من يأتيهم بهذه الصدقات هو زين العابدين إلا عندما انقطعت عنهم بمته عليه السلام، ولما مات ووضع على المغتسل نظروا إلى ظهره، وعليه مثل ركب الابل؛ مما كان يحمل من الصدقات؛ وقد أُحصي من يقوتهم بعد موته عليه السلام فكانوا أكثر من مائة بيت.
وكان يُعْجِبُه أن يحضر طعامَه اليتامى والزمنى والمساكين، وكان يناولهم بيده ويحمل الطعام لمن كان له عيال إلى عياله.
وكان عليه السلام يقول: لأن أقوت أهل بيت فقراء في المدينة شهراً صاعاً في كل يوم أحبُّ إليَّ من حجة في إثر حجة.
*وفاته وموضع دفنه
توفي الإمام زين العابدين عليه السلام في شهر ربيع الأول من سنة 94 للهجرة، وعمره 58 سنة؛ ودفن عليه السلام بالبقيع في القبر الذي دُفِن فيه عمُّه الحسن بن علي، بقبة العباس بن عبد المطلب.
¤النسب المبارك¤
هو أبو محمد الحسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ويلقب بالرضا؛ كان عليه السلام مشهور الفضل، ظاهر النبل، يحكي في أفعاله نسبه العالي، وشرفه المنيف.
والده: هو سيد شباب أهل الجنة والإمام بعد أبيه بالنص النبوي الحسن بن علي عليهما السلام، سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته من الدنيا.
أمه: هي خولة بنت منظور بن سيار الفزاري.
¤زوجته وأولاده¤
زوجه عمه الحسين بن علي ابنته فاطمة في الطف، وكانت تشبه بالحور العين من جمالها، ثم إنه عليه السلام بنى بها في المدينة بعد معركة كربلاء بحوالي سنة وثلاثة أشهر، وهي أم أولاده: عبدالله الكامل ، وإبراهيم الشِّبه ، والحسن المثلث، وأم كلثوم، وزينب، وله من غيرها: داود، وجعفر، وغيرهم.
¤توليه صدقات الرسول¤
كان الإمام الحسن الرضا عليه السلام يلي صدقات رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله وسَلّم وأوقاف أمير المؤمنين علي عليه السلام؛ وكان الحجاج بن يوسف قال له يوماً - وهو يسايره في موكبه بالمدينة والحجاج يومئذ أميرها-: أَدْخِلْ عمك عمر بن علي معك في صدقة علي فإنه عمك وبقية أهلك.
فقال الحسن عليه السلام: لا أغيَّر شرط علي، ولا أدخل فيها من لم يدخل.
قال الحجاج: إذن أُدْخِلُه معك.
فشكاه الحسن عليه السلام إلى عبدالملك بن المروان، فكتب له عبدالملك كتاباً إلى الحجاج ينهاه عن ذلك.
ولما مات الإمام الحسن الرضا عليه السلام ولي هذه الصدقات والأوقاف ولده عبد الله بن الحسن بن الحسن حتى حازها الدوانيقي لما حبسه وقتله في حبس الهاشمية مع من قتل منهم.
¤جهاده في الطف¤
حضر الإمام الحسن بن الحسن الطفَّ، وكانت له مواقف عظيمة بين يدي عمه الحسين عليه السلام بكربلاء، وكان فارساً، وعمره يومئذ 20 سنة، وقيل: 19 سنة، وقتل تسعة عشر من جنود الضلالة، وأصابته ثماني عشرة جراحة حتى ارْتَث ووقع في وسط القتلى، فحمله خاله أسامة بن خارجة الفزاري، ورده إلى الكوفة وداووا جراحه، وبقي عنده ثلاثة أشهر حتى عوفي وسلم، وانصرف إلى المدينة.
¤بيعته¤
كان قيامه عليه السلام في أيام عبد الملك بن مروان، وكان بداية أمره، وسبب قيامه أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ولاَّه الحجاجُ سجستان، فسار إليه في جيش عظيم حتى اجتمع له ثلاثون ألفاً، فخلع عبد الملك والحجاج، وهّمَّ بأن يدعو لنفسه، فقال له من معه من علماء الكوفة والبصرة: هذا أمر لا يلتئم إلاّ برجل من قريش، فراسلوا علي بن الحسين زين العابدين والحسن بن الحسن، فأما علي بن الحسين فامتنع، وأما الحسن بن الحسن فقال: مالي رغبة عن القيام بأمر الله، ولا زهد في إحياء دين الله ولكن لا وفاء لكم تبايعونني ثم تخذلونني، فلم يزالوا به حتى أجابهم.
وورد عليه كتاب عبد الرحمن بن الأشعث هو والذين معه بالبيعة وأيمانهم المغلظة وأنهم لا يخالفونه فبايعهم، وخرج إليه منهم ابن أبي ليلى وأبو البحتري الطائي والشعبي وأبو وائل شقيق، ومن أهل البصرة محمد بن سيرين، والحسن البصري وحريش بن قدامة، وسموا الحسن بن الحسن "الرضا"، وغيرهم.
وفي بيعته عليه السلام يقول بعضهم:
أبـلــغ أبـا ذبـــان مخلـوع الـرسن .... أن قد مضت بيعتنا لابن الحسن
ابن الرسول المصطفى والمؤتمن .... مـن خيـر فتيـان قريـش ويـمـن
والحجـة القـائـم فـي هـذا الـزمـن
ثم خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث حتى وافى فارس، وجمع الناس من العرب والعجم والموالي حتى اجتمع له مائة ألف، ووافى البصرة واستقبله الحجاج بن يوسف واشتد القتال بينهم، ثلاث سنين حتى كان بينهما سبعون وقعة أو خمس وسبعون وقعة، كل ذلك على الحجاج سوى وقعتين، وقتل بينهما خلق كثير، وتَقَوَّى أمر ابن الأشعث ودخل الكوفة، واجتمع إليه حمزة بن المغيرة بن شعبة، وقدامه الضبي وابن مصقلة الشيباني في جماعة الفقهاء والقراء، فقالوا له: أظهر اسم الرجل فقد بايعناه ورضينا به إماماً ورضاً، فلما كان يوم الجمعة خطب عليه، حتى إذا كان يوم الجمعة الثانية أسقط اسمه من الخطبة.
¤حرب الجماجم¤
قدم الحجاج بن يوسف إلى الكوفة، فكانت حرب الجماجم الملحمة الكبرى التي انهزم فيها ابن الأشعث، ومضى في جماعة أصحابه، فثبت عبد الله بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان على خيل ابن الأشعث داعيةً للحسن بن الحسن وهو حَدَث السنِّ، فقاتل الحجاجَّ حتى هزم ولحق بابن الأشعث بفارس، ثم مضيا جميعا إلى سجستان.
تواري الإمام الحسن
بعد حرب الجماجم اضطر الإمام الحسن الرضا للتواري بأرض الحجاز وتهامة حتى مات عبد الملك بن مروان، وتولى ابنه الوليد بن عبدالملك.
¤استشهاده¤
لما تولى الوليد بن عبد الملك الحكم ألحَّ في طلب الحسن بن الحسن عليهما السلام حتى دسَّ إليه من سقاه السم، وحُمل إلى المدينة ميتاً على أعناق الرجال، وله من العمر ثماني أو سبع وثلاثون سنة ودفن في البقيع.
وفي الرواية أن امرأته فاطمة بنت الحسين ضربت فسطاطاً على قبره، وأقامت سنة، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار، فلما كان رأس السنة قوَّضت الفسطاط وقالت لمواليها: اذهبوا حتى يظلم الليل قليلاً، فلما أظلم سمعت صوتاً بالبقيع؛ هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا.
وفي رواية: أنها لما قوَّضت الفسطاط تمثلت بقول الشاعر:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر
فصلاة الله وسلامه على الإمام الحسن الرضا يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا.
¤النسب المبارك¤
هو سبط رسول الله وريحانته الحسينُ بن علي بن أبي طالب عليهما السلام؛ يكنى بأبي عبدالله، وأمه فاطمة الزهراء؛ فهو اﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ، ﻭﺧﺎﻣﺲ ﺃﻫﻞ اﻟﻜﺴﺎء.
¤تاريخ ومكان الميلاد¤
ولد عليه السلام بالمدينة المنورة، في الخامس من شعبان، من السنة الرابعة للهجرة النبوية.
¤صفته¤
كان الإمام الحسين عليه السلام يُشبَّه بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من سُرته إلى قدميه، وكان شديد البياض، روي أنه كان إذا قعد في موضع فيه ظلمة يُهتدى إليه لبياض جبينه ونحره, وقد وصفه بعض أصحابه الذين استشهدوا معه يوم الطف، قائلاً:
لَهُ طَلعةٌ مِثل شَمس الضّحى *** لَهُ غرَّة مِثل بَدرٍ مُنير
¤أولاده¤
علي الأكبر، وذرية الإمام الحسين من صلبه، وهو المشهور بـ"زين العابدين"، وعبدالله، وعلي الأصغر (استشهدا مع أبيهما في كربلاء)، وجعفر درج صغيراً، وفاطمة، وسكينة.
¤مقام الإمام الحسين¤
لقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عن فضل ومقام الإمام الحسين عليه السلام في مواضع كثيرة؛ ففيه وفي أخيه الحسن وجده وأبيه وأمه صلوات الله عليهم نزل قول الله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ}، وفيهم قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وكذلك قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.
وفي الإمام الحسين عليه السلام قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: ((حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط)).[الأمالي الإثنينية ج1/ ص534، المعجم الكبير ج3/ ص57، مسند أحمد ج4/ ص172].
وقال صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)).[الإمام المنصور بالله، الشافي, ج1/ ص339، مجموع السيد حميدان, ج1/ ص367].
وقال صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: ((الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة)). [الأمالي الإثنينية, ج1/ ص488، صحيفة الرضا, ج1/ ص158، مسند الإمام زيد, ج1/ ص462، المعجم الكبير, ج3/ ص61].
¤نشأته¤
نشأ الإمام الحسين عليه السلام في ظل والده الأكبر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ست سنوات وسبعة أشهر وثمانية أيام, وكان رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يخُصُّه مع أخيه الحسن برعاية خاصة، كما وردت بذلك الأثار, فيدعوهما بابنيه، ويحملهما على عاتقه، ويؤذيه ما يؤذيهما, وينزل من المنبر وهو يخطب إن رآهما يعثران, وبقيت هذه الرعاية منه صلى الله عليه وآله وسلم حتى وهو على فراش الموت، وفي آخر لحظات الحياة؛ فيُروى أنه صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مرضه الذي توفي فيه, قال: "اﺩﻋﻮا ﻟﻲ اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ", فجيء بهما إليه صلى الله عليه وآله وسلم، ﻗﺎﻝ الراوي: ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻠﺜﻤﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﻏﻤﻲ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺠﻌﻞ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻳﺮﻓﻌﻬﻤﺎ ﻋﻦ وجهه, ﻗﺎﻝ: ﻓﻔﺘﺢ النبي ﻋﻴﻨﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: "ﺩﻋﻬﻤﺎ ﻳﺘﻤﺘﻌﺎﻥ ﻣﻨﻲ ﻭﺃﺗﻤﺘﻊ ﻣﻨﻬﻤﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﺼﻴﺒﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪﻱ ﺃﺛﺮﺓ"، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: "ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ، ﺇﻧﻲ ﺧﻠﻔﺖ ﻓﻴﻜﻢ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺳﻨﺘﻲ ﻭﻋﺘﺮﺗﻲ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ، ﻓﺎﻟﻤﻀﻴﻊ ﻟﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻛﺎﻟﻤﻀﻴﻊ ﻟﺴﻨﺘﻲ، ﻭاﻟﻤﻀﻴﻊ ﻟﺴﻨﺘﻲ ﻛﺎﻟﻤﻀﻴﻊ ﻟﻌﺘﺮﺗﻲ، ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻦ ﻳﻔﺘﺮﻗﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﻠﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻮﺽ".
كل هذه العناية الكريمة، وهذا الحب المحمدي الذي أولاهما به صلى الله عليه وآله وسلم، انعكس في بناء شخصيتهما؛ وهو ما أهلهما أن يكونا سيدي شباب أهل الجنة وإمامي هذه الأمة.
¤الإمام الحسين في ظل والده الوصي¤
لم تمضي من موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ستة أشهر حتى لحقت فاطمة الزهراء عليها السلام بوالدها, فانتقل الإمام الحسين إلى رعاية والده الوصي؛ يغرف منه العلم، ويتلقى منه الهدي, ويروي عنه أحاديث جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم, ويكتسب من أخلاقه وشجاعته وصفاته, استمر الإمام الحسين عليه السلام في ظل والده ما يقارب سبعاً وثلاثين عاماً, فكان عوناً للوالده في أموره، وشاركه في جميع حروبه التي خاضها الإمام علي مع أعداء الدين, فروى المؤرخون أنه عليه السلام كان قائد الميسرة في حرب الجمل، كما كان مع أخيه الحسن على الميمنة في معركة صفين.
وأيضاً فقد شارك والده عليهما السلام في إدارة حكومته العادلة التي أسسها على العدل والانصاف, والحفاظ على معالم ملة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، التي حاول المنافقون والظالمون طمسها وتحريفها.
¤الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن¤
بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام في سنة أربعين للهجرة قام الإمام الحسن عليه السلام بالإمامة, وبايعه الناس بالخلافة, فكان الإمام الحسين عليه السلام من أعظم المناصرين له, وظل لأخيه الحسن عليهما السلام اليدَ اليمنى التي يضرب بها وجوه الظالمين, وسيفَه الذي يسله في محو زيف المحرفين.
قضى الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن - الذي توفي في سنة خمسين للهجرة- عشر سنوات, ويروى أنه عليه السلام في وداع أخيه الحسن عليه السلام قام ناعياً، فقال: (رحمك الله، أبا محمد، إن كنت لتناصر الحق عند مظانّه، وتؤثر الله عند مداحض الباطل وفي مواطن التقية بحسن الرويّة، وتستشفّ جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتقبض عنها يداً طاهرة، وتردع ما رده أعداؤك بأيسر المؤونة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة، وإلى روح وريحان، وجنة نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسى عليه).
¤الإمام الحسين قائد للأمة¤
بعد أن استشهد الإمام الحسن عليه السلام انتقلت المسئولية في إصلاح الأمة, والمحافظة على الدين الإسلامي إلى عاتق الإمام الحسين, فوقف في ذلك الواقع بكل عزيمة وإصرار, ونافحَ وذبَّ عن دين الله بكل شجاعة وبصيرة ووعي, ففي العشر السنوات الأولى بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن- أي من سنة خمسين للهجرة حتى سنة ستين- تحرك الإمام الحسين عليه السلام في تصحيح الأفكار الضالة والعقائد الباطلة التي حاول معاوية ترسيخها في أذهان الناس،, فكانت له حلقات علمية مشهودة, ورسائل وخطب ضد كل سلوك منحرف- فكري أو عملي- تمارسه سلطة الملك العضوض المتمثلة في معاوية بن أبي سفيان كافأه الله.
¤الإمام الحسين وموقفه من بيعة يزيد¤
في سنة ستين للهجرة مات معاوية بعد أن رتب الحكم لولده يزيد, وكان موقف الإمام الحسين واضحاً من خلافة معاوية؛ لكون الخلافة والإمامة قد جعلها الله في منصب مخصوص في علي والحسنين وذريتهما, ولأن معاوية كان متجبراً ظالماً خارجاً عن قانون الله ومنهجه؛ فإذا كان هذا هو موقف الإمام الحسين عليه السلام من خلافة معاوية فهو بلا شك سيكون موقفه من خلافة يزيد؛ لأنه أسوأ من أبيه وأكثر شراً.
حين توفي معاوية أعلن يزيد في دمشق عن نفسه خليفة للمسلمين, وكان أول عمل قام به أن أرسل إلى والي الخلافة الأموية في المدينة المنورة الوليد بن عتبة في أخذ البيعة من الإمام الحسين بن علي, فكان جواب الإمام الحسين عليه السلام لوالي المدينة: "أيّها الأمير إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله...."
¤الإمام الحسين والهجرة إلى مكة¤
أخذ الإمام الحسين عليه السلام في التهيؤ للثورة، فخرج من المدينة المنورة في ليلة الأحد الموافق 28 رجب سنة 60هـ، متوجهاً إلى مكة المكرمة، ومعه عدد من ولده وإخوته وبني أخيه وبني عمومته، فنزل في مكة المشرفة في منزل عمه العباس بن عبد المطلب، في شعب علي، ومكث فيها 125 يوماً.
¤الإمام الحسين والطريق إلى الكوفة¤
في أثناء إقامة الإمام الحسين عليه السلام في مكة وصلت إليه كتب ورسائل أهل الكوفة, وقد روي أن مجموع الكتب والرسائل التي وصلت الإمام الحسين عليه السلام قرابة 800 كتاب من24,000 شخص من أهل العراقين, كلها متضمنة للبيعة له عليه السلام, والعهود والمواثيق بنصرته والقيام معه.
فما كان من الإمام الحسين إلا أن أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة؛ ليستطلع الأمر، ويأخذ منهم البيعة, فلما وصل ﻣﺴﻠﻢ بن عقيل إلى اﻟﻜﻮﻓﺔ اجتمع إليه أهلها، ﻓﺒﺎﻳﻌﻮﻩ ﻭﻋﺎﻫﺪﻭﻩ ﻭﻋﺎﻗﺪﻭﻩ, وأعطوه اﻟﻤﻮاﺛﻴﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺼﺮﺓ ﻭاﻟﻮﻓﺎء، فكتب مسلم إلى الإمام الحسين (ع) بحال أهل الكوفة.
فعزم الإمام عليه السلام على الخروج من مكة إلى الكوفة, فقد بدت من جهة الكوفة مخائل الثورة, وطلائع المجد، فجمع عليه السلام أهل بيته وأنصاره وﺧﻄﺐ فيهم، ﻓﺤﻤﺪ الله ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: (ﺇﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻗﺪ ﺗﻨﻜﺮﺕ ﻭﺃﺩﺑﺮ ﻣﻌﺮﻭﻓﻬﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖَ ﺇﻻ ﺻﺒﺎﺑﺔ ﻛﺼﺒﺎﺑﺔ اﻹناء، ﻭﺧﺴﻴﺲ ﻋﻴﺶ ﻛﺎﻟﻤﺮﻋﻰ ﺃﻻ ﺗﺮﻭﻥ ﺃﻥ اﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ، ﻭﺃﻥ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻻ ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻨﻪ، ﻟﻴﺮﻏﺐ اﻟﻤﺮءُ ﻓﻲ ﻟﻘﺎء ﺭﺑﻪ، ﻓﺈﻧﻲ ﻻ ﺃﺭﻯ اﻟﻤﻮﺕ ﺇﻻ ﺳﻌﺎﺩﺓ، ﻭاﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻊ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺇﻻ ﺷﻘﺎﻭﺓ).
ﻓﻘﺎﻡَ ﺇﻟﻴﻪ ﺯﻫﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﻘﻴﻦ اﻟﻌﺠﻠﻲ, ﻓﻘﺎﻝ: ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻘﺎﻟﺘﻚ ﻫُﺪﻳﺖَ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻭﻛﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺨﻠﺪﻳﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻚ ﻭﻧﺼﺮﺗﻚ، ﻻﺧﺘﺮﻧﺎ اﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻌﻚ ﻋﻠﻰ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﺠﺰاﻩ الإمام اﻟﺤﺴﻴﻦ عليه اﻟﺴﻼﻡ ﺧﻴﺮاً، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بماله
وفارق مثبوراً وحارب مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم
كفى بك داء أن تعيش وترغما
ﺛﻢ ﻗﺮﺃ:} وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا{.
¤الإمام الحسين في أرض كربلاء¤
استغرقت رحلة الإمام الحسين (ع) من حين خروجه من مكة إلى أن وصل كربلاء 24 يوماً تقريباً، بدءاً باليوم الثامن من شهر ذي الحجة الحرام سنة 60هـ، وحتى اليوم الثاني من شهر محرم الحرام سنة 61هـ.
لما وافى الإمام الحسين عليه السلام كربلاء، قال: في أي موضع نحن؟ قالوا: بكربلاء، قال: كرب والله وبلاء، هاهنا مناخ ركابنا ومهراق دمائنا.
وهنا خطب الإمام الحسين أصحابه كما رواها حفيده الإمام زيد بن علي عن أبيه عليهما السلام، وقد جاء فيها بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أيها الناس، خط الموت على بني آدم كخط القلادة على جيد الفتاة ما أولعني بالشوق إلى أسلافي اشتياق يعقوب عليه السلام إلى يوسف وأخيه، وإن لي لمصرعاً أنا لاقيه كأني أنظر إلى أوصالي يقطعها وحوش الفلوات غبراً وعفراً، قد ملأت مني أكراشها، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ليوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله حرمته وعترته، ولن تفارقه أعضاؤه وهي مجموعة في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز لهم عدته؛ من كان فينا باذل مهتجه، فليرحل فإني راحل غداً إن شاء الله، ثم نهض إلى عدوه".
¤كربلاء ملحمة التضحية والإباء¤
قبل أن يصل الإمام الحسين عليه السلام إلى أرض كربلاء, لقيته في منطقة العذيب طلائع الجيش الأموي, بقيادة الحر بن يزيد الرياحي في 1000 فارس, مهمتهم حبس الحسين ومن معه من دخول الكوفة حتى يصل الجيش الأموي, فكان كلما مضى الإمام الحسين عليه السلام سار جيش الحر في إزائه، حتى وصل عليه السلام إلى كربلاء في الثاني من محرم سنة 61هـ, وفي صبيحة اليوم التالي وصل جيش يزيد بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص في 4,000, ثم عزز جيش ابن سعد بسبعة آلف مقاتل فكان عدة جيش ابن سعد 12000.
¤الإمام الحسين ومنعه من الماء¤
في السابع من محرم منع الجيشُ الأموي الحسينَ عليه السلام وأصحابَه وأهلَ بيته من الماء؛ فقد شكَّل الأمويون كتيبة بقيادة ابن الحجاج مكونة من 500 مقاتل، وظيفتها منع الإمام الحسين من شريعة الماء.
حاول الإمام الحسين عليه السلام نصح وزجر الجيش الأموي، فوقف فيهم خطيباً عدة مرات، مذكرهم بآيات الله, لكن هيهات للقلوب التي غشيتها الغفلةُ وحب الدنيا, واستحوذ عليها الشيطان الرجيم، أن تنصاع لآيات الله أو تستجيب لهداه.
¤بدء المعركة¤
عن الإمام الكامل عبد الله بن الحسن عليهما السلام أن علي بن الحسين عليهما السلام قال: صبحتنا الخيل يوم الجمعة، فدعا الحسين بفرس رسول الله وهو المرتجز، فركبه ثم رفع يده، فقال: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هَمٍّ يضعف به الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلتُه بك، وشكوته إليك، رغبةً فيه إليك عمن سواك، ففرَّجته وكشفته، أنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة، يا أرحم الراحمين".
بعد ذلك بدأت طلائعُ الشهادة تلوح من معسكر الإمام الحسين, فكان أولَّ شهيد في المعركة ولدُه علي بن الحسين الأصغر, ثم تبعه أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, وأهل بيته واحداً واحداً، فاستشهد القاسم بن الحسن، وكذا العباس بن علي عليهم السلام، وكان يقاتل قتالاً شديداً، فاعتوره الرجالة برماحهم فقتلوه، واستشهد أصحاب الحسين عليه السلام جميعاً، فبقي عليه السلام وحيداً ليس معه أحد.
¤الإمام الحسين شهيداً¤
بقي الإمام الحسين عليه السلام وحيداً في ساحة المعركة, يكاد العطش يقطع كبده, أقبل شمر بن ذي الجوشن في الرَّجالة نحو الحسين, فجعل الحسين يشد عليهم، فينكشفون عنه، ويصف ذلك الموقف عبدُالله بن عمار بن عبد يغوث، فيقول: والله ما رأيت مكثوراً قط قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه، ولا أمضى جناناً، ما رأيت قبله ولا بعده مثله، إن كانت الرجال تنكشف عن يمينه وعن يساره انكشاف المِعْزَى إذا شد فيها الذئب.
كان الحسين عليه السلام يشكي العطش, وهو مثخنٌ في جراحه, وجعل يطلب الماء، وشمر - لعنه الله - يقول له: والله لا ترده أو ترد النار؛ وقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطون الحيات، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً، فقال الحسين: اللهم أمته عطشاً.
قال الراوي: والله لقد كان هذا الرجل يقول: اسقوني ماء، فيؤتى بماء، فيشرب حتى يخرج من فيه وهو يقول: اسقوني، قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتى مات.
وفي هذه الأثناء صاح شمر في أصحابه: ثكلتكم أمهاتكم ما تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه؛ فحَمَل عليه سِنَان بن أنس بن عمر النخعي في تلك الساعة، فطعنه بالرمح فوقع الإمام الحسين على الأرض شهيداً، ثم قال شمر لخَولّي بن يزيد بن الأصبحي: حُزَّ رأسه، فأراد ذلك فضعف وارتعد. فقال له سنان: فتّ الله عضدك وأبان يدك، فنزل إليه فذبحه، ورفع رأسه إلى خولي بن يزيد.
ﻭﺃﺟﺮﻭا اﻟﺨﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ جسده الطاهر ﺣﺘﻰ تقطع، ﻭﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ: ﻫﻜﺬا ﺃﻣﺮﻧﺎ ﻋﺒﻴﺪالله ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ ﺃﻥ ﻧﺼﻨﻊ ﺑﻪ.
ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﺎ ﺃﺗﻮﻩ، ﻭﻓﺤﺶ ﻣﺎ اﺭﺗﻜﺒﻮﻩ، ﻓﻘﺎﺗﻠﻬﻢ اﻟﻠﻪ ﺃﻧﻰ ﻳﺆﻓﻜﻮﻥ، ﻭاﻟﺒﻬﻴﻤﺔ ﺗَﺤْﺮُﻡُ المثلةُ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺴﺒﻂ اﻟﻨﺒﻮءﺓ ﻭﺛﻤﺮ اﻟﻮﺻﻴﺔ، ﻭﺳﻴﺪ ﺷﺒﺎﺏ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﺳﻼﻡ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺻﻠﻮاﺗﻪ ﻭﺭﺿﻮاﻧﻪ؟!
ﻭقد ﺭﻭﻱ ﻋﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺼﺎﺩﻕ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﺃﻧﻪ ﻭﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ: ﺛﻼﺙ ﻭﺛﻼﺛﻮﻥ ﻃﻌﻨﺔ، ﻭﺃﺭﺑﻊ ﻭﺃﺭﺑﻌﻮﻥ ﺿﺮﺑﺔ، ﻭَﻭُﺟِﺪَ ﻓﻲ ﺟُﺒَّﺔ خَزٍّ ﺩﻛﻨﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻣﺎﺋﺔ ﺧﺮﻕ، ﻭﺑﻀﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﺧﺮﻗﺎً ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺭﻣﻴﺔ ﻭﻃﻌﻨﺔ ﻭﺿﺮبة.
¤تاريخ الاستشهاد¤
استشهد الإمام الحسين عليه السلام في يوم الجمعة الموافق: 10 محرم سنة 61هـ، وكان عمره 58 سنة، واستشهد معه أهل بيته عليهم السلام، وكانوا بضعة عشر شاباً، وأصحابه الذين بذلوا أنفسهم قبل نفسه رضوان الله عليهم أجمعين، وجزاهم خير الجزاء.
ودفن جسده الطاهر في أرض كربلاء, أما رأسه فقد حمل على الرماح، وطيف به البلدان والأمصار.
فصلاة الله وسلامه على الإمام الحسين السبط، وعلى أهل بيته الطاهرين، ورضوانه على أصحابه المخلصين.
¤النسب المبارك¤
هو ريحانة المصطفى، وسيد شباب أهل الجنة, الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام؛ ويكنى بـ "أبي محمد".
والده: أمير المؤمنين، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه السلام، هارون هذه الأمة، وأخو رسولها صلى الله عليه وآله وسلم، وصهره، وابن عمه؛ من سماه الله سبحانه وتعالى في كتابه "نفس رسول الله"، "ومولى المؤمنين".
أمه: هي بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيدة نساء العالمين, فاطمة الزهراء البتول عليها السلام؛ تكنى بـ"أم أبيها"؛ قال فيها الرسول الكريم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم:((إنما ابنتي فاطمةُ بِضْعَةٌ منِّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها))، وقال لها صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنَّ الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)).
¤تاريخ ومكان الميلاد¤
وُلِدَ الإمام الحسن بن علي عليها السلام بالمدينة المنورة، في النصف من رمضان في السنة الثانية للهجرة، بعد غروة أحد، فعَقَّ عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبشاً في اليوم السابع من مولده، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحلق رأسه، وتصدق بوزنه فضة على المساكين.
وقد رُوي أنه ﻟﻤﺎ ﻃﻠﻘﺖ فاطمةُ ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ عليه اﻟﺴﻼﻡ ﺃُﺧﺒﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﺭﺳﻮﻝ الله ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎء ﺑﻨﺖ ﻋﻤﻴﺲ ﻭﺇﻟﻰ ﻋﺎﺋﺸﺔ، ﻭﻗﺎﻝ: ((اﻧﻄﻠﻘﺎ ﺇﻟﻰ ﻓﺎﻃﻤﺔ، ﻓﺈﺫا ﻭﺿﻌﺖ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻬﺎ ﻓﺎﻗﺮءا ﺑﻔﺎﺗﺤﺔ اﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻭﺁﻳﺔ اﻟﻜﺮﺳﻲ، ﻭﺁﺧﺮ ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺤﺸﺮ، ﻭﻗﻞ ﻫﻮ الله ﺃﺣﺪ، ﻭاﻟﻤﻌﻮﺫﺗﻴﻦ، ﻭأﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﻭﺿﻌﺖ))، ﻓﻔﻌﻠﺘﺎ ﺫﻟﻚ ﻭﺑﻌﺜﺘﺎ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺄﺫﻥ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻪ اﻟﻴﻤﻨﻰ، ﻭﺃﻗﺎﻡ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻪ اﻟﻴﺴﺮﻯ، ﻭﻟﺒﺎﻩ ﺑﺮﻳﻘﻪ ﻓﺤﻨﻜﻪ، ﻭﻗﺎﻝ: ((اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻴﺬﻩ ﺑﻚ ﻭﺫﺭﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ اﻟﺮﺟﻴﻢ)).
¤تسميته بالحسن¤
لمَّا ولدت فاطمة عليها السلام بولدها الأول الحسن، قالت لعلي عليه السلام: "سمه"؛ فقال الإمام علي عليه السلام: "وكنت رجلاًً أحب الحرب، فأحببت أن أسميه حرباً، ثم قلت: ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسمه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: سمه، فقال: ((ما كنت لأسبق ربي عزَّ وجلَّ)) فأوحى الله إلى جبريل أنه ولد لمحمد ابنٌ فاهبط وأقرئه السلام، وهنئه، وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون، فهبط جبريل عليه السلام فهنَّأه من الله تعالى، ثم قال: إن الله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، فقال: وما كان اسمه؟ قال: شبر، قال: لساني عربي. قال: فسمه الحسن؛ فسماه الحسن".
¤صفته¤
كان الإمام الحسن عليه السلام يُشبَّه بجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رأسه إلى سرته، وكان أبيض اللون، ﺣﺴﻦ اﻟﻮﺟﻪ، ﻋﻠﻰ ﺭﺗﺔ ﻓﻲ ﻟﺴﺎﻧﻪ، ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ((ﺃﺗﺘﻪ ﻣﻦ ﻗِﺒَﻞ ﺟﺪﻩ ﻣﻮﺳﻰﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ)).
وكان عليه السلام سيداً حليماً ذا سكينة ووقار، جواداً، كريماً، من أعبد أهل زمانه، وأزهدهم وأكثرهم علماً؛ روي أنه عليه السلام حجَّ (25) مرة ماشياً على قدميه، ﻭﻗﺎﺳﻢ ﻣﺎﻟﻪ ﺭﺑَّﻪَ ﻣﺮﺗﻴﻦ، وأنه كان إذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: "حقٌّ على كل مؤمن وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله".
¤أولاده¤
للإمام الحسن عليه السلام أربعة عشر ابناً، وثمان بنات؛ أشهرهم: الحسن بن الحسن، وهو الحسن المثنى، وزيد بن الحسن، وعقبه منهما فقط، وفاطمة بنت الحسن.
¤نشأته¤
نشأ الإمام الحسن وترعرع في أطهر بيوت عرفها التأريخ، وأطيب حجور أقلَّتها البسيطة، فعاش طفولته متنقلاً بين حجر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورعاية أمِّه الزهراء وأبيه علي عليه السلام، وحنان وطيب أخيه الحسين عليهم السلام.
فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحمله على عاتقه، وهو يقول:((اللهم إني أحبه فأحبه))، ورآه رجل وهو يحمله هو وأخوه الحسين على رقبته، فقال: نعم الفرس تحتكما، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((ونعم الفارسان هما)).
فتربى الإمام الحسن عليه السلام التربية الصالحة، ونشأ النشأة الكريمة، في البيت الطاهر؛ فطابت أخلاقه، وكرمت شمائله؛ وما أصدقه عليه السلام، وأعظم شأنه حين يحكي عن نفسه؛ إذ افتخر عليه ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﺑﻄﺤﺎء ﻣﻜﺔ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﺃﻏﺰﺭﻫﺎ ﺟﻮﺩاً، ﻭﺃﻛﺮﻣﻬﺎ ﺟﺪﻭﺩاً، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﻦ ﺳﺎﺩ ﻗﺮﻳﺸﺎً ﻓﻀﻼً ﻧﺎﺷﺌﺎً ﻭﻛﻬﻼ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: "ﺃعليَّ ﺗﻔﺘﺨﺮ ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ؟! ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻋﺮﻭﻕ اﻟﺜﺮﻯ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﺄﻭﻯ اﻟﺘﻘﻰ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﻦ جاء ﺑﺎﻟﻬﺪﻯ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﻦ ﺳﺎﺩ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ، ﻭاﻟﺠﻮﺩ اللاﺋﻖ، ﻭاﻟﺤﺴﺐ اﻟﻔﺎﺋﻖ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻌﺼﻴﺘﻪ ﻣﻌﺼﻴﺔ اﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻞ ﻟﻚ ﺃﺏ ﻛﺄﺑﻲ ﺗﺒﺎﻫﻴﻨﻲ ﺑﻪ؟ ﻭﻗﺪﻳﻢ ﻛﻘﺪﻳﻤﻲ ﺗﺴﺎﻣﻴﻨﻲ ﺑﻪ؟ ﻗﻞ ﻧﻌﻢ ﺃﻭ ﻻ؟!"، ﻗﺎﻝ: ﺑﻞ ﺃﻗﻮﻝ ﻻ، ﻭﻫﻲ ﻟﻚ ﺗﺼﺪﻳﻖ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ:
اﻟﺤﻖ ﺃﺑﻠﺞ ﻣﺎ ﻳﺨﻴﻞ ﺳﺒﻴﻠﻪ ... ﻭاﻟﺤﻖ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺫﻭﻭا اﻷﻟﺒﺎﺏ
¤بعض من فضائله¤
الإمام الحسن عليه السلام هو ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنص القرآن، وسبطه وحبيبه، قال فيه جده صلى الله عليه وآله وسلم:
1- ((اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﺣﺒﻪ ﻓﺄﺣﺒﻪ ﻭﺃﺣﺐ ﻣﻦ ﻳﺤﺒﻪ)).
2- ((ﺇﻥ اﺑﻨﻲ ﻫﺬا ﺳﻴﺪ، ﻭﻣﻦ ﺃﺣﺒﻨﻲ ﻓﻠﻴﺤﺐ ﻫﺬا ﻓﻲ ﺣﺠﺮﻱ)).
3- ((الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا)).
4- ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)).
¤بيعته¤
بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بُويع للإمام الحسن عليه السلام في مسجد الكوفة، وكانت البيعة يوم الاثنين 22 رمضان سنة 40هـ, ثم وردت عليه بيعة أهل مكة والمدينة وسائر الحجاز والبصرة واﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ﻭاﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻭاﻟﻌﺮاﻗﻴﻦ، وكتب إلى عمال أبيه علي عليه السلام يُقِرُّهم في أعمالهم، فاستقامت له النواحي إلاّ الشام والجزيرة ومصر، وبسط العدل في البلاد.
ﻭﺯاﺩ الإمام الحسن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻴﻌﺔ له ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺎﺋﺔ، ﻓﺘﺒﻌﻪ كل من تولى الخلافة ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﻫﻮ ﺃﺻﻞ ﻣﺎ سمّي فيما بعد بـ "ﻣﺎﻝ اﻟﺒﻴﻌﺔ".
¤الصلح مع معاوية¤
كان الإمام الحسن بن علي عليه السلام قد عزم على حرب معاوية، وأعد لذلك العدة، فخرج إلى الشام لمواجهته، بعد أن عسكر في منطقة خارج الكوفة تعرف بـ "النخيلة", واستنفر الناس للحرب، وادعاهم إلى الجهاد في سبيل الله, ووجه جيشه إلى حرب معاوية بن أبي سفيان, ولكن سرعان ما تشتت أصحاب الإمام الحسن عليه السلام عنه، وتخاذلوا عن الجهاد معه؛ وذلك بحيل استخدمها معاوية كفأه الله، ودعايات كاذبة نشرها وروج لها, فاضطر عند ذلك الإمام الحسن عليه السلام للمصالحة مع معاوية، مقابل شروط اشترطها على معاوية؛ منها:
• أن لا يُتبع أحد بما مضى.
• ولا ينال أحد من شيعة علي عليه السلام إلا بخير.
• وأن تصير الخلافة بعد معاوية إلى الحسن إن كان حياً وإلا فالحسين ثم بعد ذلك في ذريتهما.
¤أسباب الصلح مع معاوية¤
قال الإمام مجدالدين المؤيدي عليه السلام في كتاب التحف شرح الزلف, ما لفظه:
"ولما غدرت به الأمة الغادرة، ونكثت عهده الجبابرة، ورفضت قول أبيه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما))، اضطَّر إلى مهادنة بني أمية، وصَعِدَ المنبر فقال - بعد حمد الله، والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم -: (أيها الناس والله ما بين جَابَلَق [بلد بأقصى لمشرق] وجابَلَص [بلد في أقصى المغرب] ابن بنت نبي غيري وغير أخي، فليكن استماعكم لقولي على قدر معرفتكم بحقي، أيها الناس إنَّا كنا نقاتل وفينا الصبر والحمية، فقد شيب الصبر بالجزع، وشيبت الحمية بالعداوة، وإنكم أصبحتم اليوم بين باكيَيْن: باكٍ يبكي لقتلى صفين خاذل، وباك يبكي لقتلى النهروان ثائر، وإنكم قد دعيتم إلى أمر ليس فيه رضى ولا نصفة، فإن كنتم تريدون الله واليوم الآخر حاكمناهم إلى ظِبَّاتِ السيوف، وأطراف الرماح، وإن كنتم تريدون الدنيا أخذنا لكم العافية).
قال في كتاب "الشافي" - عند ذكر هذه الخطبة -: فتنادى الناس من جوانب المسجد: البقية البقية."
¤استشهاده¤
ﻟﻤَّﺎ اﺳﺘﺜﻘﻞ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ بن أبي سفيان ـ كافأه الله ـ ﺣﻴﺎﺓ الإمام اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ وخاف منه, انطلق يحيق المؤامرات والمكائد لقتل الإمام عليه السلام, وآخر تلك المؤامرات اتفاقه مع إحدى زوجات الإمام واسمها "جعدة بنت الأشعث" على وضع السم في طعام الإمام عليه السلام، وبذل معاوية كافأه الله لها مقابل ذلك مائة ألف درهم، ووعدها بتزويجها من ولده يزيد، فسقت "جعدة بنت الأشعث" الإمام الحسن عليه السلام السمَّ؛ فلما حضر الإمام الحسن عليه السلام الموت, قال: "لقد سقيت السمَّ ثلاث مرات, ما منهن بلغت منِّي ما بلغت هذه، لقد تقطعت كبدي".
فاستشهد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، سنة 50 هجرية، ﻭﻟﻪ من العمر (46) ﺳﻨﺔ.
وعن عمر بن بشر الهمداني: قلت لأبي إسحاق: متى ذَلَّ الناس؟ قال: حيث مات الحسن بن علي، وادُّعي زياد، وقُتل حجر بن عدي.
فسلام الله على الإمام الحسن عليه السلام يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا.
¤النسب المبارك¤
هي أمُّ الحسنين فاطمة بنت خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي سيدة النساء، وبضعة الحبيب المصطفى؛ تكنى بأم أبيها.
والدها: هو خير الخلق طراً، وسيد ولد آدم، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، خاتم النبيين، وسيد المرسلين.
وأمها: هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة لشرفها وعفتها، وكانت من عقيلات قريش؛ وهي أول من آمن بدعوة رسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من صلى معه هي وعلي بن أبي طالب عليه السلام؛ وهي من قام الإسلام بمالها؛ قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "آمَنَتْ بي إذ كفر الناس، وصدَّقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً دون غيرها من النساء".
¤تأريخ ومكان الميلاد¤
ولدت فاطمة الزهراء عليها السلام بمكة المكرمة، واختلف في تأريخ مولدها عليها السلام، ولعل أصح الأقوال أنها ولدت عليها السلام قبل بعثة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بسبع سنين وستة أشهر، وذلك وقت بناء الكعبة.
فجاءت عليها السلام كريمةَ الاصل، طيبةَ المنبت؛ لتشرق الأرض بمولدها، وتتزين السماء بمقدمها، ويزداد نور البيت النبوي توهجاً وسطوعاً.
¤أسماؤها وألقابها¤
عن الصادق عليه السلام: لفاطمة عليها السلام ثمانية أسماء: الصديقة، والزهراء، والطاهرة، والزاكية، والرضية، والمرضية، والبتول، وفاطمة.
¤نشأتها¤
نشأت فاطمة الزهراء عليها السلام في كنف أبوين طاهرين، متنقلةً بين حجر أمها خديجة الكبرى رضوان الله عليها، وبين أحضان أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فترعرعت في بيت طالما ملأت أجواءه نسماتُ الوحي، وآيات التنزيل.
فأخذت الزهراء عليها السلام في هذا البيت الطاهر دروسها الأولى، كالقراءة والكتابة، والحساب، والمعارف الأولية، كما تعلمت القرآن الكريم من معلم البشرية جمعاء، وسمعت السنة النبوية منه، ووعت أحكام فرائضهما.
كما عاشت الزهراء ظروف الإسلام الأولى بمكة، فما كادت أن تُزهر عليها السلام حتى اشتدت عداوة قريش لأبيها صلوات الله عليه وعلى آله، وزادت أذيتهم له؛ لينالها من ذلك ما ينال أباها، ثم جاء عام الحزن الذي فقدت فيه فاطمةُ عليها السلام أمَّها خديجة الكبرى؛ لتعظم عليها البلية، وتشتد المحنة؛ ولتقوم - بعد ذلك- لأبيها مقام الأم المواسية، وتسد غياب أمِّها خديجة المعينة، بعد أن كانت له الابنة الصالحة البارة؛ وليكون لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المقابل أباً وأُمَّاً في نفس الوقت.
لقد شبَّت فاطمة الزهراء عليها السلام على ذلك الحب والمساندة لأبيها صلى الله عليه وآله وسلم، حتى استحقت أن تكون "أمَّ أبيها"، كما كنَّاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
¤بضعة المصطفى¤
لقد كانت فاطمة عليها السلام أحبَّ الناس إلى أبيها صلوات الله عليه وآله وسلم، وأشبه الخلق به، في حركتها وسكونها، وكلامها وسكوتها، وقعودها وجلوسها، وهيبتها ووقارها؛ قالت عائشة: (ما رأيت أحداً أشبه كلامُه وحديثُه برسول الله من فاطمة)، وكانت تقول: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها).
وقالت أمُّ أنس بن مالك: (كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر، بيضاءَ مُشرَبةً حُمْرة، لها شَعرٌ أسود، من أشدِّ الناس برسول الله شبها).
وتصف عائشة مشية فاطمة عليها السلام، فتقول: (لا والله ما تخفَى مشيتُها عن مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
وكيف لا تشبهه صلى الله عليه وآله وسلم وهي ابنته، وبضعة منه، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما ابنتي فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها)).
¤زاوجها من علي¤
بلغت فاطمة مبلغ النساء، وقد طاب خَلْقُها، وزان خُلُقُها، حتى فاقت من هُنَّ في سنِّها رفعةً، وسامتهن جمالاً، فاتجهت إليها الأنظار، ورغب الكثير من الصحابة في الزواج بها، فكانوا يتقدمون لخطبتها، الواحد تلو الآخر، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لهم: ((أنتظر القضاء)).
ثم جاء بعد ذلك الأمر الإلهي بأن يكون زوج فاطمة الزهراء هو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخليفته، وابن عمِّه علي بن أبي طالب عليه السلام، كما جاء عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي عليهما السلام)).
جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى فاطمة عليها السلام، فأخبرها بالأمر الإلهي، وقال لها: ((إني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه؛ وقد ذكر من أمرك شيء فما ترين؟, فسكتت)).
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهو يقول: ((الله أكبر سكوتها إقرار)).
فتزوجها علي عليه السلام في شهر صفر ، وبنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة بعد وقعة بدر؛ وحضر عقدها جماعة من النبلاء؛ ودعا صلى الله عليه وآله وسلم برطب وثمر؛ فقال: ((انتهبوا)).
فجمع الله - بذلك - الطيب ببعضه، والتقى سيد العرب بسيدة نساء العالمين عليهما السلام؛ لتكون ذريتهما هي ذرية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وسفينة النجاة, ومنها يكون الأئمة الأطهار.
¤أمُّ السبطين¤
فاطمة عليها السلام هي أم سيدي شباب أهل الجنة، السبطين النقيين الطاهرين الحسن والحسين، من نالا أرفع الرتب، وأسمى الدرج، ومن سماهما الله سبحانه وتعالى في آية المباهلة بابني رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وجعل الله سبحانه وتعالى ذرية نبيئه محمد صلى الله عليه وآله وسلم هي ذريَّة الحسنين عليهما السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما))، كما جعل الله تعالى هذه الذرية هي الذرية المباركة الباقية إلى قيام الساعة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي))؛ وما ذلك إلا ليكون منهم الأئمة الهداة لهذه الأمة، والقائمون بأمر الله في أرضه، وليكونوا هم ثَقَل الله الأصغر مقترنين مع القرآن الكريم لا ينفكون عنه حتى يردا مُجتمِعَيْنِ على الحوض.
وبالإضافة للحسن والحسين عليهما السلام، فقد كان لفاطمة عليها السلام أولاد آخرين ؛ وهم: زينب العقيلة، وأمُّ كلثوم، والمُحسِّن درج صغيراً.
¤فضلها ومقامها¤
أثنى الله سبحانه وتعالى على سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وأنزل فيها وفي ذريتها قرآناً يشيدُ بعظمتهم، ويشهد بطهارتهم ومقامهم؛ ولنذكر هنا طرفاً مما جاء فيها من القرآن الكريم، والسنة الشريفة:
1- آية التطهير، وهي قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ ا لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}. [الأحزاب:33].
2- آية المباهلة، وهي قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}. [آل عمران:61].
3- آية المودة، وهي قوله تعالى: {قُل لَّا أَسْأَ لَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}. [الشورى:23].
روي أنها لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من قرابتُك الذين أمرَنا الله بمودتهم؟ قال: ((علي وفاطمة وولدهما)).
4- صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إنما ابنتي فاطمةُ بِضْعَةٌ منِّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها)).[الإمام المرشد بالله، الأمالي الاثنينية ج1/ ص154].
5- عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام: ((إن الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)).[الإمام المرشد بالله، الأمالي الاثنينية ج1/ ص161].
¤وفاتها¤
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم - في مرضه - قد بشر فاطمة الزهراء عليها السلام بأنها أول اللاحقين به، فلم تَمضِ سوى ستة أشهر من وفاته صلى الله عليه وآله وسلم حتى توفيت الزهراء عليها السلام، وذلك عام (11هـ)، وعمرها حينئذ (28) سنة على أصح الأقوال.
وكانت عليها السلام قبل وفاتها أمرت أن يُجهَّز لها نعش، فكانت أولَّ من صنع لها نعشاً في الإسلام، فلما توفيت غسَّلها عليٌّ عليه السلام وأسماء بنت عميس، ثم صلى عليها الإمام علي عليه السلام وخاصته، ودفنها ليلاًً بوصية منها بالبقيع في المدينة المنورة، ولم يؤذِنْ بها أبا بكرٍ وعمر بحسب رغبتها عليها السلام.
ولما قام الإمام علي عليه السلام بجهازها ودفنها، أخذ يقول:
لكل اجتماع من خليلين فرقةٌ .... وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ .... دليل على أن لا يدوم خليل
وبعد أن دفنها عليه السلام ذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يناجيه، ويقول له: (السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلَّ يا رسولَ الله عن صفيتك صبري، ورقَّ عنها تجلّدي، إلا أن التأسيَ لي بعظيمِ فرقتك، وفادحِ مصيبتِك، موضعُ تعزٍّ .. فلقد استُرْجِعَتِ الوديعة، وأُخِذَت الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهَّد).
فصلاة الله وسلامه على سيدة نساء العالمين، وبضعة الرسول الأمين، من ملأت الأرض طهراً وعفافاً، وزادت الأخلاق بهجةً وضياء، فاطمة البتول الزهراء، وعلى أبيها وزوجها وذريتها الطيبين الطاهرين.