✒ ️النسب المبارك
هو الإمام العابد الكامل أبو محمد عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وأمُّه: هي الشريفة الطاهرة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ كانت تشبه بالحور العين في جمالها وحسنها، وهي أشبه الخلق بجدتها فاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وسلم، ويروى أنه عندما خطب الإمام الحسن بن الحسن إلى عمِّه الحسين، وسأله أن يزوجه إحدى ابنتيه؛ قال له الحسين: "اختر يا بني أحبهما إليك"، فاستحيا الحسن ولم يحر جواباً، فقال له عمه الحسين: "فإنِّى قد اخترت لك ابنتي فاطمة، فهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله"، ولقد قيل فيها وفي سكينة: "إن امرأتين أدونهما سكينة، لمنقطعتا القرين في الحسن والجمال"؛ وهي ممن شهدن معركة كربلاء، وشاهدت استشهاد أبيها وأهل بته عليهم السلام، وسيقت مع الأسرى إلى الشام.
✒️ لقبه
لقب الإمام عبدالله بن الحسن بالكامل؛ لكمال خُلُقِه وخَلْقِه، فقد تجمَّعتْ فيه كلُّ خصال الكمال، وإليه انتهى كل أمر جليل؛ فكان إذا قيل: من أفصح الناس؟، قيل: عبدالله بن الحسن، وإذا قيل: من أسخى الناس؟، قيل: عبدالله بن الحسن، وإذا قيل: من أعلم الناس؟، قيل: عبدالله بن الحسن، وإذا قيل: من أعبد الناس؟، قيل: عبدالله بن الحسن.
كما لُقِّب بالمحض؛ لخلوص نسبه من جهة الأب والأم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد كان حسنيَّ الأب، حسينيَّ الأم، وكان يقول عن نفسه: "أنا أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ولدني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله مرتين"، يعني مرَّةً من جهة الحسن، ومرَّةً من جهة الحسين عليهما السلام.
✒ ️مولده
ولد عليه السلام في بيت جدته فاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وسلم الواقع في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، سنة (70هـ).
✒ ️أولاده
كان للإمام الكامل من الأولاد: محمد (النفس الزكية)، وإبراهيم (شهيد باخمرى)، وموسى (الجَون)، وإدريس الأكبر، وهارون، وقد دَرَجَا، وفاطمة، وزينب، ورقية، وكلثم، وأم كلثوم، وأمُّهم هند بنت أبي عبيدة.
وسليمان، ويحيى (صاحب الديلم)، وأمُّهما قريبة بنت ركيح بن أبي عبيدة.
وإدريس الأصغر (صاحب المغرب)، وعيسى درج وداود، وأمُّهم عاتكة بنت عبد الملك بن الحارث.
✒️ نشأته
عاش الإمام الكامل عليه السلام في بيت النبوة، ومهبط الوحي، في ظل أسرة مباركة، قطباها أبوه الإمام الحسن بن الحسن وأمُّه فاطمة بنت الحسين، فتربى تربية نبوية خالصة، وعلى يدي والده وكبار أهل البيت تلقَّى تعاليم الإسلام من منبعه فشبَّ عليها، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم سنة جده الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، حتى بلغ مبلغاً عظيماً، فكان سيداً من سادات عصره، ودرة فريدة بين أبناء دهره.
✒️ مكانته
كانت له عليه السلام مكانة عظيمة عند أهل البيت عليهم السلام وسائر الأمة؛ فهو شيخ بني هاشم، والمقدم عليهم، وعلم من أعلام أهل بيت النبوة .
يقول ابنه الإمام يحيى عليه السلام في وصفه: "أبي عَبدالله بن الحسن النفس الزكيَّة والهمَّة السنيَّة، والدَّيانَة المرضيَّة، والخشيَة والبَقيَّة، شَيخُ الفَواطِم وسَيَّد أبَناء الرَّسُل طُرّا، وأرفَعُ أهل عَصرهِ قَدراً، وأكرَمُ أهل بِلاد الله فِعلاً".
وقد انتهت ولاية صدقات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأوقاف أمير المؤمنين بعد موت أبيه الإمام الحسن بن الحسن عليهم السلام، حتى حازها أبو جعفر المنصور الدوانيقي عندما حبسه وقتله في محبس الهاشمية مع من قتل من أهل البيت عليهم السلام.
✒ ️عبادته وأخلاقه
كان الكامل عليه السلام خير قدوة وأعظم أسوة في زمانه، وقد ضرب أروع الأمثلة في العبادة والديانة والأخلاق والحلم وحسن المعاملة؛ من ذلك ما روي أنه عليه السلام صلى الفجر بوضوء العشاء ستين سنة، فإذا كان آخر الليل سجد وقال: "إلهي لم أعبدك حق عبادتك؛ لكني لم أشرك بك شيئاً ولم أتخذ من دونك ولياً".
وعن يحيى بن معين قال: شتم رجلٌ عبدَ الله بن الحسن؛ فقال: "ما أنت كفؤ لي فأسب ولا أنت عبدي فأشح".
وعند زوال ملك بني أمية قدم الكامل عليه السلام أروع أنموذج لعلوِّ النفس، وسموِّ الأخلاق؛ فبرغم كل ما تعرض له مع غيره من أهل البيت عليهم السلام من الأذى على أيدي بني أمية، إلا أنَّه لمَّا عزم أبو العباس السفاح أول خلفاء بني العباس على أن يقتلَ بني أمية بالحجاز، قال له عبد الله بن الحسن: "يا ابن عم إذا أسرعت بالقتل في أكفائك فمن تباهي بسلطانك فاعفُ يعفُ الله عنك؛ ففعل".
وفي خلافة بني العباس ذاق الإمام الكامل وأولاده وأهل بيته عليهم السلام من بني العباس أشد أنواع العذاب، لكن كل ذلك لم يحملهم على أن يغدروا أو يحتالوا؛ فقد سنحت فرصة لبعضهم لقتل الخليفة العباسي أبي جعفر الدوانيقي، فعزموا على قتله وهو بمكة في سنة حجها، فبلغ ذلك عبد الله بن الحسن فنهاه، وقال: "أنت في موضع عظيم، فما أرى أن تفعل".
✒ ️علمه وشهادات تاريخية
عكف الكامل عبد الله بن الحسن منذ صغره كعادة أسلافه من أهل البيت على تحصيل العلم بهمة عالية، فتتلمذ على العديد من العلماء، وروى ﻋن أبيه الإمام الحسن بن الحسن، وأمِّه فاطمة بنت الحسين، واﻹﻣﺎﻡ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻭﻋﺒﺪالله ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ، وغيرهم، واستمر على ذلك حتى صار شيخ العترة في زمانه، ونال مرتبة عالية بين العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية، حتى أن مالك بن أنس إمام المذهب المالكي كان يستدل بفعله؛ ولنذكر هنا بعضاً من الشهادات التي سجلها التأريخ، ودونها في صفحاته:
• قال يحيى بن المغيرة الرازي عن جرير: كان مغيرة إذا ذكر الرواية عن عبد الله بن الحسن، قال: هذه الرواية الصادقة.
• قال ابن كثير في البداية: كان معظماً عند العلماء.
• وعن مصعب بن عبد الله قال: ما رأيت أحداً من علمائنا يكرمون أحداً ما يكرمون عبد الله بن حسن بن حسن.
• قال ابن شدقم في التحفة: كان سيداً جليل القدر, عظيم الشأن، رفيع المنـزلة، جمَّ الفضائل، حسن الشمائل، وجيهاً جميلاً حسن الصورة، كريماً سخياً، صالحاً عابداً ورعاً زاهداً، تقياً نقياً ميموناً، عالماً عاملاً فاضلاً كاملاً، شيخ بني هاشم، ورئيسهم ومقدمهم في زمانه.
• وقال المرزباني: هو شيخ بني هاشم، وأقعدهم نسباً، وأعظمهم خطراً، وأعلاهم سناً وقدراً.
• وقال صاحب عمدة الطالب: إنما سُمِّي المحض لأنَّ أباه الحسن بن الحسن، وأمَّه فاطمة بنت الحسين، وكان يشبه برسول الله، وكان شيخ بني هاشم في زمانه، وكان قوي النفس شجاعاً.
• وعن بندقة بن محمد بن حجارة الدهان، قال: رأيت عبد الله بن الحسن، فقلت: هذا والله سيد الناس كان مُلَبَّساً نوراً من قرنه إلى قدميه.
✒ ️دوره التعليمي والإرشادي
كان للإمام الكامل عليه السلام دوراً تعليمياً وتوعوياً هاماً وعظيماً، وهو الدور المناط بأهل البيت عليهم السلام، فهم حفَّاظ الشريعة، وأقطاب الدين؛ فقد نشأ على يديه العديد من التلاميذ الذين صاروا من كبار الأئمة ومشاهير العلماء، ويكفي أن نتذكر أولاده العظام الذين غطوا العالم الإسلامي هدياً وعلماً وجهاداً.
كما أن عدداً كبيراً من علماء المسلمين تلقوا العلوم عنه؛ منهم: الإمام الحسين بن زيد بن علي، وأبو الجارود، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس الأصبحي، وليث بن أنس الأصبحي، وأبو بكر بن حفص بن عمرو بن سعد، وإسماعيل بن علية، وسفيان بن علية، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، واﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻦ ﻋﺒﺪالله.
✒ ️تحركه الثوري
ما كان لشخصية مثل شخصية الكامل عليه السلام أن تكون بمعزل عما تعانيه الأمة؛ كيف لا، وهو سليل أهل البيت الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟؟ فوالده الإمام الحسن المثنى الذي قاتل وجرح مع عمه الحسين في كربلاء، ثم خرج ثائراً في سبيل إصلاح الأمة.
وكيف لا يكون لكامل أهل البيت دور في معالجة وإصلاح ما كانت تعانيه الأمة في أواخر عصر بني أمية؟ لاسيما وهو كما قلنا من كبار سادات أهل البيت في عصره، ويحظى بقدر كبير من الاحترام والعلاقات الواسعة.
ويعبر عن شخصيته الثورية قوله عليه السلام: "لولا ألا يبقى للإسلام ثاغية، ولا راغية، لخرجنا جميع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأجمعنا، فأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ودعونا إلى كتاب الله ربنا، وسنة نبينا، حتى يحكم الله بيننا وبين عدونا؛ ولكن يخرج الخارج منا فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حجة على أهل زماننا، ويقعد القاعد، بقية لغد".
وقد كان من أهم أدواره ما نقله المؤرخون أنه عند اضطراب دولة بني أمية وبالتحديد بعد مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك عام (126هـ)، جمع عبد اللّه الكامل الشخصيات المؤثرة من أهل البيت وغيرهم للتشاور فيمن يعقدون له الخلافة، ويروى أنه ألقى فيهم خطبة قال فيها: "إنكم أهل البيت قد فضلكم الله بالرسالة، واختاركم لها، وأكثركم بركة يا ذرية محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وسلم بنو عمه وعترته، وأولى الناس بالفزع في أمر الله، من وضعه الله موضعكم من نبيه (ص)، وقد ترون كتاب الله معطلا، وسنة نبيه متروكة، والباطل حياً، والحق ميتاً، قاتلوا لله في الطلب لرضاه بما هو أهله، قبل أن ينزع منكم اسمكم، وتهونوا عليه كما هانت بنوا إسرائيل، وكانوا أحب خلقه إليه".
✒ ️محنة الإمام الكامل وحبسه
في بداية الخلافة العباسية وفي زمن الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر الدوانيقي تعرض الإمام الكامل لمحنة عظيمة، بسبب مواقفه المناهضة للظلم والطغيان، ففي سنة 140هـ سجن الوالي العباسي على المدينة الإمام الكامل في دار مروان، حتى يدلهم على مكان ولديه محمد وإبراهيم، اللذين كانا يقودان معارضة قوية في وجه ظلم بني العباس، وفي سبيل الضغط على الإمام الكامل عليه السلام أمر الخليفة العباسي ببيع أثاثه وممتلكاته، وقام بملاحقة كل من له علاقة بالإمام الكامل، وأودعوا في السجن، وأوذوا أشد الأذية.
وقد روي أن رياحاً عامل أبي جعفر قال لأبي البختري: خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ. فأقبل متكئاً عليَّ حتى وقف على عبدالله بن الحسن، فقال: أيها الشيخ، إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة، ولا يد سلفت إليه، والله لا لعبت بي كما لعبت بزياد وابن القسري، والله لأزهقن نفسك، أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم، قال: فرفع رأسه إليه، وقال: نعم، أما والله إنك لأزيرق قيس المذبوح فيها كما تذبح الشاة، قال أبو البختري: فانصرف رياح والله آخذاً بيدي أجد بَرْد يده، وإن رجليه ليخطان مما كلمه، قال: قلت: والله إن هذا ما اطلع على الغيب، قال: أيهاً ويلك، فوالله ما قال إلا ما سمع، قال: فذبح ذبح الشاة.
واجه الإمام الكامل كل ذلك التسلط والظلم بالصبر والجهاد؛ وقد عبر عن تلك البلية العظيمة بقوله لمن جاءه ليقنعه بتسليم ولديه: "لبليتي أعظم من بلية إبراهيـم عليه السلام، إن الله عز وجل أمر إبراهيم الخليل بأن يذبح ابنه وهو لله طاعـة، وإنكم جئتمونـي تكلموني في أن آتي بأبنيَّ لهـذا الرجل ليقتلهمـا وهو لله جل وعز معصية، فو الله يا بن أخي لقد كنت على فراشي فما يأتيني النوم، وإني على ما ترى أطيب نوماً".
بقي الإمام الكامل ومن معه في سجن العباسيين في المدينة ما يقارب الأربع سنوات، وفي عام 144هـ أمر الخليفة العباسي واليه على المدينة بإحضار السجناء إلى الربذة التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال، فجيء بهم مكبلين في القيود والأغلال، وأقعدوا بالربذة في العراء، ثم أمر بنقلهم إلى الكوفة، فنقلوا على محامل بدون وطاء وعليهم القيود والأغلال.
✒ ️محبس الهاشمية
في منطقة الهاشمية من الكوفة، سُجِن الإمام الكامل ومعه (20) رجلاً تقريباً من أهل بيته في قصر ابن هبيرة، وكان في شرقي الكوفة، وكان سجنهم عبارة عن سرداب تحت الاَرض لا يفرَّقون فيه بين النهار والليل.
وقد عدد بعض المؤرخين من كان مع الإمام الكامل في سجن الهاشمية فذكروا منهم: إخوته: إبراهيم والحسن وداوود، وأولاد أخيه الحسن: علي الخير والعباس وعبدالله، وأبناء أخيه إبراهيم وهم: محمد وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وأبناء أخيه داوود وهم: سليمان وعبد الله، والحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن، ومعهم محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان أخو عبد اللّه الكامل لأُمِّه فاطمة بنة الحسين بن علي؛ كل هؤلاء استشهدوا في سجن الهاشمية، وقد تفنن الخليفة العباسي في قتلهم بأنواع القتل، فمنهم من بُني عليه وهو حي، ومنهم من سُمِّرت يداه في الأرض.
✒ ️شهادته
استشهد الإمام الكامل عليه السلام في سجن الهاشمية في يوم الأضحى، كما يحكي الخطيب في تاريخه وغيره، سنة 145هـ، وعمره خمس وسبعون سنة.
وقد اختلف في موته فقيل: دس له السم، وقيل: عذب بأشد العذاب حتى مات، وقيل: سمر في الجدار، ولقد قيل لبشير الرحال: لِمَ خَرَجْتَ على أبي جعفر؟ فقال: أدخلني ذات يوم بعض البيوت فنظرت إلى عبدالله بن الحسن مسموراً بالمسامير إلى الحائط فخررت مغشياً عليَّ إعظاماً لما رأيتُ، وأعطيتُ الله عهداً: لا اختلف عليه سيفان إلا كنت مع الذي عليه.
ثم دُفن جثمانه الطاهر في موضع الحبس على شاطئ الفرات بالكوفة، وقد عُمِر عليه وعلى من دُفن معه, وهو اليوم مشهور مزور في محافظة الديوانية في ناحية الشنافية بالعراق، يبعد عن النجف الأشرف سبعين كيلو متر قرب شط الفرات.
فصلاة الله وسلامه على كامل أهل البيت يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا.