تزخر اليمن بالكثير من المعالم الأثرية والمواقع التاريخية، وهو ما يكشف الدور المهم الذي لعبته اليمن في مختلف العصور، والمستوى الحضاري والمعماري الذي وصلت إليه عبر الدهور، وكأن اليمن والحضارة سيان أو فرسا رهان، وبلا شك وأنت تطوف في حصون اليمن ومواقعها الأثرية العتيقة سيشدك حصن ظفار داوود الحصن الضارب في صلب التاريخ، ومدينته العامرة بالآثار الحضارية والتي قلَّ أن تجد لها مثيلاً في ربوع اليمن السعيد، وقد كُتِبتْ حوله الكثير من الدراسات، ولفتَ انتباه واهتمام المئات من الباحثين في التاريخ والآثار.
وقبل الحديث عن ظفار داوود سنلقي نظرة سريعة على المعالم والمناطق اليمنية الأخرى التي أطلق عليها اسم ظفار كتمهيد وتهيئة؛ فقد أطلق اسم ظفار على العديد من المناطق اليمنية؛ وهي كالآتي:
- ظفار صعدة وهو واقع في بلاد همدان الشام.
- ظفار حصن في صنعاء كان يسمى قرن عنتر، وهو يحاذي أرتل وسناع[1].
- ظفار بني سويد، وهو واقع في منطقة آنس بمحافظة ذمار، وكان يطلق عليه أشيح، يقول المقحفي: أشْيَح بفتح أوله: حصن شهير بالمناعة والعزة، وموقعه في بني سويد من بلاد آنس، ويعرف الآن بحصن ظفار، وهو في الشمال الغربي من ضوران بمسافة 30كم[2].
- ظفار حمير وهي مدينة أثرية هامة في رأس جبل العرافة الواقع جنوب يريم بمسافة 17 كم، وكانت العاصمة الثانية للدولة الحميرية بعد مأرب وكان بها قصر ريدان، وهي اليوم قرية صغيرة في مديرية السدة[3].
- ظفار الحبوضي وهو عبارة عن مدينة تقع في ساحل حضرموت.
- ظفار الظاهر وهو موضوع هذه المقالة.
وذكر المقحفي في كتابه معجم البلدان[4] منطقتين أخريين يطلق عليهما ظفار أحدُهما قرية في منطقة العذارب بجبل بعدان الشامخ فوق مدينة إب، والأخرى محلٌّ في جبل خضراء من مديرية حبيش بالشمال الغربي من إب أيضاً.
الموقع الجغرافي والتسمية
أما التسمية فيطلق عليه ظفار ذي بين؛ نسبة إلى مدينة "ذي بين" التابعة لمحافظة عمران، وظفار داوود؛ نسبة إلى داوود بن الإمام المنصور بالله، كما يسمى بظفار الظاهر[5].
والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة هو من أطلق عليه اسم ظفار؛ تفاؤلاً بالنصر والظفر، ولقد كانت هذه التسمية موفقة للغاية حتى قيل: أنه ما جهزت منه سرية ولا عسكراً إلا كتب لها الظفر والنصر.
وقد كان يسمى قبل ذلك (أكمة الفتح) أو (أكمة أبي الفتح) نسبة إلى الإمام أبي الفتح الديلمي الذي التجأ إليه في حروبه مع الصليحيين كما سوف يأتي.
أما الموقع الجغرافي فيقع ظفار على جبل شاهق شمال شرق مدينة ريدة، ويبعد عنها (30) كم تقريباً، وهو يطل من الجنوب الغربي على وادي ذيبين، ومن الجنوب على وادي جبار، ومن الجنوب الشرقي على شوابة، ومن الشمال الغربي على وادي ورور[6].
أهمية ظفار
تكمن أهمية ظفار في موقعه الاستراتيجي كونه يقع بين جبال شاهقة تمثل تحصينات طبيعية، بالإضافة إلى وقوعه بين ثلاث قبائل مشهورة وهي مرهبة من الشمال والغرب، وأرحب من الجنوب، وسفيان من الشرق، وهذه القبائل قد تعهدت بحماية ظفار وحماية من يسكن فيه من علماء وأئمة وطلبة علم[7].
ولهذا ظل ظفار لقرون حصناً منيعاً، وملجأ للمجاهدين والمقاومين في مواجهة الحركات الطامعة في اليمن وصدِّ كلِّ غازٍ وقمعِ كل عميل، ابتداءً من الصليحيين ومروراً بالأيوبيين ووصولاً إلى العثمانيين، وهكذا تكاملت الوظيفة الأساسية لظفار في هذه المهمة المقدسة، وهي في الواقع الدافع الأول لبنائه كما سوف نعرف؛ ولهذا فقد جاء في كتب التاريخ أن ما من سرية خرجت من الحصن إلا عادت بالظفر والنصر، وما من غازٍ همَّ بغزو الحصن إلا تجرع الخيبة والهزيمة.
شهد ظفار بعد بنائه تحولاً نوعياً، فلم يعد مجرد حصن يتحصن فيه المجاهدون فقط، بل صار عاصمة الدولة اليمنية يسكنها بعض أئمة اليمن الكرام ويشهر البعض الآخر دعوتهم منها، فلم يعد ظفار مجرد حصن وسور فقد توسع حتى أصبح مدينة كبيرة تضم فيها البنايات العظيمة والأسواق المشهودة والمساجد والمدارس وخزانات المياه إلى غير ذلك من مقتضيات ومتطلبات الحياة المدنية.
ومن الأئمة الذين انطلقت دعواتهم للإمامة من ظفار الإمامُ إبراهيم بن تاج الدين، والإمام على بن محمد، والإمام صلاح الدين بن علي بن محمد، كما اتخذه الإمام المنصور بالله وعدد من القادة عاصمةً لدولتهم.
أما اليوم بعد خراب ظفار بفعل إهمال الدول المتعاقبة، وغارات طائرات العدوان المصري عام 1962م التي تسببت في نزوح سكانه، فقد غابت عنه مظاهر الحياة وتهدمت معظم آثاره، وأصبح أنقاض معلمٍ أثري وبقايا تحفةٍ معمارية جَارَ عليها الزمان وأهملها الإنسان.
تاريخ ظفار
يزعم المقحفي[8] أن ظفار كان به أثار معمارية تعود إلى عهد ما قبل الإسلام، لكنه لم يورد أي دليل تاريخي أو غيره على ذلك، وبالرجوع إلى المصادر التاريخية لم نجد أي ذكر لوجود أي أثر حمير أو سبئي في تلك الشواهق التي أقيم عليها حصن ظفار، بل إن المؤرخ اليمني ابن دعثم في كتابه سيرة الإمام المنصور بالله حرص على ذكر تفاصيل أحداث ومراحل بناء حصن ظفار بمساعي وإشراف الإمام المنصور بالله، ولم يذكر في أثناء ذلك وجود أي آثار معمارية سابقة لذلك، أو أن العمال في بنائهم استفادوا من بقايا أي أثر عمراني، وإن كان ثمة آثار لما غفل عن ذكرها، بل أشار ابن دعثم أن الأحجار كانت تقطع من الجبال بالحديد، وأن بعضها جلب من صنعاء، وهذا ينفي كلام المقحفي ويقطع بما لا يدع مجالاً للشك أن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام أولُ من عمر تلك الحصون وشيدها.
وقد ذكر المقريزي في كتابه درر العقود الفريدة أن الإمام أبا الفتح الديلمي الذي تولى الإمامة في سنة 430هـ قد اختط حصن ظفار[9]، وهو كذلك في مآثر الأبرار للزحيف، لكنهما لم يذكرا أن الإمام أبا الفتح الديلمي قام فيه بأي بناء، وإنما التجأ له في حروبه مع الصليحيين.
سبب بناء ظفار
شهد اليمن في نهاية القرن السادس ومطلع القرن السابع مواجهات عنيفة مع القوات الأيوبية الغازية التي حاولت إخضاع اليمن لسلطانها، في تلك الأثناء كان الأيوبيون قد تمكنوا بعد حملات عدة من السيطرة على صنعاء ومعظم المناطق الواقعة إلى جنوبها، بينما أخفقت تلك القوات الغازية في إخضاع المناطق الشمالية لصنعاء؛ نتيجة المقاومة الشرسة التي قادها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة ومعه قبائل بكيل وحاشد.
كان القائد الأيوبي (وردسار) شديد الحرص على إفشال حركة التحرر التي قادها الإمام المنصور بالله عليه السلام، وإخضاع مناطق شمال صنعاء لسلطان الأيوبيين، فشنَّ حملات عدة على ريدة وخمر وحوث وما جاورها، وفي ظل هذه الحملات كان أبناء تلك المناطق يفرون من قُراهم ومدنهم ويتركونها للنهب والسلب من قبل القوات الغازية، ومن هنا بدأت تتشكل فكرة بناء حصن في تلك المناطق يحمي كتائب المقاومة والجهاد، فكان رأي الإمام المنصور بالله عليه السلام ومعه كبار مشايخ تلك البلاد وعلى رأسهم الشيخ عزوان بن أسعد السريحي[10] أن يكون بناء الحصن على شاهق جبل قريب من ذي بين كان يعرف حينها (بأكمة الفتح)، فتمَّ تشييده، ثم أطلق عليه الإمام اسم ظفار كما تقدم.
بناء ظفار
يعود بناء مدينة ظفار والقلاع والحصون المحيطة بها إلى مطلع القرن السابع الهجري وبالتحديد في سنة ستمائة للهجرة بأمر وإشراف من الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام والذي يعد أحد أعظم أئمة اليمن، وقد شهدت اليمن في عصره نهضة علمية واقتصادية ومعمارية لم تشهد مثيلها في غيره من العصور.
مرَّ بناء مدينة ظفار والحصون المحيطة بها بمراحل عدة، وتم في زمن قياسي مقارنة بضخامة المنجز وإتقانه، فقد كانت حملات الأيوبيين على مناطق شمال صنعاء تحتم على الإمام سرعة إنجاز بناء ظفار، ولذلك فبعد أن أجمع رأي الإمام مع مشايخ الظاهر وعلى رأسهم الشيخ غزوان بن أسعد السريحي على صلاحية تلك الجبال لتكون حصناً منيعاً توجه الإمام في الحال من شوابة إلى مدينة حوث، فأمر بتجهيز الآلات والنفقات الضرورية من طعام وغيره، واستغرقت مدة التجهيز ثمانية أيام[11].
بعدها انتقل الإمام على وجه السرعة إلى ظفار؛ ليباشر العمل ويشرف عليه، وكان الشروع في البناء في يوم الاثنين الموافق العشرين من شوال سنة ستمائة للهجرة، وقد كان خطة العمل أن يكون العلم في مسارين فيقسم العمال إلى فريقين فريق يعمل في بناء السور والآخر في حفر الخندق[12].
ومن أجل الإسراع في الإنجاز عمد المسئولون على المشروع على تقسيم فترات العمل إلى فترتين فترة نهارية تبدأ من الشروق إلى ما بعد الظهر، وفترة مسائية تبدأ من بعد الظهر إلى جزء من الليل.
ما قيل من الأراجيز أثناء العمل
كان الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام حاضراً أثناء العمل في ظفار، وكان يشارك العاملين بنفسه في العمل، وكان حضوره حافزاً للعاملين، وفي سبيل شحذ العزائم كان الإمام عليه السلام ينظم لهم الأراجيز التي تدفعهم إلى العمل وتبث فيهم النشاط، وكان يأمرهم بترديدها في أثناء العمل، ومن تلك الأراجيز:
تمسية لنا مع الغروب تذهب بالأحزان والكروب
وتؤذن الفساق بالهروب رموا بداء غير ذي طبيب
ينصرنا مقلب القلوب على ولاة الظلم والعيوب
ومنها:
لا يستوي من يكسب المكارما ويحمل الأثقال والعظائما
ومن يكون في الحروب نائما
ومنها:
لا يستوي من يركب الصعابا ويضرب الهامات والرقابا
ويفتح الأقفال والأبوابا ومن يكون وعده سرابا
ومن إذا دعا الخنا أجابا
ومن الأراجيز التي أنشأها العمال:
لئن قعدنا والإمام يحفر فذاك منا عمل مخسر
وهكذا مضى البناء يكتمل شيئاً فشيئاً، وكلُّ يوم يكشف عن إنجاز جديد وجهد جبار وعمل دؤوب، ولأننا أمام مدينة جديدة تُعْمَر من الصفر يحيط بها أربعة حصون، وتضم أسواراً، وأسواقاً، وصهاريج مياه، ومساجد، ومساكن؛ وقد استغرق العمل عليها عدة سنوات، وسوف نتحدث بحسب ما لدينا من مصادر في تفاصيل كل عمل وحجمه، وما في سياق الحديث من تفاصيل ما ضم ظفار من آثار معمارية.
ظفار
إن الزائر لظفار يلاحظ أنها تتكون من عدة حصون وقلاع، وفي كل حصن توجد المساجد والأسواق والبنايات الشاهقة والقصور المنيفة والبرك، ويمكننا أن نقسم ظفار على النحو التالي:
مدينة ظفار
مدينة ظفار هي أول مدينة أنشأها الإمام المنصور بالله عليه السلام، وبعد أن أكملها توجَّه عليه السلام إلى عمارة دار الحجر ثم إلى عمارة القاهرة، أما قلعتا القفل وتعز بظفار فلا نعلم متى عمرت.
ومدينة ظفار الباقية اليوم هي عبارة عن جزأين: الأول يقع على جبل ظفار ويوجد به قبر الإمام ومسجده.
والثاني: هو المدينة السفلى وتقع بين حصن القاهرة وحصن دار الحجر، وفيها آثار مسجد كبير متهدم، وبجواره بركتان، وفيها برك أخرى وبعض الآثار، وفي صرح المسجد قبرٌ عليه لوح كتب فيه: هذا قبر السيد الإمام حجة الله على الأنام ينبوع الحكمة رباني هذه الأمة عز الدنيا والدين سيد أهل البيت المطهرين محمد بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن سعيد بن الحسين بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن يحيى المنصور بالله بن أحمد الناصر لدين الله بن الهادي إلى الحق، توفي قدس الله روحه يوم السبت في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وسبع مائة للهجرة.[13]
وقد أمر الإمام المنصور عليه السلام ببناء مدينة ظفار بين الحصنين بحيث يضمها السور[14]، وقسمها بين من أحب من عشائره وأهل بلاده، فلم تمض ثلاثة أحوال حتى ضاقت بأهلها وصار الواحد من الناس يطلب المكان اليسير إلى الخمسة الأذرع أو الأربعة الأذرع بمال عظيم فلا يجده، وصار فيها سوق عظيم ترده القوافل من نواحي البلاد[15].
قلاع وحصون ظفار
وتحيط بمدينة ظفار أربع قلاع؛ وهي كالتالي:
ـ دار الحجر: وهو قلعة تقع في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، وقد بني حولها من جهتي الشمال والشرق سور ضخم، وتركت بقية الجهات كونها محصنة طبيعياً فهي من هذه الجهات عبارة عن حيود شاهقة شديدة الانحدار مما يجعل تسلقها وصعودها صعب المنال، وللسور باب من الجهة الشرقية، ومساحة هذه القلعة أكبر من مساحة المدينة.
قال الشرفي: وكان ابتداء عمارة الحجر في سنة إحدى وستمائة وسمَّاه ظفاراً فقَدَّم عِمَارةَ سُوره ومواجله واستقى إليه الماء من الموضع المعروف بالمولدة[16].
ـ القاهرة: وهي قلعة غنية بالآثار العظيمة تقع على أكمة في الجهة الشمالية من مدينة ظفار، وقد ضمها سور كبير وفيه نوب وأبراج دفاعية في جهتي الشرق والشمال، وللسور باب واحد.
وقد كانت بداية العمارة فيها في شهر جماد الآخرة سنة 610هـ، وكان المسؤول عن بنائها الأمير دحروج، قال الشرفي: وأمر الإمام عليه السلام بعمارة الحصن المسمى بالقاهرة، وهي أكمة منيعة مسامتة لظفار في جمادى سنة عشر وستمائة، فتجرد لعمارتها الشيخ دحروج، فجمع القطاع والبناء، فلم تمض إلا أيام إلا وقد أحكم ما يحتاج إليه من تحكيم القطوع والسور والمناهل على أحكم ما يكون وأحسنه وأقواه وأرصنه، وقد قسمها الإمام بين خواصه ووزرائه وبني عمه وغيرهم من المهاجرين والمرابطين لما كثر عددهم وضاقت بهم المنازل حتى حلُّوا في الكهوف كما فعل في الحصن الأول[17] (الحجر).
ـ القفل: هي قمَّة واقعة في الجهة الجنوبية من مدنية ظفار وتطل على وادي بني جبار وشوابة، وهي محصنة من جميع الجهات.
ـ تعز: وهي قلعة تقع في الجهة الغربية من المدينة لها سور ضخم في جهتين، والجهة الثالثة محصنة بوعورتها التي تمنع الصعود إلى القلعة، ومن الجهة الغربية مفتوحة.
قال الأكوع[18]: ويقع (ظفار) في رأس جبل يحيط به من الشمال حصن القاهرة ثم يقع أدنى منه دار الحجر، وتقع المدينة بين دار الحجر والقاهرة وهي خراب، ومن الجنوب القفل، ومن الشرق قضف المنصورة ورأس المدينة، ومن الغرب (تعز) و(الظفة).
أهم الآثار التاريخية
احتوى ظفار على كثير من الآثار التاريخية، ومنها:
السور العظيم
هو سور عظيم قد أحاط بقلعتي القاهرة والحجر وقد أمر الإمامُ المنصور عليه السلام الأميرَ نظام الدين الفضل بن علي بن المظفر العباسي العلوي ببنائه، وذلك سنة ستمائة واثنتي عشرة للهجرة، وقد استعان الأمير المذكور في بناء السور بقبيلتي بكيل وحاشد وسألهم العون في هذا السور فأجابوه[19].
مسجد الإمام المنصور
يعدُّ مسجد الإمام المنصور بالله تحفة معمارية تعكس الفن المعماري الذي وصل إليه الإنسان اليمني في ظل دولة أهل البيت عليهم السلام، وقد كان بناء المسجد سنة 602هـ، بأمر من الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام.
والمسجد عبارة عن بناء مستطيل الشكل يتجه ضلعه الصغير إلى الشمال، وله بابان الأول في الجدار الجنوبي والآخر في الجدار الشرقي، ويتكون من بيت الصلاة ورواق القبلة ورواقين جانبيين، وتشرف تلك الأروقة على صحن شمسي في الوسط وهو بهذا يحاكي نمط العمارة الإسلامية الغالبة في بناء المساجد الكبيرة التي عرفت بها العواصم الإسلامية في ذلك الزمان.
وقد أقيم في منتصف الضلع الجنوبي للصحن الشمسي ضريح أمام البوابة الجنوبية كما أقيم ضريح أخر في الزاوية الجنوبية الشرقية، وهما ضريحان مربعان أقيمت عليهما قبتان وسوف نأتي للحديث عنهما لاحقاً، أما في الجهة الشرقية فتوجد بركة للماء إضافة إلى منارة المسجد المرتفعة والمزخرفة حيث إنها بنيت بالآجر المحروق.
وتعتبر زخارف المسجد آية في الجمال والإبداع، وهي زخارف انتشرت في معظم أجزاء الجدران الداخلية خاصة جدار القبلة والمحراب، وقد نفذت هذه الزخارف بالجص بأشكال زخرفية قوامها تفريعات ووريقات نباتية متداخلة إضافة إلى كتابات بالخط الكوفي تضمنت آيات قرآنية.
وسَقْفُ المسجد وخاصة رواق القبلة كان يحتوي على مصندقات خشبية مزخرفة بألوان مختلفة أجملها لون ماء الذهب، وقد كتبت فيها عدد من الآيات القرآنية، ويظهر جمال المسجد بارتفاع مئذنته الجميلة المزخرفة إضافة إلى القبتين اللتين تعلوان الضريحين.
قال الأكوع: وعمر [أي الإمام المنصور بالله] فيه جامعاً شرع في بنائه لأيام خلت من جمادى الآخرة سنة 602هـ ولم يفرغ من عمل نقوشه وزخارفه إلا سنة 638هـ[20] علي يد أخيه الأمير يحيى بن حمزة كما هو مزبور في جداره.
ويضيف الأكوع قائلاً: ويعتبر هذا الجامعُ الغايةَ القصوى في جمال البناء وروعة الزخارف ودقة النقوش والكتابة بالخط الكوفي المحفور على أخشاب سقفه وعلى جوانبه، والمصبوغ بألوان زاهية ثابتة، ولا شك أن القائمين على عمارته قد اقتبسوا طراز العمارة من عمائر رائعة[21].
وهنا يجدر بنا أن ننوه إلى ما تعرض له جامع ظفار والآثار المعمارية من دمار وخراب بفعل الطائرات المصرية التي ألقت عدداً من الغارات المباشرة التي استهدفته بحسب ما ذكر الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله) والدرسي في (الهجرة المنصورية)، وهذا يأتي في إطار محاولة المصريين لتدمير التراث اليمني، فقد كانت لهم مساع في ذلك منها نهب المخطوطات القديمة والقطع الأثرية من اليمن ونقلها إلى مصر.
بقية مساجد ظفار
إضافة إلى مسجد الإمام المنصور بالله عليه السلام الذي تقدم الكلام عنه، يوجد في مدينة ظفار والحصون والقلاع المحيطة بها عدد من المساجد، منها المسجد الصغير الذي بني بجوار قلعة دار الحجر، ويعود تاريخ بنائه إلى عهد الإمام المنصور بالله عليه السلام، والذي يمتاز بطابع خاص وزخرفة بديعة تشابه زخارف المساجد الأخرى التي بناها الإمام المنصور بالله عليه السلام في مطلع القرن السابع الهجري.
كما يوجد جامع كبير داخل قلعة القاهرة، ويبدو من هيئة بنائه أنه قد هُدِم عدة مرات وأعيد بناؤه بعد كل هدم.
القباب
ضمت مدينةُ ظفار قبتين:
القبة الأولى: هي قبة الإمام المنصور، ويوجد بداخلها ضريح الإمام المنصور بالله تعالى، وتقع في الجهة الجنوبية للجامع، وهي عبارة عن مبنى مربع الشكل، طوله من الخارج 5.85 م تقريباً، وارتفاعه 5.75 م تقريباً، ولها مدخلان: الأول من الجهة الجنوبية والآخر من الجهة الشرقية، وفي الجدار الغربي للقبة يوجد أثر باب ثالث إلا أنه قد سُدَّ بالحجارة، ونَسَقُ بنائها خارجٌ عن نسق عمارة القبة مما يدل على أن الباب سدَّ في وقت متأخر على بناء القبة.
وفي القبة ضريح الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام الذي سوف نفرد له ترجمة في ثنايا هذا المقال.
القبة الثانية: وتقع شرق قبة الإمام المنصور بالله، وهي عبارة عن بناء مربع الشكل طول ضلعه من الخارج 6.10م وبارتفاع يقارب الطول، وفي جدران القبة سطران، كتب في السطر الأسفل: أمر بعمارة هذا المشهد المقدس الأمير سليمان بن إبراهيم بن حمزة بن سليمان، وكتب في السطر العلوي: مما عمر في الدولة النبوية بأمر شمس الدنيا والدين أحمد بن أمير المؤمنين.
وقد ضمت هذه القبة قبرين: قبر الأمير محمد بن الإمام المنصور بالله وقبر أخيه الأمير داوود.
وقد قيل عن هذه القبة: أنها تعتبر أجمل تحفة معمارية في اليمن بزخارفها المنقوشة على جدرانها الداخلية، فقد تشكلت زخارفها من زخارف نباتية وهندسية وكتابات بالخط الكوفي وخط النسخ وخطوط متداخلة[22].
مقبرة الطفة (الظفير):
تعتبر المقابر وخاصة مقابر العلماء أحد مصادر التاريخ، فمن خلال الأضرحة وما زبر عليها من معلومات يستطيع الباحث أن يستخلص عدداً من المعلومات التاريخية إذ عادة يكتب على الضريح اسم المتوفى ونسبه وصفته وتاريخ وفاته ومولده، ومن مجموع ذلك يستخلص طبيعة الحركة العلمية وازدهارها.
ومقبرة الطفة الواقعة في الجهة الجنوبية لمدينة ظفار تعتبر من أهم المقابر في اليمن التي يرقد فيها الكثير من العلماء والفضلاء، وقدر عدد العلماء المجتهدين الذين ضمتهم بالمئات، وهو ما يكشف ازدهار هجرة ظفار ومدرستها العلمية، والدور الذي لعبته خلال العصور في نشر العلم واحتضان المهاجرين والعلماء، وسيأتي ما يدلل على ذلك في تراجم العلماء الملحقة في ذيل هذه المقالة والتي اقتصرنا فيها على أبرز العلماء وقدمناهم كنموذج؛ ليكونوا شاهداً على أن ظفار نافست في العلم والتدريس حتى وصلت في مصاف صنعاء وصعدة وذمار وهنَّ أهم المدن التي اشتهرت بالعلم وقصدها الطلبة من مختلف العالم العربي والإسلامي عبر مراحل التاريخ المختلفة.
قصر المعقلي
تحدثت بعض المصادر التاريخية عن قصر المعقلي، وذكرت أنه أحد أهم الآثار المعمارية في ظفار، وبالرغم من أننا لا نستطيع اليوم تحديد مكانه بالضبط، لكننا لا نشك أنه كان تحفة معمارية بارزة؛ يدل على هذا أن المؤرخين[23] لم يغفلوا عن ذكره وتمجيده وتسجيل انبهارهم بعظمته ودقة عمرانه، ووصفه بأنه منزل عظيم لا يوجد مثله، وأنه من محاسن ما عمر، وقد وصفه الإمام المطهر بقوله:
فما بنت المقاول في (ظفار) ... كما بنت الفواطم في (ظفار)
وينسب قصر المعقلي إلى الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن الإمام المهدي علي بن محمد، والذي بناه أثناء حكمه لليمن في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وسماه الإمام الناصر بهذا الاسم مجاراة لقصر المعقلي الذي يعود بناؤه إلى الملك المؤيد الرسولي والواقع في منطقة (ثعبات) في تعز.
صهاريج المياه
في سبيل توفير حياة منعَّمة في مدينة ظفار الجديدة عمد الإمام المنصور بالله عليه السلام إلى بناء عدد من خزانات المياه، منها الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، ومنها المُعدَّة لغير الشرب، ومنها المخصصةُ للشرب فقط، وهي ما عرفت في اليمن (بالسقايات)، والتي تتطلب أن تكون مغطاة للاحتفاظ بنقاء مائها وصلاحيته للشرب، ويجري ماؤها من سطوح العمائر والمباني النظيفة عبر مجاري خاصة بنيت بالحجارة والقضاض حتى لا تلامس المياه الأرض.
وبالرغم من أن الخراب قد طال معظم هذه الخزانات إلا أن الزائر لظفار سيجد آثاراها شاهدة على عظمتها، وستشده بقايا العقود التي تدل على أن تلك الخزانات كانت مسقوفة على عظمها وخاصة البركة الواقعة بين حصن القاهرة ودار الحجر، ومن أشهر البرك التي عمرها الإمام المنصور بالله عليه السلام البركة الكبيرة المعروفة ببركة حداف[24].
قال الدرسي[25]: وقد بنى الإمام عليه السلام عدداً من البرك في أماكن متعددة من الحصن، منها الواسعة التي كانت تكفي الناس من الموسم إلى الموسم، وبعضها كانت تكفي عاماً كاملاً في أوقات الجدب والقحط كالبركة التي بجوار المسجد والبركة التي تحت جبل القاهرة.
المدرسة المنصورية
كان الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام من أئمة العلم والرشاد، وداعية من دعاة الحق، ولهذا فقد أولى العلم اهتماماً بالغاً، وجعل إقامة المدارس العلمية من أولوياته، وأشهر المدارس العلمية التي عمرها عليه السلام مدرسة ظفار التي قصدها طلبة العلوم الشرعية من سائر الأقطار، كما بنى فيها المساكن للعلماء والمتعلمين، ووفر لها مكتبة تضم درر المؤلفات في مختلف الفنون؛ فظلت مدرسة ظفار منارة علمية ومصدر إشعاع فكري قروناً طويلة من الزمن، تخرج منها العلماء والمجتهدون وسكنها الطلبة والراغبون وهاجر إليها مئات الطلاب من مختلف مناطق اليمن.
مكتبة المدرسة المنصورية
عُرِفَ عن الإمام المنصور بالله عليه السلام شغفه بجمع الكتب العلمية والمؤلفات الموسوعية في شتى الفنون، وفي سبيل ذلك فقد أرسل إلى العراق من يقتني له الكتب النادرة شراء واستنساخاً[26]، فجمع ثروة علمية ضخمة من الكتب كوَّن منها مكتبته العلمية التي وَقَفَها على مدرسته العلمية في ظفار.
قال الأكوع: وجمع في هذه المكتبة ثروة علمية عظيمة وكانت خزانته تضم عدداً كبيراً من الكتب في شتى الفنون والمعارف الإسلامية[27].
وقال السيد العلامة إبراهيم بن القاسم بن المؤيد بالله: عمر حصن ظفار وشيده، وعمر مدارس العلم، وجمع في خزائنه من الكتب ما ليس يلقى في سائر الخزائن[28].
وقد تعرضت هذه المكتبة للضياع، حتى قام الإمام يحيى بن محمد حميد الدين عليه السلام بنقل ما تبقى من هذه الخزانة إلى مكتبة الأوقاف التي أسسها في الجامع الكبير بصنعاء والتي بناها سنة 1344هـ/ 1926م[29].
من تولى ظفار
لم نتمكن من معرفة من تولى ظفاراً في جميع الفترات الزمنية الماضية إلا أننا من خلال التتبع للمصادر التي بأيدينا توصلنا إلى الآتي:
ـ الأمير يحيى بن حمزة الحمزي ـ وهو ليس بأخي الإمام[30] ـ وهو أول من ولاه الإمام المنصور بالله ظفاراً، لكنها لم تطل ولايته فسرعان ما عزله الإمام.
ـ الأمير دحروج بن مقبل ولاه الإمام المنصور بالله عقيب ولاية يحيى بن حمزة الحمزي.
ـ الأمير الفضل بن علي بن المظفر العلوي[31] وقد ولاه الإمام بعد دحروج بن مقبل، وقد استمرت ولايته إلى وفاة الإمام المنصور، وهو الذي أمره الإمام قبل وفاته بسنتين في سنة 612هـ ببناء السور العظيم وقد قدمنا الحديث عنه.
ـ الأمير محمد بن الإمام المنصور بالله واستمرت ولايته إلى أن توفي سنة 623هـ[32].
ـ الأمير علي بن الإمام واستمرت ولايته إلى أن توفي سنة 640هـ[33].
ـ الأمير أحمد بن الإمام واستمرت ولايته إلى أن توفي سنه 656هـ[34].
ـ الأمير داوود بن الإمام واستمرت ولايته إلى أن توفي سنة 689هـ[35].
ـ السيد العلامة يحيى بن محمد بن أبي القاسم، ولاه الإمام علي بن محمد حصن ظفار في القرن الثامن الهجري ولم يذكر في مطلع البدور ولا في غيره سنة توليه ومدته لكنه ذكر أنه توفي سنة سبعمائة وأربع وستين للهجرة[36].
ـ إبراهيم بن المهدي بن أحمد جحاف[37] ولاه الإمام شرف الدين ولاية ظفار وجميع أعمال البلاد القبلية واتخذ من ظفار مقراً لإقامته، لم يذكر في مطلع البدور مدة ولايته ولا سنة توليته إلا أنه ذكر أنه توفي في يوم 24 رمضان سنة أربع وأربعين وتسعمائة للهجرة.
ـ السيد بدر الدين محمد بن صالح الغرباني[38] ولاه الإمام القاسم بن محمد بلاد ظفار وذي بين، وكان ذلك تقريباً سنة ثمان وعشرين بعد الألف.
تراجم أهم الشخصيات التي كان لها ارتباط بظفار
الإمام أبو الفتح الديلمي
هو الإمام الناصر بن الحسين بن محمد بن عيسى بن محمد بن عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ المشهور بأبي الفتح الديلمي.
دعا إلى الله سبحانه في بلاد الديلم سنة أربعمائة وثلاثين للهجرة، ثم خرج إلى أرض اليمن، فاستولى على أكثر بلاد مذحج وهمدان وخولان، وانقادت له العرب، وحارب الجنود الظالمة من المتمردة والقرامطة.
وكان له من الفضل والمعرفة ما لم يكن لأحد من أهل عصره، ولم يزل قائماً بأمر الله سبحانه وتعالى حتى أتاه اليقين، وقد فاز بفضل الأئمة السابقين، توفي عليه السلام شهيداً سنة نيف وأربعين أو خمسين وأربعمائة بردمان بأرض مذحج، في الوقعة المشهورة بينه وبين علي بن محمد الصليحي قائد الباطنية، وداعيتهم، واستشهد معه عليه السلام نيف وسبعون من أصحابه سلام الله ورضوانه عليهم، ويسمى موضع الوقعة "نجد الجاح" من بلد رداع بعنس مذحج مخلاف خولان.
وقد قتل أيام علي بن محمد الصليحي هذا سنة (459هـ) الأمير الشهيد حمزة بن أبي هاشم، وقد عجل الله سبحانه انتقام الصليحي آخر تلك السنة فقتله سعيد الأحول شر قتلة، قال الشاعر العثماني في ذلك مخاطباً لسعيد بن نجاح - ورأس الصليحي بين يديه:
يا سيف دولة دين آل محمد .... لا سيف دولة خيبر ويهودها
وافيت يوم السبت تقدم فتية .... تلقى الردى بنحورها وخدودها
ومنها:
ورأيت أعداء الشريعة شرعاً .... صرعى وفوق الرمح رأس عميدها
أوردتها لهب الردى وصَدَرْت في .... ظلي مظلتها وخفق بنودها
يا غزوة لعلي بن محمد .... ما كان أشأم من صدى غِرِّيدها
بكرت مظلته عليه فلم ترح .... إلا على الملك الأجل سعيدها
ما كان أقبح شخصه في ظلها .... ما كان أحسن رأسه في عودها
سود الأراقم قاتلت أُسْد الشرى .... يا رحمتا لأسودها من سودها
وأراد مُلك الأرض قاطبة فلم .... يظفر بغير الباع من ملحودها
أضحى على خلاقها متعظماً .... جهلاً فألصق خده بصعيدها
ولقد أشار الشاعر في هذا البيت إلى ما كان من علي بن محمد الصليحي وما عرف عنه من كفره بالله وادعاء أنه إله مع الله تعالى حتى قال شاعره ذات يوم:
إن علياً والإله اقتسما .... فاستويا القسمة ثم استهما
فلعلي الأرض والله السماء
ومن آثاره [الإمام أبو الفتح الديلمي] الفكرية:
ـ البرهان في تفسير القرآن أربعة أجزاء جمع فيه أنواع العلوم.
ـ الرسالة المبهجة في الرد على الفرقة الضالة المتلجلجة - أراد المطرفية -[39].
الإمام عبدالله بن حمزة
هو الإمام المنصور بالله أبو محمد عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن الإمام النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أفضل السلام.
كان من عظماء أئمة أهل البيت الذين تشرف التأريخ بهم، وتعطر الكون بعبقهم، وهو من أجلِّ أئمة اليمن علماً وعملاً وشهرة وثراء معرفياً وإنسانياً، ومن أقدر من حكم اليمن، وخضعت له الجنود، ودانت بولائه البلاد، حتى أن دعوته ودولته بلغت الحجاز وينبع والجيل والديلم.
ولد الإمام المنصور بالله عليه السلام في الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة خمسمائة وواحد وستين بقرية عيشان في ظاهر همدان.
ودعا إلى الله تعالى في سنة خمسمائة وثلاث وثمانين للهجرة، وكانت هذه دعوة احتساب، ثم دعا دعوة عامة في ذي القعدة سنة خمسمائة وثلاث وتسعين من الجوف، ولقد اختبر صلاحه للإمامة أربعمائة عالم، وكانت البيعة العامة من جماهير المسلمين في ربيع الأول سنة خمسمائة وأربع وتسعين للهجرة، وتلقب بالمنصور بالله.
وكانت وفاته يوم الخميس الثاني عشر من محرم سنة ستمائة وأربع عشر للهجرة فدفن في كوكبان، ثم نقل بعد مدة إلى حصن بكر، ثم نقل بعد سنتين وثمانية أشهر إلى ظفار، ومشهده به مشهور مزور.
كان الإمام عبدالله بن حمزة منقطع النظير في كافة العلوم، ولقد آتاه الله قوة الحفظ والنباهة، فقد كان يحفظ خمسين ألف حديث بأسانيدها، وتراثه الفكري شاهد على ذلك.
ولقد منح الله الإمام المنصور بالله أسرار البلاغة والفصاحة شعراً ونثراً، وله ديوان شعر اسماه "مطلع الأنوار" وفيه أرجوزته الشهيرة التي تناول فيها وصف الخيل والتي بلغت أبياتها ما يقارب ستمائة بيت.
ومن أشعاره:
ولولا ثلاث هنَّ من عيشة الفتى .... وجدك لم أحفل متى قام عوَّدي
فمنهن خلط الخيل بالخيل ضحوة .... على عَجَل والبيض بالبيض ترتدي
ومنهن نشر الدين في كل بلدة .... إذا لم يقم بالدين كل مبلدِ
ومنهن تطهير البلاد عن الخنا .... ورَحْضُ أديم الأرض من كل مفسدِ
بذلك أوصاني أبي وبمثله .... أُوَصِّي بنيَّ أوحداً بعد أوحدِ
لقد أثار الحاقدون حول شخصية الإمام المنصور بالله عليه السلام الشائعات الشنيعة، وشنوا عليه حرباً شعواء، تمحورت حول جهاده للمطرفية، وقد قام الإمام عليه السلام ببيان المسوغ الديني في تلك القضايا وشرحها من الناحية الشرعية والفكرية، وقد كان الإمام يردد دائماً ويناشدهم أن ينتهوا عن مواقفهم وعن تمردهم، وخاصة أن ذلك التمرد قد جاء منهم بعد البيعة الصحيحة له بالسمع والطاعة، ثم نكثوا هذه البيعة، ثم حاورهم واستتابهم فأعلنوا التوبة من جديد ثم عادوا إلى نكثهم، وكأنهم المعنيون بقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا).
وما فعله الإمام المنصور بالله عليه السلام مع المطرفية هو ذاته ما فعله الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مع الناكثين والقاسطين والمارقين وحجتهما واحدة، فليس لقائد المسلمين أن يترك النظام العام للدولة الإسلامية عرضة للعابثين وأصحاب المشاريع الشخصية ما دام قائماً على كتاب الله عز وجل حاكماً بسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
آثاره الفكرية:
ـ موسوعة الشافي
ـ حديقة الحكمة النبوية شرح الأربعين السيلقية
ـ المهذب
ـ العقد الثمين
ـ رسالة الجوهرة الشفافة وقد ألفها في حال صباه وقت دراسته
ـ شرح الرسالة الناصحة
ـ صفوة الاختيار
ـ الدرة اليتيمة
ـ الأجوبة الرافعة للإشكال والفاتحة للأقفال
ـ الناصحة المشيرة
ـ الإيضاح لعجمة الإفصاح
وغيرها من المؤلفات النافعة وهي كثيرة جداً.
الإمام صلاح الدين محمد بن علي
هو الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن الإمام المهدي علي بن محمد؛ كان من أوعية العلم وأئمة الهدى الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وقد دعا إلى الله تعالى سنة سبعمائة وثلاث وسبعين للهجرة وكان إعلان دعوته من حصن ظفار، ولقد قيل أنه اجتمع بها العلماء[40] حتى قيل: أنه اجتمع بها ألف وثلاثمائة عالم لاختبار صلاحه لتولي أمر المسلمين ومعرفة مدى توافر شروط الإمامة فيه، فوجدوه أهلاً لذلك فبايعوه، واجمع العلماء والصالحون على إمامته وفضله وقدره، ومن أشهر من ناصره ورافقه عابد اليمن وزاهدها الإمام إبراهيم الكينعي، وقال بإمامته السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير وأخوه الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير وقد ألف الأخير كتابين عن سيرة الإمام الناصر.
توسعت رقعة دولة الإمام الناصر فخُطِب له في ينبع والصفراء وحلي وتهامة والشحر، ووصل عدن وغيرها من اليمن الأقصى، ولقد شهدت اليمن في عصره نهضة اقتصادية وعمرانية، وضربت العملة باسمه، وكان ضرب العملة شاهداً على المستوى الاقتصادي الرفيع الذي وصلت إليه البلد.
واستمرت دولته إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وعمره ثلاث وخمسون سنة ومشهده في صنعاء.
محمد بن الإمام المنصور بالله
هو الأمير المقدام محمد بن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، ولد في براقش في الجوف في التاسع من ذي القعدة سنة 592هـ، وقد قام ودعا بالاحتساب بعد وفاة والده الإمام المنصور بالله، من خولان الطيال سنة 614هـ.
قال الإمام مجد الدين المؤيدي عليه السلام: الأمير الناصر محمد قام محتسباً، وكان له من رباطة الجأش وثبات القلب عند منازلة الأقران، ومجاولة الفرسان ما هو خليق بمثله، وكان فصيحاً بليغاً مفلقاً، وأخذ في الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله حتى توفاه الله سنة ثلاث وعشرين وستمائة، بعد أن توسل إلى الله إن كان قد قبل عمله أن يقبض روحه، عمره اثنان وثلاثون عاماً[41].
وقد مال إلى جنابه عدد من علماء ذلك العصر منهم: الفقيه العلامة حميد بن أحمد المحلي وابن أبي الفتح الصنعاني وعمران بن الحسن الشتوي.
وله معارك كبيرة في صد الغزاة الأيوبيين والدولة الرسولية، ولقد حقق انتصاراً على الغزاة الأيوبيين في سنة 617هـ.
كان الأمير محمد عليه السلام شاعراً وله قصائد رائعة ومن قصائده المشهورة:
سما لك شوق من حبيبك مُنْصِبُ .... وهمٌّ إذا جَّن الدجى متأوبُ
ومن عجب أن لا يهيج لك الأسى .... ديار تعفيها شمال وهيدبُ
وإني لتعديني إلى العزم همَّةٌ .... وقلبٌ على جمر الغضى[42] يتقلبُ
أنا ابن الذي سَنَّ القِرى والذي به .... لعدنان فرعٌ لا يعاب ومنصبُ
عجبت لمغرور يكلف قومه .... مفاخر عدنان إلى أين يذهبُ
أبونا الذي لم تعرف الخيل غيره .... ولم يكُ شيخ قبله الخيل يركبُ
وأورثنا حسن البيان ولم يكن .... من الناس من قبل ابن هاجر يعربُ
ذوو المجد أبناء الذبيح محلهم .... محل الثريا حين تسمو فتشهبُ
وهم ملأوا حزن البلاد وسهلها .... وضاق بهم شرق وشام ومغربُ
ومنها:
كنانة صفو الصفو والخيرة التي .... تخير منها للنبوة منقبُ
ومنهم رسول الله طابت أرومة .... أقرَّ لها من أحمد الأم والأبُ
قريش همو قوم الرسول توارثوا .... خلافته نعم المواريث تكسبُ
فأكرم بقوم ينزل الوحي فيهمو .... كريم إلى أبياتهم يتصوبُ
لهم من بني إسحاق إرث نبوة .... بمكة والبيت العتيق المحجبُ
إذا افتخروا عدُّوا علياً وجعفراً .... وحمزة منهمْ ليث غاب مجربُ
وآمنة الغراء أم محمدٍ .... وفاطمة الزهراء منهم وزينبُ
ومنها:
وسبطا النبي الطاهران اللذا هما .... هلالان في ظلماء تخبوا وتذهبُ
ومنهم علي بن الحسين ومنهمو .... بنوه وقول الحق أولى وأوجبُ
ويحيى بن زيد والحسين وعمه .... هم القوم أزكى حيث كانوا وأطيبُ
وزيد وعبدالله منهم وقاسم .... أخو الرس والهادي الإمام المقربُ
وحمزة ذو الحدين منهم ومنهمو .... أبونا الذي يسموا إليه التنسبُ
وهي طويلة تزيد على مائة وثمانين بيتاً
وتوفي بحوث سنة 623هـ. ودفن في ظفار في القبة المقابلة لقبة والده الإمام المنصور.
من آثاره[43]:
ـ الدراري المشرقة على فئة النكث والمنافقة
ـ تحفة الإخوان
ـ ذات الفروع في بيوت عدنان وقحطان
الوشاح الكلالي
الفقيه العلامة الوشاح الكلالي، قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: كان إمام عصره في علوم العربية، وكان مقيماً بـ(ظفار)، وله خزانة كتب هنالك، وتصدر لنشر العلم والإفادة.
الحسن بن البقاء
هو الشيخ الإمام حجة الإسلام الحسن بن البقاء بن صالح بن يزيد بن أبي الحيا التهامي، ثم القيسي، قال ابن أبي الرجال: كان آية من آيات الله البينات محققاً في العلوم جميعها، له التفسير والكامل في الفقه، لم ينسج شيء على منواله حافل يتخرج في مجلدات يستدل فيه بالأدلة الناصعة النافعة، ويخرجها من أحاديث آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - كالعلوم والأمالي المؤيدية والطالبية والسمانية والمجاميع والمسندات لآل محمد - عليهم الصلاة والسلام - وله في الفرائض.
وهو شيخ الشيوخ؛ فقد عُدَّ من تلامذته: الإمام أحمد بن الحسين أبو طير، والأمير الحسين بن محمد، وغيرهما كثير، وقد تولى القضاء للإمام أحمد بن الحسين.
توفي في ظفار وقبر في ساحة القبة المنصورية وكانت وفاته بعد السبعين وستمائة للهجرة.
من آثاره:
ـ التفسير
ـ الكامل في الفقه
ـ الوافي في الفرائض
المرتضى بن سراهنك
السيد العلامة أبو طالب المرتضى بن سراهنك بن محمد الحسيني العلوي، ولد في بلاد الجيل والديلم سنة 559هـ[44] وأخذ العلم هناك ومن مشائخه الشيخ معين الدين أحمد بن زيد الحاجي، وركن الدين فيروز شاه الجيلي، والحسن بن مهدي البيهقي، وأحمد بن زيد الحاجي، وحين بلغته أخبار الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة قدم إلى اليمن للجهاد بين يدي الإمام؛ لكنه وصل بعد وفاة الإمام سنة 614هـ.
حضي المرتضى بن سراهنك باحترام أبناء الإمام المنصور بالله عليه السلام وزوجوه زينب بنت الإمام، وعاش في ظفار لتدريس العلوم فيها، ويعد كتاب نهج البلاغة باكورة ما تلقاه علماء اليمن عنه.
توفي المرتضى بن سراهنك يوم الجمعة أربعة ربيع الآخر سنة 642هـ، فدفن خلف قبة الإمام المنصور بالله من جهة الجنوب على يمين الداخل من الباب الجنوبي للمسجد، وهو أول القبور إلى جهة القبلة[45].
يحيى بن أحمد حنش
الفقيه العلامة يحيى بن أحمد بن حنش، مولده في شهر صفر سنة أربعين وستمائة، وتوفي يوم الاثنين الثالث من شوال سنة سبع وتسعين وستمائة، وقبره في الطفة مقبرة (ظفار) المشهورة، وهو أحد المذاكرين الذين حققوا الفقه ودققوه ولخصوه وهذبوه
من آثاره:
ـ كتاب الجامع في الفقه وصل فيه إلى كتاب الجنائز وعاقه الموت عن إتمامه.
ـ كتاب أسرار الفكر في الرد على الكني وأبي مضر.
محمد بن يحيى حنش
الفقيه العلامة محمد بن يحيى حنش ولد بعد الخمسين وستمائة، وكان من العلماء العظام، سهل الطريقة، لين العريكة، رضي الأخلاق، رحيماً عطوفاً، رؤوفاً، ملازماً لما ندب إليه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من صفة العالم، ولقد وصفه العلماء بالصبر في تدريس طلاب العلوم يكرر الدرس من دون ملل أو تبرم، محباً لرضى تلامذته، كارهاً لما يضيق صدورهم، وكان مائلاً إلى الجمع بين الأصول والفروع، مولعاً بالبحث والتدقيق والإيضاح والتحقيق.
ولقد استمر على التدريس في هجرة ظفار حتى توفي صبح الثلاثاء الخامس من ذي القعدة سنة تسعة عشرة وسبعمائة وقبر إلى جنب قبر أبيه جنوباً بظفار في الضفة، ومبلغ عمره نيف وستين سنة رحمة الله عليه[46].
ومن آثاره:
ـ التمهيد والتيسير لفوائد التحرير
ـ الغياصة في أصول الدين
ـ اليواقيت على اللمع
ـ وشرح التقرير
ـ القاطعة في الرد على الباطنية
- وغيرها من المؤلفات والتعليقات.
يحيى بن محمد بن أبي القاسم
السيد العلامة الكبير يحيى بن محمد بن أبي القاسم ينتهي نسبه إلى الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام، وهو صنو السيد العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم، قال الزحيف[47]: كان رأساً ذا همة، ولاه الإمام علي بن محمد حصن (ظفار) وبه توفي يوم الجمعة في ربيع الآخر سنة أربع وستين وسبعمائة، وقبره في الظفير أو (الطفة) رأس العقبة بـ(ظفار).
الحسين بن بدر الدين
الإمام الناطق بالحق الصغير الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر، ولد بعد التسعين وخمسمائة، وهو من أعلام أهل البيت العظام ومن أقطاب الدين، وعلمه لا يوصف ومؤلفاته كثيرة جداً؛ وهي تدل على غزارة علمه رضوان الله عليه.
سكن في آخر أيامه بمنطقة رغافة التابعة حالياً لمحافظة صعدة، واستمر على التدريس والتأليف حتى توفاه الله سنة ثلاث ستين وستمائة.
من آثاره:
ـ شفاء الأوام وصل فيه إلى مفسدات النكاح ثم عاقه الموت عن إتمامه، فقام بإتمامه الأمير صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين.
ـ المدخل
ـ والذريعة
ـ التقرير
ـ وينابيع النصيحة
ـ الإرشاد إلى سوري الاعتقاد
ـ الرسالة الحاسمة بالأدلة العاصمة
ـ العقد الثمين في معرفة رب العالمين
ـ وغيرها من المؤلفات
إبراهيم بن المهدي بن أحمد جحاف
السيد العلامة إبراهيم بن المهدي بن أحمد بن يحيى بن قاسم بن يحيى جحاف، عالم وقائد، من أفاضل السادة وأعيانهم، طلب العلم وارتحل له من بلد إلى بلد، وهو أحد أعوان الإمام شرف الدين وقادته الذين كان يعتمد عليهم، فقد صحب السيد إبراهيم الإمامَ شرف الدين قبل الدعوة وبعدها، وهو من أخذ له البيعة من أعيان القبائل، ثم كان يد الإمام الذي يدرأ بها عدوَّه، ويوطد بحنكته وحسن رأيه وسياسته الأمن والاستقرار في أنحاء دولته، ولقد ولاه الإمام الأهنوم حتى استقامت له، ثم بعثه إلى ظفار؛ ليكون والياً عليها مع كافة أعمال البلاد القبلية، ولقد ظل في عمله حتى توفاه الله يوم الأحد أربع وعشرين رمضان سنة أربعٍ وأربعين وتسعمائة.
علي بن أحمد الأكوع
العلامة المجاهد الكبير علي بن أحمد بن الحسين بن المبارك بن إبراهيم الأكوع، وصفه ابن أبي الرجال بعمَّار زمانه وسلمان أوانه، بطانة خالصة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقول وفعل، ناصر الإمام المنصور بالله، وشاركه في فعله المشكور.
قال العلامة السراجي: كان رضي الله عنه واسع الرواية من الأقطاب الذين تدور عليهم أسانيد كتب الآل عالماً عابداً، ديناً صادق اللهجة، ولم يذكر له تاريخ ميلاد، ولا وفاة.
وقبره رحمه الله في الملاحة بجبل مرهبة عند مسجده، وهو مسجد عظيم على قدر الكعبة المشرفة، وقد أثنى عليه عدد من العلماء لا يمكن حصر كلامهم فيه في هذا المختصر.
ولكن تتميماً للفائدة الدالة على غزارة علمه وفهمه، وقوة باعه أنه جادل رجلاً من زبيد، وقد كان هذا الفقيه يتعرض دائماً للبحث والمناظرة، فلمَّا ناظره العلامة علي الأكوع في مسألة خلق الأفعال قطعه فيها ولم يهم بعدها بمناظرة قط[48].
من آثاره:
ـ الاختيارات المنصورية
عبدالله بن المهلا النيسائي
العلامة الفقيه فخر الدين عبدالله بن المهلا بن سعيد النيسائي الشرفي، ولد في شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة في قرية الوعلية في الشرف الأعلى التابع حالياً لمديرية المفتاح محافظة حجة.
وقد طلب العلم وارتحل له إلى البلدان، فقد ارتحل إلى الظفير وأقام بها سبع سنين، ثم ارتحل إلى ظفار فأقام بها ما شاء الله وقرأ بها الفقه والحديث، ثم ارتحل إلى غيرها من المناطق حتى صار من أعلام الشريعة أئمة الدين، وأقطاب العلوم وأساتذتها وشيخ الشيوخ في زمانه وواسطتها، وقد جعل في اللغة والتفسير نظيراً للسعد التفتازاني، ولقد كان أكثر الفضلاء في زمانه عيالاً عليه.
وقد سكن صنعاء ثم انتقل إلى الأهجر التابعة حالياً لمحافظة المحويت، وأقام بها تسع سنين، ومنها انتقل إلى بلاده بمنطقة الشجعة التابعة لمديرية المحابشة وأقام فيها حتى توفاه الله.
ولقد كانت له مكانة رفيعة في نفس الإمام شرف الدين عليه السلام حتى جعله في مقام الاختصاص بمحل الوزارة، ولقد وكل إليه هجرة الوعلية والشجعة وجعل أمرهما وأموالهما إليه وتحت ولايته.
قال الإمام شرف الدين عنه: القاضي العلامة، المحقق الفهامة، واسطة عقد علماء الأمة، وصدر أكابر وزراء الأئمة، الشهير علماً، العظيم فهماً، حسام الملة والدين، قاضي قضاة المسلمين: عبد الله المهلا بن سعيد بن علي بن محمد بن علي النيسائي ثم الشرفي الأنصاري[49].
توفي العلامة عبدالله بن المهلا رضوان الله عليه في ذي الحجة سنة ثمان وعشرين بعد الألف في هجرة الشجعة وقبر بها.
يحيى بن محمد حنش
العلامة الفاضل يحيى بن محمد بن يحيى بن صالح بن محمد حنش، عالم من العلماء الكبار في زمانه، ولد في تاسع عشر من شهر ربيع الأول سنة 966هـ، ونشأ في طلب العلم وارتحل وجدَّ واجتهد وبلغ مبلغاً عظيماً، وزميله في العلم الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والسيد العلامة أمير الدين بن عبدالله نهشل.
سكن ظفار في آخر عمره وعزم على الإقامة فيها فجاءت أسباب اقتضت انتقاله إلى شهارة فانتقل إليها ولزم التدريس بها والتعليم إلى أن توفاه الله يوم السبت 27 شوال سنة ثماني وعشرين بعد الألف وقبره يماني مسجد الأشراف في الحوطة التي تليه من دون فاصل[50].
المصادر والمراجــع
- الحدائق الوردية
- مآثر الأبرار
- سيرة الإمام المنصور بالله
- اللالئ المضيئة
- مطلع البدور ومجمع البحور
- تحفة الأبصار
- روائع البحوث في تراجم علماء حوث
- الهجرة المنصورية ظفار
- طبقات الزيدية الكبرى
- معجم البلدان والقبائل اليمنية
- تاريخ صنعاء
- التحف شرح الزلف
- تاريخ الأئمة من القرن الثالث إلى الثامن المنتزع من العقود الفريدة للمقريزي
- هجر العلم ومعاقله
- صفحة فيس بوك أبناء عمران للثقافة
- مقال عن مسجد ظفار في الموقع الإلكتروني للمجلس الزيدي
[1] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ص3/ ج371 ــ اسحاق بن جرير الصنعاني، تاريخ صنعاء، ص175
[2] معجم المقحفي، ص34.
[3] المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ص974.
[4] المقحفي، معجم البلدان، ص974.
[5] المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ص974/ الظاهر هو مركز إداري من مديرية خمر ويشمل مدينة خمر والقرى المحيطة بها.
[6] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص8 ـ صفحة الفيسبوك لمنتدى أبناء محافظة عمران للثقافة.
[7] الأكوع، هجر العلم، ص1284.
[8] المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ص974
[9] جمال الشامي، أئمة اليمن من القرن الثالث الهجري إلى الثامن منتزع من (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة للمقريزي)،ص26.
[10] كان الشيخ غزوان السريحي أبرز أنصار الإمام المنصور بالله انظر الحدائق الوردية( ج2/ ص263).
[11] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص20.
[12] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص21
[13] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص 10ْ.
[14] سيأتي الحديث عن السور وتاريخ عمارته والمتولي لذلك.
[15] الشرفي، اللالئ المضيئة، ج7/ ص354.
[16] الشرفي ، اللالئ المضيئة، ج7/ ص352. ذكر الشرفي بعد هذا أن الغزاة الأيوبيين أخرجوا جيشاً لمحاصرة ظفار في هذه الأثناء قبل أن يكتمل بناؤه حتى يحولوا بين الإمام واستكمال بناء الحصن إلا أنهم فشلوا في ذلك وعاد جيشهم مدحوراً مهزوماً وواجهوا مقاومة شرسة من قوات الإمام بقيادة الأمير دحروج والذي كان داخل الحصن والقاضي العلامة علي بن أحمد الأكوع الذي أغار من حصن مرمر.
[17] الشرفي، اللالئ المضيئة، ج7/ ص353.
[18] الأكوع، هجر العلم، ص1283.
[19] الشرفي، اللالئ المضيئة، ج7/ ص354 نقلاً عن سيرة الإمام المنصور بالله لابن دعثم.
[20] أي بعد وفاة الإمام المنصور بالله لأنه توفي سنة 614هـ
[21] الأكوع، هجر العلم، ص1284
[22] صفحة فيسبوك لمنتدى أبناء عمران للثقافة.
[23] انظر مطلع البدور، 3/ 322 وغيره.
[24] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ج4/ ص251.
[25] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص46.
[26] الأكوع، هجر العلم، ص1286. وغيره
[27] الأكوع، هجر العلم ومعاقله، ص1286.
[28] إبراهيم بن القاسم، طبقات الزيدية الكبرى، ج2/ ص32.
[29] الأكوع، هجر العلم، ص1286.
[30] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص48.
[31] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص48.
[32] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص48.
[33] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص48.
[34] الدرسي، الهجرة المنصورية ص48.
[35] الدرسي، الهجرة المنصورية ص48.
[36] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ج4/ ص283ـ وغيره.
[37] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ج1/ ص112.
[38] ابن أبي الرجال، مطلع البدور، ج4/ ص286.
[39] المؤيدي، التحف شرح الزلف، ص246.
[40] السراجي، روائع البحوث، ص304.
[41] المؤيدي، .التحف شرح الزلف، ص268ٍ.
[42] في التحف: الغضب لكنه أختل الوزن فكان التصحيح منا.
[43] السراجي، روائع البحوث، ص478.
[44] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص63.
[45] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص63.
[46] إبراهيم بن القاسم، طبقات الزيدية، ج2/ ص519.
[47] الزحيف، مآثر الأبرار، ج3 ص8.
[48] السراجي، روائع البحوث، ص341.
[49] المهلا، .مطمح الآمال، ص229.
[50] الدرسي، الهجرة المنصورية، ص103.