✒️النسب المبارك
هو الإمام أبو عبدالله جعفر بن محمد (الباقر) بن علي (السجاد) بن الحسين (السبط) بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ يلقب بالصادق، ويقال له: عمود الشرف؛ ولم يعقب الباقر إلا من جعفر عليهما السلام.
✒️مولده ومكان الميلاد
ولد الإمام الصادق عليه السلام في المدينة المنورة في 17 ربيع الأول 80هـ.
✒️أمُّه
هي أم فروة بنت القاسم الفقيه بن محمد بن أبي بكر؛ وأمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان الصادق(ع) يقول: ولدني أبو بكر مرتين.
✒️أولاده
هم: موسى (الكاظم)، وإسحاق(المؤتمن)، وأمُّهما أمُّ ولد يقال لها: حميدة المغربية وقيل: نباتة، وإسماعيل، وأمُّه فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع)، وعلي العريضي، ومحمد (المأمون)، وأمُّه أم ولد؛ وهؤلاء لهم عقب، وعبدالله.
✒️فضائله
كان الإمام جعفر الصادق عليه السلام ذا فضل رفيع، ومكانة سامية، فهو من أعلام عترة المصطفى، ومن أئمة الاهتداء، وقد اشتهرت مناقبه بين العام والخاص، وتواترت فضائله بين الأنام، حتى سمِّي بـ "عمود الشرف"؛ كما كان كريم اليد، جواداً بمعروفه، من ذلك أنه - لما استشهد عمُّه الإمام زيد- أعطى عبد الرحمن بن سيابة ألف دينار وأمره أن يفرقها في عيال مَن أصيب مع زيد، فأصاب كل رجل أربعة دنانير، ولقد جاء في كتاب "سير أعلام النبلاء" أنه كان يطعم الناس حتى لا يبقى لعياله شيء.
ومما يدل على عظيم فضله، ومدى ثقته بالله، وتعلقه بما عنده، ما رواه الإمام أبو طالب عليه السلام في أماليه بسنده إلى علي بن موسى بن جعفر عن أبيه عليهم السلام، قال: أرسل أبو جعفر المنصور إلى جعفر بن محمد عليهما السلام ليقتله، فطرح سيفاً ونطعاً، وقال: يا ربيع إذا أنا كلمته ثم ضربت بإحدى يدي على الأخرى فاضرب عنقه، فلما دخل جعفر بن محمد عليهما السلام، ونظر إليه من بعيد فرق أبو جعفر على فراشه [قال: يعني تحرك]، وقال: مرحباً بك وأهلاً يا أبا عبدالله، ما أرسلنا إليك إلا رجاء أن تقضي ذمامك ونقضي دينك، ثم سأله مسألة لطيفة عن أهل بيته، وقال: قد قضى الله دينك وأخرج جائزتك، يا ربيع لا تمضي ثالثة ما قلته حتى يرجع جعفر بن محمد إلى أهله، فلما خرج هو والربيع، قال: يا أبا عبدالله أرأيت السيف والنطع، إنما كانا وضع لك، فأي شيء رأيتك تحرك به شفتيك، قال: نعم يا ربيع، لما رأيت الشرَّ في وجهه قلت: حسبي الرب من المربوبين، وحسبي الخالق من المخلوقين، وحسبي الرازق من المرزوقين، وحسبي الله رب العالمين، حسبي من هو حسبي، حسبي من لم يزل حسبي، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
✒️علمه
بلغ الإمام الصادق عليه السلام في العلم مبلغاً جاوز به أقرانه، ونافس آباءه وأجداده، ولقد نشأ على العلم والتقوى في كنف والده الإمام الباقر عليهما السلام، وأخذ عنه علوم أهل البيت الكرام؛ ولقد تخرج على يديه أكابر العلماء والفقهاء، كأولاده عليهم السلام، وكالإمام مالك بن أنس الأصبحي، وأبي حنيفة النعمان، وأبي المنذر هشام بن محمد الكلبي(صاحب: الجمهرة، والوجيز، والفريد)، وغيرهم.
ومما يدل على غزارة علمه وكثرة روايته كثرة المحدثين عنه، حتى صنف المحدث الكبير أبو العباس الملقب بابن عُقْدة كتاباً ذكر فيه أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق عليه السلام، وعدَّهم أربعة آلاف رجل؛ منهم: ابنه موسى الكاظم، والحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعلي الأكبر بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين، وعيسى بن زيد بن علي بن الحسين، وسفيان بن أبي السمط، وأبو عمرو بن العلاء( أحد القراء السبعة).
يقول عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين، قد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول: "سلوني سلوني". وعن صالح بن أبي الأسود: سمعت جعفر بن محمد يقول: "سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي".
وسئل أبو حنيفة: من أفقه من رأيت؟، قال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك الصعاب، فهيأت له أربعين مسألة، ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه؛ فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر؛ فسلمت، أذن لي فجلست ثم التفت إلى جعفر، فقال: يا أبا عبدالله تعرف هذا؟، قال: نعم هذا أبو حنيفة، ثم أتبعها قد أتانا ثم قال: يا أبا حنيفة هات من مسائلك نسأل أبا عبدالله، فابتدأت أسأله فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ونحن نقول كذا وكذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعاً حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة، ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
✒️دعاء أم داود
اشتهر عن الصادق عليه السلام دعاء أم داود الذي يسمى أيضاً بدعاء الاستفتاح؛ وداود هو السيد البقيَّة فخر آل الرسول داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يكنَّى أبا سليم، وهو رضيع جعفر الصادق عليه السلام، كان من عيون العترة، وسادات الأسرة، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين عليه السلام نيابة عن أخيه عبد الله الكامل.
وأمه التي روت عن الصادق عليه السلام الدعاء هي أم ولد رومية تدعى جيبة، زوجة الحسن المثنى بن الحسن.
وكان من قصة داود أن المنصور الدوانيقي حبسه، فجاءت أمُّه إلى جعفر الصادق، وشكت إليه حالها، فعلمها دعاء الاستفتاح فدعت به كما علمها في منتصف رجب، فيسَّر الله لولدها الخروج من الحبس، ولهذا سُمِّي دعاء الاستفتاح، ودعاء أم داود.
✒️موقفه مع عمِّه زيد
كان الإمام جعفر الصادق عليه السلام ممن وقف في وجه الحكم الأموي؛ فهو المؤيد والمناصر لعمِّه الإمام زيد بن علي عليهما السلام في ثورته، وقد أراد أن يخرج معه إلى الكوفة حين خرج، وقال له: أنا معك يا عم. فقال له الإمام زيد: أو ما علمت يا ابن أخي أنَّ قائمنا لقاعدنا وقاعدنا لقائمنا، فإذا خرجت أنا وأنت فمن يخلفنا في حرمنا، فتخلف جعفر بأمر عمِّه زيد عليهما السلام.
قال ابن الأثير في الكامل: وكانت طائفة أتت جعفر بن محمد الصادق قبل خروج زيد، فأخبروه ببيعة زيد، فقال: بايعوه فهو والله أفضلنا وسيدنا، فعادوا وكتموا ذلك.
ولما أراد يحيى بن زيد عليهما السلام اللحاق إلى أبيه، قال له ابن عمه جعفر: أقرئه عني السلام، وقل له: فإني أسأل الله أن ينصرك ويبقيك، ولا يرينا فيك مكروهاً، وإن كنت أزعم أني عليك إمام فأنا مشرك.
وقد قيل أن الصادق عليه السلام لما جاءه خبر قتل أبي قرة الصقيل بين يدي زيد بن علي، تلا: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[النساء:100]، رحم الله أبا قرة.
وكذا لما جاءه خبر قتل حمزة بين يدي عمه عليه السلام تلا قول الله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:32].
فلما انتهت المعركة وجاءه خبر استشهاد عمه زيد وأصحابه، قال: ذهب والله زيد بن علي كما ذهب علي بن أبي طالب والحسن والحسين وأصحابهم شهداء إلى الجنة، التابع لهم مؤمن، والشاك فيهم ضال، والراد عليهم كافر.
وقد روي عن عباد الرَّواجني أنه قال: أنبأنا عمرو بن القاسم، قال: دخلت على جعفر الصادق وعنده ناس من الرافضة، فقلت: إنهم يبرؤون من عمك زيد، فقال: ((برأ الله ممن تبرأ منه، كان والله أقرأنا لكتاب الله وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم ما تركنا وفينا مثله)).
قال الإمام الهادي عليه السلام: ((وإنما فرَّق بين زيد وجعفر قوم كانوا بايعوا زيد بن علي، فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب من بايع زيداً ويعاقبهم، خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان، ثم لم يدروا بِمَ يحتجون على من لامهم وعاب عليهم فعلهم، فقالوا بالوصية حينئذ، فقالوا: كانت الوصية من علي بن الحسين إلى ابنه محمد، ومن محمد إلى جعفر، ليموهوا به على الناس، فضلوا وأضلوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل، اتبعوا أهواء أنفسهم، وآثروا الدنيا على الآخرة، وتبعهم على قولهم من أحب البقاء وكره الجهاد في سبيل الله)).
✒️شخصيته الجهادية
كان الإمام جعفر الصادق عليه السلام من المناهضين للحكمين الأموي والعباسي، رافضاً لظلمهم واستبدادهم، قد تجلت شخصيته الجهادية في مقالاته ومقاماته، قال في العباس بن علي بن أبي طالب: ((كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع أبي عبد الله وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيداً)).
وأيَّد الإمام الصادق عمَّه الإمام زيداَ عليهما السلام، ورغب في الخروج معه على حكم هشام بن عبدالملك، إلا أن الإمام أمره بالبقاء في المدينة.
ثم لما خرج الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية خرج الإمام الصادق معه، ثم استأذنه في الرجوع؛ لكبر سنه وضعفه، وأخرج معه ولديه موسى الكاظم، وعبدالله، وقد رُوي عن سليمان بن نهيك، قال: كان موسى وعبدالله ابنا جعفر عند محمد بن عبدالله، فأتاه جعفر فسلم، ثم قال: تحب أن يصطلم أهل بيتك؟ قال: ما أحب ذلك، قال: فإن رأيت أن تأذن لي فإنك تعرف علتي، قال: قد أذنت لك، ثم التفت محمد بعد ما مضى جعفر إلى موسى وعبدالله ابني جعفر، فقال: الحقا بأبيكما فقد أذنت لكما، فانصرفا فالتفت جعفر فقال: ما لكما؟ قالا: قد أذن لنا، فقال جعفر: ارجعا فما كنت بالذي أبخل بنفسي وبكما عنه، فرجعا فشهدا محمداً، وكانا حاضرين معه في جميع جهاده حتى قتل، وأعطياه بيعتهما مختارين متقربين إلى الله تبارك وتعالى.
ومن أجل مواقف الإمام الصادق قصده المنصور الداونيقي بالقتل مراراً، ولكن الله عصمه منه.
وسجل التاريخ للإمام الصادق موقفه مما تعرض له أولاد الحسن من التعذيب والسجن من قبل الخليفة العباسي أبي الدوانيق، روى الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام، قال: غدوت إلى المسجد فرأيت بني حسن يخرج بهم من دار مروان مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة، فانصرفت فأرسل إليَّ جعفر بن محمد فجئته، فقال: ما وراءك؟ فقلت: رأيت بني حسن يخرج بهم في محامل، قال: اجلس، فجلست فدعا غلاماً له، ثم دعا ربه دعاءً كثيراً، ثم قال لغلامه: اذهب فإذا حملوا فأتِ فأخبرني، فأتاه الرسول، فقال: قد أقبل بهم، قال: فقام جعفر بن محمد، فوقف وراء ستر شعر يبصر من ورائه ولا يبصره أحد فطُلِع بعبدالله بن حسن في محمل معادله مسوِّد وجميع أهل بيته كذلك، قال: لما نظر إليهم جعفر هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته، ثم أقبل عليَّ، فقال: يا أبا عبدالله والله لا تُحفظ لله حرمة بعد هؤلاء.
✒️وفاته
توفي الإمام جعفر الصادق عليه السلام بالمدينة المنورة، 25 شوال 148هـ ودُفن في مقبرة البقيع، في قبة العباس بن عبدالمطلب؛ وقد ضمت القبة جثامين أربعة من ذوي القربى وهم: الإمام جعفر الصادق وأبوه الإمام الباقر وجده الإمام السجاد والإمام السبط الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وقد أوصى الإمام جعفر الصادق بأمواله وصغار أولاده إلى ابنه الإمام موسى الكاظم والإمام يحيى بن عبدالله (الكامل).