* النسب الشريف
هو الإمام موسى بن جعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، كان يلقب بالكاظم، ويكنى بأبي الحسن، وأبي إبراهيم.
والده هو: أبو عبدالله الإمام جعفر بن محمد، الملقب بالصادق، وقد عرف عن الإمام جعفر الصادق بعمود الشرف؛ ولم يعقب الإمام الباقر إلا منه.
وأمُّه: أمُّ ولد كانت تسمى حميدة.
وُلِد الكاظم عليه السلام بالمدينة المنورة، سنة 129هـ.
* أولاده
للإمام الكاظم عليه السلام الكثير من الأولاد، منهم من أعقب ومنهم من لم يعقب؛ ومن أشهرهم: علي بن موسى المشهور بالإمام الرضا، وإبراهيم، والعباس، وإسماعيل، ومحمد، وعبد الله، والحسن، وجعفر، وإسحاق، والحسين، وزيد.
* عبادته
كان موسى الكاظم يدعى "العبد الصالح" لكثرة عبادته واجتهاده في طاعة الله تعالى؛ فقد روي أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسجد سجدة في أولِّ الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: "عظيمُ الذنبِ عندي، فليحسن العفو عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة". فجعل يرددها حتى أصبح.
وعن عمار بن أبان قال: حُبِس أبو الحسن موسى بن جعفر عند السندي، فسألته أختُه أن تتولى حبسه، وكانت تتدين، ففعل، فكانت تلي خدمته، فحكى لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه، فلم يزل كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح، ثم يذكر قليلاً حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل، ثم يرقد إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة؛ فكان هذا دأبه، فكانت أخت السندي إذا نظرت إليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، وكان عبداً صالحا.
* بعض من شمائله
اشتهر الإمام الكاظم عليه السلام بالخلق الرفيع، والقيم النبيلة، حتى كان شعلة يهتدي بها الناس إلى سبيل الفضائل، ويرقون بها إلى معارج المناقب والمحامد؛ فمن ما يروى عنه:
أن الخليفة العباسي هارون الملقب بالرشيد لما حج لقيه الكاظم على بغلة، فقال له الفضل بن الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين؟ فأنت إن طَلَبْتَ عليها لم تُدْرِك وإن طُلِبْتَ لم تَفُتْ.
قال: إنها تطأطأت عن خُيَلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير، وخير الأمور أوسطها.
ولقد ظهرت كرامات الإمام موسى الكاظم عليه السلام وزاده الله تشريفاً وتعظيماً، قال أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي: سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول: ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به الا سهل الله تعالى لي ما أحب.
* كرمه وكظمه للغيض
كان الإمام موسى الكاظم عليه السلام كريم اليد، سخياً بما يملك، فكان عليه السلام إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرَّة فيها ألف دينار، وكان يصر الصُّرَرَ ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة، حتى كانت صرار الإمام موسى الكاظم مضرباً للمثل، إذا جاءت الإنسانَ الصرةُ فقد استغنى.
وروي أن رجلاً من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب عليه السلام إذا رأى موسى بن جعفر، ويؤذيه إذا لقيه فقال له بعض مواليه وشيعته: دعنا نقتله، فقال: لا، ثم مضى راكباً حتى قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره، فصاح لا تدس زرعنا، فلم يصغ إليه وأقبل حتى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة درهم.
قال: فكم ترجو أن تربح؟ قال: لا أدري.
قال: إنما سألتك كم ترجو. قال: مائة أخرى.
فأخرج موسى عليه السلام ثلاثمائة دينار فوهبها له فقام فقبل رأسه، فلما دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلم عليه وجعل يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته، فوثب أصحابه عليه وقالوا: ما هذا؟ فشاتمهم، وكان بعد ذلك كلما دخل موسى خرج يسلم عليه ويقوم له.
فقال الكاظم لمن قال ذلك القول: أيهما كان خيراً ما أردتم أو ما أردت؟
وجاء عن محمد بن عبد الله البكري قال: قدمت المدينة أطلب بها ديناً فأعياني، فقلت: لو ذهبتُ إلى أبي الحسن موسى بن جعفر فشكوت ذلك إليه؛ فأتيته بنقمي في ضيعته، فخرج إليِّ ومعه غلام له معه منسف فيه قديد مجزع، ليس معه غيره، فأكل وأكلتُ معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرتُ له قصتي، فدخل، فلم يقم إلا يسيراً حتى خرج إليَّ، فقال لغلامه: اذهب ثم مد يده إليَّ. فدفع إليَّ صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولى، فقمت فركبت دابتي وانصرفت.
* مروياته
للإمام موسى الكاظم عليه السلام مرويات متصلة بآبائه عليهم السلام، وأسانيد ذهبية لا تنفك عن العترة الطاهرة، وهي بحق السلسلة التي لو ألقيت على أعمى لارتد إليه بصره، كما روى عنه أولاده عليهم السلام وغيرهم؛ ولنذكر هنا عدداً من هذه المرويات:
عن موسى بن على[ الرضا] عن أبيه[موسى الكاظم] عن آبائه عن علي عليه السلام، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فقال لي وهو يوصيني: ((يا علي ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار. يا علي عليك بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار. يا علي اغد بسم الله فان الله بارك لأمتى في بكورها)).[تاريخ بغداد ج2/ ص6].
عن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خُلِقْتُ أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة)).[تاريخ بغداد ج6/ ص58].
عن علي بن موسى حدثني أبي موسى بن جعفر، حدثني أبي جعفر بن محمد، حدثني أبي محمد بن علي، حدثني أبي علي بن الحسين، حدثني أبي الحسين بن علي، حدثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان)).[تاريخ بغداد ج9/ ص385].
عن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد حسن وحسين قال: ((من أحبني وأحبَّ هذين وأباهما وأمَّهما كان معي في درجتي يوم القيامة)).[تاريخ بغداد ج6/ ص78].
* جهاده
كان الإمام موسى الكاظم وأخوه عبدالله عليهما السلام ممن خرج مع الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، وأعطياه بيعتهما مختارين متقربين إلى الله تبارك وتعالى، وقد اشتركا في قتل أولِّ قتيل من المسودة، وكانا حاضرين معه في جميع جهاده حتى استشهد الإمام النفس الزكية عليه السلام.
ولما دعا الإمام الحسين الفخي عليه السلام كان الكاظم عليه السلام ممن بايعه، وخرج معه.
*حبسه في سجن المهدي العباسي
لما تولى المهدي العباسي الخلافة أمر بإحضار الإمام موسى الكاظم إلى بغداد وحبسه في سجنه، ثم رأى المهدي في المنام علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو يقول: يا محمد {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.
فأرسل ليلاً إلى رجل يدعى الربيع، قال الربيع: فراعني ذلك، فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتاً، وقال: عليَّ بموسى بن جعفر. فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وقال: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ عليَّ كذا، فتؤمنني أن تخرج عليَّ أو على أحد من ولدي؟ فقال: آلله لا فعلت ذاك، ولا هو من شأني.
فقال المهدي لربيه: أعطه ثلاثة آلاف دينار، ورده إلى أهله إلى المدينة. قال الربيع فأحكمت أمره ليلاً، فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق.
*الكاظم مع هارون عند قبر النبي
جاء عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي أنه قال: حج هارون الرشيد فأتى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم زائراً له، وحوله قريش وأفياء القبائل، ومعه موسى بن جعفر، فلما انتهى[هارون] إلى القبر قال: السلام عليك يا رسول الله، يا بن عمي. افتخارا على من حوله. فدنا موسى بن جعفر، فقال: السلام عليك يا أبة. فتغير وجه هارون وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا.
*حبسه في سجن هارون واستشهاده
عاد الإمام موسى الكاظم في المدينة المنورة فبقي بها إلى أيام هارون المسمى بالرشيد؛ وذلك أن هارون قدم للحج، فلما كان منصرفاً أمر بموسى الكاظم عليه السلام فأخذ من المسجد، فأدخل إليه فقيده، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في إحديهما، ووجه مع كل واحد منهما خيلا، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة، والأخرى على طريق الكوفة، ليعمى على الناس أمره، وكان موسى في التي مضت إلى البصرة، وكان على البصرة حينئذ عيسى بن جعفر بن المنصور، فحبسه عنده سنة ثم كتب إلى الرشيد: أن خذه مني وسلمه إلى من شئت، وإلا خليت سبيله، فقد اجتهدتُ أن آخذ عليه حجة، فما أقدر على ذلك، حتى إني لأتسمع عليه إذا دعا؛ لعله يدعو عليَّ أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه، يسأل الله الرحمة والمغفرة.
ثم بعد ذلك حمل عليه السلام إلى بغداد وحبس بها، وروي أن موسى بن جعفر عليهما السلام بعث إلى الرشيد من الحبس رسالة قال فيها: ((إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون)).
ثم إنه عليه السلام قتل في الحبس؛ وقد روي أنه اشترك في قتله السندي بن شاهك ويحيى بن خالد البرمكي، بأمر ورغبة من هارون، فلما مات عليه السلام أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد، فنظروا إليه لا أثر به، وشهدوا على ذلك، وأخرج فوضع على الجسر ببغداد، فنودي: هذا موسى بن جعفر قد مات، فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت.
*مكان دفنه
بعد ذلك أمر بحمل جثمان الإمام الكاظم عليه السلام، فدفن في بغداد في مقابر قريش، ومشهده فيها مشهور مزور, وكانت وفاته عليه السلام لخمس بقين من رجب، سنة 183هـ؛ فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا.