✒️ نسبُه الشَّريف
ﻫﻮ اﻹﻣﺎﻡ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ بن علي بن أبي طالب ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ.
والِدُه: عبدُاللهِ بنُ الحسن المثنى ويُلقّب بالمحض؛ لأنّه أوّل فاطمي ولد من أبوين فاطمِيّين فوالده الحسن المثنى (ع)، ووالدتهُ فاطمة بنت الحسين بن علي عليها وعلى آبائها السلام. ويلقب أيضاً بالكامل؛ لأنه كان يقال: من أجمل النَّاس؟ من أفضل النَّاس؟ من كذا؟ من كذا؟ فيقال: عبدالله.
ﺃﻣُّﻪ: ﻫﻨﺪُ ﺑﻨﺖُ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺯﻣﻌﺔ ﺑﻦ اﻻﺳﻮﺩ ﺑﻦ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ أﺳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻯ ﺑﻦ ﻗﺼﻲ.
✒️ مولده وصفته
وُلِد الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية في المدينة المنورة سنة (93هـ)، وقد كان عليه السلام ﺁﺩﻡَ اﻟﻠَّﻮﻥ ﺷﺪﻳﺪَ اﻷﺩَﻣﺔ، ﻗﺪ ﺧﺎﻟﻂ اﻟﺸﻴﺐُ ﻓﻲ ﻋﺎﺭﺿﻴﻪ.
✒️ كنيتُه ولقبُه
يُكنَّى الإمام النفس الزكية بأبي عبدالله، وقيل: أبو اﻟﻘﺎﺳﻢ، وكان يقال له "ﺻﺮﻳﺢ ﻗﺮﻳﺶ"؛ لأنَّه ﻟﻢ يكن هناك ﺃﻡُّ ﻭَﻟَﺪٍ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﻣَّﻬﺎﺗﻪ ﻭﺟﺪَّاﺗﻪ. كما كان يُلقَّبُ "باﻟﻨَّﻔﺲ اﻟﺰﻛﻴُّﺔ"؛ وذلك للخبر الذي جاء عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ﺇﻥَّ اﻟﻨَّﻔﺲ اﻟﺰﻛﻴَّﺔ ﻳُﻘﺘﻞُ ﻓﻴﺴﻴﻞُ ﺩﻣُﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺠﺎﺭِ اﻟﺰﻳﺖ، ﻟﻘﺎﺗﻠﻪ ﺛﻠﺚُ ﻋﺬاﺏ ﺃﻫﻞ ﺟﻬﻨَّﻢ))، ولُقِّبَ أيضاً "اﻟﻤﻬﺪﻱ"، لِمَا جاء في الحديث: ((اﺳﻤﻪ ﻛﺎﺳﻤﻲ ﻭاﺳﻢ ﺃﺑﻴﻪ ﻛﺎﺳﻢ ﺃﺑﻲ))، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﻮ ﻫﺎﺷﻢ ﻻ ﺗﺪﻋﻮﻩ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﻬﺪﻱ.
✒️ ﺃﻭﻻﺩُﻩ
له ثلاثة أبناء وهم: عبدالله اﻷﺷﺘﺮُ ﻗُﺘِﻞ ﺑـ(ﻛﺎﺑﻞ) ﻭﻟﻪ ﻋَﻘِﺐ، ﻭﻋﻠﻲٌّ ﺃُﺧِﺬَ ﺑـ(ﻣِﺼﺮ) ﻓﻤﺎﺕَ ﻓﻲ ﺣَﺒﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻤﻬﺪﻱ، ﻭاﻟﺤﺴﻦُ ﻗُﺘِﻞَ ﺑـ(ﻓَﺦّ). وله ابنتان: فاطمة وزينب درجتا وأمُّهم جميعاً أم سلمة بنت محمد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
✒️ من هو النفس الزكية؟
يعدُّ الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله واحداً من أئمة أهل البيت الذين أحيا الله بهم شريعة سيد المرسلين، وأقام بهم عمود الدين، ولقد أتاه الله من أسباب الرعاية والتوفيق، ما جعله إمام أهل زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له وفقهه في الدين، وما زال الإمام النفس الزكية يترقى في صفات الكمال ومراتب الخير حتى ذاع صيته وعلا فضله واعتقد الناس في زمانه أنه المهدي، ولقبوه به وشاع هذا الاعتقاد في الخاصة والعامة، كما امتاز الإمام النفس الزكية بالشجاعة فكان يشبه بحمزة بن عبدالمطلب، وتجلت شجاعته وبأسه في خروجه على الظالمين، ومواجهته جيوش الطغاة، كما كان يشبه في الفصاحة والخطابة والبلاغة بجده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن صفات الإمام النفس الزكية قوته البدنية وصلابته وهيبته حتى أنه كان إذا صعد المنبر يتقعقع، وروي أنه أقل صخرة إلى منكبيه فحزروها ألف رطل.
✒️ علمه
حرص الإمام الكامل ﻋﺒﺪُاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ على أن يُنشئ جيلاً مفعماً بالعلم، مستشعراً لعظمة الدين، فكان ﻳﺄﻣﺮ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪاً ﺑﻄﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﺘَّﻔﻘُّﻪ ﻓﻲ اﻟﺪِّﻳﻦ، ﻭﻛﺎﻥ يأتي ﺑﻪ ﻭﺑﺄﺧﻴﻪ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺇﻟﻰ اﺑﻦ ﻃﺎﻭﺱ ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻪ: "ﺣﺪِّﺛﻬﻤﺎ ﻟﻌَﻞَّ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻔﻌَﻬﻤﺎ".
وفي مقتبل العمر تنقل الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله بين العلماء، يأخذ عن أهل البيت وعن غيرهم العلم، ويسمع منهم الحديث؛ ويكشف الإمام عن رغبته في طلب العلم وهمته بقوله: "إني كنت لأطلب العلم في دور الأنصار حتى إني لأتوسد عَتَبَةَ أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول: سيدك قد خرج إلى الصلاة ما يحسبني إلا عبده".
وممن أخذ عنهم العلم وسمع منهم أباؤه وأعمامه عليهم السلام كما لقي نافع ﺑﻦ ﻋﻤﺮ و ﺃﺑﺎ اﻟﺰِّﻳﺎﺩ ﻭﺳَﻤﻊ منهما ﻭﺣﺪَّﺙ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻭﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻤﺎ، وكان علماء الأمة في المدينة والعراقين كأبي خالد الواسطي والقاسم بن مسلم السلمي وواصل بن عطاء وغيرهم يلازمونه، ويعتزون إليه.
وبالرغم من أن الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية عليه السلام كان السابق في العلم والفقه إلا أننا نجد مروياته وما أثر عنه من العلوم قليل بالنسبة لغيره؛ ومرجع ذلك أنه عليه السلام أمضى عمره في إخافة الظالمين ومقارعتهم متخفياً في الجبال، ومستتراً عن الناس، وكلَّما رُوِي عنه كان بعد استشهاده، ولقد ﺧَﺮَّﺝَ ﻟﻪ أئمة أهل البيت وعلماؤهم في كتبهم الحديثية، ومن العامة ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﻟﺘّﺮﻣﺬﻱّ، ﻭاﻟﻨَّﺴﺎﺋﻲّ.
قال له اﻟﻘﺎﺳﻢُ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﺇﻥَّ اﻟﻨَّﺎﺱ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥَّ ﺻﺎﺣﺒﻜﻢ ﻣﺤﻤﺪاً ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ اﻟﻔﻘﻪ.
ﻓﺘﻨﺎوﻝ الإمام النفس الزكية ﺳﻮﻃَﻪ ﻣﻦ الأرض ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: "ﻳﺎ ﻗﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ، ﻣﺎ ﻳﺴﺮﻧﻲ أﻥَّ الأمَّة اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻋﻠﻲَّ ﻛﻤﻌﻼﻕ ﺳﻮﻃﻲ ﻫﺬا ﻭأنِّي ﺳـﺌﻠﺖ ﻋﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﺤﻼﻝ ﺃﻭ اﻟﺤﺮاﻡ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻱ ﻣﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ، ﻳﺎ ﻗﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ، ﺇﻥَّ ﺃﺿﻞَّ اﻟﻨَّﺎﺱ ﺑﻞ ﺃﻇﻠﻢَ اﻟﻨَّﺎﺱ، ﺑﻞ ﺃﻛﻔﺮَ اﻟﻨَّﺎﺱ ﻣﻦ اﺩَّﻋﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ الأمَّة، ﺛُﻢَّ ﺳُﺌﻞ ﻋﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﺤﻼﻝ ﻭاﻟﺤﺮاﻡ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻨﻪ ﻣﺨﺮﺝ".
ولقد ألف الإمام النفس الزكية ﻛﺘﺎﺏَ (اﻟﺴِّﻴَﺮ) اﻟﻤﺸﻬﻮﺭ، ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ: وﺳﻤﻌﺖ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻓﻘﻬﺎء ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ الشيباني ﻧﻘﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻟﺴﻴﺮ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎﺏ، وفيه من غرائب الفقه ما يدل على علوِّ منزلته، ويكشف عن عالي مرتبته.
✒️ نشأته وظروف مولده
في ظل ما مارسته خلافة بني أمية من ظلم واضطهاد، كان المجتمع الإسلامي يعيش لحظات الترقب والانتظار لبارقة الخلاص، ويأمل المسلمون في من يخلصهم ويرفع عن كاهلهم أعباء ذلك الطغيان، وفي هذه الأجواء المشحونة بالترقب والانتظار بزغ مولد الإمام النفس الزكية من بيت زكي طاهر؛ فتباشر الناس بمولده وأملوه ورجوه ووقعت عليه المحبة، وجعلوا يتذاكرونه في المجالس، حتى قال الشاعر فيه:
ﻟﻴﻬﻨـﻜﻢ اﻟﻤــﻮﻟـﻮﺩُ ﺁﻝَ ﻣﺤﻤـﺪ
ﺇﻣﺎﻡُ ﻫﺪﻯً ﻫﺎﺩﻱ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔِ ﻣﻬﺘﺪﻱ
ﻭﻛﺎﻥ ﻋَﻠَﻴْﻪ اﻟﺴَّﻼﻡ ﻟﺒﻴﺒﺎً ﻓﻲ ﺻﻐﺮﻩ، ﻃﺎﻫﺮاً ﻓﻲ ﻓﻌﻠﻪ ﻭﻧﺸﺄﺗﻪ، ﻣﻌﻈّﻤﺎً في أوساط المجتمع، وبلغ من تعظيمهم أنه لا يمر بملأ إلا أظهروا تعظيمه؛ فبلغت شهرته الآفاق، وسمع بفضله وبشخصه أهل الأقطار، فكانت تفد إليه الوفود من العراق؛ لتتعرف عليه وتتحدث معه في أمر الثورة على الخلافة الأموية.
✒️ دوره الثوري والجهادي
إن من المهم أن يتعرف القارئ على شخصية الإمام النفس الزكية ودوره الجهادي والثوري في وجه الظالمين، فلقد ضحى الإمام النفس الزكية بنفسه في سبيل هذه الأمة، والمحافظة على دين الإسلام الذي حاول طغاة الدولتين العباسية والأموية تحريفه وتغييره، ولقد امتاز الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية أن خاض جهاداً ثورياً على الدولتين الأموية والعباسية معاً، وهو بذلك قد سار على منهج أبائه وأهل بيته في الخروج والثورة ابتداء بالإمام الحسين بن علي.
وفي شبابه شارك الإمام النفس الزكية في ثورة الإمام زيد بن علي عليه السلام وكان أحد فرسانها وأبطالها.
وبعد استشهاد الإمام يحيى بن زيد عليه السلام تطلعت جماهير المؤمنين إلى الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، باعتباره أهم شخصية في ذلك الزمان، فالتفوا حوله يتدارسون وضع الأمة الإسلامية، وما تتعرض له من ظلم وجبروت من قبل حكام بني أمية فأجمع العلماء والصالحون أن خير من يقود الأمة هو الإمام النفس الزكية.
✒️ شواهد تاريخية
تحدثنا سابقاً أن جميع المؤمنين من العلماء والفقهاء على اختلاف مذاهبهم قد أجمعوا على الإمام النفس الزكية ونصبوه قائداً لهم، وهناك عدة شواهد على هذا نذكر منها:
*اجتماع بني هاشم في منطقة الأبواء وفيه قال ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ: ﺑﺄﻱِّ ﺷﻲءٍ ﺗﺨﺪﻋﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴَﻜﻢ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻟﻘﺪ ﻋﻠﻤﺘﻢ ﻣﺎ اﻟﻨُّﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ﺃﺻﻮﺭ - ﺃﻱ ﺃﻣﻴﻞ - ﺃﻋﻨﺎﻗﺎ، ﻭﻻ ﺃﺳﺮﻉ ﺇﺟﺎﺑﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ - ﻳﺮﻳﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ -، ﻗﺎﻟﻮا: ﻗﺪ ﻭاﻟﻠﻪ ﺻﺪﻗﺖ ﺇﻥَّ ﻫﺬا ﻟﻬﻮ اﻟﺬﻱ ﻧﻌﻠﻢ ﻓﺒﺎﻳﻌﻮا ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﺤﻤﺪا، ﻭﻣﺴﺤﻮا ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ.
*اجتماع ﻭاﺻﻞ ﺑﻦ ﻋﻄﺎء، مع ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ باعتبارهما من أهم الشخصيات العلمية في ذلك الزمان، فقد اجتمعا ﻓﻲ منزل ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻤﺨﺰﻭﻣﻲ، ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻓﺘﺬاﻛﺮﻭا اﻟﺠﻮﺭ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ: ﻓﻤﻦ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﻤﻦ ﻳﺴﺘﻮﺟﺒﻪ، ﻭﻫﻮ ﻟﻪ ﺃﻫﻞ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻭاﺻﻞ: ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﺻﺒﺢ ﺧﻴﺮ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ: ﻣﺎ ﺃﺭﻯ ﺃﻥ ﻧﺒﺎﻳﻊ ﻭﻻ ﻧﻘﻮﻡ ﺇﻻ ﻣﻊ ﻣﻦ اﺧﺘﺒﺮﻧﺎﻩ ﻭﻋﺮﻓﻨﺎ ﺳﻴﺮﺗﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻭاﺻﻞ: ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺃﻣﺮ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻠﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺃﺑﺎﻩ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﻓﻲ ﺳﻨﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ ﻭﻣﻮﺿﻌﻪ، ﻗﺪ ﺭﺁﻩ ﻟﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﺃﻫﻼ، ﻭﻗﺪﻣﻪ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻜﺎﻥ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻣﺎ ﻧﺮاﻩ ﻟﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ.
*خروج جماعة ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﺼﺮﺓ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ إلى محمد بن عبدالله ﻣﻨﻬﻢ: ﻭاﺻﻞ ﺑﻦ ﻋﻄﺎء، ﻭﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻮا سويقة وهي موطن الإمام النفس الزكية وأسرته في المدينة، ﻓﺴﺄﻟﻮا ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻟﻬﻢ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪا ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻠﻤﻮﻩ، ﻓﻄﻠﺐ ﻟﻬﻢ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻓﺴﻄﺎﻃﺎ، ﻭاﺟﺘﻤﻊ ﻫﻮ ﻭﻣﻦ ﺷﺎﻭﺭﻩ ﻣﻦ ﺛﻘﺎﺗﻪ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ، ﻓﺄﺧﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ، ﻓﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺫﻛﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ، ﻭﺣﺎﻟﻪ، ﻭﺩﻋﺎﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﻌﺘﻪ، ﻭﻋﺬﺭﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺧﺮ ﻋﻨﻪ، ﻓﻘﺎﻟﻮا: اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧَّﺎ ﻧﺮﺿﻰ ﺑﺮَﺟُﻞ ﻫﺬا ﺭﺳﻮﻟُﻪ، ﻓﺒﺎﻳﻌﻮﻩ، ﻭاﻧﺼﺮﻓﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﺒﺼﺮﺓ.
*موقف أبي خالد اﻟﻮاﺳﻄﻲ وهو من كبار تلاميذ وأنصار الإمام زيد (ع)، فقد روى عن نفسه: ﻟﻘﻴﺖ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺻﻠﻮاﺕ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮﺭﻩ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﻣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ؟
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻭﻣﺎ ﻳﺴُﺮُّﻙ ﻣﻨﻪ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ؟
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﺃُﺳﺮُّ ﺑﺄﻣﺮٍ ﻳُﺨﺰﻱ اﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﺃﻋﺪاءَﻩ ﻭﻳُﻈﻬﺮُ ﺑﻪ ﺃﻭﻟﻴﺎءَﻩ.
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ، ﺃﻧﺎ ﺧﺎﺭﺝٌ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻘﺘﻮﻝ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﺴﺮُّﻧﻲ ﺃﻥَّ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ ﻟﻲ ﻋﻮﺿﺎً ﻣﻦ ﺟﻬﺎﺩﻫﻢ، ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ، ﺇﻥَّ اﻣﺮﺃً ﻣﺆﻣﻨﺎً ﻻ ﻳﻤﺴﻲ ﺣﺰﻳﻨﺎً ﻭﻻ ﻳﺼﺒﺢ ﺣﺰﻳﻨﺎً ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺇﻧَّﻪ ﻟﻤﻐﺒﻮﻥٌ ﻣﻔﺘﻮﻥ.
ﻗﻠﺖ: ﻳﺎﺳﻴﺪﻱ ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻥَّ اﻟﻤﺆﻣﻦَ ﻟﻜﺬﻟﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﺑﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻣﻘﻬﻮﺭﻭﻥ ﻣﺴﺘﻀﻌﻔﻮﻥ ﺧﺎﺋﻔﻮﻥ، ﻻﻧﺴﺘﻄﻴﻊُ ﻟﻬﻢ ﺗﻐﻴﻴﺮاً؟
ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ، ﺇﺫا ﻛﻨﺘﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻼ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻟﻬﻢ ﺟﻤﻌﺎً ﻭاﻧﻔﺮﻭاً ﻣﻦ ﺃﺭﺿﻬﻢ.
✒️ الثورة في وجه الخلافة الأموية
عقيب مقتل الخليفة الأموي الوليد بن يزيد، دعا الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية إلى الثورة على بني أمية، فتلقاها الفضلاء والعلماء بالرضا والقبول، وتفاعلوا معها وسارعوا إلى نصرتها، وكان بنو العباس أول المناصرين والمبايعين، فتحركت الثورة بخطى ثابته، وتحركت جماهير المسلمين استجابة لدعوى الإمام النفس الزكية، وبدأت شرارة الثورة من خراسان، وامتدت حتى انتهت باجتثاث الخلافة الأموية في سنة (132هـ).
✒️ الانقلاب على الثورة
بعد أن انتصرت الثورة حدث انقلاب على الثورة من قبل بعض قادة الثورة من بني العباس وبمساعدة قائد من خراسان يعرف بـ "أبي مسلم الخراساني", فنصب بنو العباس أنفسهم خلفاء على المسلمين، وهنا يتساءل القارئ وأين جموع المسلمين من هذا الانقلاب، ليأتي الجواب أن بني العباس قد أدعوا أن الإمام محمد بن عبدالله قد قتل، وفعلاً قتل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور شخصية بريئة وجاء به إلى خراسان وأقسم بالأيمان المغلظة أنها جثة الإمام محمد بن عبدالله، وبهذه الحيلة انطلت على العامة فكرة الرضا بخلافة بني العباس.
✒️ مطاردة العباسيين للإمام
فأصبح الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله أول مطلوب لبني العباس بعد أن كانوا يدعو الناس باسمه، ويتحركون تحت رايته، ممَّا اضطَّره للاختفاء والتواري، فالتجأ إلى الجبال والبوادي متنقلاً من بلد إلى بلد، ومعه أخوه الإمام إبراهيم بن عبدالله عليهما السلام.
جدَّ الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر الدوانيقي في البحث عن الإمام النفس الزكية وعن أخيه إبراهيم، وحين لم يهتد إلى مكانهما أخذ أباهما الإمام الكامل عبدالله بن الحسن وأودعه السجن مع مجموعة من كبار أهل البيت (ع)، وطلب منهم تسليم الإمام النفس الزكية، وحين لم يفلح في إجبارهم على تسليم النفس الزكية وأخيه إبراهيم حبسهم في أضيق المحابس للضغط عليهم في ذلك، ثم قام بقتلهم جميعاً فيما عرف بجريمة محبس الهاشمية.
✒️ الثورة في وجه الانقلاب العباسي
عمل الإمام النفس الزكية طيلة مدة تخفيه على التجهيز للثورة والتحضير لها، وفي (28) جماد الأخرة من سنة (145هـ) أعلن عن انطلاقتها في المدينة المنورة، فبايعه أهلها وسارعت إلى بيعته القبائل العربية المحيطة بالمدينة كجهينة ومزينة وأسلم وغفار، وحظيت ثورته على تأييد كثير من العلماء، وفي مقدمتهم أهل البيت كالإمام جعفر الصادق وولديه وأبناء الإمام زيد بن علي عليهم السلام وغيرهم، وأفتى بالجهاد معه الإمام مالك بن أنس إمام المذهب المالكي، وممَّن بايعه من العلماء عبدالله بن يزيد بن هرمز شيخ الإمام مالك، ومحمد بن عجلان، وأبو بكر بن أبي سبرة الفقيه، وعبدالله بن عامر الأسلمي القاري، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وأرسل عماله إلى البصرة ومكة وخرسان والشام وبايعه معظم أهل تلك المناطق، واستبشروا بإمامته التي طالما انتظروها وترقبوا بزوغها.
✒️ استشهاده
انطلقت الثورة وأحكم الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية القبضة على المدينة المنورة، وطرد عامل بني العباس منها، فجهز الخليفة العباسي جيشاً عظيماً بقيادة عيسى بن موسى وحميد بن قحطبة، وسار الجيش العباسي حتى ضرب حصاراً خانقاً على المدينة المنورة وانطلقت المعركة، وكان الفارق العددي كبيراً بين الجيش المدني وجيش الخليفة العباسي القادم من العراق، لكن أفراد جيش الإمام النفس الزكية أبدوا على قلة العدد مواقف بطولية خالدة، ودافعوا عن المدينة المنورة بكل شجاعة واصرار.
قاتل الإمام النفس الزكية قتال الأبطال، وكانت المعركة تسير في صالح القلة المؤمنة وكان النصر يلوح بيده لجيش الإمام، فعاد الجيش العباسي إلى استعمال الحيلة والمكر، بما عرف في كتب التاريخ بمكيدة المرأة العباسية، أمرت المرأة العباسية خادمها برفع قناع أسود في منارة المسجد النبوي وأمرت خداماً لها آخرين بالنداء في عسكر الإمام الهزيمة الهزيمة، إن المسودة قد جاءوا من خلفكم ودخلوا المدينة، فالتفت الناس فأبصروا الراية السوداء على المنارة؛ فلم يشكوا في ذلك، فانهزم الناس، وثبت الإمام حتى استشهد، وهنا تتكرر مأساة كربلاء بكل تفاصيلها، لتضحي هذه الأمة بكبش أخر من أبناء نبيها.
✒️ تاريخ استشهاده وموضع دفنه
وكان استشهاده في: 15 رمضان 145هـ، وكان عمر الإمام النفس الزكية 52 سنة، وحَزَّ حميد بن قحطبة رأس الإمام وأرسله إلى الخليفة العباسي أبي جعفر، فاستوهبت جثته أخته زينب بنت عبدالله من عيسى بن موسى، فدفعها إليها ودفنت في المدينة المنورة بمقبرة البقيع.
وحمل رأسه ابن أبي الكرام الجعفري وفي هذا يقول الشاعر:
يا بن بنت النبي زارك زور ***لم يكن ملحفا ولا سالا
حمل الجعفري منك عظاما *** عظمت عند ذي الجلال جلالا
فإذا مر عابر سبيل *** يجمع القاطنين والقفالا
بهت الناس ينظرون إليه *** مثلما تنظر العيون الهلالا