.
 
18-40-2020
الإمام الناصر الأطروش

 

الاسم: أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر (الأشرف)[1] بن علي (زين العابدين) بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

الأمُّ: أمُّ حبيب, وهي أمُّ ولد جلبت من خراسان.

الأب: والد الإمام الناصر[2] هو السيدُ الإمام المجتهد شيحُ العِترة عليُّ بن الحسن, وكان يُلقب بالعسكري, ويُلقب بـ (ابنِ المُقعَدة), أمَّا سببُ تسميته بالعسكري[3]؛ فإنَّه جاء أنَّه عندما أخرجه عمر بن الفرج[4] من المدينة إلى العراق, إلى واسط أولاً ثم إلى سامراء, وهي كانت تسمى قديماً العسكر ولهذا سُمِّيَ العسكري[5], أمَّا سببُ تسميتِه بابنِ المُقعدة فنسبة لوالدته التي كانت مُقْعدةً، وهي من ذرية محمَّد بن الحنفية واسمُها أمُّ هاشم عُلَيةُ[6] بنت محمد بن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب, وقد ترجم لوالدِ الإمام الناصر في كتاب مطلع البدور, فقال[7]: "السيدُ الإمام الكبير المُجْتهدُ الحافِظ شيخُ الشُّيوخ عليُّ بن الحسن بن علي بن عُمَر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - والدُ النَّاصر الكبير شيخ العترة، كان من المحدثين والفقهاء، ناظورة زمانه، وكان مُحدِّثُ أهل البيت الحسين بن علي المصري صنو الناصر يروي عنه مُشافَهَةً، وكذلك السيد الإمام المحدث أحمد بن محمد بن عمِّ الناصر، وعن طريقهما روى الناصر ما حكاه صاحب الحاصر عنه، وهو أنَّهما رويا للناصر عن أبيه علي بن الحسن المذكور أنه قال: حدثنا علي بن عبد الله بن الحسين عن موسى بن جعفر في قوله تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً[آل عمران:97]، فهذا لمن له مال يسوقه من أجل تجارة فلا يسعه، فإن مات على ذلك فقد ترك (شريعة) من شرائع الإسلام إذا ترك الحج وهو واجد ما يحج به وإن دعاه قوم إلى أن يحج فاستحيا من ذلك فلا يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج ولو على حمار أبتر أجدع، وقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ، فإنما يعني من ترك الحج وهو يقدر عليه".

ويعتبر والد الناصر من علماء الحديث وقد روى عنه ولده الناصر في البساط بواسطة أخيه الحسين والمؤيد بالله في شرح التجريد وأبو طالب في تيسير المطالب ثلاث روايات, كما أن له روايات رواها عن محمد بن منصور المرادي في البساط وشرح التجريد ص102 وص103 وأحمد بن عيسى في الأمالي

أما مشائخ والد الإمام الناصر الذين روى عنهم الحديث, فعُدَّ منهم والده الحسن بن علي, وعلي بن جعفر الصادق (البساط, وشرح التجريد ص103 , وأحمد بن عيسى), وأبو ضمرة أنس بن عياض الليثي (تيسير المطالب), إبراهيم بن رجاء الشيباني (شرح التجريد ص103)

وكان والد الناصر من الشعراء, وقد ترجم له في كتاب معجم الشعراء ص44, وأورد بعضاً من أشعاره ومنها:

قوله لعلي بن عبد الله الجعفري وكان عمر بن فرج الرخجي حمله من المدينة:

صَبْراً أبا حسنٍ فالصَّبرُ عادَتُكم
 

 

إنَّ الكرامَ علَى ما نَابَهم صُبُرُ
 

أنْتم كِرامٌ وأرْضَى النَّاسِ كُلِّهُمُ
 

 

عَنِ الإلهِ بما يَجري بِهِ القَدَرُ
 

وَاعْلمْ بأنَّكَ مَحفُوظٌ إلى أَجَلٍ
 

 

فَلَن يَضُرَكَ مَا سدى به عُمَرُ
 

 

 

 

 

 

 

 

 

ومما أورده من أشعاره:

إنَّ الكرامَ بَني النَّبيِّ مُحَمَّدٍ
 

 

خَيرُ البَّريةِ رَائحٍ أو غادِ
 

قَومٌ هَدَى اللهُ العِبادَ بِجَدِّهم
 

 

والمُؤثِرون الضَّيفَ بالأزوادِ
 

كانوا إذا نَهَلَ القَنا بأكُّفِهم
 

 

سَكَبوا السُّيوفَ أَعالي الأَعمادِ
 

وَلَهم بِجَنْبِ الطَّفِ أكْرمُ مَوقِفٌ
 

 

صَبَروا على الرّيبِ الفّظِيعِ العّادي
 

حَولَ الحُسينِ مُصَرَّعين كأنَّما
 

 

كانت مناياهُمُ على مِيعادِ
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كانت وفاة والد الإمام الناصر في العراق عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاماً

المولد

ولد الإمام الناصر عليه السلام في المدينة المنورة, سنة 230هـ.

أولاده

أبو الحسن علي, وأبو القاسم جعفر, وأبو الحسين أحمد, وأمُّ الحسن، وهي: فاطمة، وأمُّ محمَّد، ومباركة، وأمُّ إبراهيم، وميمونة.

أخوة الناصر

كان للإمام الناصر أربعة من الأخوة ذكرهم في كتاب جمهرة أنساب العرب فقال: "وكان للحسن الأطروش من الإخوة: جعفر؛ ومحمد؛ وأحمد المكنَّى بأبي هاشم، وهو المعروف بالصوفي؛ والحسين المحدِّث، يروي عنه ابن الأحمر وغيره. وكان هذا الأطروش فاضلاً، حسن المذهب، عدلاً في أحكامه؛ ولي طبرستان ومات سنة 304هـ مقتولاً"

وأشهر أخوته الحسين وتلقب بالمصري, وكان من علماء الحديث بل من مشاهيرهم في ذلك العصر, وقد ترجم له في مطلع البدور, فقال[8]: "الحسين المحدِّث المصري، هو الحسين بن عليٍّ بنُ الحسن بن علي بن عُمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- هو إمام الحديث، وشيخ القديم والحديث، يعرف بالمحدِّث، وهو صنو الناصر الكبير، ويروي (أي الناصر) عنه كثيراً، ويروى عنه جماهير المحدثين من أهل البيت"

أما أخوه جعفر فقد قتل على باب نيسابور في الوقعة التي جرت بين الإمام محمد بن زيد وبين أهلها كما ذكر ذلك في كتاب مقاتل الطالبيين ص455.

أساتذته

تلقى الإمام النَّاصرُ العلمَ في المدينة المنَّورة, ثم انتقلَ إلى العراق فدَرَسَ على كبار علماء أهل البيت فيها وشيعتهم, وكان يَتَنقلُ لتلقِّي العُلُومَ بين الكوفة وبغداد, ومن خلال تراجم الإمام النَّاصرِ وتراجُمِ علماءِ عصْرِه, وما بينَ أيدِينا من مرويات الإمام النَّاصرِ نستطيعُ أنْ نستخلصَ عدداً ممن تلقى العلم عليهم:

ـ الإمام محمَّدُ بنُ منْصُورٍ المُراديُّ (ذكره في الإفادة)

ـ الإمام الحسنُ بنُ يحيى الكُوفيُّ (ذكره في الإفادة)

ـ أخوه الحسينُ المصري (هناك عدةُ مرويات للناصر عن أخيه الحسين في أمالي أبي طالب وغيره, وقد عدَّه ابن أبي الرجال ممَّن أكثرَ النَّاصر الروايةَ عنه)

ـ أحمدُ بنُ محمَّد بن الحَسن بن علي بن عمر الأشرف ابنُ عمِّ الإمام النَّاصر (هناك رواية رواها عنه الناصر في "كتاب الحاصر لفقه الإمام الناصر" كما ذكر في مطلع البدور)

ـ أحمدُ بنُ محمَّد (روى عنه في البساط ص20, ولم يذكر من اسمه إلا ما تقدم, ويحتمل أن يكون المتقدم ذكره)

ـ عبدُاللهِ بنُ يحيى العومسي العلويِّ (ذكر في مطلع البدور ج3/ ص139 أنَّ النَّاصر أكثر الرواية عنه وهو من أصحابِ الإمامِ القاسمِ الرسَّي)

ـ جَعفرُ بنُ مُحمَّد بنُ شُعْبةَ النيروسي (ذكره في مشائخ النَّاصرِ في كتاب أعلام المؤلفين في ترجمة المذكور ص285)

ـ محمَّدُ بنُ نوكرد (روى عنه في البساط)

ـ محمَّدُ بن عليٍّ بنُ خلفٍ العَطَّار( روى عنه في البساط في مواضعَ كثيرةٍ وكذلك جاء في الأمالي في مواضعَ متعددة رواية الناصر عن العطار)

ـ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (جاء في الأمالي الاثنينية رواية الناصر عنه ولعله العطَّار)           

ـ بشرُ بنُ عبدالوهاب (روى عنه في البِسَاط في مواضعَ كثيرةٍ وكذلك في أمالي أبي طالب)

ـ بشرُ بنُ هارون (جاء في أمالي أبي طالب أكثر من رواية للناصر عنه)

ـ أحمَدُ بنُ محمَّد بن عيسى القمي ( روى عنه في البساط)

ـ محمَّدُ بن خلف (جاء في الاعتبار رواية للناصر عنه, ويحتملُ أنْ يكونَ محمَّدَ بنَ عليّ بنَ خلفِ العطَّار المتقدم ذكره وقد وقع السقط في اسم والده)

ـ عبدُ اللهِ بنُ محمَّد المدني (جاء في أمالي أبي طالب رواية الناصر عنه)

ما وَرَدَ عن رسولِ الله وأميرِ المُؤمنين عَنهُ  

ذَكَرَ عُلماءُ السِّيرِ والتَّراجِمِ في أَثْناءِ تَرجَمَتِهم للإِمامِ النَّاصرِ أحاديثَ ومروياتٍ بشَّرتْ بالإمامِ النَّاصرِ, وممَّن ذكر ذلك المولى العلامةُ مجدُ الدين المؤيدي عليه السلامُ في التُّحف شرح الزُّلف, فقد جاءَ فيه عن أميرِ المؤمنين عليه السلامُ في إحدى خُطَبِه أنَّه قالَ: "يَخرجُ من نَحوِ الدَّيلم مِن جبالِ طبرستان فتىً صبيحُ الوَجه اسمُه اسمُ فَرخِ النَّبي صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم الأكبرِ يعني الحسنَ بن علي عليه السلام".

وعن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم رواه بعضُ علمائِنا رحمهم اللهُ تعالى أنَّه صلى اللهُ عليهِ وآلَه وسلم لمَّا سألَهُ أنسٌ عن علاماتِ السَّاعة, قال: "من علاماتِها خروجُ الشَّيخِ الأصمِّ مِن وَلَدِ أخي معَ قومٍ شُعورُهم كشُعور النِّساءِ بأيديِهم المزاريقُ".

وعن جدِّهِ صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم أنَّه قال: "يا عليُّ يَكونُ من أولادِك رجلٌ يُدعى بزيدٍ المظلوم، يأتي يومَ القيامَةِ معَ أصحابِه على نُجُبٍ مِن نُورٍ، يَعْبرون على رُؤوسِ الخلائقِ كالبَرقِ الَّلامِع، وفي أعقابِهم رجلٌ يُدعى بِناصرِ الحقِّ حتى يقفوا على بابِ الجنَّة...إلى آخر الحديث"، قالَ في الحدائقِ: "وأعلمَ بِهِ أميرُ المؤمنين عليه السلامُ في خُطبتِهِ بالكُوفةِ، وخُطبتِهِ بالنَّهروان".

قالَ الإمامُ النَّاصرُ عليه السلامُ: "حَفِظتُ من كُتُب اللهِ بِضْعَةَ عشرَ كتاباً فما انتفعْتُ منها كانتفاعي بكِتابين أحدُهُما: الفُرقانُ لِمَا فيه مِن التَّسليةِ لأبينا، والثَّاني: كِتابُ دانيال لِمَا فيه مِن أنَّ الشّيخَ الأصمَّ يَخرجُ في بَلَد يُقالُ لها ديلمان..الخ"

صِفَتُه

كانُ الإمامُ النَّاصرُ عليه السلامُ طويلَ القامَةِ، يّضْربُ إلى الأدَمةِ، بِهِ طَرَشٌ من ضَربةٍ أصابَتْ أُذنَهُ في حادثةٍ قيل: أنَّها وقعَتْ بنيسابور وقيلَ: في جُرجان[9], ومضمونُ القِّصة والمُتَّفقُ عليه أنَّ ذلك الطَّرشَ كان نتيجةَ التَّعذيب الذي نالَه الإمامُ النَّاصر في سِجن الجحستاني, فقد روى المؤرخون أنَّ الإمامَ النَّاصر حينَ شاهدَ جبروتَ وطغيان ذلك القائد حاول أنْ يقودَ ثورةً ضِدَّه, وبدأ في التواصل بالنَّاس والتحضيرِ لها وأجابَه على ذلك خلقٌ كثيرٌ, لكن لم يكتب لتلك الثورةِ أنْ تنجحَ ففي أثناءِ التحضير لها وشى بعضُ المنافقين بما يخططُ له الإمامُ النَّاصر, فأودعه السِّجنَ وكان يَضربُهُ بالسِّياط ضرباً شديداً؛ كي يعترفَ بأسماءِ من أجابه من النَّاس, فأمتنع الإمامُ عن الاعتراف, وأصرَّ على الحفاظِ على أسماءِ أنصارِه, فأصابَه سوطٌ في أذنِه فسبَّبَ له طرشاً, والطَّرَشُ ثِقَلٌ في السَّمع كما في معجم الوَسيط, ولقد كان الإمامُ النَّاصر يستثمرُ ذلك الطَّرَشَ في الأوقات الذي لا يُحِبُ أنْ يسمعَ فيها حديثَ المُتحدث, يقولُ في الإفادة: "وكان ربَّما يتطارشُ تطارشاً زايداً على ما بِهِ من الطَّرش يعرضُ له ولِضَربٍ من التَّطرفِ.

فحدثني أبي رحمَهُ الله قالَ: قامَ يوماً في مجلسِه شاعرٌ ليُنشدَهُ قصيدةً كان مدحَهُ بها، فلمَّا ابتدأَ بالإنشاد أشارَ رضي اللهُ عنه بيدِهِ إلى أذنِه أنَّي لا أسمعُ ما تُنشدُه فلا فائدةَ لك في إنشادِه، فتَضَرَّعَ إليه الرجلُ في أنْ يأذنَ في الإنشاد وسألَ في بابِهِ من حَضَرَ، فأومي إليه أنْ يُنشِدَه، فلمَّا مَرَّ الرجلُ في قصيدتِهِ، انتهى في بيتٍ أنشدَهُ إلى كلمةٍ لَحَنَ فيها، فلمَّا أطلعَ الكلمَةَ أوْمأَ إليه وأشارَ بيدِهِ مُنَبِهاً على خطَئِهِ، فَضَحِك النَّاسُ وقالوا: أيُّها النَّاصر ألمْ تُظهِرْ له أنَّك لا تسمعُ؟ فتبسَّمَ.."

جوانب من شخصية الإمام الإيمانية

إِمامُ هُدًى

الإمامُ النَّاصرُ واحدٌ من الأئمَّةِ الذين تشرفَتْ بِهم البسيطةُ, وتعطَّرت بِمَقدَمِهِم الدنيا وازدانَت بذكرِهِم صفحاتُ التاريخ, وهو حينَ يُذكر فإنَّما يُذكرُ في مَصافِ أئمَّة أهلِ البيتِ الكِبار كزيدٍ والهادي, بلْ هو من تلك الطبقةِ المُنيفةِ التي غيَّرت مسارَ هذه الأمَّة, وَخَلَّدَتْ آثاراً علميةً وفكريةً مازالت ملهمة للبَشرية, ولقد ظلَّ الإمامُ النَّاصر مدرسةً اجتهاديةً وإماماً مُتَّبعاً يُصّنَّفُ في أقوالِه ويُنتصرُ لاجتهاداتِه, ولقد حفظَ علومَ الإسلام واستوعب كُتُبَ المسلمين على اختلاف مباحثها ومذاهبِها من عقيدةٍ وفقه وحديثٍ ولغةٍ وتاريخ, قال في الإفادة: "وكان جامعاً لعلمِ القرآن والكلامِ والفقه والحديث والأدب والأخبار واللغة، جيَّدَ الشِّعر، مَليحَ النَّوادر، مُفيدَ المجلس[10]", بل كان من توسعه المعرفي أنِ اطَّلع على الكتب السماوِّية القديمة حتى أنَّه ذكرَ عن نفسِهِ أنَّه قرأ 15 كتاباً من الكُتُب السماوِّية.

ولقد تركَ لنا تراثاً فكرياً عظيماً ومؤلفاتٍ علميةً متعددة, أَثْرَتِ الفِكرَ الإسلامي, ومدًتِ المكتبةَ الإسلامية بِجواهرِ العُلُوم وكنوزِ المعارف, قال في التحف شرح الزلف: "ومن مؤلفاته: كتابُ البِساط، والمُغني، وكتابُ المُسفر، والصفي، وكتابُ البَّاهر جمَعَه بعضُ علماءِ عصرِِهِ على مذهبِهِ، وكتابُ ألفاظِ النَّاصر رتَّبَه أيضاً أحدُ العلماء المعاصرين له، كان يَحضُرُ مَجلسَهُ ويكتُب ألفاظَهُ جَمَعَ فيه من أنواعِ العُلوم ما يَبهَر الألباب، وكتابُ التفسير اشتمل على ألفِ بيتٍ من ألفِ قصيدةٍ، وكتابُ الإمامة، وكتابُ الأمالي فيها من فضائلِ أهلِ البيت الكثيرَ الطيب، وغيرُها كثير, قيل: إنَّ مؤلفاتِ الإمام الناصر تزيدُ على ثلاثمائة"[11]

عِلمُه

قالَ النَّاصر للحق عليه السلامُ في بعض خُطَبِهِ: "فَسَلوني عن جَميعِ أمْرِ دينِكم وما يُعييكُم من العلم، وتَفسيرِ القُرآن فإنَّا نحن تراجِمَتُهُ وأولى الخَلْقِ به، وهو الذي قُرِنَ بنا وقُرِنَّا بِهِ"

هذا الدعوى العظيمة تذكرنا بما قاله جدُّه عليُّ بن أبي طالب: "سلوني قَبلَ أنْ تفقدوني", وكرَّره حَفيدُه الإمامُ زيد بن علي: "سلوني، فواللهِ ما تسألوني عن حلالٍ أو حرامٍ، أو مُحكَمٍ أو مُتَشابِهٍ، أو ناسِخٍ أو مَنسوخٍ، أو أمْثالٍ أو قِصَص، إلا أنْبَأتُكم بِه، واللهِ ما وقَفتُ هذا المَوقفَ ولا قُمتُ مَقامي هذا حتى قَرأتُ القُرآن، وأتقنتُ الفرائضَ والأحكام، والسنن والآداب، وعرفتُ التأويلَ كمَا عرفتُ التَّنزيلَ، وفهِمتُ النَّاسخَ والمَنسوخَ، والمُحكمَ والمُتشابه، والخاصَ والعام، وأنَا أعلمُ أهلِ بيتي بما تحتاجُ إليه الأمَّةَ، وأنا على بَصيرَةٍ من ربي".

والإمامُ النَّاصر حينَ يُكرر ما قاله الإمامُ علي وما قالَه الإمامُ زيد, لَيَدُلَّ دلالةً بينةً عن المَقام المُتقدِمِ والمُستوى المعرفيّ والعِلمي الرفيع الذي وَصَلَ إليه الإمامُ النَّاصر عليه السلام, وهو ما يَحُطُّ عنَّا ثِقلَ البيانِ عن علمِ الإمام النَّاصر عليه السلام.

ويقول الإمام الناصر في إحدى رسائله في أثناء دعوته وما يكشف جانباً من علمه: ﻭﻟﻘﺪ ﺑﻠﻐﻚ - ﺃﻋﺰﻙ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﺩﻋﻮ ﻭﺃﻫﺪﻱ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭاﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ، ﺇﺣﻴﺎء ﻟﻤﺎ ﺃﻣﻴﺖ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺩﻓﻦ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻀﺖ ﺁﻱ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﻋﺎﺭﻓﺎ ﺑﻬﺎ، ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻔﺼﻴﻞ ﻭﺗﻮﺻﻴﻞ، ﻭﻣﺤﻜﻢ ﻭﻣﺘﺸﺎﺑﻪ، ﻭﻭﻋﺪ ﻭﻭﻋﻴﺪ، ﻭﻗﺼﺺ ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ، ﺁﺧﺬا ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻣﺴﺘﻨﺒﻄﺎ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﺩﻧﻬﺎ، ﻣﺴﺘﺨﺮﺟﺎ ﻟﻠﻤﺘﻜﻤﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻣﻨﻬﺎ، ﻣﻨﻴﺮا ﻟﻤﺎ اﺩﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﻬﺎ، ﻣﻌﻠﻨﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﺘﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﺭﻫﺎ"

مدرسته العلمية

لقدْ تَرَعرَعَ الإمامُ النَّاصرُ مُنذُ صِباه على العِلم والدَّرس, وما زال يَتَرقَّى في العلم حتى أَصْبحَ أحدَ أئمَّةِ الإسلام وعلماً من أَعلامِ الشَّريعة العِظام, ولقدْ سَخَرَ الإمامُ النَّاصر حياتَهُ في نشر العلم, وإحياءِ الحياةِ العلمية, وحين استقر له الزمان, ودانت له الأقطارُ, ومكنَّه اللهُ من إقامةِ الحَقِّ والعَدلِ, لم يَكُنْ ليَشغَلَه تَولِّى الأمرَ, والقيامُ بمصالحِ العباد عن الاهتِمامِ بالعلم, ونشرِه, باعتبارِ العلم هو الرَّافِعَةُ الأساسيةُ لرِفْعةِ الأُمَّةِ وتَقَدُّمِها, ولذلك فقد خصَّصَ له مَجْلِساً علْمياً كانَ يحضُرُه كِبارُ العُلماء والطَّلبة ينشرُ عليهم مَسائلَ العقيدةِ والفِقهِ والقرآنِ الكريم لفظاً ومعنًى واللُّغة والحديث رِوايةً ونقداً, ونقل التاريخ وإنشادِ الأشعار للقُدماء والمُحدثين، ورِوايةِ الحِكاياتِ المُفيدة, حتى أنَّ أحدَ رُوَّادِ مَجلِسِه, ومُلازمِيه وهو القاضي أبو عبد الله الوليدي, جَمعَ جميعَ ما كانَ يسمعُه من الإمام النَّاصر ممَّا يتصلُ بجنس العلم والأدب، ويتعلق بضرب من الفائدة، فصنَّفَ فيه كتاباً سمَّاهُ (ألفاظُ النَّاصر), كما خصَّصَ الإِمامُ النَّاصرُ مَجلِساً لرِوايةِ الحديثِ النَّبَويّ.

وقد كانَ لهُ عليه السلامُ في كُلِّ يومٍ رحلةٌ إلى أطرافِ البلد, وفي انصرافِه منها يجتمعُ إليه فُقَهاءُ البلد وأهلُ العلم في المُصلى, فيجلسوا ويُملي عليهم الحديثَ وهذا يدُلُّ على هِمَّةٍ قعساء, في نشرِ الفكرِ والمعرفةِ.

وعَمِلَ الإمامُ النَّاصر على تشجيعِ العُلماء على نَشرِ العلم, وأسس لهم المدارسَ العلمية, وتُعَدُّ مدرستَه العلمية التي أسسَّهَا بَعدَ فَتْحِ آمل من أشهرِ المدارس العلمية التي كان لها دورٌ رائدٌ في تلك البلاد, واستمرت قروناً منهلاً للعلم ومقصداً للفكر ومنصةً لانطلاق العلماء والمفكرين الذين أثروا المكتبة الإسلامية بنفائس الفكر في شتَّى المجالات العلمية، حتى أنَّ البعض قد ذهبَ إلى أنَّ الإمام النَّاصرَ حين وطَّدَ دعائمَ دولته العادلة في طبرستان تفرَّغَ في نهايةِ عُمرِه لبناءِ مداميك تلك المدرسة العلمية, وما زالَ الحديثُ عن تلك المدرسة إلى الآن, وهو شاهدٌ على عراقَتِها ودورِها وأثرِها الكبيرِ في الواقع العلمي.

دعوتُه إلى الله

الإمام ـ الذي جعلَه اللهُ قائداً للنَّاس وإماماً لهم ـ يمنحُه الله سمات القيادة وصفات الإمَامة, وفي شخصيتِه تتعدّدُ ملامحُ العظمة والسمو التي تُؤهلُه للأخذِ بيدِ الأمَّةِ الى حيث الرِّفعة والسعادة والحياة الكريمة, ومن شأنِ هذا الصفاتِ أنْ تتجلَّى في ميدان العمل, فيترك صاحبُها آثاراً خالدة, لولا تواترُه لظنَّه الباحثُ ضرْباً من الخيال, وفي أقربِ الأحوال بعيدَ المنال, ولعمري لقد كان الإمامُ النَّاصر حائزاً لكلِ صفات القيادة الربانية, وهو ما خَوَلَه أنْ يُخلِّدَ ذلك الأثرَ, ولعلَّ من أعظمِ الآثار الذي ارتبطتْ بشخصيةِ الإمام النَّاصر اسلامُ الآلاف البشر على يديه ودخولهم في دين الله بمساعيه, فلا يكاد إنسان أنْ يتحدثَ عنه إلا ويستحضرُ أولئك الآلاف من الجيل والديلم الذين أسلموا بدعوةِ الإمام النَّاصر, ويتذكرُ تلك الجهودَ العظيمة التي بذلَها في سبيل الدعوة إلى الله.

افتتح المسلمون بلادَ الجيل والديلم في العقدِ الثالثِ للهجرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب, ودانت تلك البلادُ للدولة الإسلامية, وتعاقبَ على حكمِها بنو أمية وبنو العباس, لكنَّه لم يكنْ لهم همٌّ في إسلام أهل تلك البلاد, بل اقتصرَ همُّهم على جمعِ الأموال, وتحصيلِ الخراج, والمحافظة على رقعة دولتهم, ولم يُسجَّلْ لهم أيُّ عملٍ يُذْكر في هداية تلك المجتمعات, أو نشر مبادئ الإسلام في أوساطهم, بلْ أَعظمُ من ذلك فقدْ كانت تصرفاتُهم وظلمُهم حاجزاً دونَ إسلامِهم, ولذلك استمرَّ أهل تلك البلاد على الديانة المجوسية والوثنية من عبادة النَّارِ والنُّجومِ والأصنام, إلى أنْ جاء الإمامُ النَّاصرُ سنة 287هـ, وبجهودٍ عظيمةٍ ومَساعٍ حَثِيثةٍ وخلال أربعةَ عَشَرَ عاماً من الدعوة والمثابرة استطاع الإمامُ أنْ يدخلَهم في دين الله أفواجاً, ويقنعهم بشريعة الحق جماعاتٍ وأفراداً حتى قيل أنَّه أسلم علي يديه مليون نسمة, يقول ابنُ حزم[12]: "الحسن الأطروش - الذي أسلم على يديه الديلم[13]".

 قال مؤلفُ أخباره: "رأيتُ في يومٍ واحدٍ وقدْ وَفَدَ عليه أربعةَ عشرَ ألف رجل شبانٌ كلُّهم قد أسلموا وأُخِذَتْ عليهم البيعةُ"[14].

ولك أنْ تتصورَ حَجْمَ التَّغيُّرِ العظيم الذي حَدَثَ في تلك المساحةِ الجغرافية في غضونِ أربعةَ عَشَرَ عاماً, على كافةِ المُستوياتِ الدِّينية والإنسانيةِ والاجتماعية والاقتصادية دنياً وآخرة.

لم يكنْ لذلك التحول العظيم والفتح المبين أن يحصلَ ـ في تلك الجغرافيا المترامية الأطراف, وفي تلك المجتمعات التي كانت بلا شك يحكمُها ارتباطٌ تاريخيٌّ وديني وشعبي بدياناتها ـ  لولا أنَّ الإمامَ النَّاصر كان يمتلكُ صفاتٍ استثنائيةٍ بكلِّ ما تحمِلُه الكلمةُ من معنى, وفي هذا السياق يقولُ الدكتورُ أحمد محمود صبحي: "والواقعًُ أنَّه ما كانَ لأَهلِ الدّيلم وطبرستان أنْ يستجيبوا للنَّاصر وأنْ يدينوا بدين الإسلام إلا لأنَّهم وجدوا فيه خُلُقاً يباين تماماً ولاةَ العباسية, كان عالماً زاهداً إذْ يقولُ ليسَ لي شبرَ أرضٍ ولا يكونُ إنْ شاءَ الله, قوياً في الحقِّ مُتمسكاً بقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لو أنَّ عبداً قامَ ليلَه وصامَ نهارَه وأنفقَ مالَه في سبيل الله وعبدَ اللهَ بين الركنِ والمَقام ثُمَّ يكونُ أخرَ ذلك أنْ يُذبحَ بين الركنِ والمَقام مظلوماَ لمَا صَعَدَ إلى اللهِ من عملِهِ وزنُ ذرةٍ حتى يُظهِرَ المحبةَ لأولياء الله والعداوة لأعداءِ الله)"[15]

لقد حَسُنَ إسلامُ أهل الدَّيلم, وترسَّخَتْ في قلوبِهم تعاليمُ الدين الحنيف وتَمَكَنت مبادئُه حتى فاقوا في التزامِهم كثيراً ممَّن وُلِدوا وهم يحملون الهويةَ الإسلامية, وظل الدينُ الإسلامي هو السائد في بلادِهِم إلى اليوم, ولقد تحدَّثَ الإمامُ النَّاصر في إحدى خُطَبِهِ عن حُسنِ إسلامِهِم, إذ يقول: "أيُّها النَّاس إنِّي دخلتُ بلادَ الدَّيلم وهم مشركون، يعبُدُون الشَّجرَ والحجرَ، ولا يعرفون خالقاً، ولا يدينون ديناً، فلم أزلْ أدعوهم إلى الإسلام، وأتلطف في العطف بهم حتى دخلوا فيه أرْسالاً، وأقبلوا إليَّ إقبالاً، وظهر لهم الحقُّ، وعرفوا التوحيدَ والعدل، فهدى الله بي منهم زهاءَ مائتي ألف من رجل وامرأة، فهم الآنَ يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين، ويناظرون عليهما مجتهدين، ويدعون إليهما محتسبين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المُنْكر، ويقيمون حدود الصلوات المكتوبة، والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وَجَدَ ألفَ دينارٍ مُلقَى على الطريق لم يأخذْ ذلك لنفسِهِ، ويَنْصُبُه على رأس مزراقة ينشده ويُعَرِّفه، ثم قاموا بنصرتي، وناصبوا آباءَهم وأبناءَهُم، وأكابرهم للحرب في هواي، واتباعَ أمري في نصرة الحق وأهله، لا يوليِّ أحدٌ منهم عن عدوه، ولا يعرف غير الإقدام، فلو لقيتَ منهم ألف جريح لم ترَ مجروحاً في قفاه وظهره، وإنَّما جراحتُهُم في وجوههم، وأقدامهم يرون الفرار من الزحف ـ إذا كانوا معي ـ كفراً، والقتل شهادةً وغُنْماً"

شجاعته وجهاده

تدل المواقف البطولية والملاحم العظيمة التي رُويت في سيرة الإمام الناصر عن شجاعة منقطعة النظير, فهو حفيد الوصي عليه السلام صاحبِ بَدْرٍ وحُنين والجمل وصفين والنَّهروان, حتى ذكر أنه في بعض أيامه وقد أتته الخيل والعسكر من ثلاث جوانب من ورائه الخيل وقدامه من الديلم ومن فوقه من الجيل حتى ردهم وهزمهم الله.

وفي كتاب الحدائق الوردية يحكي موقفاً له يدل عن رباطة جأشه وقوة قلبه, وقع في معركة "نورود" العظيمة, والتي سيأتي الحديث عنها, يقول في الحدائق: "وفي الرواية أنه في ذلك اليوم لما اشتد القتال نزل بين الصفين بحيث كانت تصله النبل ودونها, قيل: إنه قيد رمحين, فصلى ركعتين وأخذ من موضع سجوده تراباً ثم ركب فرسه ورمى بالتراب الذي في يده في وجوه أعدائه وقال: (شاهت الوجوه) فانهزموا عند ذلك".

وأعظمُ البراهين على شجاعتِهِ وهمتِه العالية، وعزيمته الصلبة دخولُه بلادَ الجيل والديلم وأكثرُهم كفار, عبدة الأشجار والأحجار, فدعاهم إلى دينِ الله, وقعد بينهم 14 سنة, وكان كلَّما اُضْطر للخروج منها عاد بروح أقوى، ولم تتهيَّأْ له أسبابُ القبول إلا في المرة الخامسة, فكتب الله لذلك الإصرار وتلك العزيمة في الدعوة النجاح؛ فدخلت الجيلُ والديلم في دين الله أفواجا، وأسلم على يديه ألفُ ألفُ نسمة كما تقدم الحديث عنه، وهذه من الحقائق المسلمة التي أقرَّ له بها الموالف والمخالف.

لقد خاض الإمام الناصر معارك عدة وحروباً كثيرة, وكانت كُلُّها معارك اضطرارية بعيدة عن روحِ المحارب المنتقم والمقاتل الذي يقاتل من أجل القتل, ولهذا فقد عُرِف عنه أنَّه في معاركه كان يَرِدُ بين الصفين متقلداً مصحفه وسيفه، ويقول: "انا ابن رسول الله، وهذا كتاب الله، فمن أجاب إلى هذا، وإلا فهذا", فكان يعرض على عدوه الحقَّ، ويدعوه إلى الصدق حتى يتبين السبيل للمغرر بهم وتتضح الطريق للمخدوعين, ويعطي فرصة للتوبة والإنابة للعاصين, فيدعوهم في بادئ الأمر إلى كتاب الله والانصاف, فإن أبوا إلا مكابرةَ الحق ومواجهته, اضطرَّ لحربهم, ولذا تكللت كُلُّ معاركه بالظفر والفوز؛ لأنه كان يحمِل قضية، ويدافع عن حق؛ فكان الله معه مؤيداً وناصراً, وأعظم تلك المعاركة معركة "نورود", كما كان له معارك عدة في الديلم مع آل وهسوان وكان المنتصر في جميعها حتى سلَّم له ملوكُها بالأمر بعد أن يئسوا من الظفر.

وَرَعُه

إنَّ من أهمِّ صفاتِ القائد الورعَ والزهدَ عن الدنيا, وبها يتمكَّنُ من قيادة الأُمَّةِ والسَّير بها إلى مَرافِئِ الاستقرار والعدالة, من دونَ أنْ يكونَ له اهتمامٌ في جمع الأموال وعمارة القصور, ولقد تجلَّتْ صفةُ الورع في شخصية الإمام النَّاصر عليه السلام وحياته فكانتْ نظْرتُه إلى الدنيا باعتبارها متاعاً فانياً وظلاً زائلاً, ولقد دانت له بلادٌ متراميةُ الأطراف, وجُبِيَتْ له الأموالُ من مُختَلَفِ الأصقاع, ومع ذلك فقد ذُكِر عنه أنَّه قالَ: "ما وضعت لبنة على لبنة، ولا آجرة على آجرة"، ولمَّا دخل مدينة آمل ونزل في دار الإمارة لم يشتغل مدة بإصلاحها وترميمها حتى تهدَّمَتْ؛ فقيل له: لو أَمَرتَ بالإصلاح؟ فقال: "إنَّما جِئتُ للتّخريب والهدم لا للعِمَارة والتَّجديد، فلم يعمرْها", وعبارةُ النَّاصر جليةُ المَعْنَى إذ أنَّه لم يَقصُدْ أنَّه جاء لِهَدم المُدُن والقُرى, وإنَّما قصدَ أنَّه جاء لِهَدم سياسات الجبابرة الجائرة ومُمَارساتِهم الخاطئة التي أثْقَلت كاهلَ الرَّعية, وانعَكَست على حياتِهم, واجترحت حقوقَهم والتي تمثلت في تشييد القصور الملكية ونحوها.

وكما لم يَعْمِر له بيتاً وهو إمامُ المسلمين كذلك لم يحصلْ على العقارات، ولم يشتغل بتَمَلُكِ الأراضي, فقد رُوي عنه عليه السلام أنَّه قال: "ليسَ لي شبرُ أرض ولا يكون إنْ شاء الله تعالى، ومهما رأيتموني أقتني ذلك، فاعلموا أنَّي قد خُنتُكم فيما دعوتكم إليه"[16], وهنا تنحني المعاني إجلالاً للإمام الناصر؛ وهي تسمع منه تلك الكلمات الخالدات, فبَعدَ أنْ أقام دولة مترامية الأطراف, واسعة الحدود, على أرض تعتبر من أغنى بلاد العالم, ها هو يخرجُ من الدنيا دون أن يملك شبراً من الأرض, أو أن يكون له بيتاً يملكه, وهنا درسٌ بليغ لحكام المسلمين إن كانوا يعقلون.

ثقته بالله

إنَّ الثقةَ بالله تعني للمؤمن الداعي إلى الله كُلَّ شيء, وما كان للإمام الناصر أن يخرج إلى تلك البلاد الأعجمية ذات التضاريس الصعبة والجبال الوعرة مع ما هم عليه من الشرك بالله وعبادة النار والأشجار والأحجار والنجوم, ويعزم على نفسه أن لا يفارقَهم إلا بعد أن يهديهم إلى الله، ويخرجَهم مما كانوا فيه من الضلال والجهل والانحراف إلا وهو متينُ العلاقة بالله وشديد الثِّقة بربِّه, ولقد حدثت في مسيرته الدعوية, وحياته الجهادية شواهد حية على تلك الثقة المتينة بخالقه, ومنها: أنَّه بعد انتصاره في معركة "نورود" تناهى إلى مسامعه أن أحمد بن إسماعيل الساماني والي خراسان قد خرج من بخارى بجيش عظيم، وقد استنفر كلَّ إمكانياته وجاء بقضّه وقضيضه قاصداً طبرستان؛ لطلب الانتقام عن الهزيمة التي مني بها جيشه من الإمام الناصر، وقد أشاع الساماني أنَّه عازم على خراب طبرستان، وطرد الناصر منها, وأنه عقد الأيمان المغلظة على أن لا يُبقي في الديلم شجرة إلا قلعها، ولا حجرا إلا هدمها، فنزل ذلك الخبر على قلب الإمام الناصر وقلوب أوليائه واشتغلوا به اشتغالاً عظيما, فخرج الإمام الناصر إليهم في يوم من الأيام وهم في مجلسه، وقال: "قد كفيتم أمر هذا الرجل، فقد وجهتُ إليه جيشاً يُكتفى بهم في دفعه"، فقالوا له: أيها الإمام ومن أين هذا الجيش، ومتى انفذتهم؟! فقال: "صليت البارحة ركعتين ودعوت الله عليه!" فما هي إلا أيامٌ قليلة حتى ورد الخبر بأن غلمان الساماني قتلوه، وكُفِيَ رضي الله عنه أمره, قال في الإفادة: "هذه حكاية معروفة مشهورة، قد حدثني بها غير واحد من الثقات".

عفوه

يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه"[17], ولقد تمثل الإمام الناصر عليه السلام صفة العفو ولازمها حتى سار عفوه مضرب الأمثال, فبعد معركة "نورود" والتي تعتبر معركة فاصلة بين الإمام والعباسيين, كان قد تمالأ قبل المعركة عددٌ من أهل طبرستان على التمرد على الإمام والتعاون مع أعدائه، فظنوا حين انتصر الإمام الناصر ودخل طبرستان أن يكون له معهم حسابٌ آخر، وبتعبيرنا أن يصفي حساباته معهم, لكن ذلك لم يحدث، وإنما تعامل الناصر معهم على وفق خلق العفو الذي استقاه من جده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأعاد إلى الأذهان بذلك الخلق النبوي معهم, قصةَ النبي الأكرم مع مشركي قريش, فحين دخل طبرستان منتصراً امتد إلى جامع  مدينة آمل وصعد منبره وخطب في الناس خطبة بليغة، ثمَّ عنفهم على ما كان منهم من مطابقتهم لأعدائه ومعاونتهم وخروجهم عليه، وكان عتاب الناصح الشفيق, ثم عرًّفهم أنَّه قد عفا عنهم وأمَّن كبيرهم وصغيرهم.

ومن القصص الظاهرة على قيمة العفو في حياة الإمام الناصر الأطروش تعامله مع أحد أبرز قادته, وهو الداعي الحسن بن القاسم في قصة ذكرت في كتب التاريخ نقِف مع خلاصتها: فبعد أن خرج الإمام الناصر من السجن الذي فرضه عليه الحسن بن القاسم, وعلى فداحة الجرم المرتكب ظن الجميع أن الإمام الناصر سينزل على ذلك القائد أقسى عقوبات الخيانة التي أهونها القتل, فما كان من الإمام الناصر إلا أن عفى عنه ولم يمنعه ذلك من أن يضفي عليه لقب الداعي إلى الله وأن يوصي أن يكون صاحب الأمر بعده لما علم صدق توبته وإنابته.

القدوة الحسنة

كانت نظرة الإمام الناصر للنسب النبوي وكونه من سلالة خاتم المرسلين دافعاً للعمل, مستشعراً حديث جدِّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم, فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً)), وهذا المعنى هو ما عبر عنه الإمام عليه السلام يوماً ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ: "إنِّي لا أُغرَّ نفسي، ولا أخدعها بالأماني، ولا أطمع أن أنال الجنة بغير عمل، ولا أشك في أن من أساء وظلم منا ضوعف له العذاب، وأنا ولد الرجل الذي دلّ على الهدى، وأشار إلى أبواب الخير، وشرع هذه الشرائع، وسنَّ هذه السنن والأحكام، فنحن أولى الخلق باتباعه واقتفاء أثره واحتذاء أمثاله والاقتداء به".

عدالته

لقد شهد على عدالة الإمام الناصر القاصي والداني والموالف والمخالف, ومن تلك الشهادات التاريخية شهادة المؤرخ محمد بن جرير الطبري, ولشهادته قيمة علمية؛ لأن الطبري من أبناء طبرستان وهي المنطقة التي دخلها الناصر عليها السلام بجيشه, أضف إلى ذلك أن الطبري كان سني المذهب، بالإضافة إلى أن الطبري توفي في سنة (310 هـ) أي بعد وفاة الناصر بـ 6 سنين فهو قريب العهد به, يقول الطبري في تاريخه: "ولم يرَ الناس مثل عدل الأطروش، وحسن سيرته، وإقامته الحق"[18]

وقال المؤرخ ابن الأثير: "كان الحسن بن عليّ حسن السيرة، عادلاً، ولم يرَ الناس مثله في عدله, وحُسن سيرته، وإقامته الحقّ"[19]

 يقول ابن خلدون: "وكان هذا الأطروش عادلاً حسن السيرة لم يرَ مثله في أيامه"[20]

قال ابن حزم: "وكان هذا الأطروش فاضلاً، حسن المذهب، عدلاً في أحكامه"[21]

من مظاهر عدالته:

امتنع عليه السلام من تولية أحد أبنائه؛ لأنه لم يكن يرى فيهم مؤهلات قيادة الأمة وتحقيق العدالة, فيسأله أحد قادته ـ وهو وهري بن شهريارـ أن يعهد إلى بعض أولاده، فقال عليه السلام: "وددّت أن يكون فيهم من يصلح لذلك، ولكن لا أستحل فيما بيني وبين الله عزَّ وجل أن أولِّيَ أحداً منهم أمر المسلمين!!"، ثم أشار إلى الحسن بن القاسم وقال: "الحسن بن القاسم أحقُّ بالقيام بهذا الأمر من أولادي وأصلح له منهم فَرُدُّوه!!" ولم يمنعه ما كان أسلفه عنده من إيثار الحق في المشورة به.

وروي عن حسين الحجام قال: كنت جمعت بالجيل والديلم سبعة آلاف درهم بأجرة الإحتنان, حملت من ذلك إلى الناصر ثلاثة آلاف درهم صحاح هدية له، فلم يقبل، وقال: "أنا أحتاج أن أعطيك يا حسين، فكيف آخذ منك؟!".

 وروي عن أبي داوود، قال: جاء رجل جيلي شكسكوهي بزقٍ فيه رُبٌّ إلى الناصر هدية، فقبلها الناصر، وأمر بأن يسلمه إلى خادم له يقال له (لهو)، ثم جاء صاحب الرُبِّ بعد ثلاثة أيام بخصومة ودعوى له على رجل، فلما قدم صاحب الرُبِّ خصمه إلى الدعوى، أمرنا الناصر أن ندعو خادمه، ونأمره برد رُبِّه، فجاء خادمه به فأبى الرجل أخذه، فامتنع أن يأخذه، فلم يتركه الناصر دون قبضه وأخذه.

وروي عن أبي العباس المعروف "بنير" قال: جاء رجلٌ ودفع إلى النَّاصر سفرجلة، فأخذها النَّاصر، وشمَّها، ووضعها بين يديه، فلمَّا كان بعد ساعة، جاء صاحب السفرجلة بخصم له مُدَّعىً عليه، فلما بَصُرَ به النَّاصر كذلك ردَّ إليه سفرجلته من ساعته.

 وروي عن أبي موسى الشيخ سلوس قال: هيأ أخي بالجيل للنَّاصر مائدة من الطعام وحملاً وسموكاً وغيرها، فذهب بها إليه، فقال له النَّاصر: ألك مع أحد دعوى وطلبة؟ فقال: لا، فلمَّا علم ذلك قبلها.

 وروي عن عبد الله بن الحسن الإيواري قال: كنت حملت إلى النَّاصر شيئاً من الفواكه إلى (شالوس)، فامتنع من قبوله، فدنوت منه، وقلت: إن فاطمة عليها السلام قبلت من سلمان هدِّيته وأنت تمتنع ممَّا عملت فاطمة وأخذت واحداً منها، وأدخلته في يده حتى قبض واحداً[22].

ومن مظاهر عدالته أنَّ أحد عُمَّاله اقترح عليه أن يفرض ما كان يفرضه الولاة قبله من آل طاهر من ضرائب على الأموال المستخرجة من كل وادٍ، فامتنع النَّاصر، قال  في الحدائق: "وروي أن بعض عماله ممن رضيه من عمال آل طاهر: ذكر أقاليم الأموال المستخرجة من كل واد، فامتنع النَّاصر من أخذها، فقال الرافع: كان آل طاهر عدولاً، والناس بذلك راضون.

قالوا: وكان مبلغها ستمائة ألف درهم، فقال: أنا ابن رسول الله لا ابن طاهر"[23]

تسامحه المذهبي

لقد استطاع الإمام النَّاصر أن يُدِير بلاداً مختلفة المذاهب والمشارب والاتجاهات من دون أن يّفْرض على أحد مذهباً أو يضيق عليهم في مذاهبهم, فقد حكم مجتمعات بعضُها سنية وبعضُها جعفرية وبعضُها زيدية, فلم يفرضْ على الجميع المذهب الزيدي, وإنما ساس الجميع بالعدل والانصاف, وبذلك استطاع أن يجعل الجميع يشعرون بالرضا تجاه الإمام الناصر وعدله, ولعلَّ أكبر شاهد على ذلك ما شهد له المؤرخ الشهير محمد بن جرير الطبري مع أنه كان سنياً إلا أنه قال أنه لم يرّ الناس مثل عدل الناصر, ومن صور تسامح الإمام الناصر الأطروش المذهبي ما كتبه الإمام الناصر إلى أحد علماء طبرستان أثناء الحرب, قال في تيسير المطالب[24]: روى أصحابنا عن المعروف بأبي بكرٍ محمد بن موسى البخاري، قال: دخلت على الحسين بن علي الآملي المحدث وكان في الوقت الذي كان الناصر للحق الحسن بن علي عليه السلام في بلاد الديلم بعد، وقد احتشد لفتح آملٍ ووردها، والحسين بن علي هذا يفتي العوام بأنهم يلزمهم قتال الناصر للحق عليه السلام ويستنفرهم لحربه ومعونة الخراسانية على قصده، وزعم أنه جهادٌ ويأمرهم بالتجهيز وعقد المراكب كما يفعل الغزاة، قال: فوجدته مغتماً فقلت له: أيها الأستاذ مالي أراك مغتماً حزيناً فألقى إلي كتاباً وَرَدَ عليه، وقال: اقرأْه، فإذا هو كتاب النَّاصر للحق عليه السلام وفيه: يا أبا علي نحن وإياكم خلفٌ لسلفٍ ومن سبيل الخلف إتباع السلف والاقتداء بهم، ومن سلفكم الذين تقتدون بهم من الصحابة عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيدٍ وهؤلاء لم يقاتلوا معاوية مع علي بن أبي طالبٍ عليه السلام مع تفضيلهم عليا عليه السلام تأولاً منهم أنهم لا يقاتلون أهل الشهادتين، فأنت يا أبا علي سبيلك أن تقتدي بهم ولا تخالفهم وتنزلني منزلة معاوية على رأيك وتنزل عدوي هذا ابن نوحٍ منزلة علي بن أبي طالبٍ عليه السلام فلا تقاتلني كما لم يقاتل سلفك معاوية، وتخل بيني وبينه كما خلى سلفك بينهما، فتكف عن قتال أهل الشهادتين كما كف سلفك، وتجنب مخالفة أئمتك الذين تقتدي بهم ولا سيما فيما يتعلق بإراقة الدماء، فافهم يا أبا علي ما ذكرت لك فإنه محض الإنصاف.

قال: فقلت له: لقد أنصفك الرجل -أيها الأستاذ- فلم تكرهه؟ فقال: نكرهه لأنه يحسن أن يورد مثل هذه الحجة، ولأنه يرد متقلداً مصحفه وسيفه، ويقول: قال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) فهذا هو كتاب الله أكبر الثقلين وأنا عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد الثقلين، ثم يفتي ويناظر ولا يحتاج إلى أحدٍ أما سمعت ما قاله في قصيدةٍ له، قال: وأنشد هذا البيت:

تداعا لقتل بني المصطفى .... ذوو الحشو منها ومراقها

صاحب دعوة مستجابة

عرف عن الإمام الناصر أن كان سريع الإجابة ممَّن لو أقسم على الله لأبره، ولقد حكي في سيرته قصصاً وشواهد على ذلك, ومن ذلك ما حكاه في الحدائق: "ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﺛﻖ ﺑﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻭﻫﻮ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﻔﺎﺿﻞ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺪﻳﻠﻤﻲ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ، ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺘﺮﺏ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎﺕ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﻛﻠﺐ ﻗﺪ ﻋﻮﺩﻩ ﺃﻧﻪ ﺇﺫا ﺷﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﻳﻄﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﺃﺭﺳﻠﻪ ﻓﻴﻌﻤﺪ اﻟﻜﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻌﻮﺭﺓ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ، ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻭﻗﺪ ﻛﻔﺎﻩ اﻟﻤﺆﻧﺔ ﻓﻴﺄﺧﺬ ﻣﺎﻟﻪ، ﻓﺄﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺫاﺕ ﻳﻮﻡ ﻣﻨﻔﺮﺩا، ﻭﻗﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﻀﻪ ﻳﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ، ﻓﺄﺭﺳﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻛﻠﺒﻪ ﻋﻠﻴﻪ - ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺭﻱ اﻟﻌﺎﺩﺓ ﻓﻠﻤﺎ ﻭﺻﻞ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻗﻌﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻨﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻪ، ﻭﺭﻣﻰ ﻟﻪ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ، ﻭﺃﻗﺒﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺪﻋﺎ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﻠﺐ، ﻓﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺘﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﺟﺮﺕ اﻟﻌﺎﺩﺓ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻪ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭاﻧﺼﺮﻑ اﻟﻜﻠﺐ ﻣﻊ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﺃﻗﺎﻡ ﻣﺪﺓ.

 ﻭﻛﺎﻥ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻭﺏ ﻓﻴﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺃﻋﺪاﺋﻪ، ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﻳﺎﻡ، ﻭﻋﻤﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﺄﺩﺑﺔ ﻟﻠﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻓﺘﻘﺪﻡ ﻭاﻟﻜﻠﺐ ﺧﻠﻔﻪ، ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻧﺒﺢ اﻟﻜﻠﺐ ﻧﺒﺎﺣﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺑﺨﻼﻑ اﻟﻌﺎﺩﺓ ﻭﻫﻢ ﺑﺎﻟﻄﻠﻮﻉ ﻓﻤﻨﻌﻮﻩ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻃﻠﻌﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﻤﻮﺿﻊ ﺑﺴﻠﻢ، ﻓﺄﻣﺮﻫﻢ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﺄﻥ ﻳﺨﻠﻮا ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻠﺐ ﻭﺑﻴﻦ اﻟﻄﻠﻮﻉ، ﻓﻄﻠﻊ ﻭﻭﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﺃﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻗﺒﻞ ﺃﻛﻞ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻤﺎﺕ ﻣﻦ ﺣﻴﻨﻪ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻣﺴﻤﻮﻣﺎ ﻓﺴﻠﻢ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ"[25]

ومن القصص على ذلك ما أورده في الإفادة: " واتصل به رضي الله عنه ما عزم عليه أحمد بن إسماعيل والي خراسان من بروزه من بخارى بجيشه وقضّه وقضيضه قاصداً طبرستان، ومتوجها إلى حربه وإظهاره أنَّه يخربها ولا يبقي بالديلم شجرة إلا قلعها لما جرى على عسكره، واشتغل قلبه [أي الناصر] وقلوب أوليائه بذلك اشتغالاً عظيماً.

فلما كان يوم من الأيام خرج إلى مجلسه، وقال: قد كفيتم أمر هذا الرجل، فقد وجهتُ إليه جيشا يُكتفى بهم في دفعه، فقالوا له: أيها الإمام ومن أين هذا الجيش، ومتى انفذتهم؟! فقال صليت البارحة ركعتين ودعوت اللّه عليه! فلما كان بعد أيام ورد الخبر بأن غلمانه قتلوه، وكُفِيَ رضي اللّه عنه أمره. هذه حكاية معروفة مشهورة، قد حدثني بها غير واحد من الثقات"[26].

ترتيب الحياة

تتسم حياة الإمام النَّاصر اليومية بالبساطة والتنظيم، فلم يعيش عيشة الملوك ولم يترك حياتَه من دون تنظيم، وفي تفاصيل حياته دروس لكيفية إدارة الذات وترتيب الحياة، فكان عليه السلام يركب إلى أطراف البلاد, ويمارس الرياضة اليومية فيضرب بالصولجان, وكان يحضر جنائز الأشراف وكبار الفقهاء ولا يفوته أن يلقي عليهم الدروس والمواعظ, فيروى أنَّه عليه السلام حضر عزاء بعض الأشراف فلمَّا سمع البكاء من داره، قال: "من هذا الميت الذي يُبْكى عليه؟ مات حَتْفَ أنفه وعلى فراشه وبين أهله وعشيرته، وإنَّما الأسف على أولئك النفوس الطاهرة التي قُتِلَت تحت أديم السماء، وفُرِّق بين الأجساد والرؤوس، وعلى الذين قتلوا في الحبوس وفي القيود والكبول"، وخطب في هذا المعنى خطبة حسنة، ثمَّ قال: "آه آه في النفس حزازات لم يشفها قتلى بورود".

ولقد كان عليه السلام يخرج إلى الأسواق ويخالط الناس بتواضع جمٍّ وخُلُق قويم, فلم يمنعه منصب الإمامة والخلافة العامة أن يقعد مع الرعية ويلاطفهم ويتفقد أحوالهم وطرق معايشهم, ولم يكنْ يضع بينه وبين العامَّة من النَّاس حجاب ولا بوَّاب ويذكرهم بذلك: "وأنتم معاشر الرعية فليس عليكم دوني حجاب, ولا على بابي بوَّاب, ولا علي رأسي خلق من الزبانية, ولا على أحد من أعوان الظلمة, كبيركم أخي وشابكم ولدي"

قربه من الناس

كان الإمام الناصر عليه السلام مع هيبته في القلوب ومكانته في النفوس يرسم البسمة في وجوه أصحابه، ومن ملح نوادره ما رواه محمد بن علي العبدكي قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن أحمد البلْخي يقول: كنت في مجلس الداعي محمد بن زيد بجرجان، وأبو مسلم محمد بن بحر حاضر، وكُنَّا جميعاً ممَّن يذُبُّ عن الناصر الحسن بن علي في تكذيب من ينسب إليه طلبه الأمر، فدخل [الناصر] والتفت إلى أبي مسلم. وقال: يا أبا مسلم من القائل:

وفتيان صدق كالأسنَّةِ عَرَّسوا .... على مثلها والليل تَرمي غَيَاهبُهْ

لأمرٍ عليهم أن يتم صُدُوره .... وليس عليهم أن تَتِمَّ عواقبُهْ

قال: فعلم أبو مسلم أنَّه قد أخطأ في إنشاد ذلك، لأنه يُستدل به على أنَّه معتقد للخروج وإظهار الدعوة، فأطرق كالخَجِل، وعلمت أنا مثل ما علمه فأطرقت، وفَطِنَ الناصر أيضا بخطئه فخجل وأطرق ساعة وانصرف، فلمَّا انصرف التفت الداعي محمد بن زيد إلى أبي مسلم. فقال: يا أبا مسلم ما الذي أنشده أبو محمد، فقال أبو مسلم: أنشد أيها الداعي.

إذا نحن أُبْنا سالمين بأنفُسِ .... كرامٍ رجَتْ أمراً فخاب رجاؤها

فأنفسنا خير الغنيمة أنها .... تؤبُ وفيها ماؤها وحياؤها

فقال الداعي محمد بن زيد: أو غير ذلك، إنَّه تتنسم رائحة الخلافة من جبينه.

وكان الجحستاني حين ضربه حبسه في بيت الشراب، وفيه زقاق فيها خمر، لأنه علم أنَّه يشتد عليه مقاربة موضع فيه خمر، فكان الناصر عليه السلام يقول: قويت برائحة الخمور. فقيل له: أيها الإمام لو أكرهت على شربها ما لذي كنت تصنع؟ فقال: كنت أنتفع بذلك، ويكون الوِزْرُ على المُكْرِه! وهذا من مليح نوادره ومزحه الذي لا يجاوز الحق.

قال في الإفادة: "ومن مَلِيْح نوادره فيما يتصل بهذا الباب: ما حدثني أبي رحمه الله، قال: كان رضي الله عنه محروراً شديد الحرارة تستولي عليه الحُمَّى إذا تكلم، فكان يوضع بين يديه كوز فيه ماء مُبَرَّد يتجرع منه في الوقت بعد الوقت إذا تكلم كثيراً وناظر في خلال مناظرته، وكان بـ(آمل) شيخ هِمٌّ من العراقيين يعرف بأبي عبد اللّه محمد بن عمرو، وكان يكلمه عليه السلام في مسألة فكان يترشش من فِيْهِ لعاب يصيب الكوز منه، كما يتفق مثله من المشائخ، فأخذ الناصر دفتراً كان بين يديه ووضعه على رأس الكوز، فاتفق أن هذا الشيخ وهو في هداره وحِدَّةِ مناظرته وَلِع بأخذ ذلك الدَّفتر عن رأس الكوز من غير قصد، ولكن كما يتفق من الإنسان أن يولع بشيء من ضجره واحتداده، وفعل ذلك مرتين، وكان الناصر يكلمه وكلما رفعه عن رأس الكوز أعاده إليه، فلما رفعه الرفعة الثالثة أعاده الناصر، ثم التفت إليه فقال: يا هذا ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِيْ العُقَدِ [الفلق: 4].

ومن مليح نوادره ما حكاه في الإفادة من أن الداعي قائد عسكر الإمام الناصر كان قد وقع بينه وبين الإمام الناصر منافرة, فخرج الداعي إلى الديلم، ثم توسط المشائخ والأشراف والفقهاء بينهما وعقدوا الصلح وردوه إليه, يقول الإمام أبو طالب في الإفادة: "فسمعت أبي رحمه اللّه يحكي عن عبد اللّه بن أحمد بن سلام رحمه اللّه، أنَّه قال: أردنا عقيب هذا الصلح أن نتوصل إلى تلقيب الداعي رضي الله عنه، فقلنا للناصر: إن أبا محمد قد شاع في النَّاس استيحاش الناصر منه، فينبغي أن تنعته بنعت وترسم له لقبا يرفع به عنه، قال: ففطن لما نريده ولم يكن ممن يذهب عليه مثل هذه الأغراض وتتمكن من مخادعته، فقال: لقبوه بالتائب إلى الله، فقلنا أيها الناصر نريد غير هذا، فقال: فالراجع إلى الحق، فقلنا: لا. فلم نزل به حتى تنجَّزنا منه تلقيبه بالداعي إلى الله.

أدبه وأشعاره

رويت عن الإمام الناصر أشعارٌ كثيرة, لكن المتتبع لها يجد أنه عليه السلام ـ مع امتلاكه شاعرية مرهفة وقدرة فائقة في قول الشعر ونظمه ـ لم يكن الشعر غاية له، ولا اتخذ الأدب حرفة ولا هدفاً، كما هو حال الشعراء، بل وظَّف أشعاره في خدمة غايته التي عاش من أجلها، ومشروعه الذي ناضل في سبيله، وهنا سنورد لكم نماذج من أشعاره التي تدل على ذلك، ففي بيتين يزهد الناس في الدنيا ويقصر هممهم في خدمتها يقول عليه السلام:

فلا تكن الدنيا لهمك غاية       تناول منها كل ما هو داني

ويكفيك قول الناس فيما ملكته      لقد كان هذا مرةً لفلان

ويأخذ الإمام الناصر عليه السلام نفساً عميقاً بعد جهد متعب وصراع شديد في سبيل غايته وأُمنيته التي هي هداية الناس وتحقيق الحق والعدل لهم، فيقول:

لَهفان جَمُّ وساوس الفِكْرِ .... بين الغِيَاضِ فساحل البحر

يدعو العبادَ لِرشدهم وكأن .... ضُربوا على الآذانِ بالوَقْرِ

مترادف الأحزان ذو جُزَع .... مُرٍ مذاقتهن كالصبر

متنفس كالكير ألهبَه .... نفخ القَيُون وواقد الجَمْرِ

أضحى العدوُّ عليه مجتهدا .... ووليُّه متخاذل النصر

متَبَرِّم بحياته قَلِق .... قد مل صحبة أهلِ ذا الدهر

وقد تتطلب بعض المواقف التعبير عن الذات تشجيعاً وتحريضاً لاختيار القدوة فيتحدث عن نفسه راسماً أهم ملامحها في مقطوعة تظهر مدى تأثره بالقرآن الكريم والتجارة الربانية التي حث عليها المولى جل وعلا في سورة الصف:

شيخ شرى مهجته بالجنة .... واستن ما كان أبوه سنه

ولم يزل علم الكتاب فَنَّه .... يجاهد الكفار والأظنَّه

بالمشرفيات والأسنه

وفي السياق ذاته ولذات الغرض يقول عليه السلام[27]:

واهاً لنفسي من حياتي واها.... كلفتها الصبر على بلواها

وسوغ مر الحق مذ صباها.... ولا أرى إعطائها هواها

أريد تبليغاً بها علياها.... في هذه الدنيا وفي أخراها

بكل ما أعلم يرضي اللهَ 

ولا تغيب عن باله مصائب أهل بيته ومعاناتهم، وما ذاقوه من هذه الأمة فيزفر زفرة كاشفاً عن ما يفعله ذلك الواقع في نفسه وما يتركه من وجع وألم:

ﻭﺑﻲ ﻷﺣﻮاﻝ ﺑﻨﻲ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ  ﻫﻢ ﻟﻪ ﺷﻒ ﻭﺗﺒﺮﻳﺢ

ﻋﺎﺩاﻫﻢ اﻟﺨﻠﻖ ﻓﺬﻭا ﻧﺴﻜﻬﻢ  ﺑﺎﻟﻬﻢ ﻣﻐﺒﻮﻕ ﻭﻣﺼﺒﻮﺡ

ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﺭﺽ ﻣﻨﻬﻢ ﻃﺎﻫﺮ  ﻟﻪ ﺩﻡ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﺴﻔﻮﺡ

ﻭﻣﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ ﺫﻭ ﺣﺴﺮﺓ  ﻭﻣﻮﺛﻖ ﺑﺎﻟﻘﻴﺪ ﻣﺬﺑﻮﺡ

ﻭﻫﺎﻟﻚ ﻳﻨﺪﺏ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻪ  ﺃﻓﻠﺖ ﻣﻨﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﺠﺮﻭﺡ

ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻤﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﺳﻮﻯ ﺃﻧﻬﻢ الساﺩﺓ اﻟﻄﻬﺮ اﻟﻤﺮاﺟﻴﺢ

ﺩﻋﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻨﺠﻮاﻫﻢ  ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﻘﺪﻳﺲ ﻭﺗﺴﺒﻴﺢ

 وفي بيتين قيل أنهم آخر ما جادت بهما قريحته يشرح فيها حالته وقد أصبح شيخاً كبيراً يتكئ على عصا ولا يخفى ما فيهما من جمال التشبيه وبراعة النظم:

ﺃﻧﺎﻑ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﺫا اﻟﺤﻮﻝ ﺭاﺑﻊ * ﻭﻻ ﺑﺪ ﻟﻲ ﺃﻧﻲ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﺭاﺟﻊ

ﻭﺻﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺗﻘﻮﻣﻨﻰ اﻟﻌﺼﺎ * ﺃﺩﺏ ﻛﺄﻧﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﻗﻤﺖ ﺭاﻛﻊ

محطات من حياة الإمام

نشأته العلمية ورحلته إلى العراق[28]

ولد الإمام النَّاصر الأطروش عليه السلام في المدينة المنوَّرة، وفيها ترعرع ونشأ في طلب العلم على يد علماء أهل البيت عليهم السلام، لكن إقامة في العراق لم تدم طويلاً فسرعان ما انتقل إلى العراق، وعلى الرغم من أنَّ المراجع التاريخية التي اطلعنا عليها لم تحدد تاريخ انتقال الإمام النَّاصر الأطروش، لكن من المحتمل أنه أُخِذَ مع أبيه[29], وهناك واصل الإمام الناصر تلقيه للعلوم الشرعية على كبار علماء أهل البيت وشيعتهم, فكان يتنقل بين بغداد والكوفة, فكان أبرز مشائخه شيخ الإسلام محمد بن منصور المرادي, والحسن بن يحيى العلوي, وأخيه الحسين وغيرهم من علماء الزيدية وجمع علوم القرآن والحديث والعقيدة والفقه والأخبار واللغة وسائر العلوم حتى صار من كبار أئمة العلم والدين وواحداً من أبرز علماء المسلمين.

عاش الإمام الناصر سنينه الأولى في ظل خلافة المتوكل العباسي الذي أشتهر عنه تشدده وإخلاصه في ظلم أهل البيت وتضييق الخناق عليهم، فعاين الإمام الناصر ما نال أهله من الظلم والاضطهاد وفي مقدمتهم والده الذي وضع تحت الإقامة الجبرية في سامراء، وهو ما غرس في نفسية الإمام معاني التضحية والفداء وصدق الانتماء وحب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

دخوله طبرستان[30]

بعد أن بلغ الإمام الناصر في العلم مبلغاً عظيماً هاجر من بغداد إلى طبرستان؛ بعد أن تنامى إلى سمعه قيام الإمام الداعي الحسن بن زيد[31] سنة 250هـ ونجاحه في إقامة دولة عادلة على أرض طبرستان؛ وهو ما دفع كثيراً من أهل البيت في الحجاز والعراق وأطراف الشام للهجرة إلى طبرستان بما فيهم الإمام الناصر.

يقول ابن اسفندار مؤرخ طبرستان (من أعلام القرن السابع الهجري): "وحينئذ وصل من السادة العلويون وبنو هاشم بما يزيد على أوراق الشجر من الحجاز وأطراف الشام والعراق وذلك للالتحاق بخدمة الحسن بن زيد فقدم في حقهم كل ألوان المبرات والتكريم وبلغ الأمر أنه كلما أراد أن يضع قدمه في الركاب كان يلتف من حوله ثلاثمائة علوي بسيوفهم المشهرة, ويقول السيد الإمام الناصر الكبير الحسن بن علي (الأطروش) في ذلك الوقت:

كـم ابن زيد حين يغدو بقومه     بدور سماء حوله أنجم زهر

فيا بؤس قوم صبحتهم خيوله     ويا نعم قوم نالهم جوده الغمر[32]

فيكون الإمام الناصر من تلك الكوكبة من أهل البيت الذين التحقوا بالإمام الداعي, وقد لازم الإمام الناصر مقام الإمام الداعي حتى توفي[33], فقام بالأمر بعده أخوه الإمام محمد بن زيد[34] فاستمر عنده.

ولمكانة الإمام الناصر الجليلة ومنزلته الرفيعة للإمام كان الداعيان الحسن بن زيد وأخوه محمد يعظمانه ويُجِلانه ويعرفان فضله ويقران بعلمه, وقد حاولا معه مراراً أن يلي لهما شيئاً من الأعمال لكنه امتنع.

ولقد لازم الناصر الإمامين الداعيين بالنصيحة الخالصة والصراحة الصارمة، وعلى الرغم ما أشتهر عنهما من العدالة حتى صارت عدالتهما مضرب الأمثال إلا أن الناصر كان جريئاً في بذل النصح لهما؛ دقيقاً في ملاحظة تحقيق العدالة منهما وقد حُكيَ الإمام محمد بن زيد طلب منه أن يتقلد القضاء, فأبى فأكرهه عليه فتقلده، فلما جلس أول يومه أتاه محمد بن زيد إجلالاً له وتعظيماً لشأنه فأمر القائم على رأسه وهو في مجلس الحكم بأن يأخذ الإمام محمداً فيقعده بين يديه.

فقال محمد: لم آتك مخاصماً ولا لأحد قبلي دعوى، فما هذا؟

قال له: بلى عليك دعاوي كثيرة، فإن كنت قلدتني القضاء فإني أبدأ بإنصاف الناس منك، ثم أقضي بين الناس.

خروجه إلى نيسابور[35]

في أثناء إقامة الإمام الناصر في طبرستان خرج إلى نيسابور وكانت تحت سيطرة محمد بن عبدالله الحجستاني[36], وفي نيسابور ألتف حوله القادة والعامة من الناس لما رأوا فيه من مخائل الصلاح والتقوى، فشرع في الدعوة للثورة وإزالة الظلم، وقد شجع الإمام على ذلك طمع الناس في التخلص من ظلم الجحستاني، لكن المنافقين سعوا به لدى حاكم نيسابور وأخبروه بما عزم عليه الإمام الأطروش، فأخذه وأودعه السجن وضربه بالسياط ضرباً عظيماً, حتى قيل أنه وقع سوط على أذن الإمام الناصر فأصابه منه طَرَشٌ[37].

عودة الإمام الناصر إلى طبرستان

جاء في كتب التاريخ كالإفادة والمصابيح أن الإمام الناصر لم يطل بقاؤه في سجن الجحستاني, فحين بلغ الإمام[38] محمد بن زيد محنة الإمام الناصر, وإيداعه السجن كتب رسالة إلى الحاكم الجحستاني في إطلاق سراح الإمام الناصر, فأطلق سراحه وعاد الناصر إلى طبرستان. 

رحلته إلى الديلم[39]

استمر الإمام الناصر في طبرستان وبالتحديد في مدينة جرجان في ظل دولة الإمام محمد بن زيد، إلى أن وقعت المعركة الذي استشهد فيها الإمام محمد بن زيد وذلك سنة 276هـ[40],  وأستولى العباسيون على طبرستان، وهو ما اضطر الإمام الناصر إلى الخروج منها؛ فخرج إلى الري[41] ونزل بدار محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر الحسني, وفي أثناء إقامته بالري كاتبه ملك الديلم جستان[42] يطلب منه القدوم عليه، وأنه يريد التوبة والعودة إلى الله, كان الإمام الناصر يدرك أن جستان رجل فاجر ومراوغ وأنه يبطن بذلك أمراً أخر غير التوبة؛ ولذلك لم يستجب له في بادئ الأمر، وكتب إليه بأنه لا يثق بوعوده, وليس يأمن أن لا يفي بما يعده به, لكن جستان لم ييأس من استمالة الإمام الناصر، فعزز كتابه بكتب أخرى، وذكر في مكاتبته في المرة الثالثة: "فإنك إن نهضت فهو كما قلت، وإن أبيت فقد ألزمتك الحجة في ذلك، وأنا أشهد الله على ذلك وكفى بالله شهيداً"، وأكدَّ على وفائه بأيمان مغلظة بذلها.

حينها لم يجد الإمام الناصر بُدًّى بينه وبين الله إلا الخروج إليه؛ لإقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فخرج إليه ومعه أولاده.

وصل الإمام الناصر إلى جستان فبدأ في إظهار التوبة والاقلاع عن معاصيه، ولقد كان لجستان ستون امرأة فطلقهن ولم يبق معه إلا أربع نسوة.

 لم تدم توبة جستان طويلاً, فقد تبين أخيراً أن استقدام جستان للإمام الناصر لم يكن لغرض التوبة كما أظهر وإنما أراد الاستعانة بالإمام على حربه لصاحب طبرستان، قال في الإفادة، ص115: "وقد كان قبل مفارقته له أحوج إلى مساعدته على ورود باب آمل لحرب الخراسانية، وقد كان جستان أظهر أن الأمر له، وسار تحت رايته فزعا من الخرسانية وقَصْدِهم إياه، ولم يكن الناصر رضي الله عنه يثق بوفائه ويعلم أنَّه إن ظفر عاد إلى عادته، فلم يتشدد في الحرب ولم يثبت ثبات مثله، فصارت الغلبة للخراسانية وانهزم الناصر وجستان".

بعد هزيمة جستان أمام والي طبرستان، اضطر إلى عقد صلح معه، وحاول أن يغريه بالأموال حتى يكف عنه خطره فارسل إليه بالأموال والهدايا، وعندها عاد جستان لحالته الأولى من الفجور والفساد، وهو ما حمل الإمام الناصر على مفارقته والخروج إلى سهل الديلم، وعرض الإسلام على من بقي من أهلها على الكفر، قال في الإفادة: " وطال مقامه إلى أن تهيأ له الخروج من عنده، فخرج إلى سهل الديلم وعرض الإسلام على من بقي منهم على الكفر".

ثم خرج من سهل الديلم إلى جيلان في سنة 287هـ, وبدأ في عرض الإسلام على أهل الجيل فأسلموا كلهم على يديه.

كان الإمام الناصر يتنقل بين الجيل والديلم فكان يقيم في مدينة هوسم للاهتمام بأمر الجيل, وتارة في كيلاكجان فيراعي أمر الديلم.

وأقام الإمام (14) سنة في بلاد الجيل والديلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، "وأزال الرسوم الجائرة التي وضعها آل وهشوذان على الديلم، واستنقذهم مما كانوا فيه من الضيم في الأنفس والأولاد والأموال"[43]، وجن جنون جستان حين رأى البلاد تستجيب للإمام الناصر وبدأت تتلاشى حكومته، فقاد معارك وحروباً ضد أنصار الإمام الناصر، "فكانت الدائرة على جستان، وزال سلطان جستان عن سهل الديلم جملة، وانحسم طمعه عنها، وتخلصوا من قبيح ظلمه لهم، وحكمه في أهاليهم وأولادهم واسترقاقه لهم"[44], وحين انحسر ملك جستان ولمع نجم الإمام الناصر, "اضطر جستان في الأخير إلى مبايعته وحلف له بالأيمان المغلظة أنه لا يخالفه ووفي بذلك وصار من اتباعه"[45].

أثمرت جهود الإمام الناصر ودعوته إلى الإسلام في تلك البلدان النائية في دخول الناس في الدين أفواجاً، حتى قيل أنه أسلم على يديه مليون نسمة, ولقد بايعه ألف ألف رجل بالغ مدرك ملتح، سوى النساء والمراهقين، وتحول أهالي الجيل والديلم من دين المجوسية ودخلوا في دين الله أفواجاً وبنوا المساجد، وتعلموا القرآن وتبصروا في الدين، وتسموا بأسامي المسلمين.

قال مؤلف أخباره: "رأيت في يوم واحد وقد وفد عليه أربعة عشر ألف رجل شبان كلهم قد أسلموا وأخذت عليهم البيعة"[46].

فتح طبرستان

 لما توطد أمر الإمام الناصر في الجيل والديلم بدأت الخلافة العباسية تخاف من قوة نفوذه واتساع ملكه فكتبت إلى واليها على خرسان وما وراء النهر أحمد بن إسماعيل بن أحمد الساماني بمحاربة الإمام الناصر, فتحرك الوالي العباسي فجمع من نواحي خرسان جيشاً قوامه 30)) ألفاً لحرب الناصر، وكتب إلى نائبه بطبرستان محمد بن علي المعروف بصعلوك بالتوجه إلى آمل ليكون على قيادة ذلك الجيش, فخرج الجيش الخرساني إلى منطقة تدعي (شالوس).

حين علم الإمام الناصر بتحركات العباسيين، خرج من الجيل والديلم في جيش يتراوح ما بين سبعة آلاف إلى عشرة آلاف مقاتل ليس معه من السلاح وآلات الحرب ما كان للخرسانية, وكان قائد جيش الناصر الحسن بن القاسم, والتقى الجيشان بموضع يقع بين شالوس وارفوا على ساحل بحر قزوين يقال له "بورود"[47].

وقعة نورود

وقعت بين الجيشين وقعة عظيمة اشتهرت بوقعة نورود، وكان ذلك في يوم الأحد في شهر جمادى الأولى سنة 301 هـ، وقد انتهت الوقعة بانتصار الإمام الناصر على الجيوش العباسية التي كان قوامها من أهل خرسان، "ومنح الله الإمام الناصر أكتافهم ونصره عليهم فانهزموا أقبح هزيمة، وقُتِلُوا شر قتلة، وبلغ عدد المقتولين نحو عشرين ألفاً، بين مقتول بالسلاح وغريق في البحر، كانوا إذا أقبلوا إلى الظهر اخذتهم الرايات، وإذا ولَّوا واقتحموا البحر غرقوا"[48].

وبهذا الانتصار الذي حققه الإمام الناصر انتهت شوكة العباسيين عن طبرستان وجيلان, وبدأت دولة عادلة يقودها الإمام النَّاصر الأطروش, والذي أعاد للدين الإسلامي الحنيف رونقه ولمعانه, فبعد أن هدى الخلق إلى الله وفتح قلوبهم إلى الإسلام, توجه ليطبق لهم أسس الإسلام ويقيم فيهم منهج القرآن والسنة النبوية.

محاولات بائسة لاستعادة طبرستان

 بعد الهزيمة التي تعرض لها العباسيون في معركة نورود, حاول أحمد بن إسماعيل الساماني أن يسترد طبرستان، فجمع الجيوش وجند الجنود، لكن الله تعالى أبطل مكره وأزهق باطله, بأن سلط الله عليه غلمانه فقتلوه، وقد أورد ذلك ابن الأثير فقال في أحداث سنة 301 هـ: "وفي هذه السنة قُتل الأمير أحمد بن إسماعيل بن أحمد السامانيُّ صاحب خراسان وما وراء النهر، وكان مولعاً بالصيد، فخرج إلى فربر متصيّداً، فلمّا انصرف أمر بإحراق ما اشتمل عليه عسكره، وانصرف، فورد عليه كتاب نائبه بطبرستان، وهو أبو العبّاس صعلوك، وكان يليها بعد وفاة ابن نوح بها، يخبره بظهور الحسن بن عليّ العلويّ الأطروش بها، وتغلّبه عليها، وأنّه أخرجه عنها، فغمّ ذلك أحمد، وعاد إلى معسكره الذي أحرقه فنزل عليه فتطيّر الناس من ذلك.

وكان له أسدٌ يربطه كلّ ليلة على باب مبيته، فلا يجسر أحد أن يقربه، فأغفلوا إحضار الأسد تلك الليلة، فدخل إليه جماعة من غلمانه، فذبحوه على سريره وهربوا، وكان قَتْله ليلة الخميس لسبع بقين من جُمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثمائة[49]".

هكذا أورد ابن الأثير القصة ولم يشير إلى أن الساماني جهز جيشاً للانتقام من الناصر واستعادة طبرستان منه, وما أغفله ابن الأثير ذكره الإمام أبو طالب الهاروني في الإفادة: "واتصل به رضي الله عنه ما عزم عليه أحمد بن إسماعيل والي خراسان من بروزه من بخارى بجيشه وقضّه وقضيضه قاصداً طبرستان، ومتوجها إلى حربه وإظهاره أنَّه يخربها ولا يبقي بالديلم شجرة إلا قلعها لما جرى على عسكره، واشتغل قلبه [أي الناصر] وقلوب أوليائه بذلك اشتغالا عظيما.

فلما كان يوم من الأيام خرج إلى مجلسه، وقال: قد كفيتم أمر هذا الرجل، فقد وجهتُ إليه جيشا يُكتفى بهم في دفعه، فقالوا له: أيها الإمام ومن أين هذا الجيش، ومتى انفذتهم؟! فقال صليت البارحة ركعتين ودعوت اللّه عليه! فلما كان بعد أيام ورد الخبر بأن غلمانه قتلوه، وكُفِيَ رضي الله عنه أمره", ثم يقول الإمام أبو طالب: "هذه حكاية معروفة مشهورة، قد حدثني بها غير واحد من الثقات"[50].

دخول الإمام الناصر آمل

بعد الانتصار توجه الإمام الناصر إلى آمل، وكان ذلك في جمادى الآخرة، فاستقبله مشائخها وفقهاؤها فاعتذروا إليه عن فعلهم ومعاونتهم للعباسيين في قتاله فعفا عنهم، كما عفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل مكة يوم الفتح المبين.

وامتدَّ الإمام الناصر إلى جامع  مدينة آمل وصعد منبره، وخطب في الناس خطبة بليغة اشتملت على المواعظ البالغة والحكم الجليلة، ثم عنفهم على ما كان منهم من مطابقتهم ومعاونتهم لأعدائه وخروجهم عليه، ثم عرًّفهم أنَّه قد عفا عنهم وأمَّن كبيرهم وصغيرهم.

في الحدائق الوردية وأمالي أبي طالب عن أبي الحسين الزاهد صاحب أخبار الناصر للحق عليه السلام، أن الإمام الناصر حين دخل آمل خطبة فيهم وقد ازدحم عليه طبقات الرعية، جاء فيها: "أيها النَّاس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون، يعبدون الشجر والحجر، ولا يعرفون خالقاً، ولا يدينون ديناً، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام، وأتلطف في العطف بهم حتى دخلوا فيه أرْسالاً، وأقبلوا إليَّ إقبالاً، وظهر لهم الحق، وعرفوا التوحيد والعدل، فهدى اللّه بي منهم زهاء مائتي ألف من رجل وامرأة، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين، ويناظرون عليهما مجتهدين، ويدعون إليهما محتسبين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون حدود الصلوات المكتوبة، والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وجد ألف دينار ملقى على الطريق لم يأخذ ذلك لنفسه، وينصبه على رأس مزراقة، ينشده ويُعَرِّفه، ثم قاموا بنصرتي، وناصبوا آباءهم وابناءهم، وأكابرهم للحرب في هواي، واتباع أمري في نصرة الحق وأهله، لا يوليِّ أحد منهم عن عدوه، ولا يعرف غير الإقدام، فلوا لقيت منهم ألف جريح لم تر مجروحاً في قفاه وظهره، وإنما جراحتهم في وجوههم، وأقدامهم يرون الفرار من الزحف ـ إذا كانوا معي ـ كفراً، والقتل شهادةً وغُنْماً.

وأنتم ـ أيضاً ـ معاشر الرعية، فليس عليكم دوني حجاب، ولا على بابي بواب، ولا على رأسي خلق من الزبانية، ولا أحد من أعوان الظلمة، كبيركم أخي، وشبابكم ولدي، لا آنس إلا بأهل العِلْم منكم، ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم، فسلوني عن جميع أمر دينكم، وما يغنيكم من العِلْم، وتفسير القرآن، فإنا نحن تراجمته وأولى الخلق به، وهو الذي قُرِن بنا، وقرنا به. فقال أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي )). واللّه ولي توفيقكم لرشدكم، وحسبي اللّه وحده، وعليه توكلت وإليه أنيب[51].

بعد أن أنهى الإمام الناصر خطبته بايعه فقهاؤها ومشائخها ومنهم من بايعه في مدينة شالوس.

 

الأثار الطيبة لفتح الناصر لطبرستان

قلنا سابقاً ونعيدها هنا أن الإمام الناصر كان غوثاً وملاذاً لأهل تلك البقاع, ولقد كسر بدولته رتابة العصور, وأبطل نظريات الدهور حول الملوك والفاتحين, ففي كل الدنيا حين يدخل ملك بلاداً فاتحاً يتبرم عليه أهلها ويعتبرونه غازياً وعدواً لما يمارسه الملوك من فساد "إن الملوك إذا دخلوا قريتنا أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة"، لكن الإمام الناصر بعدالته وهديه النبوي غيَّرَ تلك النظرة, وهيأ ظروفاً جعلت أهل طبرستان ينظرون إليه كغوث لهم مما هم فيه من الظلم, وأبدوا ارتياحهم البالغ وعدوه فتحاً وغوث من أول يوم لدخوله، ويرجع هذا الارتياح المبكر لعدة أسباب، منها:

ـ أولاً أن الإمام الناصر كان قد سكن طبرستان من قبل وعاش بينهم أكثر من 20 سنة، وعرفوه عن قرب وكانوا يعظمونه ويجلونه مع اختلاف مذاهبهم حتى روي أن من هيبة الناس له ومحبتهم إياه خاف منه الإمامان الحسن بن زيد وبعد أخوه الإمام محمد بن زيد، فهو شخصية لها وزنها ولها اعتبارها في قلوب أهل طبرستان.

ـ ثانياً لا شك أن أخبار الإمام الناصر وإسلام أهل الجيل والديلم المجاورين لطبرستان قد تناهت إلى أسماع أهلها، وهذه الأخبار قد لاقت القبول والرضا؛ لأن إسلام تلك الأعداد الكبيرة مدعاة للمسرة واحترام من حقق هذا النجاح في نفس كل مسلم، وهو ما عاظم مكانة الإمام الناصر عند أهل طبرستان.

ـ ثالثاً كان أهل طبرستان يعانون من ظلم الولاة العباسيين، وكانوا في نفس الوقت متعطشين للعدالة دولة أهل البيت، فما زالت ماثلة في عقولهم دولة الإمامين الحسن بن زيد وأخيه محمد الذي أجمع المؤرخون على اشتهارهما بالعدل، إذن خير من تحقق لهم تلك العدالة شخصية من أهل البيت عليهم السلام، ومن كالإمام الناصر الذي عرفوا فضله وطهارته.

ويدل على ذلك أن أهل طبرستان كانوا يقولون: "دفع الله عنا بدخول الناصر أربعين لوناً من الظلم والجور المكشوف سوى ما يدق منه[52]"

عمل الإمام الناصر منذ توليه الأمر على تأمين حقوق الناس وبسط العدل بينهم ورفع الظلم وما كانوا يعانون منه من الولاة العباسيين، وكان أول عمل قام به أن رفع عنهم الضرائب التي كان الولاة يفرضونها عليهم وخيرهم بين الخراج والعشر فاختار أوساطهم العشر وكبارهم الخراج.

شواهد ودلائل العدالة في دولة الناصر

كل الشواهد التاريخية المتعددة المصادر دالة على أن دولة الإمام الناصر كانت مثالاً للعدالة وأن الناس في ظله كانوا ينعمون بالخير والعدل والرفاه، وفي هذه النقاط السريعة نلقي نظرة على ذلك:

ـ شهادة المؤرخ الطبري وثناؤه على الإمام الناصر ووصفه كما تقدم بأن الناس لم يشاهدوا كعدل الناصر وأنه كان حسن السيرة، والطبري من أهل طبرستان وممن عايش تلك الحقبة فقد توفي عام 307هـ، أي بعد دخول الإمام الناصر طبرستان بست سنوات.

ـ تفاني وإخلاص الناس للإمام الناصر وكشاهد على هذه الحقيقة يحكي التاريخ ما تعرض له الإمام الناصر من الحسن بن القاسم أحد قادة الإمام، فقد قام باعتقال الإمام ووضعه في قلعة اللارز، وهو ما أثار الناس على ذلك القائد، وقد عبر عن ذلك أحد الفرسان والقادة وهو ليلى بن النعمان، والذي كان غائباً عن الإمام في مهمة عسكرية في ناحية الجرجان في موضع يقال له سارية وما إن بلغه الخبر حتى أسرع راجعاً ودخل على الحسن بن القاسم وخاطبه بلهجة شديدة الحدة: ماذا صنعت بأبينا؟ ـ يعني الناصر ـ، أهذا حقه عليك وعلى الجماعة؟ فقال: إنَّه لم يُفْرِج عن المال، ولم يطعم العساكر ما لابد لهم منه من الخبز. فقال له: والأب إذا لم يطعم الخبز يُحبَس؟! ثم ركب وعدل برايته إلى جانب وصاح: من كان متبعا للحق ومريداً له فليعدل إلى هذه الراية, فالتف أغلبية أنصار الحسن بن القاسم تحت تلك الناصر وكانوا كما قال في الإفادة: قد ندموا على ما بدر منهم، إلا عدداً يسيراً, عندها أحس ذلك ابن القاسم بخطئه أعطى خاتمه وأنفذ ليل بن النعمان من يخرج الناصر من القلعة.

وحين خرج الإمام الناصر من القلعة ودخل أمل كان استقبال أهلها له استقبالاً استثنائيا فيروي والد الإمام أبي طالب الهاروني وكان شاهداً على ذلك اليوم فيقول: "وقد استقبله أكثر أهل البلد صغيرهم وكبيرهم، وكان على بغلة، فكاد النَّاس يقلعون بغلته من الأرض لازدحامهم عليه وخدمتهم له. ورأيته وهو يدفع النَّاس عن نفسه بطرف مقرعته إذا تكابسوا عليه تمسحا به وتقبيلا لرجله حتى كادوا يزيلونه عن المركوب، يشير بها وينحِّيهم عنه"[53].

هذا الاستقبال المهيب وذلك التحول إلى راية ليلى بن النعمان يدل دلالة على المحبة التي غرسها بعدله في قلوب الناس وإلا لو كان الإمام الناصر فرض حكومته بالقوة والسلطان لما تمكن من العودة إليها ولاستغل أهلها حبسه على نزع ولايته وتولية غيره لكنهم لم يفعلوا ذلك بل كان منهم العكس.

إقامة الإمام الناصر بآمل ودولته العادلة

إن الدول العادلة في التاريخ الإسلامي عزيزة الوجود، ولن يجد الباحث فيما مضى من تاريخ هذه الأمة إلا تلك النماذج الطاغوتية التي جثمت على صدرها وأذاقتها ويلات الظلم والاضطهاد، وعلى الرغم من تلك الحالة السوداوية إلا أن هناك حالات ناصعة لدول عادلة كانت حاضرة في تاريخ المسلمين، ومن تلك الدول دولة الإمام الناصر الأطروش.

 لقد استطاع الإمام الناصر أن يقيم دولة عادلة ذائعة الصيت, بلغت شهرتها الآفاق وشهد لها القريب والبعيد، لقد دخل الإمام الناصر إلى طبرستان وقد أرهق أهلها الظلم وعانوا من الجور والاستبداد من قبل الولاة، وكانت الحالة الاجتماعية السائدة سيئة للغاية، وأفراد الشعب مرهقون بدفع الأموال الطائلة إلى الحكام، فوجدوا في الإمام الناصر المنقذ والفرج.

لقد أقام الإمام الناصر دولة مترامية الأطراف يحكي في الإفادة: "وتمكن من (طبرستان) كلها، من (شالوس) إلى (سارية)، وأعمالها، ومن الرويان وَ(كَلاّر) وما يتصل بها، ورتب العمال في هذه البلدان والنواحي، وولى القضاء زيد بن صالح الحسني.

وكان ينظر في الأمور بنفسه، وبَسَطَ العدل، ورفع رُسُوْمَ الجور، وعقد مجالس النظر، وكان الفقهاء يحضرونه ويكلمونه في المسائل ويكلمهم ويناظرهم"[54].

اختار الإمام الناصر أن تكون مدينة آمل عاصمة لدولته الفتية ومنها نشر العدل ووزع الولاة وأقام رسوم العدالة وأزال عن كاهل الرعاة الأتاوات والضرائب المفروضة من قبل من حكم تلك البقاع قبله كما تقدمت الإشارة إليه واستمرت دولة الإمام الناصر "ثلاث سنين وأشهراً[55]"    

وفاته

توفي عليه السلام في مدينة آمل في شهر شعبان سنة 304هـ، وعمره 74 سنة.

ولقد كان من آخر أشعاره قصيدة أولها:

أناف على السبعين ذَا الحولَ رابعُ .... ولا بُدَّ لي أني إلى الله راجع

ويقول فيها:

وصرت أبا جدٍ تقومني العصا .... أدُبُّ كأني كلما قمت راكع

وكان عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه لا تفوته صلاة بوضوء إلى أن أثقل فكان يومي إلى الوضوء بيده فيوضؤونه ويأخذ في الصلاة حتى فاضت روحه إلى بارئها وهو ساجد.

دفن عليه السلام بمدينة آمل، وعمر له مشهد فيها وفي مشهده، ومشهد الإمام الهادي إلى الحق يقول الشاعر:

عرج على قبر بصعـ          ـدة وابك مرموساً بآملْ

واعلم بأن المقتدي              بهما سيبلغ حيث ياملْ

نعم توفي الإمام الناصر وغيب جسده الثرى وغادرت روحه إلى بارئها في جوار النبيين والصديقين لكنه بقي مثلاً أعلا للمستبصرين, وقدوة حسنة للدعاة إلى الله في شتى أرجاء العالم، فحياته الحافلة بالخير والعطاء, والسعي لإنقاذ الناس من الجهل والكفر والظلم ما زالت خالدة في أنصح صفحاته, وكأنها دورة من دورات الحياة التي لم تتكرر كثيراً على وجه الأرض..

 

 

[1] عمر الأشرف هو ابن زين العابدين وأخو الإمام زيد لأمه وأبيه، وهو أسن من الإمام زيد وكان محدثاً فاضلاً ولي صدقات الإمام علي عليه السلام عاش خمساً وستين سنة ويكنى أبا حفص وقيل أبا علي. كل هذا نقلاً من كتاب المجدي في الأنساب.

[2] لم تحدد المصادر التاريخية التي بأيدينا سنة ولادته ولا سنة وفاته, لكنه من طبقة الإمام القاسم الرسي عليه السلام وقد كان مولد القاسم الرسي سنة (169هـ), فإذا فرضنا أن والد الناصر ولد في سنة ولادة الإمام القاسم الرسي فيكون وفاته سنة (246هـ) لأنه كما ذكر العمري في كتابه المجدي أنه تعمر(77) سنة, فيكون عمر ولده الإمام الناصر عند وفاته (16) سنة لكن هذا يستبعده أننا بعد التتبع لما بين يدينا من المصادر لروايات الإمام الناصر لم نجد أن الإمام الناصر روى عن والده, وعليه فيكون ولادة والد الإمام الناصر متقدمة عن ولادة الإمام القاسم الرسي, وإذا افترضنا عدم رواية الإمام الناصر عن والده لوفاة والده وهو ما زال في سن الرابعة لأن من يكون في هذا السن يضعف عن الرواية فيكون ولادة والد الإمام الناصر في سنة (157هـ) ووفاته (234هـ) . استفيد هذا التحقيق من جواب للباحث العلامة الكاظم الزيدي

[3] في كتاب لب اللباب في تحرير الأنساب ص57: العسكري: بفتح أوله والكاف وراء إلى عسكر مكرم مدينة بالأهواز وإلى عسكر مصر قلت: هي خطة بها انتهى وعسكر سر من رأى وعسكر المهدي, وقال في الأنساب المتفقة ص34: الثالث منسوب إلى عسكر سامرّا التي بناها المعتصم لمّا كثر عسكرُه وضاقت عليه بغداد وتأذّى به الناس وانتقل إليها بعسكره وسّميت العسكر وذلك في سنة 331 [ هكذا في الكتاب كما في المكتبة الشاملة وهذا خطأ واضح لأن المعتصم ولي الخلافة 218هـ توفي 227هـ/ فلعل التاريخ الصحيح أنه كان في سنة 221]فمن نُسب إلى العسكر بالعراق فلأجل سكناه سامرّا ومنهم من ينسب إلى سامرّا ولا يقال له العسكري وفيهم كثرة ويتميزون برواياتهم الرابع منسوب إلى قضاء عسكر المهدي وهو محمد بن عبد الله أبو بكر أحد أصحاب الرأي كان يتولّى القضاء بعسكر المهدي وهو ممّن أشتهر بالاعتزال وكان يُعدّ من عقلاء الرجال"، أما في الأنساب للسمعاني ج4/ ص194: وجماعة ينسبون إلى عسكر سر من رأى الذي بناه المعتصم، لما كثر عسكره وضاقت عليه بغداد وتأذى به الناس، فانتقل إلى هذا الموضع بعسكره، وبنى بها البنيان المليح، وسمي: سر من رأى ويقال لها: سامرة وسامراء.

وسميت " العسكر " لان عسكر المعتصم نزل بها، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين.

[4] عمر بن الفرج الرخجي: أحد جلاوزة بني العباس ولاه المتوكل العباسي على المدينة ومكة, فشد وطأته وظلمه على ذرية علي بن أبي طالب, وقد ذكر في كتاب الطبري ص306: "أنه ضرب الإمام يحيى بن عمر بن حسين بن الإمام زيد", وعمر بن فرج هو من أشخص القاسم بن عبدالله بن الحسين بن زين العابدين, كما في المقاتل ص158, وفي تاريخ بغداد ج5/ ص422, وقد اسرع الله له العقوبة فقد سخط عليه الخليفة العباسي المتوكل كما في تاريخ الإسلام للذهبي ج4/ ص318, فأخذ منه ما قيمته مائة وعشرون ألف دينار. ثم صالحه على أن يرد إليه ضياعه على ماله. ثم غضب عليه وصفع ستة آلاف صفعة في أيام، وألبس عباءة. ثم رضي عنه، ثم سخط عليه ونفاه. توفي ببغداد.

[5] في كتب التاريخ ذكر عدة وقائع لتعرض الطالبين للحبس في سامراء, ففي المقاتل ص154: أن أبا الساج(أحد قادة المتوكل العباس) قيد الإمام محمد بن صالح بن عبدالله بن موسى الجون وحمله إلى سامراء هو وجماعة من أهله, وفيه وغيره كما سبق في بعض الحواشي تعرض بعض الطالبين للجلب من المدينة. إلى سامراء على يد القائد العباسي عمر بن فرج الرخجي.

[6] كانت أم فاضلة وذكر في المقاتل أن الإمام محمد بن القاسم الطالقاني نزل في دارها حين طارده بنو العباس فقال في ص392: قال علي بن محمد الازدي: فحدثني ابنه علي بن محمد بن القاسم الصوفي: انه لما صار إلى واسط عبر بها دجلة إلى الجانب الغربي، فنزل إلى ام ابن عمه علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، وكانت عجوزا مقعدة، فلما نظرت إليه وثبت فرحا به وقالت: محمد والله، فدتك نفسي واهلي، الحمد لله على سلامتك، فقامت على رجلها، وما قامت قبل ذلك بسنين، فأقام عندها مديدة، ومرضته من الوهن الذي اصاب ظهره حتى مات بواسط.

[7] ابن أبي الرجال, مطلع البدور ج3/ ص140

[8] مطلع البدور ج2/ ص190.

[9] أن تكون الواقعة حصلت في نيسابور استشكل بالآتي: أن من ذكر أنها في نيسابور ذكر أنها في زمن الإمام محمد بن زيد وهو الذي توسط في اخراجه من السجن بينما في كتاب الكامل أن الخحستاني قتل في سنة268هـ بينما تولى الإمام محمد بن زيد الإمام في سنة 270هـ, وتحكي كتب التاريخ أن الخحستاني دخل جرجان في زمن الإمام الحسن بن زيد واستولى عليها فيكون سجن الإمام الناصر في تلك المعركة التي طرد الخحستاني الإمام الحسن بن زيد من جرجان وفيها ناله الطرش.

[10] الإمام أبو طالب, الإفادة, ص112

[11] الإمام مجدالدين المؤيدي, التحف شرح الزلف, ص206

[12] جمهرة أنساب العرب, ص1 بحسب صفحات المكتبة الألكترونية.

[13] وفي الكامل في التاريخ, ج3/ ص394 ما لفظه: وكان الحسن بن عليّ الأطروش قد دخل الديلم بعد قتل محمّد بن زيد، وأقام بينهم نحو ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام، ويقتصر منهم على العشر، ويدافع عنهم ابن حسّان ملكهم، فأسلم منهم خلق كثير، واجتمعوا عليه، وبنى في بلادهم مساجد ومثله في تاريخ ابن خلدون ج3/ ص367, وفي تأريخ الخلفاء ص157: وفيه أسلم الديلم على يد الحسن بن علي العلوي الأطروش وكان مجوسياً. وفي تاريخ ابن خلدون ج1/ ص200 : ثم قام بهذه الدعوة في الديلم الناصر الاطروش منهم وأسلموا على يده

[14] الإمام أبو العباس الحسني, المصابيح, ص545

[15] أحمد صبحي, اﻟﺰﻳﺪﻳﺔ 192

[16] مآثر الأبرار، ج2/ ص29

[17] نهج البلاغة، ص770.

[18] تاريخ الطبري, ج5/ ص679

[19] الكامل في التاريخ, ج3/ ص396

[20] تاريخ ابن خلدون، ج3/ ص367

[21] جمهرة أنساب العرب, ص22

[22] ابن أبي الرجال, مطلع البدور, ج3/ ص136

[23] المحلي، الحدائق الوردية، ج2/ ص57.

[24] الإمام أبو طالب, تيسير المطالب, ص134.

[25] المحلي، الحدائق الوردية، ج2/ ص61.

[26] الإمام أبو طالب, الإفادة, ص123

[27] الزحيف، مآثر الأبرارج2/ ص30

[28] ذكر في مطلع البدور أن من طلبة الناصر وملازميه شيخ العراق المسند عبدالله بن الحسن الأيواري وقرأ عليه النصوص فلينظر هل كان ذلك في العراق أم في آمل لكنه حكى في آخر ترجمة الأيواري أنه حمل إلى الناصر شيئاً من الفواكه إلى شالوس

[29] وقد رجح الباحث العلامة الكاظم الزيدي في جوابه عن انتقال الناصر إلى العراق: " أن ذلك تقديراً وتتبعاً في سنة (233هـ), وعمر الإمام الناصر (ع) ثلاث سنوات تقديراً, حيث كانت ولادة الإمام الناصر (ع) في المدينة النبوية, وهذا هو أول عهد المتوكل العباسي"

[30] إقليم يقع في شمال إيران ممتد على الساحل الجنوبي لبحر قزوين عبر سلسلة جبلية تعرف اليوم بسلسلة جبال ألبروز وكان يضم قديماً مدناً كآمل وجرجان وشالوس

[31] الإمام الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام, (219هـ /270هـ) وهو الداعي في بلاد الري وطبرستان وقزوين وجرجان ونيسابور, وموطد دعائم الزيدية في تلك البلاد.

[32] ابن اسفندار, تاريخ طبرستان, ص104.

[33] توفي الإمام الداعي الحسن بن زيد في 3/ رجب/ 270هـ

[34] محمد بن زيد أخو الإمام الداعي الحسن بن زيد دعا إلى الله بعد وفاة أخيه الحسن

[35] مدينة في مقاطعة خرسان شمال شرق إيران قرب العاصمة الإقليمية مشهد.

[36] في الكامل لابن الأثير أحمد بن عبدالله الخجستاني وأنه استولى على نيسابور في 262 وذكر في مقتله ما يأتي: ذكر قتل الخجستاني

لما كان الخجستاني بطخارستان وافاه خبر أخذ والدته من نيسابور، وسار مجدأن فلما قارب هراة أتاه غلام لأبي طلحة، يعرف بينال ده هزار، مستأمناً فأتاه خبره قبل وصوله، وكان للخجستاني غلام اسمه رامجور على خزائنه، فقال له كالممازح له: إن سيدك ينال ده هزار قد استأمن إلي، كما علمت، فانظر كيف يكون برك به. فحقدها عليه رامجور، وخاف أن يقدم ذلك الغلام عليه، ويطلب الفرصة ليقتله.

وكان لأحمد غلام يدعى قتلغ، وهوعلى شرابه، فسقاه يومأن فرأى في الكوز شيئأن فأمر به فقلعت إحدى عينيه، فتواطأ قتلغ ورامجور على قتله، فشرب يوماً بنيسابور عند وصوله من طايكان، فسكر ونام، فتفرق عنه أصحابه، فقتله رامجور وقتلغ، وكان قتله في شوال سنة ثمان وستين ومائتين، وأخذ رامجور خاتمه فأرسله إلى الإصطبل يأمرهم بإسراج عدة دواب، ففعلوأن فسير عليها جماعة إلى أبي طلحة وهو بجرجان يعلمه الحال، ويأمره بالقدوم، ثم أغلق رامجور الباب على أحمد واختفى.

وبكر القواد إلى باب أحمد، فوجدوا باب حجرته مغلقأن فانتظروه ساعة طويلة، فرابهم الأمر، ففتحوا الباب فرأوه مقتولأ فبحثوا عن الحال، وأخبرهم صاحب الاصطبل خبر رامجور في إنفاذ الخاتم، فطلبوه فلم يجدوه، ثم وجدوه بعد مدة.

وكان سبب إطلاعهم عليه أن صبياً من أهل تلك الدار التي هوبها طلب ناراً فقيل له: ما تعلمون بالنار في اليوم الحار؟ فقيل: نتخذ طعاماً للقائد؛ قيل: ومن القائد؟ قال: رامجور؛ فأنهوا خبره إلى بعض القواد، فأخذوه وقتلوه. ج3/ ص299.

[37] في رواية وهي الأقرب أن تعرض الإمام الناصر للسجن إنما كان في جرجان وهو في جيش الإمام الداعي, ويذكر في كتاب الكامل أن الوقعة بين الخجستاني والإمام الداعي كانت عام( 266هـ), وقد ذكر في الإفادة اختلاف الرواية في تعرض الإمام الناصر للسجن هل كان في نيسابور أم في جرجان, قال في الإفادة: وذكر بعض من صنف أخباره، أن ذلك في ناحية جُرْجَان لما وردها الجحستاني وانحاز عنها الحسن بن زيد، وأُحْوِج عليه السلام إلى الإقامة هناك، فسعى به بعض من كان وقف على أمره، فأخذه واعتقله وضربه بالسياط ضرباً عظيماً، ووقع سوط في أذنيه فأصابه منه طَرَشٌ، واستقصى عليه بأن يعترف بما كان منه، ويعرفه أسامي أصحابه، فثبت على الإنكار، ثم أفرج عنه، وقيل: إن محمد بن زيد كاتبه في معناه والتمس منه تخلية سبيله، فعاد إلى جرجان، وقيل: إنَّه تخلص بخروج الجحستاني من جرجان، وهذا قول من ذكر أن النكبة اتفقت عليه بناحية جرجان.

 وإنما قلنا أن تكون في جرجان لأن من يروي أنها وقعت في نيسابور يقول أن ذلك كان في ولاية الإمام محمد بن زيد وإذا كانت ولاية الإمام محمد بن زيد بدأت من عام 270هـ فهذا يضعف ذلك لأن الخجستاني مات في عام 268هـ.

[38] ينظر في ذلك ما تقدم في الحاشية إلا أن يكون محمد بن زيد كتب إلى الخجستاني في عهد أخيه الحسن.

[39] يحد الديلم من الجنوب قزوين والصرم وشيء من آذربيجان وبعض الري ويتصل بها من الشرق بقية الري وطبرستان ومن الشمال بحر الجزر ومن المغرب شيء من بلاد آذريبيجان

[40] هكذا في التحف والتاريخ لأحمد الهادي أما في كثير من المصادر التأريخية أن الوقعة كانت في 287هـ / وكانت المعركة بين الإمام الداعي محمد بن زيد وأحد قادة إسماعيل الساماني والي العباسيين / ويظهر أنه بعد خرجت طبرستان من سلطة أهل البيت واستولى عليها العباسيين إلى أن دخلها الإمام الناصر ثانية سنة 301هـ كما سيأتي.

[41] في المصابيح أنه كان بآمل فلينظر

[42] في الحدائق أن جستان كان متزوج بجدته ج2 / ص55

[43] الامام أبو طالب: الإفادة ص114.

[44] الامام أبو طالب: الإفادة، ص114.

[45] الإمام أبو طالب: الإفادة, ص115

[46] علي بن بلال: تتمة المصابيح، ص545.

[47] الإمام أبو طالب: الإفادة، ص115.

[48] الإمام أبو طالب: الإفادة، ص115.

[49] ابن الأثير, الكامل في التاريخ, ج3/ ص393

[50] الإمام أبو طالب: الإفادة, ص123

[51] الإمام أبو طالب, الأمالي,ج1/ ص239

[52] علي بن بلال: تممة المصابيح،

[53] الإمام أبو طالب, الإفادة, ص121>

[54] الإمام أبو طالب, الإفادة ص118

[55] هكذا في الإفادة, وفي المصابيح وثلاثة أشهر ص544

18:12 on 2024/12/08
اضافة تعليق
*