اﻹﻣﺎﻡ المهديُّ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ (اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺰﻛﻴﺔ) .. [ 93 - 145 ﻫـ / 712 - 762 ﻣ ]
نسبُه الشَّريف :
ﻫﻮ اﻹﻣﺎﻡ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻷﺋﻤﺔ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﻤﺤﺾ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺴﺒﻂ بن علي بن أبي طالب ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ. وُلِد سنة ثلاثة وتسعين للهجرة وقيل مائة وقيل غير ذلك، وكانت قد حملت به أمُّه أربع سنين. كنيتُه ولقبُه : يُكنَّى بأبي عبدالله، وقيل بأبي اﻟﻘﺎﺳﻢ، وكان يقال له ﺻﺮﻳﺢ ﻗﺮﻳﺶ لأنَّه ﻟﻢ يكن هناك ﺃﻡُّ ﻭَﻟَﺪٍ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺁﺑﺎﺋﻪ ﻭأﻣَّﻬﺎﺗﻪ ﻭﺟﺪَّاﺗﻪ. كما كان يُلقَّبُ باﻟﻤﻬﺪﻱ، لما جاء في الحديث ((اﺳﻤﻪ ﻛﺎﺳﻤﻲ ﻭاﺳﻢ ﺃﺑﻴﻪ ﻛﺎﺳﻢ ﺃﺑﻲ))، ولُقِّبَ أيضاً باﻟﻨَّﻔﺲ اﻟﺰﻛﻴُّﺔ؛ وذلك للخبر الذي جاء عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ((ﺇﻥَّ اﻟﻨَّﻔﺲ اﻟﺰﻛﻴَّﺔ ﻳُﻘﺘﻞُ ﻓﻴﺴﻴﻞُ ﺩﻣُﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺠﺎﺭِ اﻟﺰﻳﺖ، ﻟﻘﺎﺗﻠﻪ ﺛﻠﺚُ ﻋﺬاﺏ ﺃﻫﻞ ﺟﻬﻨَّﻢ))، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﻮ ﻫﺎﺷﻢ ﻻ ﺗﺪﻋﻮﻩ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﻬﺪﻱ.
والِدُه : هُوَ عبدُاللهِ بنُ الحسن المثنى ويُلقّب بالمحض لأنّه أوّل فاطمي يَخرُج صَريحاً محضاً من أبوين فاطمِيّين فوالده الحسن المثنى (ع)، و والدتهُ فاطمة بنت الحسين بن علي عليها وعلى آبائها السلام . وكان يقال: من أجمل النَّاس؟ من أفضل النَّاس؟ من كذا؟ من كذا؟ فيقال: عبدالله، ولذلك لُقِّبَ بالكامل، وقد ظهرت صفات الكَمال في كثيرٍ من أولاده (ع)، فمنهُم الأئمة والفُضلاء، فمِنَ الأئمة محمد النفس الزكيّة، وإبراهيم النفس الرضيّة، ويحيى صاحب الديلَم، وإدريس صاحب المغرب، ومِنَ الفُضلاء موسى الجون، وسليمان وهُو الشهيد مع ابن أخته الإمام الحسين الفخي (ت 169 ) . وعبدُالله الكاملُ هذا هو أحَدُ أولئك النّفر الذين حَبَسَهُم الخليفةُ العبَّاسي أبو جعفر المنصور كافاه الله بصنيعه، فأغلَظَ عليه وعلى بني الحَسن وأثقلَ قيودَهُم، وأجهدَ نفسَهُ في أذيّتهُم، فلا رَحِمَاً هاشميّة نفعَت، ولا رَحِمَاً إسلاميّة أثَّرت.
ﺃﻣُّﻪ : هي ﻫﻨﺪُ ﺑﻨﺖُ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺯﻣﻌﺔ ﺑﻦ اﻻﺳﻮﺩ ﺑﻦ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ اﺳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻯ ﺑﻦ ﻗﺼﻲ. ﺃﻭﻻﺩُﻩ : ﻋﺒﺪُاﻟﻠﻪ اﻷﺷﺘﺮُ ﻗُﺘِﻞ ﺑـ(ﻛﺎﺑﻞ) ﻭﻟﻪ ﻋَﻘِﺐ، ﻭ ﻋﻠﻲٌّ ﺩَﺭَﺝ ﺃُﺧِﺬَ ﺑـ(ﻣِﺼﺮ) ﻓﻤﺎﺕَ ﻓﻲ ﺣَﺒﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻤﻬﺪﻱ، ﻭ اﻟﺤﺴﻦُ ﻗُﺘِﻞَ ﺑـ(ﻓَﺦّ). ﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻄﺎﻟﺒﻴﻮﻥ ﻏﻴﺮ ﻫﺆﻻء، ﻭﺫﻛﺮ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﺣﺴﻴﻨﺎً. ﻭﺃﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ ﺃﻧَّﻪ ﻭَﻟَﺪَ اﺑﻨﺘﻴﻦ: ﻓﺎﻃﻤﺔ، ﻭﺯﻳﻨﺐ ﺩﺭﺟﺘﺎ، ﻭﺃُﻣُّﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺃﻡُّ ﺳَﻠﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺜَّﺎﻧﻲ ﺑﻦ الحسن ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ.
نشأتُه وصفتُه :
ﻟﻤَّﺎ ﻭُﻟﺪ محمَّدُ بنُ عبد الله ﺳَﻤَّﺎﻩ ﺃﺑﻮﻩ ﻣﺤﻤﺪاً ﺇﺫ ﺗﺒﺎﺷﺮ ﺑﻪ ﺁﻝُ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، لموافقته اﺳﻢَ اﻟﻨَّﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭاﺳﻢَ ﺃﺑﻴﻪ ﻓﺄﻣَّﻠﻮﻩ ﻭﺭﺟﻮﻩ ﻭﻭﻗﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺤﺒَّﺔ، ﻭﺟﻌﻠﻮا ﻳﺘﺬاﻛﺮﻭﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ، ﻓﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺷﺎﻋﺮﻫﻢ:
ﻟﻴﻬﻨـﻜﻢ اﻟﻤــﻮﻟـﻮﺩُ ﺁﻝَ ﻣﺤﻤـﺪ ﺇﻣﺎﻡُ ﻫﺪﻯً ﻫﺎﺩﻱ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔِ ﻣﻬﺘﺪﻱ
ﻳﺴﻮﻡ ﺃﻣﻲ اﻟﺬﻝ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻋﺰﻫﺎ ﻭﺁﻝ اﺑﻲ اﻟﻌـﺎﺹ اﻟﻄﺮﻳﺪ اﻟﻤُﺸَّـﺮﺩِ
ﻓﻴﻘﻠﺘـﻬﻢ ﻗﺘــﻼً ﺫﺭﻳﻌــﺎً ﻭﻫـﺬﻩ ﺑﺸـــﺎﺭﺓُ ﺟـﺪَّﻳــﻪِ ﻋﻠـﻲٍّ ﻭ ﺃﺣﻤـﺪِ
ﻫُﻤـﺎ ﺃنبــآﻧـﺎ ﺃﻥَّ ﺫﻟـﻚ ﻛـﺎﺋـﻦٌ ﺑﺮﻏﻢ ﺃُﻧُــﻮﻑٍ ﻣِـﻦ ﻋـﺪاﺓٍ ﻭ ﺣُﺴَّـﺪِ
ﺃﻣﻴَّﺔُ ﺻﺒﺮاً ﻃﺎﻝَ ﻣﺎ ﺃﻃﺮﺕ ﻟﻜﻢ ﺑﻨـﻮ ﻫـﺎﺷـﻢٍ ﺁﻝُ اﻟﻨَّﺒــﻲِّ ﻣﺤﻤـﺪِ
ﻭﻛﺎﻥ ﻋَﻠَﻴْﻪ اﻟﺴَّﻼﻡ ﻟﺒﻴﺒﺎً ﻓﻲ ﺻﻐﺮﻩ، ﻃﺎﻫﺮاً ﻓﻲ ﻓﻌﻠﻪ ﻭﻧﺸﺄﺗﻪ، ﻣﻌﻈّﻤﺎً ، ﻻ ﻳَﻤُﺮُّ ﺑﻤﻸ ﺇﻻ ﺃﻇﻬﺮﻭا ﺗﻌﻈﻴﻤﻪ، ﻓﺸﺎﻉ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺳﺮَّ به ﺁﻝُ ﻣﺤﻤﺪ (ع)، فنشأ ﻣﺄﻣﻮﻻً ﻓﻲ ﺣﺎﻻﺗﻪ، ﻣﺤﻤﻮﺩاً ﻓﻲ ﻣﻨﺸﺌﻪ، ﻓﻬﻴﻤﺎً ﻓﻲ ﺭﺃﻳﻪ، ﻟﺒﻴﺒﺎً ﻓﻲ صِغَره، طاهراً في فعله، ﻣُﻌﻈَّﻤﺎً ﻣُﺒَﺠَّﻼً ﻋﻨﺪ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻤﻸ، ﻭﺃﺑﻮﻩ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺣﻲٌّ، ﻭاﺳﺘﻘﺎﻡ ﺣﺎﻟُﻪ ﻭﺣﺪﻳﺜُﻪ ﻭﺳَﻤَّﻮﻩ اﻟﻤﻬﺪﻱ، ﻭﻓﻀﻠَّﻪ أبوه ﻋﺒﺪُاﻟﻠﻪ ﺑﻦُ اﻟﺤﺴﻦ ﻭﺃﺟﻠَّﻪ. ﻭﺟﻌﻞ ﺯﻭَّاﺭُ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﺮاﻕ ﻳﺄﺗﻮﻧﻪ ﻟﻠﻨَّﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺑﺄﻣﺮﻩ، ﻓﻘﺎﻝ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾُ ﺷﻌﺮاﺋﻬﻢ:
ﺇﻥِ اﻟﻤﻬﺪﻱُّ ﻗﺎﻡ ﻟﻨﺎ ﻭﻓﻴﻨﺎ ﺃﺗـﺎﻧﺎ اﻟﺨﻴـﺮُ ﻭ اﺭﺗﻔـﻊ اﻟﺒــﻼءُ
ﻭﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﻋﻤﻮﺩُ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﻘﺎً ﻭﻭﻟَّﻰ اﻟﺠﻮﺭُ ﻭاﻧﻜﺸﻒُ اﻟﻐﻄﺎءُ
ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻳﺜﺮﺏ ﻣﻦ ﺩاﺭ ﻫﺎﺩٍ ﻋﻠﻴﻬــﺎ ﻣــﻦ ﺷــﻮاﻫـﺪﻩ ﺑﻬـﺎءُ
ﻧﺮﻯ ﻋِﺰَّ اﻟﺒﻬﺎءِ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻧـﻮﺭُ اﻟﺤﻖِّ ﻳﺴﻄﻊُ ﻭ اﻟﻀﻴﺎءُ
أمَّا صفاتُه الخَلقِيَّةُ فكان ﺁﺩﻡَ اﻟﻠَّﻮﻥ ﺷﺪﻳﺪَ اﻷﺩَﻣﺔ، ﻗﺪ ﺧﺎﻟﻂ اﻟﺸﻴﺐُ ﻓﻲ ﻋﺎﺭﺿﻴﻪ. كما ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻓﻀﻞِ ﺃﻫﻞِ ﺑﻴﺘﻪ، ﻭأﻛﺒﺮِ أﻫﻞ ﺯﻣﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﻔﻈﻪ ﻟﻪ ﻭﻓﻘﻬﻪ ﻓﻲ اﻟﺪِّﻳﻦ ﻭﺷﺠﺎﻋﺘﻪ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﺑﺄﺳﻪ ﻭﻛﻞِّ أﻣﺮٍ ﻳﺠﻤﻞ ﺑﻤﺜﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﺸﻚَّ أﺣﺪٌ أنَّه اﻟﻤﻬﺪﻱ ﻭﺷﺎﻉ ﺫﻟﻚ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻣَّﺔ ، كما ﻛﺎﻥ ﺧﻄﻴﺒﺎً ﺑﺎﺭﻋﺎً ﻳُﺸَﺒَّﻪُ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺑﻌﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻋَﻠَﻴْﻪ اﻟﺴَّﻼﻡ، ﻋﻠﻰ ﺗَﻤﺘَﻤَﺔٍ ﻛﺎﻧﺖ ﺗَﻌﺘﺮﻳﻪ ﺇﺫا ﺗَﻜَﻠَّﻢ، ﻓﺈﺫا ﻋَﺮَﺿﺖ ﻟﻪ ﺿَﺮَﺏَ ﺑﻴﺪﻩ ﺻﺪﺭَﻩ ﻓﻴﻨﻔﺘﺢُ ﻟﺴﺎﻧُﻪ، وكان ﺃَﻳﺪاً ﻗﻮﻳَّﺎً، ﺇﺫا ﺻﻌﺪَ اﻟﻤﻨﺒﺮَ ﻳﺘﻘﻌﻘﻊُ ﻋﻨﻪ اﻟﻤﻨﺒﺮُ، ﻭﺃﻧَّﻪ ﺃﻗﻞَّ ﺻﺨﺮﺓً ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻜﺒﻴﻪ ﻓﺤﺰﺭﻭﻫﺎ ﺃﻟﻒ ﺭﻃﻞ. ﻭﻫﻮ ﺃﻭَّﻝُ ﻣﻦ ﻇَﻬﺮَ ﻣﻦ ﺁﻝِ ﺭﺳﻮﻝِ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻓﺨُﻮﻃِﺐَ ﺑﺄﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻭﺑﻌﺪَﻩ ﻣﺤﻤﺪُ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ.
حَيَــاتُه العِلميةُ :
اهتمَّ ﻋﺒﺪُاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ وحَرِصَ على أن يُنشئ جيلاً مفعماً بالعلم، مستشعراً لعظمة الدين، فكان ﻳﺄﻣﺮ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪاً ﺑﻄﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﺘَّﻔﻘُّﻪ ﻓﻲ اﻟﺪِّﻳﻦ، ﻭﻛﺎﻥ يجيء ﺑﻪ ﻭﺑﺄﺧﻴﻪ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺇﻟﻰ اﺑﻦ ﻃﺎﻭﺱ ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﺣﺪِّﺛﻬﻤﺎ ﻟﻌَﻞَّ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻔﻌَﻬﻤﺎ. كما لقي ﻣﺤﻤﺪٌ ﻧﺎﻓﻌﺎً ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻭﺳَﻤﻊ ﻣﻨﻪ، ﻭلقي ﺃﺑﺎ اﻟﺰِّﻳﺎﺩ ﻭﺳَﻤﻊ ﻣﻨﻪ ﻭﺣﺪَّﺙ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻭﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻤﺎ، ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺳَﻤِﻊ ﻣﻦ ﺁﺑﺎﺋﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴَّﻼﻡ، ﻭﻟَﺰِﻣَﻪ ﻭاﺻﻞُ ﺑﻦ ﻋﻄﺎء ﻭﻏﻴﺮُﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻜﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﺣﺪﻳﺜُﻪ ﻗﻠﻴﻼً، فرُوي ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻠﻪ، ﻓﻤﻤَّﻦ ﺣﺪَّﺙ ﻋﻨﻪ ﻋﺒﺪُاﻟﻠﻪ ﺑﻦُ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻮﺭ ﺑﻦ ﻣﺨﺮﻣﺔ، ﻭﻏﻴﺮﻩ. ومما يدلُّ على فقهه وغزارة علمه أنَّ أبا ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻮاﺳﻄﻲ ﻭاﻟﻘﺎﺳﻢَ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺴﻠﻤﻲ كانا معه ﻭﻛﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺻﻠﻮاﺕ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ. فقال اﻟﻘﺎﺳﻢُ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﺇﻥَّ اﻟﻨَّﺎﺱ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥَّ ﺻﺎﺣﺒﻜﻢ ﻣﺤﻤﺪاً ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ اﻟﻔﻘﻪ. ﻗﺎﻝ ﻓﺘﻨﺎﻭﻝ ﺳﻮﻃَﻪ ﻣﻦ الأرض ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﻗﺎﺳﻢ اﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ، ﻣﺎ ﻳﺴﺮﻧﻲ أﻥَّ الأمَّة اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻋﻠﻲَّ ﻛﻤﻌﻼﻕ ﺳﻮﻃﻲ ﻫﺬا ﻭأنِّي ﺳـﺌﻠﺖ ﻋﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﺤﻼﻝ ﺃﻭ اﻟﺤﺮاﻡ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻱ ﻣﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ، ﻳﺎ ﻗﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ، ﺇﻥَّ ﺃﺿﻞَّ اﻟﻨَّﺎﺱ ﺑﻞ ﺃﻇﻠﻢَ اﻟﻨَّﺎﺱ، ﺑﻞ ﺃﻛﻔﺮَ اﻟﻨَّﺎﺱ ﻣﻦ اﺩَّﻋﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ الأمَّة، ﺛُﻢَّ ﺳُﺌﻞ ﻋﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﺤﻼﻝ ﻭاﻟﺤﺮاﻡ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻨﻪ ﻣﺨﺮﺝ. أمَّا مؤلفاتُه فله ﻛﺘﺎﺏُ (اﻟﺴِّﻴَﺮ) اﻟﻤﺸﻬﻮﺭ، ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ: وﺳﻤﻌﺖ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻓﻘﻬﺎء ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥ (ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ) ﻧﻘﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻟﺴﻴﺮ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎﺏ، وفيه من غرائب الفقه ما يدل على علوِّ منزلته، ويكشف عن عالي مرتبته. ﻭﻗﺪ ﺧَﺮَّﺝَ ﻟﻪ ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﻟﺘّﺮﻣﺬﻱّ، ﻭاﻟﻨَّﺴﺎﺋﻲّ ﻭﻭَﺛَّﻘَﻪ.
كلامُ بعضِ أهل البيت (ع) فيه :
ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻬﺎﺩﻱ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﻖ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ اﻷﺋﻤﺔ: ﻭﻣﺜﻞ: ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ، اﻟﺬﻱ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺧﺮﺝ ﺫاﺕ ﻳﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺏ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: ((ﺃﻻ ﻭﺇﻧﻪ ﺳﻴﻘﺘﻞ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻊ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﻭﻻﺩﻱ، ﻛﺎﺳﻤﻲ، ﻭاﺳﻢ ﺃﺑﻴﻪ ﻛﺎﺳﻢ ﺃﺑﻲ، ﻳﺴﻴﻞ ﺩﻣﻪ ﻣﻦ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺠﺎﺭ اﻟﺰﻳﺖ، ﻭﻫﻮ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺰﻛﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺗﻠﻪ ﺛﻠﺚ ﻋﺬاﺏ ﺃﻫﻞ اﻟﻨﺎﺭ)). ﻗﺎﻝ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ (ع) : ﻟﻮ ﺃﻥَّ اﻟﻠﻪ ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻌﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻧﺒﻲ ﻟﻘﻠﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ -يعني النفس الزكيَّة -. وقال ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ وقد ﺳُﺌﻞ ﻋﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﺃﻫﻮ اﻟﻤﻬﺪﻱ اﻟﺬﻱ ﻳُﺬﻛﺮ؟ ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﻤﻬﺪﻱ ﻋِﺪَﺓٌ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻟﻨﺒﻴﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻋﺪﻩ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻪ ﻣﻬﺪﻳَّﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﻤِّﻪ ﺑﻌﻴﻨﻪ، ﻭﻟﻢ ﻳﻮﻗﺖ ﺯﻣﺎﻧﻪ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻡ ﺃﺧﻲ ﺑﻔﺮﻳﻀﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭاﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ، ﻓﺈﻥ ﺃﺭاﺩ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻠﻪ اﻟﻤﻬﺪﻱ اﻟﺬﻱ ﻳُﺬﻛَﺮ ﻓﻔﻀﻞ اﻟﻠﻪ ﻳﻤُﻦُّ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ، ﻭﺇﻻ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺮﻙ ﺃﺧﻲ ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻻﻧﺘﻈﺎﺭ ﻣﻴﻌﺎﺩٍ ﻟﻢ ﻳُﺆﻣﺮ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﺭﻩ. شهادةُ أبي جعفر المنصور ومبايعتُه له : كان أبو ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﻳﻘﻮﻝُ ﻓﻲ ﺃﻳَّﺎﻡ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴَّﺔ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻧﻔﺮٍ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴَّﺔ : ﻣﺎ ﻓﻲ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻋﻠﻢُ ﺑﺪﻳﻦ اﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﺃﺣﻖّ ﺑﻮﻻﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ. وقد اجتمع ﺟﻤﺎﻋﺔٌ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﺎﻷﺑﻮاء، ثم ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺑﺄﻱِّ ﺷﻲءٍ ﺗﺨﺪﻋﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴَﻜﻢ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻟﻘﺪ ﻋﻠﻤﺘﻢ ﻣﺎ اﻟﻨُّﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ﺃﺻﻮﺭ - ﺃﻱ ﺃﻣﻴﻞ - ﺃﻋﻨﺎﻗﺎ، ﻭﻻ ﺃﺳﺮﻉ ﺇﺟﺎﺑﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ - ﻳﺮﻳﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ -، ﻗﺎﻟﻮا: ﻗﺪ ﻭاﻟﻠﻪ ﺻﺪﻗﺖ ﺇﻥَّ ﻫﺬا ﻟﻬﻮ اﻟﺬﻱ ﻧﻌﻠﻢ ﻓﺒﺎﻳﻌﻮا ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﺤﻤﺪا، ﻭﻣﺴﺤﻮا ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ. ﻭﺑﺎﻳﻊ أبو جعفر المنصور لمحمد بن عبدالله ﻣﺮﺗﻴﻦ ﺇﺣﺪاﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭالأﺧﺮﻯ ﺑﻤﻜﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ ﻓﻠﻤَّﺎ ﺑﺎﻳﻌﻪ ﻗﺎﻡ ﻣﻌﻪ ﺣﺘَّﻰ ﺧﺮﺝَ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮاﻡ ﻓﺮﻛﺐ ﻓﺄﻣﺴﻚ ﻟﻪ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﺮﻛﺎﺏ ﺩاﺑِّﺘﻪ ﺛﻢَّ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﺃﻣﺎ ﺇﻧﻪ ﺇﻥ ﺃﻓﻀﻰ ﺇﻟﻴﻚ ﻫﺬا اﻻﻣﺮ ﻧﺴﻴﺖ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻭﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﻟﻲ. فانظر ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻠﻘَّﺐِ ﺑﺎﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﻭﺻﻨﻴﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ، ﻭﺇﻗﺮاﺭﻩ ﺑﻔﻀﻠﻪ، ﻭﻣﺎ اﻧﺘﻬﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﺎﻟُﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺳﻔﻚ ﺩﻣِﻪ ﻓﻲ ﺣَﺮَﻡ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ اﻟﺬﻱ ﺣُﺮِّﻡَ ﻓﻴﻪ ﻋﺾ ﺷﺠﺮﺓ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻐُﺼﻦٍ ﻣﻦ ﺃﻏﺼﺎنِ المصطفى صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. كلامُ واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد فيه ومبايعتُهما له : اﺟﺘﻤﻊ ﻭاﺻﻞ ﺑﻦ ﻋﻄﺎء، ﻭﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻤﺨﺰﻭﻣﻲ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻓﺘﺬاﻛﺮﻭا اﻟﺠﻮﺭ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ: ﻓﻤﻦ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﻤﻦ ﻳﺴﺘﻮﺟﺒﻪ، ﻭﻫﻮ ﻟﻪ ﺃﻫﻞ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻭاﺻﻞ: ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﺻﺒﺢ ﺧﻴﺮ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ: ﻣﺎ ﺃﺭﻯ ﺃﻥ ﻧﺒﺎﻳﻊ ﻭﻻ ﻧﻘﻮﻡ ﺇﻻ ﻣﻊ ﻣﻦ اﺧﺘﺒﺮﻧﺎﻩ ﻭﻋﺮﻓﻨﺎ ﺳﻴﺮﺗﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻭاﺻﻞ: ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺃﻣﺮ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻠﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺃﺑﺎﻩ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﻓﻲ ﺳﻨﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ ﻭﻣﻮﺿﻌﻪ، ﻗﺪ ﺭﺁﻩ ﻟﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﺃﻫﻼ، ﻭﻗﺪﻣﻪ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻜﺎﻥ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻣﺎ ﻧﺮاﻩ ﻟﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ. ثم خرجت ﺟﻤﺎﻋﺔٌ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﺼﺮﺓ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ إلى محمد بن عبدالله ﻣﻨﻬﻢ: ﻭاﺻﻞ ﺑﻦ ﻋﻄﺎء، ﻭﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻮا ﺳﻮﻳﻘﺔ، ﻓﺴﺄﻟﻮا ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻟﻬﻢ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪا ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻠﻤﻮﻩ، ﻓﻄﻠﺐ ﻟﻬﻢ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻓﺴﻄﺎﻃﺎ، ﻭاﺟﺘﻤﻊ ﻫﻮ ﻭﻣﻦ ﺷﺎﻭﺭﻩ ﻣﻦ ﺛﻘﺎﺗﻪ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ، ﻓﺄﺧﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ، ﻓﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺫﻛﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ، ﻭﺣﺎﻟﻪ، ﻭﺩﻋﺎﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﻌﺘﻪ، ﻭﻋﺬﺭﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺧﺮ ﻋﻨﻪ، ﻓﻘﺎﻟﻮا: اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧَّﺎ ﻧﺮﺿﻰ ﺑﺮَﺟُﻞ ﻫﺬا ﺭﺳﻮﻟُﻪ، ﻓﺒﺎﻳﻌﻮﻩ، ﻭاﻧﺼﺮﻓﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﺒﺼﺮﺓ. كلُّ هذه الشَّهاداتِ والمبايعاتِ تُنبئ عن المَكانة التِّي وصلَ إليها محمدُ بنُ عبدالله النَّفسُ الزكيَّة، حتى امتلأت قلوبُ النَّاسِ بمحبَّته، واشتغلت أفواهُهم بالحديث عنه وعن أفضليته، فلم يزالوا يرجون قيامه، وينتظرون بفارغ الصبر انتصاب أمره، وهذا أبو خالد اﻟﻮاﺳﻄﻲ من أصحاب الإمام زيد (ع) يشهدُ بذلك حينَ يقولُ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺻﻠﻮاﺕ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮﺭﻩ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﻣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻭﻣﺎ ﻳﺴُﺮُّﻙ ﻣﻨﻪ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ؟ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﺃُﺳﺮُّ ﺑﺄﻣﺮٍ ﻳُﺨﺰﻱ اﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﺃﻋﺪاءَﻩ ﻭﻳُﻈﻬﺮُ ﺑﻪ ﺃﻭﻟﻴﺎءَﻩ. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ، ﺃﻧﺎ ﺧﺎﺭﺝٌ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻘﺘﻮﻝ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﺴﺮُّﻧﻲ ﺃﻥَّ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ ﻟﻲ ﻋﻮﺿﺎً ﻣﻦ ﺟﻬﺎﺩﻫﻢ، ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ، ﺇﻥَّ اﻣﺮﺃً ﻣﺆﻣﻨﺎً ﻻ ﻳﻤﺴﻲ ﺣﺰﻳﻨﺎً ﻭﻻ ﻳﺼﺒﺢ ﺣﺰﻳﻨﺎً ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺇﻧَّﻪ ﻟﻤﻐﺒﻮﻥٌ ﻣﻔﺘﻮﻥ. ﻗﻠﺖ: ﻳﺎﺳﻴﺪﻱ ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻥَّ اﻟﻤﺆﻣﻦَ ﻟﻜﺬﻟﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﺑﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻣﻘﻬﻮﺭﻭﻥ ﻣﺴﺘﻀﻌﻔﻮﻥ ﺧﺎﺋﻔﻮﻥ، ﻻﻧﺴﺘﻄﻴﻊُ ﻟﻬﻢ ﺗﻐﻴﻴﺮاً؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ، ﺇﺫا ﻛﻨﺘﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻼ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻟﻬﻢ ﺟﻤﻌﺎً ﻭاﻧﻔﺮﻭاً ﻣﻦ ﺃﺭﺿﻬﻢ. فكانت كلُّ هذه الأحداث واللقاءات كالإرهاصات والمُقدِّمات التي تُشعرُ بقُربِ قيامِ ثورة جديدة لأهل البيت (ع)، وقيام إمامٍ جديدٍ آمراً بالمعروف وناهياً عن المُنكر، لتكونَ كلمةُ الله هي العُليا وكلمةُ الذين كفروا السُّفلى.
مكاتبــاتُـه و دعـواتُـه :
ﻛﺎﻥ الإمامُ محمدُ بنُ عبدالله ﻳُﻜﺎﺗﺐُ اﻟﻨَّﺎﺱَ قبل ظهوره، ﻓﻜﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻳﺪﻋﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﻧُﺼﺮﺓ اﻟﺤﻖًِّ، فقال : ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ. ﺃﻣَّﺎ ﺑﻌﺪُ ﻓﺈﻥَّ اﻟﻠﻪَ ﺟﻞَّ ﺛﻨﺎﺅُﻩ ﺟﻌﻞَ ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﺯﻣﺎﻥٍ ﺧِﻴَﺮَﺓً، ﻭﻣِﻦ ﻛﻞِّ خِيَرَةٍ ﻣﻨﺘﺠﺒﺎً، ﻭاﻟﻠﻪُ ﺃﻋﻠﻢُ ﺣﻴﺚُ ﻳﺠﻌﻞُ ﺭﺳﺎﻻﺗﻪ، ﻓﻠﻢ ﺗﺰﻝ اﻟﺨِﻴَﺮَﺓُ ﻣﻦ ﺧَﻠﻘِﻪ ﺗﺘﻨﺎﺳﺦُ ﺃﺣﻮاﻻً ﺑﻌﺪَ ﺃﺣﻮاﻝ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﻔﻮﺓُ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪُ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺳﻴِّﺪُ اﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ، ﻭﺧﺎﺗﻢُ اﻟﻨﺒﻴﻴﻦ؛ اﺧﺘﺼَّﻪ اﻟﻠﻪُ ﺑﻜﺮاﻣﺘﻪ ﻭﺃﺧﺮﺟَﻪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﺧﻠﻘﻪ ﻗﺮﻧﺎً ﻓﻘﺮﻧﺎً، ﻭﺣﺎﻻً ﺑﻌﺪَ ﺣﺎﻝ ﻣﺤﻔﻮﻇﺎً ﻣﺠﻨﺒﺎً ﺳﻮء اﻟﻮﻻﺩاﺕ، ﻣﺘَّﺴِﻘﺎً ﺑﺄﻛﺮﻡ اﻵﺑﺎء ﻭاﻷﻣَّﻬﺎﺕ، ﻓﻠﻮ ﺃﻥَّ ﺃﺣﺪَﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ، ﻭﻋﻨﺪَ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺣﺎﻟﻪ ﻻﺻﻄﻔﺎﻩ ﻭﻷﺧﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﻣﺨﺮﺟﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻟﻜﻦ ﻧﻈﺮَ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ، ﻭاﺧﺘﺎﺭَﻩ ﻟﺮﺳﺎﻟﺘﻪ، ﻭاستحفظه ﻣﻜﻨﻮﻥَ ﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻭﺃﺭﺳﻠَﻪ ﺑﺸﻴﺮاً ﻭﻧﺬﻳﺮاً ﻭﺩاﻋﻴﺎً ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﺑﺈﺫﻧﻪ «ﻭﻗﺎﺋﺪاً إلى الله» ، ﻭﺳﺮاﺟﺎً ﻣﻨﻴﺮاً. ﺛﻢ ﻗﺒﻀﻪ اﻟﻠﻪُ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﻤﻴﺪاً ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻓﺨﻠَّﻒَ ﻛﺘﺎﺑَﻪ اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻫَﺪﻱٌ ﻭاﻫﺘﺪاءُ، ﻭﺃﻣَﺮَ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ، ﻭﻗﺪ ﻧﺠَﻢَ اﻟﺠﻮﺭُ ﻭﺧُﻮﻟِﻒَ اﻟﻜﺘﺎﺏُ اﻟﺬﻱ ﺑﻪ ﻫﺪﻱٌ ﻭاﻫﺘﺪاءُ، ﻭﺃُﻣِﻴﺘﺖ اﻟﺴُّﻨَّﺔُ، ﻭﺃُﺣﻴﻴﺖ اﻟﺒﺪﻋَﺔُ، ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺪﻋﻮﻛﻢ -ﺃﻳُّﻬﺎ اﻟﻨَّﺎﺱُ- ﺇﻟﻰ: اﻟﺤُﻜﻢِ ﺑﻜﺘﺎﺏِ اﻟﻠﻪ، ﻭﺇﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞِ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ، ﻭﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭِ اﻟﻤُﻨﻜﺮ ﻭﺇﻟﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭاﻟﻨَّﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤُﻨﻜﺮ، ﻭﻧﺴﺘﻌﻴﻨُﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ، ﻣﻦ اﻟﻤُﻌَﺎﻭﻧﺔِ ﻋﻠﻰ اﻟﺒِﺮِّ ﻭاﻟﺘَّﻘﻮﻯ. ﻭاﻋﻠﻤﻮا ﺃﻳُّﻬﺎ اﻟﻨَّﺎﺱُ ﺃﻧَّﻜﻢ ﻏﻴﺮُ ﻣُﺼﻴﺒﻲ اﻟﺮّﺷﺪ ﺑﺨﻼﻓﻜﻢ ﻟﺬُﺭِّﻳﺔِ ﻧﺒﻴﻜﻢ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻭﻭﺿﻌﻜﻢ اﻷﻣﺮَ ﻓﻲ ﻏﻴﺮِ ﻣَﺤَﻠِّﻪ، ﻓﻌﺎﺯﺕ ﻷﺣﺪﻛﻢ ﺑﻌﺪ ﺟﻤﺎﺣﻬﺎ، ﻭﺗﻔﺮَّﻗﺖ ﺟﻤﺎﻋﺘُﻜﻢ ﺑﻌﺪَ اﺗِّﺴﺎﻗﻬﺎ، ﻭﺷﺎﺭﻛﺘُﻢ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺃﻭﺯاﺭﻫﺎ ﻟﺘﺮﻛﻜﻢ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮَ ﻋﻠﻰ ﺃُﻣﺮاﺋﻬﺎ، ﻭﺩﻓﻊِ اﻟﺤَﻖِّ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻟﻴﺎﺋﻪ، ﻓﻼ ﺳَﻬﻤُﻨﺎ ﻭﻓﻴﻨﺎﻩ، ﻭﻻ ﺗﺮاﺛُﻨﺎ ﺃﻋﻄﻴﻨﺎﻩ، ﻭﻣﺎ ﺯاﻝ ﻳُﻮﻟَﺪُ ﻣﻮﻟﻮﺩﻧُﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﻮﻑ، ﻭﻳﻨﺸﺄُ ﻧﺎﺷﺌُﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﻬﺮ ﻭﻳﻤﻮﺕُ ﻣَﻴُّﺘﻨﺎ ﺑﺎﻟﺬُّﻝ ﻭاﻟﻘﻬﺮ ﻭاﻟﻘﺘﻞِ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺑﻨﻲ اﺳﺮاﺋﻴﻞ، ﺗُﺬﺑﺢُ ﺃﺑﻨﺎﺅُﻫﻢ ﻭﺗُﺴﺘﺤﻴﺎ ﻧﺴﺎﺅُﻫﻢ، ﻭﻳُﻮﻟﺪُ ﻣﻮﻟﻮﺩُﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻤَﺨﺎﻓﺔ، ﻭﻳﻨﺸﺄُ ﻧﺎﺷﺌُﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻌُﺒُﻮﺩﻳَّﺔ، ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﻓَﺨَﺮَﺕ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﺣﻴﺎء ﺑﻤﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺩاﻧﺖ اﻟﻌﺠﻢُ ﻟﻠﻌﺮﺏ ﺑﺎﺩﻋﺎﺋﻬﺎ ﻟﺤﻘﻨﺎ، ﻭاﻟﻔﺨﺮ ﺑﺄﺑﻴﻨﺎ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺛُﻢَّ ﻣُﻨِﻌﻨَﺎ ﺣَﻘَّﻪ، ﻭﺩُﻓﻌﻨﺎ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻪ، ﺃَﻣَﺎ ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﺭَﺟُﻮا اﻟﺘَّﻤﻜﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﻼﺩ ﻭاﻟﻈُّﻬﻮﺭَ ﻋﻠﻰ اﻷﺩﻳﺎﻥ، ﻭﺗﻨﺎﻭﻝ اﻟﻤُﻠﻚِ ﺑﺨﻼﻑِ ﺇﻇﻬﺎﺭ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻭﺑﺨﻼﻑ اﻟﺪَّﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭاﻹﺫﻋﺎﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻻﺗَّﺨﺬﻭا ﺃﺳﺎﻃﻴﺮَ ﻣﺨﺘﻠﻘﺔً ﺑﺄﻫﻮاﺋﻬﻢ، ﻭﻋﺒﺪﻭا اﻷﻭﺛﺎﻥ ﺑﺂﺭاﺋﻬﻢ، ﻭﻻﺗَّﺨﺬﻭا ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺯﻋﻴﻤﺎً. ﻓﺎﺗَّﻘﻮا اﻟﻠﻪ ﻋﺒﺎﺩَ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﺟﻴﺒﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﺤَﻖِّ، ﻭﻛﻮﻧﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻋﻮاﻧﺎً ﻟﻤﻦ ﺩﻋﺎﻛﻢ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻻ ﺗﺄﺧﺬﻭا ﺑﺴُﻨَّﺔ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻞ ﺇﺫ ﻛﺬَّﺑﻮا ﺃﻧﺒﻴﺎءِﻫﻢ، ﻭﻗﺘﻠﻮا ﺫﺭﻳﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻧَّﻬﺎ ﺳُﻨَّﺔٌ ﻛﺴﻨﺔٍ ﺗﺮﻛﺒﻮﻧﻬﺎ ﻭﻋُﺮﻭﺓٌ ﺑﻌﺪَ ﻋُﺮﻭﺓٍ ﺗﻨﻜﺜﻮﻧﻬﺎ ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﺟﻞَّ ﺛﻨﺎﺅﻩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ: {ﻟﺘﺮﻛﺒﻦ ﻃﺒﻘﺎ ﻋﻦ ﻃﺒﻖ} [ اﻻﻧﺸﻘﺎﻕ:19] . ﻓﺎﻋﺮﻓﻮا ﻓﻀﻞَ ﻣﺎ ﻫﺪاﻛﻢ اﻟﻠﻪُ ﺑﻪ ﻭﺗﻤﺴَّﻜﻮا ﺑﻮﺛﺎﺋﻘﻪ، ﻭاﻋﺘﺼﻤﻮا ﺑﻌُﺮﻭﺗﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻫﺮﺝ اﻷﻫﻮاء، ﻭاﺧﺘﻼﻑِ اﻷﺣﺰاﺏ، ﻭﺗَﻨَﻜُّﺐِ اﻟﺼَّﻮاﺏ، ﻓﺈﻥَّ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﺣﺠﺔٌ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺑﻠﻐﻪ، ﻭﺭﺣﻤﺔٌ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻗَﺒِﻠَﻪ. ﻭاﻟﺴﻼﻡ. حِيـلَةُ أبي جعفر مع أهلِ خُرسـان : ﻛﺎﻧﺖ بدايةُ ﺩﻋﻮة الإمام محمد بن عبدالله ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ، عقِب ﻗﺘﻞِ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ، ﻭﻭﻗﻮﻉِ اﻟﻔﺘﻨﺔِ ﺑﻌﺪﻩ بين بني أميَّة، فبايعه ﺃﻫﻞُ البيتِ (ع) اﻷﻛﺎﺑﺮُ ﻭاﻷﺻﺎﻏﺮُ، ﻭاﻟﻬﺎﺷﻤﻴُّﻮﻥ ﻛﻠُّﻬﻢ، ودعوا بالبيعة له، وكان قد كاتب النَّاس في كثير من البلدان، فانتشرت دعوته، وبلغت أهلََ الفضلِ والدِّين، فتلقَّوها بالقبول والإجابة لمعرفتهم بفضله وزهده وعلمه، وعندما وصلت دعوتُه خرسانَ وبايعه الجمهورُ من أهلها، اضطربوا على أبي جعفر اضطراباً شديداً، حتَّى هَمُّوا بطرد ولاته ودُعاته، فقَتَلَ أبو جعفر محمدَ بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، وأمُّه فاطمة بنت الحسين، وأَمَرَ برأسه مع عدَّةٍ من النَّاس إلى أهل خرسان يحلفون لهم أنَّه محمدُ بنُ عبدالله بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يوهمهم أنَّه الإمام محمد بن عبدالله النَّفس الزكيَّة)، فسكتوا بعد أن كانوا همُّوا بخلع أبي الدوانيق .
قيــامُ الإمِـام محمد بن عبدالله :
ﻟﻤَّﺎ ﻛﺎﻥ ما كان مِن تَجَبُّرِ أبي جعفر المنصور، وإمعانهِ في أذيَّة أهل البيت عليهم السَّلام، وما كان منه من ﺃَﺳﺮِ ﺑﻨﻲ ﺣَﺴَﻦ، وموتِ عبدالله بن الحسن في سجن الهاشميةٍ، وأَمَرَ أبو جعفر رياحاً أن يُنفذَ موسى بن عبدالله إليه، بعد أن كان ضربه ستمائة ضربة بالسوط، وﻋَﻠِﻢَ ﻣﺤﻤﺪُ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ (ع) بذلك ﺷﻬﺮَ ﻧﻔﺴَﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻇﻬﻮﺭُﻩ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪَ اﺳﺘﺘﺎﺭِﻩ اﻟﺪَّﻫﺮَ اﻷﻃﻮﻝَ، ﻭﺇﻧﻔﺎﺫِﻩ اﻟﺪﻋﺎﺓَ ﺇﻟﻰ اﻵﻓﺎﻕ، وذلك ﻟﻠﻴﻠﺘﻴﻦ ﺑﻘﻴﺘﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﺩﻯ اﻵﺧﺮ ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻭﻣﺎﺋﺔ، ﻭﺭُﻭﻱ ﻓﻲ ﻏﺮَّﺓ ﺭﺟﺐ.
(تفريع.. كان من قصة موسى ﺑﻦِ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ أنَّ أبا جعفر المنصور رَدَّه ﻣِﻦ اﻟﺮَّﺑَﺬﺓ ﻟﻴﻜﻮﻥَ ﻋﻴﻨﺎً ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺧَﻮﻳﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ بعدَ أن اشتغلَ ﺑﺄﻣﺮﻫﻤﺎ فصارَ ﻳﻄﻤﻊُ ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﻣَﻄﻤﻊ، فأقام إبراهيم مدَّةً في المدينة حتَّى أَمَرَ ﺭﻳﺎﺡٍ - والي أبي جعفر على المدينة - ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ ﺃﻧَّﻚ ﺃﻣﺮﺕَ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺟﺎﺳﻮﺳﺎًً ﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﻮﻳﻪ ﻭﻫﻮ ﻟﻬﻤﺎ ﺟﺎﺳﻮﺱٌ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻓﻠﻤَّﺎ ﺑَﻠﻎ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﺘﺎﺑُﻪ ﺃﻣﺮَ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻮﺛﻖَ ﻣﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻳُﻨﻔﺬَﻩ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻔﻌﻞَ ﺫﻟﻚ) .
فَزِعَ النَّاسُ إلى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﺃﻧﺲ ليستفتوه ﻓﻲ اﻟﺨُﺮُﻭﺝ ﻣﻊ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ. ﻭﻗِﻴﻞ ﻟﻪ: ﺇﻥَّ ﻓﻲ ﺃﻋﻨﺎﻗﻨﺎ ﺑﻴﻌﺔً لأبي ﺟﻌﻔﺮ. فأفتاهم بوجوبِ الخروج معه، وقال لهم: ﺇﻧَّﻤﺎ ﺑﺎﻳﻌﺘﻢ ﻣﻜﺮﻫﻴﻦ، ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻣُﻜﺮﻩ ﻳﻤﻴﻦ ﻓﺄﺳﺮﻉ اﻟﻨَّﺎﺱُ ﺇﻟﻰ الإمامِ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ولذﻟﻚ ﺗﻐﻴَّﺮ أبو جعفر المنصور على الإمامِ مالك، ﻓﻴُﻘﺎﻝ: ﺇﻧَّﻪ ﺧﻠﻊ ﺃﻛﺘﺎﻓﻪ . خَرَجَ الإمامُ محمد بن عبدالله (ع) ﻓﻲ مائتين وخمسين رَجُلاً، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻗﻠﻨﺴﻮﺓٌ ﺻﻔﺮاء ﻭﻋﻤﺎﻣﺔٌ ﻓﻮﻗَﻬﺎ، ﻣﺘﻮﺷﺤﺎً ﺳﻴﻔﺎً، ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ ﻷﺻﺤﺎﺑﺔ: ﻻ ﺗﻘﺘﻠﻮا ﻻ ﺗﻘﺘﻠﻮا، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺭاﻳﺘُﻪ ﻣﻊ اﻷﻓﻄﺲ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻋَﻠَﻴْﻬﻢ اﻟﺴَّﻼﻡ. ﺣﺘﻰ ﻭﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺳﺠﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺄﺭﺳَﻞَ ﻣﻦ ﻓﻴﻪ ﻭﺷﻌﺎﺭُﻫﻢ: ﺃﺣﺪ ﺃﺣﺪ. وﺃَﻗﺒَﻞَ ﺣﺘَّﻰ ﺩَﺧَﻞَ اﻟﻤﺴﺠﺪَ ﻗﺒﻞَ اﻟﻔﺠﺮِ، ﻓﺼﻌﺪَ اﻟﻤِﻨﺒﺮَ ﻓﺤﻤﺪَ اﻟﻠﻪَ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛُﻢَّ ﻗﺎﻝ: ﺃﻣَّﺎ ﺑﻌﺪُ.. ﻳﺎ ﺃﻫﻞَ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔِ ﻓﺈﻧِّﻲ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖُ ﻓﻴﻜﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺃﻇﻬﺮِﻛﻢ ﺗَﻌﺰُّﺯاً، ﻭﻟَﻐَﻴﺮُﻛﻢ ﻛﺎﻥ ﺃﻋﺰَّ ﻟﻲ ﻣﻨﻜﻢ، ﻭﻟﻜﻨِّﻲ ﺣَﺒَﻮﺗُﻜﻢ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻣﻊ ﺃﻧَّﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣِﺼﺮٌ ﻣﻦ اﻷﻣﺼﺎﺭِ ﻳُﻌﺒﺪُ اﻟﻠﻪُ ﻓﻴﻪ إلَّا ﻭﻗﺪ ﺃُﺧِﺬَﺕ ﻟﻲ ﻓﻴﻪ اﻟﺒﻴﻌﺔُ، ﻭﻻ ﺑَﻘﻲ ﺃﺣﺪٌ ﻣﻦ ﺷﺮﻕٍ ﻣﻊ ﻏﺮٍﺏ ﺇلَّا ﻭﻗﺪ ﺃﺗﺘﻨﻲ ﺑﻴﻌﺘُﻪ، ﻭﺇﻥَّ ﺃَﺣَﻖَّ اﻟﻨَّﺎﺱِ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎﻡِ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮِ لَأﺑﻨﺎءُ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻭاﻷﻧﺼﺎﺭ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘُﻢ ﻣﻦ ﺳﻮء ﻣﺬﻫﺐ ﻫﺬا اﻟﻄَّﺎﻏﻴﺔِ اﻟﺬَّﻱ ﻗﺪ ﺑَﻠَﻎَ ﻓﻲ ﻋُﺘُﻮِّﻩ ﻭﻃُﻐﻴﺎﻧﻪ ﺃﻥ اﺗَّﺨَﺬَ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﻴﺘﺎً ﻭﺑَﻮَّﺑَﻪ ﺑﺎﻟﺬَّﻫﺐ، ﻣﻌﺎﻧﺪﺓً ﻟﻠﻪ ﻭﺗﺼﻐﻴﺮاً ﻟﺒﻴﺘﻪ اﻟﺤَﺮَاﻡِ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺳَﻔَﻚَ ﻣﻦ اﻟﺪِّﻣﺎء، ﻭﺗﻨﺎﻭﻝَ ﻣﻦ اﻷﺧﻴﺎﺭِ ﻳُﻌﺬِّﺑﻬﻢ ﺑﺄﻧﻮاﻉِ اﻟﻌَﺬاﺏ. اﻟﻠَّﻬُﻢَّ ﺇﻧَّﻬﻢ ﻗﺪ ﺃَﺣَﻠُّﻮا ﺣﺮاﻣَﻚ ﻭﺣﺮَّﻣُﻮا ﺣﻼﻟﻚ ﻭﺃﺧﺎﻓﻮا ﻣَﻦ ﺃﻣَّﻨﺖَ، ﻭﺃﻣَّﻨﻮا ﻣَﻦ ﺃﺧﻔﺖَ، ﻭﻗﺼﺪﻭا ﻟﻌﺘﺮﺓ ﻧﺒﻴِّﻚ اﻟﻠَّﻬُﻢَّ ﻭﻛﻤﺎ ﺃﺣﺼﻴﺘَﻬﻢ ﻋﺪﺩاً ﻓﺎﻗﺘﻠﻬﻢ ﺑﺪﺩاً ﻭﻻ ﺗُﻐﺎﺩِﺭ ﻣِﻨﻬﻢ ﺃﺣﺪاً. ولمَّا ﺣَﻀَﺮَﺕِ اﻟﺼَّﻼﺓُ ﻧَﺰَﻝَ ﻓﺼﻠَّﻰ، ﻭﺑﺎﻳﻌﻪ اﻟﻨَّﺎﺱُ ﻃﻮﻋﺎً ﺇﻻ ﺷﺮﺫﻣﺔٌ، ﻭﻫَﺮَﺏ ﺭﻳﺎﺡُ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ اﻟﻤﺮﻱ ﻋﺎﻣﻞ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭﺻﻌﺪَ ﺳﻄﺢَ ﺩاﺭ ﻣﺮﻭاﻥ ﻓﺄَﻣَﺮَ ﺑﻬﺪﻡِ اﻟﺪَّﺭﺟﺔ، ﻓﺼﻌﺪَ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺧﺬﻩ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ، ﻭﺟﺎﺅوا ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻋَﻠَﻴْﻪ اﻟﺴَّﻼﻡ ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﻣﻮﺳﻰ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻧﻔﺬﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ، ﻓﺒﻌﺚ ﺟﻤﺎﻋﺔً ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎﻥ ﺧﻠﻔَﻪ ﻓﻠﺤﻘﻮﻩ ﻓﺮﺩّﻭﻩ ﺇﻟﻴﻪ. وحَبَسَ رياح، ﻭحَبَسَ ﻣﻌﻪ أخاه اﻟﻌﺒَّﺎﺱ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻭاﺑﻦَ ﻣُﺴﻠﻢ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﻓﻲ ﺩاﺭ ﻣﺮﻭاﻥ. ﻭكان ممَّن ﺑﺎﻳﻌﻪ ﺟﻌﻔﺮُ ﺑﻦُ ﻣﺤﻤﺪ الصَّادق ﻋَﻠَﻴْﻪ اﻟﺴَّﻼﻡ ﻭﺧَﺮَﺝ ﻣﻌﻪ ﺛُﻢَّ ﺃﻛﺐّ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ ﻓﻘَﺒَّﻠﻪ ﻭاﺳﺘﺄﺫﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺮُّﺟﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﻣَﻨﺰﻟﻪ ﻟِﺴﻨِّﻪ ﻭﺿﻌﻔِﻪ، ﻭﺧَﺮﺝ ﻣﻌَﻪ ﻭَﻟَﺪاﻩ ﻋﺒﺪُاﻟﻠﻪ ﻭﻣﺤﻤﺪُ اﺑﻨﺎ ﺟﻌﻔﺮ، ﻭﻛﺎﻧﺎ ﺣﺎﺿﺮﻳﻦ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊِ ﺟِﻬﺎﺩِﻩ ﺣﺘَّﻰ ﻗُﺘِﻞ، ﻭﺃﻋﻄﻴﺎﻩ ﺑﻴﻌﺘﻬﻤﺎ ﻣﺨﺘﺎﺭﻳﻦ ﻣﺘﻘﺮِّﺑﻴﻦ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻭّﻝُ ﻗﺘﻴﻞٍ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻮﺩﺓ -الذِّ يأتي ذكرُهم - اﻟﻔﺠﺮﺓ ﻗَﺘَﻼﻩ ﻭاﺷﺘﺮﻛﺎ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﻋﻴﺴﻰ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦُ اﺑﻨﺎ ﺯﻳﺪ. ثم خَرَجَ الإمامُ محمد بن عبدالله من المدينة ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻭﺑُﻮﻳﻊ ﻫﻨﺎﻟﻚ، ﻭﻋﺎﺩ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭﻭﺟّﻪ ﺃﺧﺎﻩ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢَ ﺇﻟﻰ اﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻭﺑَﻘِﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ وواصلُ بن عطاء ﻭﺃﻋﻴﺎﻥُ اﻟﻤﺘﻜﻠﻤﻴﻦ ﺑﺎﻳﻌﻮﻩ - كما قدَّمنا -، ﻭﺑﺎﻳﻌﻪ ﻋﻠﻤﺎءُ اﻟﺒﺼﺮﺓ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻭﻗﻔﻮا ﻋﻠﻰ ﻏﺰاﺭﺓ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﺳﻌﺔ ﻓﻬﻤﻪ، ﻭاجتمعت ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺰﻳﺪﻳﺔُ ﻭاﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔُ ﻭاﻟﻌﻠﻤﺎءُ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻔِﻘﻪ ﻭاﻟﻤَﻌﺮﻓﺔ، ﻭﻋَﻠِﻤﻮا ﺩﻋﺎءَﻩ ﺇﻟﻰ اﻟﻌﺪﻝ ﻭاﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ ﻋﻤﻮﺩِ اﻹﺳﻼﻡ. عُمَّـالُـه : اﺳﺘﻌﻤﻞ الإمامُ محمدُ بن عبدالله ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﺜﻤﺎﻥَ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ. ﻭﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎﺋﻬﺎ ﻋﺒﺪَ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦَ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻤﺨﺰﻭﻣﻲ، ﻭﻋﻠﻰ اﻟﺸُّﺮط ﺃﺑﺎ اﻟﻘﻠﻤﺲ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ. كما جَعَلَ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻮاﻥِ اﻟﻌﻄﺎء ﻋﺒﺪَ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻮﺭ ﺑﻦ ﻣﺨﺮﻣﺔ.
جيـشُ أبـي جعفـر وحِيـلةُ المَـرأة العبَّـاسيَّـة :
لمَّا اشتهر ظُهُورُ الإمام محمد بن عبدالله، وبَلَغَ ذلك أبا جعفر المنصور أﺷﻔﻖ ﻣﻨﻪ، وجهَّزَ له جيشاً من أربعة آلاف رَجُل، بقيادة عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، فلمَّا علم الإمامُ محمد بن عبدالله بمسيره إليه خندقَ على المدينة خندقاً على أفواه السِّكك، وعندما جاؤوا قاتلهم وقاد المدافعين عيسى بن زيد بن علي (ع)، وقاتل بنفسه قتالاً شديداً، ومحمدٌ جالسٌ على المُصلَّى ثُمَّ جاء هو فأخَذَ موقعه في مُقَدِّمة الصُّفوفِ وباشرهم القتالَ بنفسه، وكان ذلك يوم الإثنين للنِّصف من شهر رمضان، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺸﻬﻮﺭاً ﺑﺎﻟﺸَّﺠﺎﻋﺔ، ﻭﻳَﺼِﻔُﻪ ﻣﻦ ﺭﺁﻩ ﺑﺄﻧَّﻪ ﻛﺎﻥ ﻳُﻔﺮﻱ اﻟﻨَّﺎﺱ ﻓﺮﻳﺎً، وﻳُﻘﺎﺗﻞُ ﺑﺎﻟﺴَّﻴﻒ ﻓﻴَﻀﺮِﺏُ ﺿﺮﺏَ ﺟﺪِّﻩ ﻋﻠﻲِّ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ - ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻓﻀﻞُ اﻟﺼﻠﻮاﺕ ﻭاﻟﺘَّﺴﻠﻴﻢ - ﻭﻗَﺘَﻞَ ﺳﺒﻌَﺔَ ﻋَﺸَﺮَ ﺭﺟﻼً ﻣﻦ ﻋﻔﺎﺭﻳﺖ اﻹﻧﺲ، ونادى ﺣﻤﻴﺪَ ﺑﻦ ﻗﻄﺤﺒﺔ ﻣﻦ ﻗُﻮَّاﺩِ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻌﺒَّﺎﺳﻲِّ: اﺑﺮﺯ ﺇﻟﻲّ ﻳﺎ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭﻛﺄﻥَّ الإمامَ ﺃﺭاﺩ ﻧﻬﺎﻳﺔَ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺇﻣَّﺎ ﺑﻘﺘﻞِ ﺃﻛﺒﺮِ ﻗُﻮَّاﺩ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻤُﻌﺎﺩﻱ، ﺃﻭ ﻣﻘﺘﻠﻪ ﻫﻮ، ولكنَّ حميدَ رفضَ، وﻗﺎﻝ: ﻻ ﺃﺑﺮﺯ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻚ ﻣﻤَّﻦ ﺗﺮﻯ ﺃﺣﺪٌ، ﻓﻤﺘﻰ ﺃﻧﺠﺤﺘﻬﻢ ﺭﺃﻳﺖُ ﺭﺃﻳﻲ. فلمَّا اقتتلوا ساعةً، ﻭﻗﻌﺖ ﺟﺮاﺣﺎﺕٌ ﻛﺜﻴﺮﺓٌ ﻓﻲ ﺻُﻔُﻮﻑِ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭﻳَﻈﻬﺮُ ﺃﻥَّ ﻓﺮﻗﺔَ اﻟﺮَّﻣﻲ ﺑﺎﻟﻨَّﺸﺎﺏِ ﻓﻲ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻌﺒَّﺎﺳﻲِّ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻡُ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺃكملِ ﻭﺟﻪ، وكان ﻋﺪﺩُ ﺟﻴﺶ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺬِّﻱ ﻳﺪاﻓﻊُ ﻋﻨﻬﺎ قليلاً ﺑﺎﻟﻨِّﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻌﺒَّﺎﺳﻲِّ، ﻭﻟﻜﻨَّﻬﻢ بالرَّغمِ من كلِّ هذا ﻋﻮَّﺿﻮا ﻋﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻘِﻠَّﺔ ﺑﺎﻟﺒُﻄُﻮﻟﺔِ اﻟﻔَﺮﺩﻳَّﺔِ، اﻟﺘِّﻲ ﺗﻘﻒُ ﺃﻣﺎﻡَ اﻟﻌﺸﺮاﺕ ﻭﺗﺘﻐﻠَّﺐُ ﻋﻠﻴﻬﻢ، فقاتلوا قتالَ الأبطال، وتماسكوا تماسُكَ الجبال، ولكن لم يستمِرَّ هذا التَّماسُكُ طويلاً، فقد انهزمَ أصحابُ الإمامِ وتفرَّقوا عنه، ﺑﺤِﻴﻠﺔ اﻟﻤَﺮﺃﺓ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴَّﺔ اﻟﻌﺒَّﺎﺳﻴِّﺔ اﻟﺘِّﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ؛ ﻷﻧَّﻬﺎ ﻟﻤَّﺎ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺤﺮﺏُ ﺑﻴﻦَ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ (ع) ﻭﺑﻴﻦَ ﺃﻋﺪاﺋﻪ ﻭﻛﺎﻧﺖ اﻟﻴَﺪُ ﻟﻪ ﺃَﻣَﺮَﺕ ﺧﺎﺩﻣﺎً ﺑﻘﻨﺎﻉ ﺃﺳﻮﺩ ﺭَﻓَﻌَﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺭﺓ ﻣﺴﺠﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠﻪ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭﺁﻟﻪ ﻭَﺳَﻠَّﻢ ﻭﺃَﻣَﺮَﺕ ﺧﺪاﻣﺎً ﻟﻬﺎ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﺻﺎﺣﻮا ﻓﻲ اﻟﻌﺴﻜﺮ: اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ، ﺇﻥَّ اﻟﻤﺴﻮﺩﺓ ﻗﺪ ﺟﺎءﻭا ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻜﻢ ﻭﺩﺧﻠﻮا اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ؛ ﻓﺎﻟﺘﻔﺖَ اﻟﻨَّﺎﺱُ ﻓﺄﺑﺼﺮﻭا اﻟﺮَّاﻳﺔَ اﻟﺴَّﻮﺩاءَ ﻋﻠﻰ اﻟﻤَﻨﺎﺭﺓ ﻓﻠﻢ ﻳَﺸُﻜُّﻮا ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻓﺎﻧﻬﺰﻡ اﻟﻨَّﺎﺱُ، ﻓﺼﺎﺡَ ﻋَﻠَﻴْﻪ اﻟﺴَّﻼﻡ ﻓﻲ ﺃﺩﺑﺎﺭﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﻳﺎ ﻗﻮﻡ؟!، ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﻳﺎ ﻧﺎﺱ؟!: اﻟﻨَّﺎﺭُ ﺃﻣﺎﻣَﻜﻢ، ﻭاﻟﺠﻨَّﺔُ ﺧﻠﻔَﻜﻢ، ﻓﻠﻢ ﻳﻠﺘﻔﺘﻮا ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﻠَّﻬُﻢَّ ﺇﻧَّﻬﻢ ﻋﺠﺰﻭا ﻋﻦ اﺣﺘﻤﺎﻝِ ﺃﻣﺮﻙ ﻭاﻟﺠﻬﺎﺩِ ﻣﻊ ﻭﻟﺪ ﻧﺒﻴِّﻚ ﻓﺎﺟﻌﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﺣِﻞٍّ ﻣﻦ ﺑﻴﻌﺘﻲ. ﺛﻢ ﻋَﻄَﻒَ الإمامُ ﻋﻠﻰ اﻟﻨَّﺎﺱِ ﻓﻲ ﻗِﻠَّﺔ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﺼﺎﺋﺮ ﺧﺎﺻﺔً ﻭﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ ﻋَﻠَﻴْﻬﻢ اﻟﺴَّﻼﻡ، وبقي الإمامُ يُقاتلُ فكان ﺇﺫا ﺣَﻤَﻞَ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳُﻤِﻌَﺖْ ﻓﻴﻬﻢ قصفةٌ ﻛﺄﺟﻴﺞ اﻟﻨَّﺎﺭ ﻓﻲ ﺃَﺟَﻤَﺔ اﻟﻘﺼﺐ، فقَتَلَ ﺑﻴﺪﻩ ﻳﻮﻣَﻬﺎ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺭﺟﻼً. مـواقـفُ أصحَــابـِه : ﺷَﻌَﺮَ ﻋﺒﺪُاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻮﺭ ﺃﻥَّ اﻷﻣﻮﺭَ ﻻ ﺗﺴﻴﺮُ ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺐُ ﻓﺎﻗﺘﺮﺡَ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺃﻥ ﻳﺬﻫﺐَ ﺇﻟﻰ ﻣﻜَّﺔَ ﻟﻌﻠَّﻪ ﻳَﺠِﺪُ ﻣَﺨﺮﺟﺎً ﻭﻓُﺴﺤﺔً ﻟﻴُﻌﻴﺪَ ﺗﻨﻈﻴﻢَ ﺃﻣﻮﺭﻩ ﻭﻻ ﻳُﻤَﻜِّﻦ اﻟﻌﺒَّﺎﺳﻴِّﻴِّﻦ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ. ولكنَّ الإمامَ رَفَضَ ﻫﺬا اﻻﻗﺘﺮاﺡ ﻭﺗَﺬﻛَّﺮ ﻣﺎ ﻓﻌﻞَ ﻳﺰﻳﺪُ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺧﺸﻲَ ﺃﻥ ﺗﻜﺮَّﺭَ ﻧﻔﺲُ اﻟﺤَﺎﺩﺛﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺘﺮﻛﻬﺎ ﻧﻬﺒﺎً ﻟﻠﺠﻴﺶ اﻟﻌﺒَّﺎﺳﻲِّ، ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺘﺮﻙُ ﺃﻫﻠَﻬﺎ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ اﻟﻀِّﻴﻖ .
وهذا ﻋﺒﺪُاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ نفسٌ من تِلك النَّفوسِ التِّي تستشعر قيمةَ أهل البيت (ع)، وتحرصُ على سلامتهم، فبعدَ أن اﻧﺼﺮﻑ الإمامُ- ﻗﺒﻞَ اﻟﻈُّﻬﺮ - إلى ﺩاﺭِ ﻣﺮﻭاﻥ ﻓﺎﻏﺘﺴﻞ ﻭﺗﺤﻨَّﻂ، ﺛﻢَّ ﺧَﺮَﺝَ، دنا منه عبدُالله فقال له: ﺑﺄﺑﻲ ﺃﻧﺖ ﺇﻧَّﻪ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻃﺎﻗﺔٌ ﻭﻣﺎ ﻣﻌﻚ ﺃﺣﺪٌ ﻳَﺼﺪُﻕُ اﻟﻘِﺘﺎﻝَ، ﻓﺎﺧﺮﺝ اﻟﺴَّﺎﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻤﻜﺔ ﻓﺈﻥَّ ﻣﻌﻪ ﺟُﻠَّﺔُ ﺃﺻﺤﺎﺑﻚ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺟﻌﻔﺮ ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﺧَﺮَﺟﺖُ ﻟﻘُﺘِﻞَ ﺃﻫﻞُ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ولا ننسى اﺑﻦَ ﺧُﻀﻴﺮ ﻭاﺳﻤُﻪ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ، الذِّي مَثَّلَ أرقى النَّفسيَّات التِّي تأبا إلا أن تُحافظَ على أئمَّة الهُدى أعظمَ تمثيل، فها هو ﻳُﻨﺎﺷﺪُ النَّفسَ الزكيَّة ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻙ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻳﺬﻫﺐَ ﺇﻟﻰ اﻟﺒﺼﺮﺓ، حيثُ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺧﻮﻩ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ، فيستطيع ﺟﻤﻊَ اﻟﻨَّﺎﺱ ﺣﻮﻟَﻪ ﻣﺮَّﺓً ﺛﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻦَّ النَّفس الزكيَّة ﻳﺮﻓﺾُ ﻫﺬا اﻻﻗﺘﺮاﺡَ ﺭﻓﻀﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻛﻤﺎ ﺭﻓﺾ اﻻﻗﺘﺮاﺡ اﻷﻭَّﻝَ ﻟﺬﻫﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺔ، ﻭكأنَّه ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺮﻑُ ﻣﺼﻴﺮَﻩ، ﻭﻟﻜﻨَّﻪ ﻳُﺮﻳﺪُ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﻤﻞَ اﻟﻤﺄﺳﺎﺓُ ﻛﻤﺎ اﻛﺘﻤﻠﺖ ﻓﻲ ﻛﺮﺑﻼء، ﻭﻳﻘﻮﻝُ ﻻﺑﻦ ﺧﻀﻴﺮ: (ﻻ ﺗﺒﺘﻠﻮﻥ ﺑﻲ ﻣﺮﺗﻴﻦ). ولم يكتفِ الإمامُ بالمُجاهدة معهم، والتَّضحية بنفسه، بل ﻳﻠﺘﻔﺖُ ﺇﻟﻰ اﺑﻦ ﺧﻀﻴﺮ، ﻭﻳﻄﻠﺐُ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺬﻫﺐَ ﺣﻴﺚُ ﺷﺎء، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺣِﻞٍّ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﺸِّﺪَّﺓ، ﻭﻟﻜﻦَّ اﻟﻨُّﻔﻮﺱَ اﻟﺸَّﺮﻳﻔﺔَ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊُ ﺃﻥ ﺗﺘﺨﻠَّﻰ ﻋﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻠَّﺤﻈﺎﺕ اﻟﺤَﺮِﺟَﺔ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻳُﻜﻠُّﻔﻬﺎ اﻟﻤَﻮﺕ، ﻓﻴﻘﻮﻝُ ﻟﻪ اﺑﻦُ ﺧﻀﻴﺮ: ﻭﺃﻳﻦ اﻟﻤﺬﻫﺐُ ﻋﻨﻚ. ﻭﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻊ الإمامِ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ عليه السَّلام ﺣﻴﻦَ ﻃﻠﺐَ ﻣﻦ اﻟﺬِّﻳﻦ ﺣﻮﻟَﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻮﻩ ﻭﺣﺪَﻩ ﻳﻮاﺟﻪ ﺟﻴﺶَ اﻟﻌِﺮاﻗﻲِّ، ﻭﻟﻜﻨَّﻬﻢ ﺭﻓﻀﻮا. اﺳﺘﺄﺫﻥ اﺑﻦُ ﺧﻀﻴﺮ بعدَ ذلكَ ﻭﺩﺧﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭاﺗَّﺠَﻪ ﻣُﺒﺎﺷﺮﺓً ﺇﻟﻰ اﻟﺴِّﺠﻦ ﻓﺄﺧﺮﺝَ ﺃﻣﻴﺮَ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴَّﺎﺑﻖِ ﺭﻳﺎﺡَ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻭﺃﺧﺎﻩ ﻋﺒَّﺎﺱ ﻭﺫﺑﺤﻬﻤﺎ، ﻭﺃﺣﺮﻕ اﻟﺪِّﻳﻮاﻥَ اﻟﺬِّﻱ ﻓﻴﻪ ﺫِﻛﺮُ ﺃﺳﻤﺎءِ ﺃﺻﺤﺎﺏ الإمامِ محمد بن عبدالله، ﺛُﻢَّ ﺭَﺟَﻊَ ﻭﻗﺎﺗﻞَ ﻣﻊ النَّفس الزكيَّة ﺣﺘَّﻰ قُتِلَ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻴﻮﻥ ﺇﺫا ﺭﺃﻭﻩ اﺑﺘﻌﺪﻭا ﻋﻨﻪ ﻭﺗﻔﺮَّﻗﻮا. ﻭﻣِﻦ اﻟﺬِّﻳﻦ ﺻَﻤَﺪﻭا ﻭﺻَﺒَﺮﻭا ﻣﻊ النَّفسِ الزكيَّة ﻗﻮﻡٌ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﻬﻴﻨﺔ ﻳُﻘﺎﻝُ ﻟﻬﻢ: ﺑﻨﻮ ﺷﺠﺎﻉ، ﻛﺴﺮﻭا ﺃﻏﻤﺎﺩَ ﺃﺳﻴﺎﻓﻬﻢ، ﻭﻗﺎﺗﻠﻮا ﺣﺘَّﻰ ﻗُﺘِﻞَ ﺃﻛﺜﺮُﻫﻢ. استشهــادُ الإمـامِ محمـدِ بـنِ عبـد اللـه : لم يزﻝ الإمامُ محمدُ بن عبدالله ﻳُﻘﺎﺗِﻞُ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮِ اﻟﻨَّﻬﺎﺭ، فلمَّا ﻗُﺘِﻞَ ﺃﺻﺤﺎﺑُﻪ، وأُحِيط ﺑﻪ ﻣﻦ ﻛﻞِّ ﺟﺎﻧﺐٍ، مالَ ﺇﻟﻰ ﺷﻖِّ ﺣﺎﺋﻂٍ، ﻓﻄﻌﻨﻪ ﺣﻤﻴﺪُ ﺑﻦ ﻗﺤﻄﺒﺔ ﻓﻲ ﺻﺪﺭﻩ ﻭﺿﺮﺑَﻪ ﺁﺧﺮُ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﻞِ ﺃﺫﻧﻪ، ﻓﻠﻤَّﺎ ﺃﺣﺲَّ اﻟﻤَﻮﺕَ ﺭﻛﺰَ ﺳﻴﻔَﻪ ﻓﻲ ﻋﺮﺽِ اﻟﺤﺎﺋﻂِ، ﻓﺎﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻜﺴﺮﻩ ﻓﺤﺰّﻭا ﺭﺃﺳَﻪ، فاستشهدَ عليه الصلاةُ والسَّلامُ ﻓﻲ اﻟﻤَﻮﺿﻊ اﻟﺬِّﻱ ﺃﺧﺒﺮَ ﺟﺪُّﻩ اﻟﺮَّﺳﻮﻝُ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧَّﻪ ﻳُﻘﺘﻞُ ﻓﻴﻪ، ﻓﻲ اﻟﺤَﺮَﻡِ اﻟﺸَّﺮﻳﻒِ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤُﻄَﻬَّﺮﺓ، وكان ذلك ﻳﻮﻡَ اﻻﺛﻨﻴﻦ لأربعَ ﻋَﺸﺮَﺓَ ﻟﻴﻠﺔٍ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲٍ ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻭﻣﺎﺋﺔ، ﻭﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌُﻤﺮ: اﺛﻨﺘﺎﻥ ﻭﺧﻤﺴﻮﻥ ﺳﻨﺔ، ﻭاﺳﺘﻮﻫﺒﺖ ﺃﺧﺘُﻪ ﺯﻳﻨﺐ ﺟﺴَﺪﻩ ﻓﺪُﻓِﻦَ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐِ اﻟﺤﺴﻦِ اﻟﺴِّﺒﻂِ ﺻﻠﻮاﺕُ اﻟﻠﻪ وسلامُه عليهم أجمعين.
وصــولُ خبـرِ استشهاده إلى أخيـه اﻹﻣـﺎﻡ ﺇبراﻫﻴﻢ ﺑـﻦ ﻋﺒـﺪاللـه (ع ) :
ﻟﻤَّﺎ استشهدَ الإمامُ محمد بن عبدالله (ع) ﺑَﻠَﻎَ اﻟﻌﻠﻢُ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻴﻪ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ (ع) ﻭهو ﺩاﻋﻴﺔُ ﺃﺧﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻭﻗﺪ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻤَّﺎ ﻭاﻻﻫﺎ، ﻳﻮﻡَ اﻟﻌﻴﺪ ﻏﺮَّﺓ ﺷﻮاﻝ ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻭﻣﺎﺋﺔ، ﻓﺼﻠَّﻰ ﺑﺎﻟﻨَّﺎﺱ ﺻﻼﺓ اﻟﻌﻴﺪ ﺛﻢ ﺭﻗﺎ اﻟﻤﻨﺒﺮ ﻭﺧﻄﺐ ﻭﺫﻛﺮ ﻗﺘﻠﻪ ﻭﻧﻌﺎﻩ ﺇﻟﻰ اﻟﻨَّﺎﺱ ﻭﺑﻜﻰ ﻭﺑﻜﻰ اﻟﻨَّﺎﺱ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: اﻟﻠﻬَّﻢ ﺇﻥَّ ﻛﻨﺖَ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻥَّ ﻣﺤﻤﺪاً ﺇﻧَّﻤﺎ ﺧﺮﺝ ﻏﻀﺒﺎً ﻟﺪﻳﻨﻚ ﻭﻧﻔﻴﺎً ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻨّﻜﺘﺔ اﻟﺴﻮﺩاء ﻭﺇﻳﺜﺎﺭاً ﻟﺤﻘِّﻚ؛ ﻓﺎﺭﺣﻤﻪ ﻭاﻏﻔﺮ ﻟﻪ، ﻭاﺟﻌﻞ اﻵﺧﺮﺓ ﻟﻪ ﺧﻴﺮاً ﻣﺮَّﺩاً ﻭﻣﻨﻘﻠﺒﺎً ﻣﻦ اﻟﺪُّﻧﻴﺎ، ﻭﺗَﻤَﺜَّﻞَ بقول الشَّاعر: ﺃﺑﺎ اﻟﻤُﻨﺎﺯِﻝ ﻳﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﻔﻮاﺭﺱ ﻣﻦ ﻳﻔﺠﻊ ﺑﻤﺜﻠﻚ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻘﺪ ﻓُﺠﻌﺎ اﻟﻠﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻲ ﻟﻮ ﺧﺸﻴﺘﻬﻤﻮ ﺃﻭ ﺃﻭﺟﺲ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺧﻮﻑٍ ﻟﻬﻢ ﻓﺰﻋﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻠﻮﻩ ﻭﻟﻢ ﺃُﺳْﻠِﻢ ﺃﺧﻲ ﻟﻬﻤﻮ ﺣﺘـﻰ ﻧﻤـﻮﺕَ ﺟﻤﻴﻌـﺎً ﺃﻭ ﻧﻌﻴـﺶ ﻣﻌـﺎ ﺛﻢ ﺟَﺮَﺽَ ﺑﺮﻳﻘﻪ ﻟﻌِﻈَﻢِ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺗﺮﺩَّﺩَ اﻟﻜﻼﻡُ ﻓﻲ ﻓﻴﻪ، ﻓﻠﻤَّﺎ ﻧﺰﻝ ﺑﺎﻳﻌﻪ ﺑﺎﻹﻣﺎﻣﺔ ﻋﻠﻤﺎءُ اﻟﺒﺼﺮﺓ ﻭﻓﻘﻬﺎﺅﻫﺎ ﻭﺯﻫّﺎﺩﻫﺎ، ﻭﺑﺎﻳﻌﻪ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔُ ﻣﻊ اﻟﺰَّﻳﺪﻳَّﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺄﺧّﺮ ﻋﻨﻪ عليه السَّلام ﻣﻦ ﻓﻀﻼء اﻟﺒﺼﺮﺓ ﺃﺣﺪ. فصلواتُ الله وسلامُه على الإمامِ النَّفسِ الزكيَّةِ يومَ وُلِدَ ويومَ استشهدَ ويومَ يُبعثُ حيَّا .