اسمه وكنيته عليه السلام
أبو عبد الله، وقيل: أبو طالب يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- عليهم السلام
شرف تتابع كابر عن كابر * كالرمح انبوب على انبوب
وأمه ريطة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، وأمها رائطة بنت الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
مولده عليه السلام
سنة 97هـ على الأرجح.
صفته عليه السلام
كان قطط الشعر، حسن اللحية، حين استوت، وكان مثل أبيه عليهما السلام في الشجاعة، وقوة القلب، ومبارزة الأبطال وله مقامات مشهورة بخراسان أيام ظهوره بها في حروبه من قتل الشجعان الذين بارزوه، والنِّكَايَةِ في الأعداء الذين قاتلوه.
نشأته عليه السلام
نشأ عليه السلام في بيت من أعظم بيوت الإسلام وفي ظل رعاية وتربية والده الإمام زيد بن علي عليه السلام فسقاه من أخلاقه وعلمه فشب ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﺭﻡ اﻷﺧﻼﻕ ، ﻭﺣﻤﻴﺪ اﻟﻔﻌﺎﻝ وأقبل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻧﻄﺒﻌﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺼﻔﺎﺕ النبوية العلوية فكان ﻛﺂﺑﺎﺋﻪ اﻟﻜﺮاﻡ ﻋﺎﻟﻲ اﻟﻬﻤﺔ ﻛﺮﻳﻤﺎ شجاعا مقداما لا يخش في الحق لومة لائم
فضله ومكانته
كان عليه السلام أشبه الناس بأبيه ورغم حداثة سنه فقد كان جامعاً لخصال الإمامة، كاملا في جميع الفنون ومن أجل آثاره العلمية أنه من نقل لنا الصحيفة السجادية رواية عن أبيه الإمام زيد عليهما السلام ومما يدل على فضله ما رواه الإمام المنصور بالله عليه السلام أن قاتل يحيى بن زيد كان قد رأى في منامه قبل قتله ليحيى عليه السلام أنه رمى نبياً فقتله، فلما أصبح أخبر بذلك أناساً ثم غل يده إلى عنقه، وأقام كذلك مدة من الزمان حتى خرج يحيى عليه السلام- واجتمعت الجنود الأموية الطالبة لحربه، فقال له بعضهم: قد قام هذا الخارجي ولا غنى لنا عن رميك، فاخرج معنا فإذا انقضت الحرب عدت بحالك فخرج فكان هو القاتل ليحيى عليه السلام
دوره في الثورة مع أبيه الإمام زيد عليه السلام
عند قيام الإمام زيد عليه السلام في الكوفة خرج الإمام يحيى بن زيد من المدينة ليلحق بابيه في الكوفة فلم يزل ملازماً له وشهد معه الحرب وأبلى بلاء حسناً وعند وفاة الإمام زيد كان من وصيته للإمام يحيى: يا بني عليك باتقاء الله وجهاد أعداء الله، كما أوصاه بقوله: جاهدهم فو الله إنك لعلى الحق وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك لفي الجنة وأن قتلاهم لفي النار.
الإمام يقع في الأسر
بعد أن عمل الإمام يحيى على تجهيز أبيه ودفنه
خرج عازماً على تنفيذ تلك الوصية ولم يثنه ما أصاب والده أيام هشام بن عبد الملك من القتل والصلب والإحراق، وإنما دفعه ذلك إلى أن يتمم مسيرة والده بالثورة والخروج على الظلم حتى وصل خراسان وانتهى إلى بلخ ونزل عند الحُرَيش بن عبد الرحمن الشيباني.
فعلم ولاة بني أُميّة بخبره فكتب يوسف بن عمر والي بني أمية على الكوفة يطلبه إلى والي خرسان نصر بن سيار فكتب نصر إلى عامله على بلخ عقيل بن معقل الليثي يطالبه بالقبض على الإمام يحيى فذكر له أنَّه في دار الحُرَيش فقبض على الحريش وطالبه بتسليم الإمام يحيى فأنكر أن يكون عارفاً لمكانه، فضربه ستمائة سوط، فلم يعترف، وفقال له: والله لا أرفع الضرب عنك حتى تسلمه أو تموت.
فقال له الحُرَيش: والله لو كان تحت قَدَمَيَّ هاتين ما رفعتهما عنه، فاصنع ما بدا لك
خشي قريش على أبيه الحريش القتل، فدَسَّ إليه بأنه سيدله على مكان الإمام إن أفْرَج عن أبيه، فدلهم على مكانه فحُمِلَ إلى نصر بن سيار، فقيده وحبسه وكتب بخبره إلى يوسف بن عمر
وكتب يوسف إلى الحاكم الأموي آنذاك الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بذلك، فكتب الوليد يأمره بالإفراج عنه وترك التعرض له ولأصحابه، فكتب يوسف إلى نصر بما أمره به، فدعاه نصر وحَلَّ قيده، وقال له: لا تثر الفتنة، فقال له عليه السلام: وهل فتنة في أمة محمد صلى اللّه عليه وعلى آله أعظم من فتنتكم التي أنتم فيها من سفك الدماء، والشروع فيما لستم له بأهل ، فسكت عنه نصر وخلى سبيله (وعلى قول اليعقوبي: أن الإمام يحيى فرّ من السجن)
شيء من أخباره وأقواله
أثناء تنقلات الإمام عليه السلام عرض عليه أن يتزوج، فقال: هيهات!! وأبو الحسين مصلوب بكناسة الكوفة، ولم أطلب بثأره
وهو هنا يرغب عن ملذات الدنيا ولا زال الظلم والضلال يخيم على الأمة الإسلامية ومن أكبر علامات ذلك الظلم أن الإمام زيد عليه السلام لا يزال مصلوبا ولم يوار الثرى على الأقل
وقد كان عليه السلام كثير التأثر بمنهج أبيه وأهل البيت في الثورة على الظلم
ولذلك كان كثيرا ما ينشد:
يا ابن زيد أليس قد قال زيد.... من أحبَّ الحياة عاش ذليلا
كن كزيد وأنت مهجة زيد.... تتخذ في الجنان ظلاً ظليلا
بل لقد كان عاشقا للجهاد والشهادة في سبيل الله
فكان من أقواله
((لا شرف أشرف من الشهادة وإن أشرف الموت قتل في سبيل الله))
ومن شعره عليه السلام بعث به إلى المدينة
خليليّ عني بالمدينة بلغا .... بني هاشم أهل النُّهى والتجارب
فحتى متى مروان يقتل منكم .... سراتكم والدهر فيه العجائب
لكل قتيل معشرٌ يطلبونه .... وليس لزيد بالعراقين طالب
المعركة في بيهق
بعد إطلاق سراح الإمام ظل ينتقل من منطقة
إلى أخرى عازما على مواصلة الثورة وجهاد الظالمين فأظهر دعوته وبايعه سبعون رجلا فكتب نصر بن سيار إلى عمرو بن زُرَارة بقتاله وكتب إلى قيس بن عباد عامل سرخس وإلى الحسن بن زيد عامل طوس بالانضمام إليه فاجتمعوا وبلغ الجيش الأموي زهاء عشرة آلاف مقاتل وعند المواجهة خرج الإمام عليه السلام مخاطبا عمرو بن زرارة انصرف عني فإني لست أريدك ولا أريد شيئاً من عملك، وإنما أريد بلخاً وناحيتها ولا أريد مرواً فتنح عني.
فقال عمرو بن زرارة: لا والله لايكون ذلك أبداً إلاّ أن تعطي بيدك وتدخل في الأمان، وإلا قاتلتك.
كر الإمام عليهم ومعه زهاء سبعون رجلا وهو ينادي: الجنة.. الجنة.. يامعشر المسلمين الحقوا بسلفكم الشهداء المرزوقين رحمكم الله
فانكشفوا فقاتلهم وهزمهم وقَتَل عمرو بن زرارة واستباح عسكره، وأصاب منهم دواب كثيرة
ثم واصل سيره حتى نزل أرض جوزجان ونزل قرية من قراها يقال لها أرغويه ولحق به جماعة من عساكر خراسان وبايعوه، وبقي بها مدة يسيرة
استشهاده عليه السلام
أنفذ نصر بن سيار لقتال الإمام جيوشا كبيرة بقيادة سلم بن أحوز ولما رأى الإمام يحيى كثرة العدو وقلة أصحابه الذين كانوا قرابة المائة والخمسين مقاتلا قال لهم: (( أنتم في حل من بيعتي فمن شاء أن يثبت معي فليثبت، ومن شاء أن يرجع فليرجع، أما أنا فلست بارحاً هذا الموضع حتى يقضي اللّه أمرا كان مفعولا )).
فقال له أصحابه: (( والله لانفارقك يا ابن رسول اللّه أبداً حتى لايبقى منا أحد )).
فقال: (( جزاكم اللّه خيراً من قوم فلقد قاتلتم ووفيتم )) وعندما بدأت المعركة أقبل الإمام يحيى على أصحابه، فقال: يا عباد الله، إن الأجل محضره الموت، وإن الموت طالب حثيث لا يفوته الهارب، ولا يعجزه المقيم، فاقدموا رحمكم الله على عدوكم والحقوا بسلفكم، الجنة.. الجنة، اقدموا ولا تنكلوا، فإنه لا شرف أشرف من الشهادة، فإن أشرف الموت قتل في سبيل الله، فلتقر بالشهادة أعينكم ولتنشرح للقاء الله صدوركم، ثم نهد إلى القوم وكان أرغب أصحابه في القتال في سبيل الله جل ثناؤه
ورغم الفارق العددي الكبير بين الجيش فقد استطاع الإمام مع جيشه المؤمن الصمود والاستبسال في المعركة واستمر يقاتلهم لثلاثة أيام ولياليها أشد القتال ولم يتمكنوا من الإمام حتى قُتِلَ أصحابه ثم عن طريق الرمي من بعيد أتته نشابة في جبهته، رماه رجل من موالي عَنَزَة يقال له عيسى وقد كان استشهاده في شهر رمضان عشية الجمعة سنة 126 هـ ، وقيل: سنة 125 هـ
وكان له صلوات اللّه عليه يوم قتل ثمان وعشرون سنة
صلبه عليه السلام
بعد مقتل الإمام يحيى وكما هي عادة الجبابرة والظالمين في استخدامهم الأساليب البشعة والإرهاب االنفسي لإثارة الخوف في نفوس الناس لم يكتفوا بقتله فقد احتز رأسه سورة بن محمد الكندي ثم بعثوا برأسه إلى الوليد بن يزيد، وزيادة منهم في الوحشية والإرهاب بعث الوليد برأسه إلى أمه المكلومة في المدينة امعانا منهم في ترويعها بفلذة كبدها الوحيد إلا أنها كانت بإيمانها أقوى منهم فعندما وضع الرأس الشرف في حجرها نظرت إليه قائلةً: (( شردتموه عني طويلا، وأهديتموه إلي قتيلا، صلوات اللّه عليه بكرة وأصيلا ))
أما جسده الشريف فصلبوه على باب مدينة الجوزجان وبقي مصلوبا ست سنين إلى أيام أبي مسلم الخراساني فأنزله وواراه، وصلى عليه، وتتبع قتلته فقتل أكثرهم، ولبس أهل خرسان السواد إذ ذلك فصار شعاراً لبني العباس، وأمر أبو مسلم بإقامة المأتم في بلخ ومرو سبعة أيام، وناح عليه النساء، وروي أنه في تلك السنة ما وُلِد وَلَدٌ ذكر بخراسان إلا سمي يحيى، إعظاما له عليه السلام مما يدل على الحاضنة الشعبية الكبيرة للإمام ولأهل البيت عموما وانتشار فكرهم في تلك المناطق وهو ما يبطل القول بأن أئمة أهل البيت كانوا يثورون وهم قلة وأن المجتمع كان يقف بوجههم.
آثار ثورته
كان لثورة يحيى بن زيد صدى واسعا في خراسان، حيث أخذ الناس وبالخصوص محبي أهل البيت عليهم السلام يتناقلون أخبار ثورته ومقتله وأصحابه وقد استفاد أبو مسلم الخراساني من هذا الغضب والاستياء بين الخراسانيين والمناطق المجاورة لها وأعلن ثورته على الأمويين وزحف بجيوشه حتى قضى على الدولة الأموية.
موضع دفن الإمام يحيى عليه السلام
قبره مشهور مزور في قرية أرغوي التي تقع في جَوزَجان
على مسافة حوالي كيلومتر واحد ونصف الكيلومتر إلى الشرق من مدينة سَربُل ( رأس الجسر ) الحالية، والتي تقع في شمال أفغانستان بين بلخ ومَيمَنة، وهو يُعرف هناك بـ ( إمام خُورد ).
واستمدّت شهرتها من مرقد الإمام يحيى.
وقد ذكر جَوزَجان دعبل بن علي الخزاعي في تائيته الشهيرة ، إذ قال:
قـبـورٌ بكوفانٍ، وأخـرى بطَيبة وأخـرى بفَخٍّ نـالَـهـا صَلَواتي
وأخرى بأرضِ الجَوزَجانِ محلّها، وقـبـرٌ بـباخَمرى لدى القُرُباتِ
بالاضافة الى ذلك فإنه تنسب له مجموعة من المزارات في بعض المدن الإيرانية منها في جرجان وسبزوار و ورامين
أولاده عليه السلام
كان يحيى بن زيد قد تزوج من إبنة عمه محبة بنت عمر بن علي بن الحسين عليه السلام
وذكر أصحاب الأنساب من الطالبيين وغيرهم أنَّه وَلَدَ: أم الحسن، وقال بعضهم : أن له أحمد والحسن، والحسين، درجوا وهم صغار، وأم الحسين درجت صغيرة، وأجمعوا على أن لا بقية للإمام يحيى عليه السلام وأن ولده انقرضوا