.
 
21-08-2020
الإمام عيسى بن زيد

¤ النسب المبارك
هو الإمام أبو محمد عيسى بن زيد بن علي بن الحسين السبط بن أبي طالب عليهم السلام؛ كان يلقب بـ"مؤتم الأشبال".
والده: الإمام الأعظم زيد بن علي عليهما السلام، عرف بحليف القرآن لملازمته كتاب الله؛ قال فيه اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻭآله ﻭﺳﻠﻢ: ((ﺧﻴﺮ اﻷﻭﻟﻴﻦ ﻭاﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﻤﻘﺘﻮﻝ ﻓﻲ الله، اﻟﻤﺼﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﺃﻣﺘﻲ اﻟﻤﻈﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ سمِيُّ ﻫﺬا، ﺛﻢ ﺿﻢّ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﺭﺛﺔ ﺇﻟﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺯﻳﺪ ﻟﻘﺪ ﺯاﺩﻙ اﺳﻤﻚ ﻋﻨﺪﻱ ﺣُﺒَّﺎً، سَمِيُّ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ)).
وأمُّه: أمُّ ولد تسمى "سكن"، وهي نوبية [والنوبيون هم شعب يسكنون في أجزاء من مصر والسودان].

¤ صفته 
كان الإمام عيسى بن زيد عليه السلام مربوعاً من الرجال، عريض ما بين المنكبين، صبيح الوجه، أعلم أهل زمانه، وأزهدهم، وأورعهم، وأفقههم، وأسخاهم، وأشجعهم، لا يتمارى في فضله، ولا يشك في شدة ورعه ونبله.
قال عنه أخوه الحسين بن زيد عليهم السلام - وقد وصفه لولده يحيى بن الحسين-: فإنه سيُقبل عليك عند الغروب كهل، طويل، مصفر، قد أثر السجود في جبهته، عليه جبة صوف، لا يضع قدماً ولا يرفعها إلا ذاكراً لله عز وجل، ودموعه تنحدر.. إلى آخر كلامه.
وقال محمد بن عمرو الفقمي الرازي: سمعت علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب العابد وهو أبو الحسين بن علي صاحب فخ، يقول: لقد رأيتنا ونحن متوفرون وما فينا أحدٌ خيرٌ من عيسى بن زيد.

¤ أولاده
البنون: جعفر، والحسن، والإمام الفقيه أحمد، وزيد، ومحمد، والحسين، وعمر، ويحيى.
البنات: رقية الكبرى، ورقية، وزينب، وفاطمة.

¤ علمه وروايته
كان الإمام عيسى بن زيد عليهما السلام ورعاً ديِّناً، مع علم غزير، ورواية للحديث وطلب له في صغره وكبره، فروى عن أبيه زيد وجعفر الصادق وعبدالله ابني الباقر عليهم السلام، وسفيان بن سعيد الثوري، والحسن بن صالح بن حي، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن أبي زياد، والحسن بن عمارة، ومالك بن أنس، وعبد الله بن عمر العمري، وغيرهم.
وكان عليه السلام يروي الناس الأحاديث ويفتيهم، فروى عنه ابنه الحسين بن عيسى، وغيره من الناس.

¤ مؤتم الأشبال
عن أبي نعيم، قال: حدثني من شهد عيسى بن زيد لما انصرف من واقعة باخمرى، وقد خرجَتْ عليه لبوة معها أشبالها؛ فعرضَتْ للطريق وجعلَتْ تحمل على الناس، فنزل عيسى فأخذ سيفه وترسه ثم نزل إليها فقتلها، فقال له مولى له: أيتمتَ أشبالها يا سيدي، فضحك فقال: نعم أنا ميتم الأشبال.
فكان أصحابه بعد ذلك إذا ذكروه كنَّوا عنه وقالوا: قال مؤتم الأشبال كذا، وفعل مؤتم الأشبال كذا، فيخفى أمره.

¤ جهاده مع أئمة أهل البيت
خرج الإمام عيسى بن زيد مع محمد بن عبدالله النفس الزكية، وقاد المدافعين عن المدينة في اليوم الأول للمعركة، ثم قاتل مع النفس الزكية في الأيام التالية؛ وقد قال عليه السلام في محمد بن عبدالله النفس الزكية: لو أنَّ الله أخبرنا في كتابه أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي لقلنا ذلك محمد بن عبدالله.
كما خرج الإمام عيسى عليه السلام مع النفس الرضية الإمام إبراهيم بن عبدالله عليهما السلام، وكان أحد قادته فقد كان على ميمنة جيشه، وفي كتاب مطلع البدور أنه كان حامل رايته.

¤ تَخَفِّيه
بقي عيسى بن زيد مع الإمام إبراهيم بن عبدالله عليهم السلام، فلما استشهد استتر عيسى بالكوفة في دار علي بن صالح بن حي، وكان أصحابه يصيرون إليه حالَ خوف، وربما صادفوه في الصحراء يستقي الماء على جمل لرجلٍ من أهل الكوفة، فيجلس معهم ويحدثهم.
وكان يقول لهم: والله لوددت أني آمن عليكم هؤلاء فأطيل مجالستكم فأتزود من محادثتكم والنظر إليكم، فوالله إني لأتشوقكم وأتذكركم في خلوتي وعلى فراشي عند مضجعي، فانصرفوا لا يشهر موضعكم وأمرُكم، فيلحقكم معرة وضرر.
عاش عيسى بن زيد عليهما السلام خلال هذه الفترة شريداً طريداً متخفياً، تبحث عنه السلطة العباسية في كل مكان، ويبين حاله عليه السلام ما رواه محمد بن منصور المرادي قال: قال يحيى بن الحسين بن زيد عليهم السلام: قلت لأبي: يا أبة، إني أشتهي أن أرى عمي عيسى بن زيد، فإنه يقبح بمثلي أن لا يلقى مثلَه من أشياخه، فدافعني عن ذلك مدةً وقال: إن هذا أمرٌ يثقل عليه، وأخشى أن ينتقل عن منزله كراهيةً للقائك إياه فتزعجه.
فلم أزل به أداريه وألطف به حتى طابت نفسه لي بذلك فجهزني إلى الكوفة وقال لي: إذا صرتَ إليها فاسأل عن دُوُر بني حيٍّ، فإذا دُلِلْتَ عليها فاقصدها في السكة الفلانية، وسترى في وسطِ السِّكة داراً لها بابٌ صفتُه كذا وكذا فاعرفه واجلس بعيداً منها في أوَّل السكة، فإنَّه سيُقْبِل عليك عند المغرب كهلٌ طويلٌ مسنونُ الوجه قد أثَّر السجود في جبهته، عليه جُبَّةُ صوف، يستقي الماء على جمل، وقد انصرف يسوق الجمل لا يضع قدماً ولا يرفعها إلا ذَكَرَ اللهَ - عز وجل - ودموعُه تنحدر، فقُمْ وسلِّم عليه وعانقه، فإنه سيُذْعَرُ منك كما يُذْعَرُ الوحش، فعرِّفه نفسَك وانتسب له، فإنه يسكنُ إليك ويحدَّثُك طويلاً، ويسألك عنَّا جميعاً، ويخبرُك بشأنه، ولا يضجر بجلوسك معه، ولا تُطِلْ عليه وودِّعْه، فإنه سوف يستعفيك من العودة إليه فافعل ما يأمرك به من ذلك، فإنك إن عُدتَ إليه توارى عنك واستوحش منك وانتقل عن موضعه وعليه في ذلك مشقة.
فقلت: أفعل كما أمرتني.
ثم جهَّزَني إلى الكوفة وودَّعْتُه وخرجت، فلما وردتُ الكوفةَ قصدتُ سكَّة بني حيٍّ بعدَ العصر، فجلست خارجها بعد أنْ تعرَّفتُ الباب الذي نَعَتَهُ لي، فلمَّا غَرَبَتِ الشمس إذْ أنَا به قد أقبلَ يسوقُ الجَمَل وهو كما وَصَفَ لي أبي لا يرفع قدماً ولا يضعها إلا حرَّك شفتيه بذكر الله ودموعُه ترقرقُ في عينيه وتذرفُ أحياناً، فقمتُ فعانقته فذُعِر منِّي كما يذعر الوحش من الإنس فقلت: يا عمِّ أنَا يحيى بنُ الحسين بن زيد بنُ أخيك، فضَمَّنِي إليه وبكى حتى قلتُ قد جاءت نفسُه، ثم أناخَ جملَه وجلس معي فجعل يسألني عن أهله رجلاً رجلاً، وامرأةً امرأةً، وصبيَّاً صبيَّاً، وأنا أشرح له أخبارهم وهو يبكي، ثمَّ قال: يا بُنَيَّ أنا أستقي على هذا الجمل الماء، فأصرفُ ما أكتسب- يعني من أجرة الجمل- إلى صاحبه وأتقوَّتُ باقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البَرِّيَّة- يعني بظهر الكوفة- فألتقط ما يَرْمِي الناسُ به من البقول فأتَقَوَّتُه.
...... إلى قوله كما جاء في الرواية ....
 ثم أَقَسَمَ عليَّ أنْ أنصرفَ ولا أعودُ إليه وودَّعَنِي.
 فلما كان بعد ذلك صرتُ إلى الموضع الذي انتظرتُه فيه لأراه فلم أره، وكان آخرَ عهدي به.

¤ إخافة الظالمين
بقي عيسى بن زيد عليه السلام متخفِّياً مخيفاً للظالمين؛ رغمَ أنَّ المهدي العباسي قد أعطاه الأمان وبذل له العطايا الجزيلة، وقد روي أنَّ عيسى بن زيد حجَّ ومعه الحسن بن صالح، فسمعا منادياً ينادي: "لِيُبَلِّغَ الشاهدُ الغائبَ أنَّ عيسى بن زيد آمِنٌ في ظهورِه وتواريه"، فرأى عيسى بنُ زيدٍ الحسنَ بنَ صالح قد ظهر فيه سرورٌ بذلك فقال له: كأنَّك قد سُرِرْتَ بما سمعت؛ فقال: نعم.
 فقال له عيسى عليه السلام: واللهِ لإِخَافَتِي إياهم ساعةً أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كذا وكذا.
وروى عتبةُ بنُ المنهال قال: كان جعفر الأحمر، وصباح الزعفراني ممَّن يقوم بأمر عيسى بن زيد، فلمَّا بَذَلَ المهدي لعيسى بنِ زيد من جهةِ يعقوبَ بنِ داود ما بَذَلَ له من المال والصِّلَة، نُودِيَ بذلك في الأمصار لِيَبْلُغَ عيسى بنَ زيد فيأمنْ، فقال عيسى لجعفر الأحمر وصباح: قد بَذَلَ لي من المال ما بَذَلَ وواللهِ ما أردتُ حين أتيتُ الكوفةَ الخروجَ عليه، ولأنْ أبيتُ خائفاً ليلةً واحدةً أَحَبُّ إليَّ من جميعِ ما بَذَلَ لي ومن الدنيا بأسرها.
وروي أن الحسن بن صالح بن حيٍّ قال لعيسى بن زيد عليهما السلام: متى تدافعُنا بالخروج وقد اشتمل ديوانُك على عشرة آلاف رجل؟ فقال له عيسى: ويحك، أتُكَثِّرُ على العَدَدِ وأنا بهم عارف، أما والله لو وجدتُ فيهم ثلاثمائةَ رجل أعلمُ أنهم يريدون الله عز وجل، ويبذلون أنفسهم له، ويَصْدُقُون للقاءِ عدوِّه في طاعته، لخرجتُ قبلَ الصباح حتى أبلى عندَ الله عذراً في أعداء الله، وأجري أمرَ المسلمين على سنَّتِه وسنةِ نبيِّه صلى الله عليه وآله، ولكنْ لا أعرفُ موضعَ ثقةٍ يفي ببيعتِه لله عز وجل، ويثبتُ عند اللقاء.
فلما سمع ذلك الحسن بن صالح بكى حتى سقط مغشيَّاً عليه.

¤ صورة من صور الوفاء
يروى أن حاضراً صاحب عيسى بن زيد لما جيء به إلى المهدي العباسي، قال له: أين عيسى؟ قال: وما يدريني، أخذتني فحبستني، وأخفته فطردته، فكيف أعلم مكان طريد منك وأنا محبوس؟ قال: ليس هكذا، متى فارقته، وعند من آخر عهدك به، وما عندك من علمه؟ قال: ما لقيته منذ توارى، ولا علمت له خبراً، قال: والله لتدلني على خبره أو لأقتلنك، قال: أدلك عليه تقتله، وألقى جده وقد شَرَّكت في دمه، والله لو كان بين ثوبي وجسدي لما كشفت عنه، فاقض ما أنت قاض، أمر الخليفة بضرب عنق حاضر فضربت رحمه الله، لا لذنب إلا مراعة حرمة رسول الله الله صلى الله عليه وآله وسلم وحفظه حفيد رسول الله من القتل، وهذا يكشف صورتين مختلفتين صورة وفاء المؤمنين، والحالة التي وصل إليها الظالمون من التجبر والطغيان، والله الحاكم بين العباد.

¤ بيعته
بعد أن استشهد الإمام إبراهيم بن عبدالله عليهما السلام في سنة خمس وأربعين ومائة، بايع الناس ابنه الحسن بن إبراهيم بن عبد الله سراً، ولكن لم يتمَّ أمرُه فتوارى، فلما كانت سنة 156هـ بايع الناس عيسى بن زيد عليه السلام بالإمامة، وهو متوارٍ بالعراق، بايعه أهل الكوفة، والسواد، والبصرة، والأهواز، وواسط، كما وردت عليه بيعة أهل الحجاز، ومكة، والمدينة، وتهامة، كما وجَّه دعاته إلى مصر والشام.
فلما علم بذلك أبو الدوانيق اشتد طلبه للإمام عيسى عليه السلام، وأخذ الناس على الظِّنة والتهمة وحبسهم، ودسَّ إليه الرجال سراً، وبذل الأموال الكثيرة لهم، وحاول الخليفة العباسي أن يميل الإمام عيسى بن زيد بالمال فكتب إليه كتاباً: إذا أظهرتَ نفسَك أعطيتُك من الدنيا, في كلام نحو هذا.
فكان جواب الإمام عيسى بن زيد: ((فإذاً أنا لئيم الأصل ودنيء الهمَّة أبيع آخرتي بالدنيا الفانية، وأكون للظالمين ظهيراً، والعجب منك ومن فعلك تطمع فيَّ وأنت تعرفني)), وبهذا الجواب يرسم الإمام عيسى بن زيد منهج المؤمن العالم العامل المجاهد, وهو المنهج الذي ترجمه عليه السلام في كل مواقفه وتحركاته وكلماته فلقد كان عليه السلام يقول: ((ما أحبُّ أن أبيتَ ليلة وأنا آمِنٌ منهم، وهم آمنون مني)).
وقد همَّ عليه السلام بالخروج غيرَ مرَّة، فلم يتيسر له ذلك، إلى أن مات أبو الدوانيق في سنة 159هـ، ثم تولى الخلافة ابنه محمد بن أبي الدوانيق، فهمَّ عيسى بن زيد بالخروج عليه، ولكن دون جدوى، فقد اشتد طلب محمد ابن أبي الدوانيق له بالكوفة والبصرة، وبذل الأموال الكثيرة، ودسَّ إليه الرجال، وحبس خلقاً كثيراً من الشيعة.
فلمَّا رأى عيسى بن زيد اشتداد الطلب عليه عزم الخروج إلى أرض خراسان، فوافى بلاد الريِّ، فلم يتهيأ له أمره وانصرف إلى الأهواز، وكان أكثر مقامه بها، وانصرفت دعاته ببيعة الناس في كل بلد، وأخذ من أصحابه الميعاد ليوم كذا وكذا، وكان عزمه عليه السلام على الخروج في غرة شهر رمضان، وهو يومئذ ابن خمس وأربعين سنة، وكان قد بويع وهو ابن ثلاثين سنة.

¤ استشهاده
سعى الملقب بالمهدي - وهو محمد بن أبي الدوانيق العباسي- جاهداً للنيل من الإمام عيسى بن زيد عليهما السلام، فدسَّ إليه رجلاً من أصحابه، وبذل له مقدار مائتي ألف درهم، وضمنَ له نفيسَ الضياع، وعجَّلَ المال، فأنفذ إليه شربةَ سُمٍّ فجعله في طعامِه وهو بِسَوَادِ الكوفة مما يلي البصرة، فسقاه، فمات من ذلك صلوات الله عليه في اليوم الثالث من شعبان، ودفن سراً لا يُعْلَمُ قبره، وذلك في سنة 166هـ، وعمره حين توفي 45 سنة, وبالرغم من أن المهدي العباسي قد نجح أخيراً وبعد محاولات عدة في قتل الإمام عيسى بن زيد؛ حفاظاً على ملكه من الانهيار إلا أن الله لم يمهله  طويلاً فما هي إلا أشهراً معدودة حتى مات لعنه الله في سنةِ 167هـ، وهكذا تدور الأيام على الظالمين وتنقضي السنون ويبقى العمل والأثر الطيب وبين السيرتين بون شاسع كما بين السماء والأرض؛ بين من أمضوا أعمارهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين من عاشوا أيامهم في المنكرات والمعاصي والقتل والغيلة بأهل البيت المطهرين، وعند الله تجتمع الخصوم.

 

12:54 on 2024/54/26
اضافة تعليق
*