.
 
10-51-2019
الإمام الحسين بن علي عليه السلام


                               ¤النسب المبارك¤
هو سبط رسول الله وريحانته الحسينُ بن علي بن أبي طالب عليهما السلام؛ يكنى بأبي عبدالله، وأمه فاطمة الزهراء؛ فهو اﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ، ﻭﺧﺎﻣﺲ ﺃﻫﻞ اﻟﻜﺴﺎء.
                        
                          ¤تاريخ ومكان الميلاد¤
ولد عليه السلام بالمدينة المنورة، في الخامس من شعبان، من السنة الرابعة للهجرة النبوية.
                                     ¤صفته¤ 
كان الإمام الحسين عليه السلام يُشبَّه بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من سُرته إلى قدميه، وكان شديد البياض، روي أنه كان إذا قعد في موضع فيه ظلمة يُهتدى إليه لبياض جبينه ونحره, وقد وصفه بعض أصحابه الذين استشهدوا معه يوم الطف، قائلاً:
لَهُ طَلعةٌ مِثل شَمس الضّحى    ***      لَهُ غرَّة مِثل بَدرٍ مُنير
                                    ¤أولاده¤ 
علي الأكبر، وذرية الإمام الحسين من صلبه، وهو المشهور بـ"زين العابدين"، وعبدالله، وعلي الأصغر (استشهدا مع أبيهما في كربلاء)، وجعفر درج صغيراً، وفاطمة، وسكينة.
                         ¤مقام الإمام الحسين¤ 
لقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عن فضل ومقام الإمام الحسين عليه السلام في مواضع كثيرة؛ ففيه وفي أخيه الحسن وجده وأبيه وأمه صلوات الله عليهم نزل قول الله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ}، وفيهم قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وكذلك قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ  الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.

وفي الإمام الحسين عليه السلام قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: ((حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط)).[الأمالي الإثنينية ج1/ ص534، المعجم الكبير ج3/ ص57، مسند أحمد ج4/ ص172].
وقال صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)).[الإمام المنصور بالله، الشافي, ج1/ ص339، مجموع السيد حميدان, ج1/ ص367].
وقال صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: ((الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة)). [الأمالي الإثنينية, ج1/ ص488، صحيفة الرضا, ج1/ ص158، مسند الإمام زيد, ج1/ ص462، المعجم الكبير, ج3/ ص61].

                                   ¤نشأته¤
نشأ الإمام الحسين عليه السلام في ظل والده الأكبر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ست سنوات وسبعة أشهر وثمانية أيام, وكان رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يخُصُّه مع أخيه الحسن برعاية خاصة، كما وردت بذلك الأثار, فيدعوهما بابنيه، ويحملهما على عاتقه، ويؤذيه ما يؤذيهما, وينزل من المنبر وهو يخطب إن رآهما يعثران, وبقيت هذه الرعاية منه صلى الله عليه وآله وسلم حتى وهو على فراش الموت، وفي آخر لحظات الحياة؛ فيُروى أنه صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مرضه الذي توفي فيه, قال: "اﺩﻋﻮا ﻟﻲ اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ", فجيء بهما إليه صلى الله عليه وآله وسلم، ﻗﺎﻝ الراوي: ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻠﺜﻤﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﻏﻤﻲ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺠﻌﻞ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻳﺮﻓﻌﻬﻤﺎ ﻋﻦ وجهه, ﻗﺎﻝ: ﻓﻔﺘﺢ النبي ﻋﻴﻨﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: "ﺩﻋﻬﻤﺎ ﻳﺘﻤﺘﻌﺎﻥ ﻣﻨﻲ ﻭﺃﺗﻤﺘﻊ ﻣﻨﻬﻤﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﺼﻴﺒﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪﻱ ﺃﺛﺮﺓ"، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: "ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ، ﺇﻧﻲ ﺧﻠﻔﺖ ﻓﻴﻜﻢ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺳﻨﺘﻲ ﻭﻋﺘﺮﺗﻲ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ، ﻓﺎﻟﻤﻀﻴﻊ ﻟﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻛﺎﻟﻤﻀﻴﻊ ﻟﺴﻨﺘﻲ، ﻭاﻟﻤﻀﻴﻊ ﻟﺴﻨﺘﻲ ﻛﺎﻟﻤﻀﻴﻊ ﻟﻌﺘﺮﺗﻲ، ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻦ ﻳﻔﺘﺮﻗﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﻠﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻮﺽ".
كل هذه العناية الكريمة، وهذا الحب المحمدي الذي أولاهما به صلى الله عليه وآله وسلم، انعكس في بناء شخصيتهما؛ وهو ما أهلهما أن يكونا سيدي شباب أهل الجنة وإمامي هذه الأمة.
           ¤الإمام الحسين في ظل والده الوصي¤
لم تمضي من موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ستة أشهر حتى لحقت فاطمة الزهراء عليها السلام بوالدها, فانتقل الإمام الحسين إلى رعاية والده الوصي؛ يغرف منه العلم، ويتلقى منه الهدي, ويروي عنه أحاديث جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم, ويكتسب من أخلاقه وشجاعته وصفاته, استمر الإمام الحسين عليه السلام في ظل والده ما يقارب سبعاً وثلاثين عاماً, فكان عوناً للوالده في أموره، وشاركه في جميع حروبه التي خاضها الإمام علي مع أعداء الدين, فروى المؤرخون أنه عليه السلام كان قائد الميسرة في حرب الجمل، كما كان مع أخيه الحسن على الميمنة في معركة صفين.
وأيضاً فقد شارك والده عليهما السلام في إدارة حكومته العادلة التي أسسها على العدل والانصاف, والحفاظ على معالم ملة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، التي حاول المنافقون والظالمون طمسها وتحريفها.
              ¤الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن¤
بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام في سنة أربعين للهجرة قام الإمام الحسن عليه السلام بالإمامة, وبايعه الناس بالخلافة, فكان الإمام الحسين عليه السلام من أعظم المناصرين له, وظل لأخيه الحسن عليهما السلام اليدَ اليمنى التي يضرب بها وجوه الظالمين, وسيفَه الذي يسله في محو زيف المحرفين.
قضى الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن - الذي توفي في سنة خمسين للهجرة- عشر سنوات, ويروى أنه عليه السلام في وداع أخيه الحسن عليه السلام قام ناعياً، فقال: (رحمك الله، أبا محمد، إن كنت لتناصر الحق عند مظانّه، وتؤثر الله عند مداحض الباطل وفي مواطن التقية بحسن الرويّة، وتستشفّ جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتقبض عنها يداً طاهرة، وتردع ما رده أعداؤك بأيسر المؤونة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة، وإلى روح وريحان، وجنة نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسى عليه).
                   ¤الإمام الحسين قائد للأمة¤
بعد أن استشهد الإمام الحسن عليه السلام انتقلت المسئولية في إصلاح الأمة, والمحافظة على الدين الإسلامي إلى عاتق الإمام الحسين, فوقف في ذلك الواقع بكل عزيمة وإصرار, ونافحَ وذبَّ عن دين الله بكل شجاعة وبصيرة ووعي, ففي العشر السنوات الأولى بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن- أي من سنة خمسين للهجرة حتى سنة ستين- تحرك الإمام الحسين عليه السلام في تصحيح الأفكار الضالة والعقائد الباطلة التي حاول معاوية ترسيخها في أذهان الناس،, فكانت له حلقات علمية مشهودة, ورسائل وخطب ضد كل سلوك منحرف- فكري أو عملي- تمارسه سلطة الملك العضوض المتمثلة في معاوية بن أبي سفيان كافأه الله.
           ¤الإمام الحسين وموقفه من بيعة يزيد¤
في سنة ستين للهجرة مات معاوية بعد أن رتب الحكم لولده يزيد, وكان موقف الإمام الحسين واضحاً من خلافة معاوية؛ لكون الخلافة والإمامة قد جعلها الله في منصب مخصوص في علي والحسنين وذريتهما, ولأن معاوية كان متجبراً ظالماً خارجاً عن قانون الله ومنهجه؛ فإذا كان هذا هو موقف الإمام الحسين عليه السلام من خلافة معاوية فهو بلا شك سيكون موقفه من خلافة يزيد؛ لأنه أسوأ من أبيه وأكثر شراً.
حين توفي معاوية أعلن يزيد في دمشق عن نفسه خليفة للمسلمين, وكان أول عمل قام به أن أرسل إلى والي الخلافة الأموية في المدينة المنورة الوليد بن عتبة في أخذ البيعة من الإمام الحسين بن علي, فكان جواب الإمام الحسين عليه السلام لوالي المدينة: "أيّها الأمير إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله...."
                  ¤الإمام الحسين والهجرة إلى مكة¤
أخذ الإمام الحسين عليه السلام في التهيؤ للثورة، فخرج من المدينة المنورة في ليلة الأحد الموافق 28 رجب سنة 60هـ، متوجهاً إلى مكة المكرمة، ومعه عدد من ولده وإخوته وبني أخيه وبني عمومته، فنزل في مكة المشرفة في منزل عمه العباس بن عبد المطلب، في شعب علي، ومكث فيها 125 يوماً. 
                 ¤الإمام الحسين والطريق إلى الكوفة¤
في أثناء إقامة الإمام  الحسين عليه السلام في مكة وصلت إليه كتب ورسائل أهل الكوفة, وقد روي أن مجموع الكتب والرسائل التي وصلت الإمام الحسين عليه السلام قرابة 800 كتاب من24,000  شخص من أهل العراقين, كلها متضمنة للبيعة له عليه السلام, والعهود والمواثيق بنصرته والقيام معه.
فما كان من الإمام الحسين إلا أن أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة؛ ليستطلع الأمر، ويأخذ منهم البيعة, فلما وصل ﻣﺴﻠﻢ بن عقيل إلى اﻟﻜﻮﻓﺔ اجتمع إليه أهلها، ﻓﺒﺎﻳﻌﻮﻩ ﻭﻋﺎﻫﺪﻭﻩ ﻭﻋﺎﻗﺪﻭﻩ, وأعطوه اﻟﻤﻮاﺛﻴﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺼﺮﺓ ﻭاﻟﻮﻓﺎء، فكتب مسلم إلى الإمام الحسين (ع) بحال أهل الكوفة.
فعزم الإمام عليه السلام على الخروج من مكة إلى الكوفة, فقد بدت من جهة الكوفة مخائل الثورة, وطلائع المجد، فجمع عليه السلام أهل بيته وأنصاره وﺧﻄﺐ فيهم، ﻓﺤﻤﺪ الله ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: (ﺇﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻗﺪ ﺗﻨﻜﺮﺕ ﻭﺃﺩﺑﺮ ﻣﻌﺮﻭﻓﻬﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖَ ﺇﻻ ﺻﺒﺎﺑﺔ ﻛﺼﺒﺎﺑﺔ اﻹناء، ﻭﺧﺴﻴﺲ ﻋﻴﺶ ﻛﺎﻟﻤﺮﻋﻰ ﺃﻻ ﺗﺮﻭﻥ ﺃﻥ اﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ، ﻭﺃﻥ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻻ ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻨﻪ، ﻟﻴﺮﻏﺐ اﻟﻤﺮءُ ﻓﻲ ﻟﻘﺎء ﺭﺑﻪ، ﻓﺈﻧﻲ ﻻ ﺃﺭﻯ اﻟﻤﻮﺕ ﺇﻻ ﺳﻌﺎﺩﺓ، ﻭاﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻊ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺇﻻ ﺷﻘﺎﻭﺓ).
ﻓﻘﺎﻡَ ﺇﻟﻴﻪ ﺯﻫﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﻘﻴﻦ اﻟﻌﺠﻠﻲ, ﻓﻘﺎﻝ: ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻘﺎﻟﺘﻚ ﻫُﺪﻳﺖَ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻭﻛﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺨﻠﺪﻳﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻚ ﻭﻧﺼﺮﺗﻚ، ﻻﺧﺘﺮﻧﺎ اﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻌﻚ ﻋﻠﻰ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﺠﺰاﻩ الإمام اﻟﺤﺴﻴﻦ عليه اﻟﺴﻼﻡ ﺧﻴﺮاً، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى
 إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بماله
 وفارق مثبوراً وحارب مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم
 كفى بك داء أن تعيش وترغما

ﺛﻢ ﻗﺮﺃ:} وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا{.
                    ¤الإمام الحسين في أرض كربلاء¤
استغرقت رحلة الإمام الحسين (ع) من حين خروجه من مكة إلى أن وصل كربلاء 24 يوماً تقريباً، بدءاً باليوم الثامن من شهر ذي الحجة الحرام سنة 60هـ، وحتى اليوم الثاني من شهر محرم الحرام سنة 61هـ.
لما وافى الإمام الحسين عليه السلام كربلاء، قال: في أي موضع نحن؟ قالوا: بكربلاء، قال: كرب والله وبلاء، هاهنا مناخ ركابنا ومهراق دمائنا.
وهنا خطب الإمام الحسين أصحابه كما رواها حفيده الإمام زيد بن علي عن أبيه عليهما السلام، وقد جاء فيها بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أيها الناس، خط الموت على بني آدم كخط القلادة على جيد الفتاة ما أولعني بالشوق إلى أسلافي اشتياق يعقوب عليه السلام إلى يوسف وأخيه، وإن لي لمصرعاً أنا لاقيه كأني أنظر إلى أوصالي يقطعها وحوش الفلوات غبراً وعفراً، قد ملأت مني أكراشها، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ليوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله حرمته وعترته، ولن تفارقه أعضاؤه وهي مجموعة في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز لهم عدته؛ من كان فينا باذل مهتجه، فليرحل فإني راحل غداً إن شاء الله، ثم نهض إلى عدوه".
                    ¤كربلاء ملحمة التضحية والإباء¤
قبل أن يصل الإمام الحسين عليه السلام إلى أرض كربلاء, لقيته في منطقة العذيب طلائع الجيش الأموي, بقيادة الحر بن يزيد الرياحي في 1000 فارس, مهمتهم حبس الحسين ومن معه من دخول الكوفة حتى يصل الجيش الأموي, فكان كلما مضى الإمام الحسين عليه السلام سار جيش الحر في إزائه، حتى وصل عليه السلام إلى كربلاء في الثاني من محرم سنة 61هـ, وفي صبيحة اليوم التالي وصل جيش يزيد بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص في 4,000, ثم عزز جيش ابن سعد بسبعة آلف مقاتل فكان عدة جيش ابن سعد 12000.
                    ¤الإمام الحسين ومنعه من الماء¤
في  السابع من محرم منع الجيشُ الأموي الحسينَ عليه السلام وأصحابَه وأهلَ بيته من الماء؛ فقد شكَّل الأمويون كتيبة بقيادة ابن الحجاج مكونة من 500 مقاتل، وظيفتها منع الإمام الحسين من شريعة الماء.
حاول الإمام الحسين عليه السلام نصح وزجر الجيش الأموي، فوقف فيهم خطيباً عدة مرات، مذكرهم بآيات الله, لكن هيهات للقلوب التي غشيتها الغفلةُ وحب الدنيا, واستحوذ عليها الشيطان الرجيم، أن تنصاع لآيات الله أو تستجيب لهداه.
                              ¤بدء المعركة¤
عن الإمام الكامل عبد الله بن الحسن عليهما السلام أن علي بن الحسين عليهما السلام قال: صبحتنا الخيل يوم الجمعة، فدعا الحسين بفرس رسول الله وهو المرتجز، فركبه ثم رفع يده، فقال: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هَمٍّ يضعف به الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلتُه بك، وشكوته إليك، رغبةً فيه إليك عمن سواك، ففرَّجته وكشفته، أنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة، يا أرحم الراحمين".
بعد ذلك بدأت طلائعُ الشهادة تلوح من معسكر الإمام الحسين, فكان أولَّ شهيد في المعركة ولدُه علي بن الحسين الأصغر, ثم تبعه أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, وأهل بيته واحداً واحداً، فاستشهد القاسم بن الحسن، وكذا العباس بن علي عليهم السلام، وكان يقاتل قتالاً شديداً، فاعتوره الرجالة برماحهم فقتلوه، واستشهد أصحاب الحسين عليه السلام جميعاً، فبقي عليه السلام وحيداً ليس معه أحد.
                           ¤الإمام الحسين شهيداً¤
بقي الإمام الحسين عليه السلام وحيداً في ساحة المعركة, يكاد العطش يقطع كبده, أقبل شمر بن ذي الجوشن في الرَّجالة نحو الحسين, فجعل الحسين يشد عليهم، فينكشفون عنه، ويصف ذلك الموقف عبدُالله بن عمار بن عبد يغوث، فيقول: والله ما رأيت مكثوراً قط قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه، ولا أمضى جناناً، ما رأيت قبله ولا بعده مثله، إن كانت الرجال تنكشف عن يمينه وعن يساره انكشاف المِعْزَى إذا شد فيها الذئب.
كان الحسين عليه السلام يشكي العطش, وهو مثخنٌ في جراحه, وجعل يطلب الماء، وشمر - لعنه الله - يقول له: والله لا ترده أو ترد النار؛ وقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطون الحيات، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً، فقال الحسين: اللهم أمته عطشاً.
قال الراوي: والله لقد كان هذا الرجل يقول: اسقوني ماء، فيؤتى بماء، فيشرب حتى يخرج من فيه وهو يقول: اسقوني، قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتى مات.
وفي هذه الأثناء صاح شمر في أصحابه: ثكلتكم أمهاتكم ما تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه؛ فحَمَل عليه سِنَان بن أنس بن عمر النخعي في تلك الساعة، فطعنه بالرمح فوقع الإمام الحسين على الأرض شهيداً، ثم قال شمر لخَولّي بن يزيد بن الأصبحي: حُزَّ رأسه، فأراد ذلك فضعف وارتعد. فقال له سنان: فتّ الله عضدك وأبان يدك، فنزل إليه فذبحه، ورفع رأسه إلى خولي بن يزيد.
ﻭﺃﺟﺮﻭا اﻟﺨﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ جسده الطاهر ﺣﺘﻰ تقطع، ﻭﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ: ﻫﻜﺬا ﺃﻣﺮﻧﺎ ﻋﺒﻴﺪالله ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ ﺃﻥ ﻧﺼﻨﻊ ﺑﻪ.
ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﺎ ﺃﺗﻮﻩ، ﻭﻓﺤﺶ ﻣﺎ اﺭﺗﻜﺒﻮﻩ، ﻓﻘﺎﺗﻠﻬﻢ اﻟﻠﻪ ﺃﻧﻰ ﻳﺆﻓﻜﻮﻥ، ﻭاﻟﺒﻬﻴﻤﺔ ﺗَﺤْﺮُﻡُ المثلةُ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺴﺒﻂ اﻟﻨﺒﻮءﺓ ﻭﺛﻤﺮ اﻟﻮﺻﻴﺔ، ﻭﺳﻴﺪ ﺷﺒﺎﺏ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﺳﻼﻡ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺻﻠﻮاﺗﻪ ﻭﺭﺿﻮاﻧﻪ؟!
ﻭقد ﺭﻭﻱ ﻋﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺼﺎﺩﻕ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﺃﻧﻪ ﻭﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ: ﺛﻼﺙ ﻭﺛﻼﺛﻮﻥ ﻃﻌﻨﺔ، ﻭﺃﺭﺑﻊ ﻭﺃﺭﺑﻌﻮﻥ ﺿﺮﺑﺔ، ﻭَﻭُﺟِﺪَ ﻓﻲ ﺟُﺒَّﺔ خَزٍّ ﺩﻛﻨﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻣﺎﺋﺔ ﺧﺮﻕ، ﻭﺑﻀﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﺧﺮﻗﺎً ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺭﻣﻴﺔ ﻭﻃﻌﻨﺔ ﻭﺿﺮبة. 
                           ¤تاريخ الاستشهاد¤
استشهد الإمام الحسين عليه السلام في يوم الجمعة الموافق: 10 محرم سنة 61هـ، وكان عمره 58 سنة، واستشهد معه أهل بيته عليهم السلام، وكانوا بضعة عشر شاباً، وأصحابه الذين بذلوا أنفسهم قبل نفسه رضوان الله عليهم أجمعين، وجزاهم خير الجزاء.
ودفن جسده الطاهر في أرض كربلاء, أما رأسه فقد حمل على الرماح، وطيف به البلدان والأمصار.
فصلاة الله وسلامه على الإمام الحسين السبط، وعلى أهل بيته الطاهرين، ورضوانه على أصحابه المخلصين.

 

23:20 on 2019/20/25
17:08 on 2019/08/14
08:18 on 2019/18/07
11:48 on 2024/48/04
اضافة تعليق
*