✒️النسب الشريف
هو أبو طالب يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
والده: الإمام زيد بن علي عليهما السلام، عرف بحليف القرآن لملازمته كتاب الله؛ قال فيه اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻭآله ﻭﺳﻠﻢ: ((ﺧﻴﺮ اﻷﻭﻟﻴﻦ ﻭاﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﻤﻘﺘﻮﻝ ﻓﻲ الله، اﻟﻤﺼﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﺃﻣﺘﻲ اﻟﻤﻈﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ سمِيُّ ﻫﺬا، ﺛﻢ ﺿﻢ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﺭﺛﺔ ﺇﻟﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺯﻳﺪ ﻟﻘﺪ ﺯاﺩﻙ اﺳﻤﻚ ﻋﻨﺪﻱ ﺣُﺒَّﺎً، سمِيُّ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ)).
أمُّه: ريطة بنت عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، وقد وصفها ابن الصوفي في كتاب المجدي ص224: (كان ريطة من سيدات بنات هاشم ومنجباتهن، روت الحديث عن أبيها وبعلها).
✒️مولده عليه السلام
97هـ على الأرجح.
✒️صفته
كان من صفة الإمام يحيى بن زيد أنه قطط الشعر، حسن اللحية حين استوت، وكان مثل أبيه عليهما السلام في الشجاعة، وقوة القلب، ومبارزة الأبطال، وله مقامات مشهورة بخراسان أيام ظهوره بها في حروبه من قتل الشجعان الذين بارزوه، والنِّكَايَةِ في الأعداء الذين قاتلوه.
وقد نشأ في ظل رعاية وتربية والده الإمام الأعظم زيد بن علي يسقيه من أخلاقه ويفيض عليه من علومه، فكان أشبه الناس به علماً ومعرفة وجهاداً واجتهاداً، وبرغم حداثة سنه يوم استشهاده إلا أنه بلغ ما لم يبلغه غيره في العلم في أعمار مديدة، ومن آثاره العلمية رواية الصحيفة السجادية عن والده الذي يرويها عن والده الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.
وكان أخوه عيسى بن زيد عليهم السلام يتمثل فيه كثيراً بهذه الأبيات:
فلعلّ راحم أمِّ موسى والذي .... نجاه من لجج الخضم المزبد
سيسر ريطة بعد حزن فؤادها .... يحيى ويحيى بالكتائب مرتدي
حتى يهيج على أمية كلها .... يوماً كراغية الفصيل المقصد
يا بن الزكي ويا بن بنت محمد .... وابن الشهيد المستراد السيد
✒️أولاده
قال الإمام أبو طالب في الإفادة: وأولاده رضي الله عنه الذي أجمع عليه أصحاب الأنساب من الطالبيين أنه ولد أمّ الحسن حَسَنَة، وقال غيرهم: له أحمد، والحسين. درجوا صغاراً، وأمّ الحسين درجت صغيرة، وأجمعوا أن لا بقية ليحيى عليه السلام.
✒️من كلامه وأشعاره
قال الإمام يحيى بن زيد عليهما السلام: "إن ممن يصف هذا الأمر، ويزعم أنه من أهله، مَنْ لا خلاق لهم، ذلك أن صدورهم ضيقة به حرجة فيه تنطق به ألسنتهم، ولم تعتقد عليه قلوبهم، فإذا اجتمع القول واليقين والعمل فوصف اللسان وانشرح به الصدر وعقد عليه القلب باليقين تسارعت النفس إليه بالعمل، فذلك المؤمن عند الله جل ثناؤه، وذلك معنا ومنا".
ومن شعره عليه السلام:
خليلي عنا بالمدينة بلغا ... بني هاشم أهل النهى والتجارب
فحتى متى مروان يقتل منكمُ ... سراتكم والدهر فيه العجائب
لكل قتيل معشر يطلبونه ... وليس لزيد في العراقين طالب
وقال عليه السلام يخاطب نفسه:
يا بن زيد أليس قد قال زيد: ... من أحب الحياة عاش ذليلا؟
كن كزيد فأنت مهجة زيد ... تتخذه في الجنان ظلَّاً ظليلا
✒️جهاده مع أبيه
خرج الإمام يحيى من المدينة المنورة متوجهاً إلى الكوفة؛ للجهاد مع أبيه عليهما السلام، وكان عمره حينئذٍ يقارب 24 سنة، فقاتل تحت راية والده الإمام زيد أشد القتال، وثبت ثبات الأبطال؛ ولمَّا أصيب الإمام زيد عليه السلام أوصى إلى ابنه يحيى بوصية قال فيها: قاتلهم فوالله إنك لعلى الحق وإنهم على الباطل، وإن قتلاك لفي الجنة وإن قتلاهم لفي النار.
✒️بعد استشهاد أبيه
لما استشهد الإمام زيد خرج ابنه يحيى عليهما السلام إلى الكوفة متنكراً مستتراً مع نفر من أصحابه، فدخل خرسان، وانتهى إلى "بلخ" ونزل على الحريش بن عبدالرحمن الشيباني، وبقي عنده حتى توفي الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك، وتولى الخلافة بعده الوليد بن يزيد.
ثم إن والي الأمويين على الكوفة يوسف بن عمر كتب إلى والي خرسان نصر بن سيار يطلب يحيى بن زيد، فكتب نصر إلى عقيل بن معقل الليثي عامله على بلخ يطلبه، فذكر له أنه في دار الحريش، فطالب نصر الحريش بتسليمه له، فأنكر الحريش أن يكون عارفاً بمكانه، فضربه ستمائة سوط فلم يعترف، فقال له نصر: والله لا أرفع الضرب عنك إلا أن تسلمه أو تموت، فقال له حريش رحمه الله:((والله لو كان تحت قدمي هاتين ما رفعتهما، فاصنع ما بدا لك)).
كان للحريش ابن يقال له قريش، فخشي على أبيه القتل، فدسَّ إلى نصر بأنه يدل على يحيى إن أفرج عن أبيه، فدل على الإمام يحيى بن زيد، فأخذ وحمل إلى نصر بن سيار، فقيده وحبسه، وكتب بخبره إلى يوسف بن عمر، فكتب يوسف إلى الوليد بن يزيد بذلك، فكتب إليه الوليد يأمره بالإفراج عنه، وترك التعرض له ولأصحابه، فكتب يوسف إلى نصر بما أمره به، فدعاه نصر وحل قيده، فقال له: لا تثر الفتنة، فقال له يحيى عليه السلام: ((وهل فتنة في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من فتنتكم التي أنتم فيها من سفك الدماء والشروع فيما لستم له بأهل))، فسكت نصر وخلى سبيله.
✒️دعوته
لما خرج يحيى بن زيد عليهما السلام من سجن نصر بن سيار، توجه إلى "بيهق" وأظهر دعوته هناك، وذلك في زمان فرعون هذه الأمة الوليد بن يزيد، فبايعه فيها سبعون رجلاً، فكتب نصر إلى عمرو بن زرارة بقتاله، وكتب إلى قيس بن عباد عامل "سرخس"، وإلى الحسن بن زيد عامل "طوس" بالانضمام إليه، فاجتمعوا وبلغ عددهم زهاء عشرة آلاف، وخرج يحيى بن زيد بمن معه، فقاتلهم وهزمهم، وقتل عمرو بن زرارة واستباح عسكره وأصاب منهم دواباً كثيرة.
✒️خروجه إلى الجوزجان
بعد ذلك خرج الإمام يحيى عليه السلام إلى الجوزجان، ثم لحق به قوم من الزيدية، وكانوا قريباً من 150 رجل، ونزل عليه السلام بقرية يقال لها: أرعوى؛ ولحق به جماعة من عساكر خراسان، وبايعوه، وبقي بها مدة يسيرة.
ثم إن نصر بن سيار أنفذ إلى قتال الإمام يحيى بن زيد الجيوش، وكانوا قرابة عشرة آلاف، بقيادة سلم بن أحوز، ولما رأى يحيى (ع) كثرة العدو وقلة أصحابه الذين كانوا قرابة المائة والخمسين مقاتلا، قال لهم: ((أنتم في حل من بيعتي فمن شاء أن يثبت معي فليثبت، ومن شاء أن يرجع فليرجع، أما أنا فلست بارحاً هذا الموضع حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا)). فقال له أصحابه: ((والله لا نفارقك يا ابن رسول اللّه أبداً حتى لا يبقى منا أحد)). فقال: ((جزاكم اللّه خيراً من قوم فلقد قاتلتم ووفيتم))، وعندما بدأت المعركة أقبل الإمام يحيى على أصحابه، فقال: ((يا عباد الله، إن الأجل محضره الموت، وإن الموت طالب حثيث لا يفوته الهارب، ولا يعجزه المقيم، فاقدموا رحمكم الله على عدوكم والحقوا بسلفكم، الجنة.. الجنة، اقدموا ولا تنكلوا، فإنه لا شرف أشرف من الشهادة، فإن أشرف الموت قتل في سبيل الله، فلتقرَّ بالشهادة أعينكم ولتنشرح للقاء الله صدوركم))، ثم نهد إلى القوم وكان أرغب أصحابه في القتال في سبيل الله جل ثناؤه
فاقتتل الفريقان أشد قتال، وحمل الإمام وأصحابه عليهم، وضاربوهم مضاربة الأبطال؛ وقد روي عن بعضهم قال: رأيت يحيى بن زيد عليهما السلام حمل على رجل من أهل الشام فضربه على فخذه فقطع درعه وفخذه البتة حتى وصل إلى جنب دابته.
وفي حديثه عَلَيْه السَّلام أن رجلاً من القوم دعا رجلاً من أصحابه عَلَيْه السَّلام البراز فقتله، ثم ثانياً، ثم ثالثاً، فبرز إليه عَلَيْه السَّلام بنفسه فقال: يا عبدالله اتق الله وادرِ من أنت تقاتل، إنك إنما تقاتل ابن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم عن أرباب الظلم والنفاق، فشتمه وشتم أباه، فانتهر عليه الفرس وضربه فأزاغ رأسه فوقعت الضربة على فخذه وقطع الدرع وفخذه وجنب الفرس، وقال: يا عدو الله ما أشد مجاحشتك عن سلطان بني أمية.
استمرت المعركة ثلاثة أيام بلياليها حتى قتل أصحاب الإمام عليه السلام، وأتته نشابة في جبهته، رماه رجل من موالي عنزة يقال له: عيسى، ووجده سورة بن محمد الكندي، فحز رأسه، ثم حمل رأسه الشريف إلى الوليد بن يزيد، وأخذ العنزي الذي قتله سلبه، وقميصه؛ وبقي سورة وعيسى بعد ذلك حتى أدركهما أبو مسلم الخرساني فقطع أيديهما وأرجلهما وقتلهما وصلبهما.
✒️الرأس الشريف في حضن أمه
كما هي عادة الطغاة في استعمال أبشع الجرائم، هم يتفننون في ارتكاب أفظع الحروب النفسية، في هذا الصدد أرسل الوليد بن يزيد بالرأس الشريف إلى المدينة المنورة واهداه إلى أمِّه ريطة، فوضع الرأس بين يديها فشهقت وأخذتها العبرة، ثم قالت: ((شردتموه عني طويلاً وأهديتموه إلي قتيلاً)).
✒️رؤيا قاتل الإمام عليه السلام
روى الإمام المنصور بالله عليه السلام أن قاتل الإمام يحيى بن زيد كان قد رأى في منامه قبل قتله ليحيى عليه السلام، أنه رمى نبياً فقتله، فلما أصبح أخبر من أخبر بذلك من أصحابه، ثم غلَّ يده إلى عنقه، وأقام على ذلك مدة من الزمان حتى خرج الإمام يحيى بن زيد، واجتمعت الجنود الظالمة لحربه، فقال له بعضهم: قد قام هذا الخارجي ولا غناء لنا عن رميك فاخرج معنا فإذا انقضت الحرب عدت لحالك، فخرج فكان هو القاتل للإمام يحي بن زيد عليه السلام.
✒️ تاريخ استشهاده
استشهد عليه السلام في شهر رمضان، بعد صلاة الجمعة، سنة 126هـ، وكان عمره حين قتل 28 سنة، وصلب بدنه على باب مدينة الجوزجان، ولم يزل مصلوباً إلى أن ظهر أبو مسلم الخرساني، فأنزله وغسله وكفنه، ودفن بـ(أنبير) ومشهده معروف بالجوزجان مزور، وهي إحدى محافظات جمهورية أفغانستان على مسافة كيلومتر واحد ونصف الكيلومتر إلى الشرق من مدينة سَربُل (رأس الجسر) الحالية، والتي تقع في شمال أفغانستان بين بلخ ومَيمَنة، وهو يُعرف هناك بـ (إمام خُورد).
وروى الحموي في كتابه معجم الأدباء أن سلم بن أحوز قائد الجيش الذي قتل الإمام يحيى بن زيد كان يقول عن نفسه أنه قتل خير الناس وشر الناس يقصد بخير الناس يحيى بن زيد وبشر الناس جهم بن صفوان.
فسلام الله على إمامنا يحيى بن زيد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.