.
 
29-13-2019
الإمام زين العابدين عليه السلام

                               النسب المبارك
هو إمام الزهاد، ورائد العباد أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ يلقب "بزين العابدين"، و"السجاد"، و"ذي الثفنات"؛ لكثرة عبادته (والثفنه هي: الجزء من جسم الدابة تبرك عليه فيغلظ ويجمد؛ فسمي زين العابدين بذي الثفنات لأن أعضاء السجود منه صارت كثفنة البعير من كثرة صلاته).
والده هو: سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وريحانته من الدنيا الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.
وأمه: هي بابويه ويقال لها: سلافةُ بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى أنو شروان؛ كانت من خيرة النساء، وكان عليُّ بن الحسين عليهما السلام بارَّاً بها، حتى أنه عليه السلام كان لا يأكل معها في صحفة واحدة، فسئل عن ذلك فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.

🌴تأريخ ومكان الميلاد
ولد علي بن الحسين عليهما السلام في المدينة المنورة يوم الخميس خامس شعبان،  سنة 37هـ وقيل: سنة38هـ.

*أولاده
محمد (الباقر)، وزيد(حليف القرآن)، والحسين الأصغر، وعمر (الأشرف)، وعبدالله (الباهر)، قيل أنه سمي بالباهر لأنه: ما حضر مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر، وعلي (الأفطس)؛ وهؤلاء الذين لهم عقب.
والذين لم يعقبوا: الحسن، وعبدالرحمن، ومحمد الأصغر، والقاسم، وعيسى، وسليمان، وعبدالله الأصغر، وداوود، وثمان بنات وهن: خديجة، وأم الحسين، وعبدة، وفاطمة، وأم كلثوم، وعلية، وأم جعفر، وزينب.

*فضل الإمام زين العابدين
روى  ابن عساكر بسنده عن سفيان بن عيينة عن ابن الزبير قال: كنا عند جابر فدخل عليه علي بن الحسين، فقال له جابر: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل عليه الحسين فضمه إليه، وقبله، وأقعده إلى جنبه، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( يولد لابني هذا ابن يقال له علي بن الحسين إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش ليقمْ سيد العابدين فيقوم هو)).
قال فيه جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: ((ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين..)).

*زين العابدين مع موكب السبايا
حضر زين العابدين عليه السلام كربلاء مع والده، وبرغم أن كل من حضر كربلاء من أصحاب الإمام الحسين وأهل بيته قد استشهدوا، إلا أن الله حفظ علي بن الحسين، وكان مريضاً، كما حفظ الحسن وعمر ابنا الحسن، فأنجاهم الله ليحفظ بهم نسل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الانقطاع.
كان الإمام زين العابدين شاهداً على واقعة الطفِّ؛ ليروي أحداثها للعالمين، وينقل مأساتها للمسلمين، فكان عليه السلام لسانها الناطق.
وبعد حادثة كربلاء الأليمة، أُخِذَ زين العابدين ومعه النساء والأطفال أسارى إلى الكوفة، والأغلال والقيود تكبلهم، وحرُّ الرمضاء يأكل من أجسادهم، فلما وصل موكبهم الطاهر إلى الكوفة، أُدْخِلوا على عبيدالله بن زياد، وكان والياً ليزيد على الكوفة، فقال لعلي بن الحسين: من أنت؟ قال: علي بن حسين، قال: أولم يقتل الله علي بن الحسين؟ قال: كان أخي أكبر مني قتلتموه، وإن له منكم مطلباً يوم القيامة.
فقال ابن زياد: نحن لم نقتله ولكن الله قتله، فقال علي بن الحسين: الله يتوفى الأنفس حين موتها؛ فلم يتمالك عبيدالله بن زياد نفسه فأمر بقتله، فصاحت أخته زينب عليها السلام: يا ابن زياد حسبك من دمائنا؛ أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه فتركه، فقال علي بن الحسين: يا ابن زياد، أبالقتل تهددني؟! أما علمت أن القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة؟

*أخذهم أسارى إلى الشام
بعد ذلك أُخِذ الموكب الحسيني الطاهر، وأُخِذ رأس الحسين عليه السلام ورؤوس شهداء كربلاء, إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية بالشام, مكبلين بالقيود والأغلال.
فلما وصلوا إلى دمشق أقيمت رؤوس الشهداء على باب مسجد دمشق, فرآها شيخٌ فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأراح البلاد من رجالكم, فقال الإمام زين العابدين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قال: نعم, قال: هل تعرف هذه الآية: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}, فنحن القربى يا شيخ, هل قرأت: {وآت ذا القربى حقه}، فنحن ذاك، هل قرأت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}، فنحن أهل البيت الذي خصنا بالطهارة.
فبقي الشيخ ساعة ساكتاً، ثم بكى, وقال: اللهم إني أتوب إليك من بغض هؤلاء, اللهم إني أبرأ إليك من بغض علي ومحمد وآل محمد. 
ثم أدخلت الرؤوس إلى المسجد، فاستأذن الإمام علي بن الحسين في الخطبة فأبى يزيد أن يأذن له، فما زالوا يراجعونه حتى أَذِن، فصعد الإمام زين العابدين المنبر فحمد الله، ثم قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أعرفه بنفسي، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزمٍ والصفا، أنا ابن من حَمَل الركنَ بأطراف الردى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حجَّ ولبَّى، أنا ابن من حُمل على  البراق في الهوى، أنا ابن من أسري به إلى المسجد الأقصى أنا ابن من بلغ به جبريل إلى السدرة المنتهى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، فلم يزل يقول حتى ضج المسجد بالبكاء، وأمر يزيد لعنه الله، فأقام المؤذنُ وقطع على الإمام حديثَه، فلما قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، قال علي بن الحسين: شهد به شعري وبشري ولحمي ودمي، فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله التفت إلى يزيد وقال: هذا جدي أو جدك؟! فإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته.

*قصته مع هشام بن عبدالملك والشاعر الفرزدق
روي أن هشام بن عبد الملك حجَّ في أيام أبيه، فلما طاف بالبيت العتيق، جَهِد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر على ذلك؛ لكثرة الزحام، فنُصِب له كرسي، وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين بن علي بن الحسين، وكان من أجمل الناس وجهاً، وأطيبهم أرَجَاً، وبين عينيه سجدة، فلما انتهى إلى الحجر تنحى عنه الناس هيبةً وإجلالاً حتى استلم الحجر، فغاظ ذلك هشاماً، فقال له رجل من أهل الشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبَةَ؟ فقال هشام: لا أعرفه؛ مخافة أن يرغَبَ فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضراً، فقال: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ الفرزدق قائلاً: 
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلهِمُ ... هَذَا التقِيُ النقِيُ الطَاهرُ العَلَمُ
هَذَا الذي تَعرِفُ البطحَاءُ وَطأَتَهُ ... والبيتُ يَعْرِفُهُ والركْنُ والحَرَمُ
إذا رَأَتهُ قريشٌ قَالَ قائلُهَا: ... إلى مكارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يَنمِي إلى ذروةِ العزِّ التي قَصرَت ... عَن نَيلِها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ
يكادُ يُمْسِكُهُ عرفانَ راحَتِهِ ... رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَسْتَلِمُ
في كَفهِ خَيزُرَان ريحُهُ عبقٌ ... مِنْ كَفِّ أرْوَعَ في عِرنينه شَمَمُ
يُغَضِي حياءً ويُغضَى مِن مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكلمُ إلاَّ حينَ يَبْتَسِمُ
ينشَق نُورُ الهُدَى مِن نُورِ غَرتِهِ ... كالشمسِ تنجَابُ عَن إشراقها الظلمُ
مُنشقةٌ مِن رَسُولِ اللهِ نَبعَتُهُ ... طَابَت عَنَاصِرُهُ والخيمُ والشيَمُ
هذا ابن فاطمةٍ إن كُنتَ تَجهَلُهُ ... بجَدِّه أنبياءُ اللهِ قد خُتِمُوا
أللهُ شَرفَهُ قدماً وعَظمَهُ ... جَرى بذاك له في لَوْحِهِ القَلَمُ
ولَيْسَ قولُكَ: مَن هذا؟ بضائِرِهِ ... ألعربُ تعرفُ مَن أنكَرتَ والعَجَمُ
كِلتَا يَديِه غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا ... يَستَوكِفَانِ ولا يَعْرُوهما العَدَمُ
سَهلُ الخليقةِ لا تُخشَى بوادِرُهُ ... يَزِينُهُ اثنانِ: حسنُ الخُلْقِ والشيَمُ
حَمالُ أثقالِ أقوام إذا فدحوا ... حلْو الشمائِلِ تَخلُو عنده النعَمُ
ما قال: "لا" قَطُّ إلا في تَشهده ... لَولاَ التَشَهُدُ كانَتْ "لاؤهُ" نَعَمُ
عَمَّ البريَّةَ بالإِحسانِ فانقَشَعَت ... عنها الغَيَابَةُ والإِملاقُ والعَدَمُ
مِن مَعْشَرٍ حُبُّهُم دِينٌ وبغضُهُمُ ... كُفرٌ وقُربُهُمُ مَنجى ومُعتَصَمُ
فأمر هشام بإسقاط صلة الفرزدق من الديوان، فبلغ ذلك زين العابدين عليه السلام، فأمر له ببدرة (مجموعة من الدراهم) فلما حُمِلت إليه ردَّها وقال: إنما تكلمت وقلت ما قلت لله عز وجل، ولا أقبل عوضاً وأجراً، ورد البدرة على زين العابدين، فردها إليه زين العابدين عليه السلام وقال: نحن أهل بيت إذا خرجت عنَّا صلة لم ترجع إلينا أبدا.

🌴أخلاق الإمام زين العابدين
حياةُ الإمام علي بن الحسين وسيرتُه حافلة  بمكارم الأخلاق، فقد كان خير ممثل لأخلاق جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام؛ ومما يُروى عنه في ذلك أن جارية له كانت تحمل إبريق وتسكب الماء لوضوئه فسقط من يدها على وجهه فشجه وسال دمه، فرفع رأسه عليه السلام إليها لائماً، فقالت له الجارية: إن الله يقول والكاظمين الغيظ، فقال: لقد كظمت غيظي، فقالت: والعافين عن الناس، فقال: عفى الله عنكِ، فقالت: والله يحب المحسنين، فقال: أنتِ حرة لوجه الله
كما كان عليه السلام المثل الأعلى في الحلم والاخلاق الحميدة، فعن  أبي حازم قال: ما وجدتُ هاشميَّاً أفضل من علي بن الحسين بن علي وقف عليه رجلٌ يوماً فآذاه فلم يزل ساكتاً حتى فرغ ثم قال له: أسألُ اللهَ إن كنتَ صادقاً أن يغفر لي وإن كنت كاذبا أن يغفر لك.

*مشروع زين العابدين العلمي والتنويري
بعد وقعة كربلاء، وما كان من خبر موكب السبايا أقام زين العابدين عليه السلام بالمدينة المنورة؛ ليقود مشروعاً تنويرياً وتعليمياً، ساعياً في بثّ المفاهيم الإسلاميـّة الصحيحة، وتوضيح معالم الاِسلام الدارسة، فكان مجلسُه مليئاً بالعلماء والمحدثين الذين جاؤوا ليغترفوا من بحر علمه، كما جاءه الكثير من طلاب العلم ليأخذوا عنه علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم، والسُنّة النبوية الشريفة، روايةً وتدويناً، وتعلموا على يديه أحكام الشريعة من حلالها وحرامها وآدابها إلى غير ذلك.
وكان عليه السلام يُشبَّه في علمه وفقهه بجَدِّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قد أخذ الحديث والعلم عن والده الحسين بن علي عليهما السلام، كما أخذ عن عمه الحسن عليه السلام، وكثير من الصحابة، كما أخذ عنه العلماء والفقهاء ورووا عنه، فممن روى عنه: أولاده الأئمة محمد الباقر، وزيد، وعمر، ومن غيرهم: شيبة بن نعامة الضبي الكوفي، وعبد الله بن عبيدة بن نشيط الحميري القرشي الربذي, وحمد بن الفرات أبو علي التميمي الكوفي، وموسى بن أبي حبيب الطائفي.
فكان عليه السلام واصلة السند بين آبائه السابقين وبين أهل البيت اللاحقين.

 *عبادته
اشتهر الإمام علي بن الحسين بـ"زين العابدين" و"سيد العابدين"، وذلك لما كان عليه من العبادة لله تعالى؛ ويكفي شاهداً ودليلاً على ذلك أن ننظر إلى "صحيفته السجادية" التي اشتملت على مناجاته وأدعيته؛ لنستشف منها ما كان عليه من الدين والتقوى والعبادة.
وقد حُكيت عن عبادته عليه السلام قصص كثيرة؛ من ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: دخلت على علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام عند طلوع الشمس، وهو قائم يصلي كأنه ساق شجرة، قد ثفنت جبهته، وانخرم أنفه، فقلت له: ما هذا الاجتهاد لو لم تخلق النار إلا لك؟ فقال: ما يدري علي بن الحسين إلى جنة يصير أم إلى نار، ثم بكى ولم يزل ساجداً حتى زالت الشمس، وهو يقول: لا إله إلا الله حقاً حقاً، لا إله إلا الله إيمانا وصدقا، لا إله إلا الله تعبدا ورقا.
قال طاووس: دخلت الحِجْر الليل فإذا علي بن الحسين يصلي فسجد سجدة أطال فيها فقلت: رجل صالح من بيت النبوة لأصغين إليه فسمعته يقول: (عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك).
قال طاووس: فو الله ما صليت ودعوت بهن في كرب إلا فرج عني.
وقال محمد بن سعد: كان زين العابدين ثقة مأمونَاً، كثير الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عالماً لم يكن في أهل بيته مثله، وكان إذا توضأ يصفر لونه، فإذا قام إلى الصلاة أرعد من الفزع، فقيل له في ذلك. فقال: أتدرون بين يدي من أقوم ولمن أناجي؟
 
*تعهده المساكين
لقد كان الإمام زين العابدين قدوةً حيَّةً في الإحسان والانفاق وتعهُّدِ المساكين, لاسيما سِرَّاً؛ فيُروى أنه كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، ويقول: "إن الصدقة بالليل تطفي غضب الرب"، وربَّما حمل على ظهره الطعام أو الحطب، حتى يأتي باب كل مسكين، فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير، ولم يعرفوا أن من يأتيهم بهذه الصدقات هو زين العابدين إلا عندما انقطعت عنهم بمته عليه السلام، ولما مات ووضع على المغتسل نظروا إلى ظهره، وعليه مثل ركب الابل؛ مما كان يحمل من الصدقات؛ وقد أُحصي من يقوتهم بعد موته عليه السلام فكانوا أكثر من مائة بيت.
 وكان يُعْجِبُه أن يحضر طعامَه اليتامى والزمنى والمساكين، وكان يناولهم بيده ويحمل الطعام لمن كان له عيال إلى عياله.
وكان عليه السلام يقول: لأن أقوت أهل بيت فقراء في المدينة شهراً صاعاً في كل يوم أحبُّ إليَّ من حجة في إثر حجة.

*وفاته وموضع دفنه
توفي الإمام زين العابدين عليه السلام في شهر ربيع الأول من سنة 94 للهجرة، وعمره 58 سنة؛ ودفن عليه السلام بالبقيع في القبر الذي دُفِن فيه عمُّه الحسن بن علي، بقبة العباس بن عبد المطلب. 
 

02:02 on 2024/02/27
اضافة تعليق
*