.
 
31-16-2020
الإمام الباقر عليه السلام

✒️ النسب المبارك
هو أبو جعفر محمد بن علي (زين العابدين) بن الحسين (شهيد كربلاء) بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالباقر. 
أبوه هو: سيد العابدين، الإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام.
وأمه هي: أمُّ عبدالله بنت سبط رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- الحسن بن علي عليهم السلام؛ وهي ممن خرجن مع الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء، وأسرت مع من أُسِرْن من النساء.

✒️ مولده
ولد الإمام الباقر عليه السلام في المدينة المنورة سنة 56 أو 57 هـ.

✒️ أولاده
هم: جعفر الصادق، وعبد الله، وإبراهيم، وعبيدالله، وعلي، وزينب، وأم سلمة.

✒️ فضله وحديث رسول الله عنه
الإمام الباقر عليه السلام سيد من سادات أهل بيت النبوة، وعلم من أعلامهم الكبار، وهو بحرٌ من الفضائل، وشعلة من النور، وغصن من شجرة النبوة المباركة، قد جمع عليه السلام الفقه، والديانة، والسؤدد، ومكارم الأخلاق.
وقد جرى ذكره عليه السلام على لسان جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ فجاء في الحديث الشريف عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كنت مع رسول الله والحسين في حجره وهو يلاعبُه، فقال يا جابر يُولَد لابنى الحسين ابن يقال له عليٌّ إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ لِيَقُمْ سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين، ويُولَد لعليٍّ ابنٌ يُقال له محمَّد؛ يا جابر فإن رأيته فاقرأه منِّي السَّلام).
وفي تاريخ اليعقوبي وغيره عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنك تستبقي حتى ترى رجلاً من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي، إذا رأيته لم يخل عليك، فأقرئه مني السلام))؛ فلما كَبِرَتْ سنُّ جابر، وخاف الموت، جعل يقول: يا باقر؛ يا باقر؛ أين أنت؟ حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه، ويقول: بأبي وأمي شبيه أبيه رسول الله؛ إن أباك يقرئك السلام.
وعن ابن عقدة حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي نجيح حدثنا علي بن حسان القرشي عن عمه عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد قال: قال أبي: أجلسني جدي الحسين في حجرة وقال لي: رسول الله  يقرئك السلام.

✒️ تسميته بالباقر
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو من سمى محمد بن علي بالباقر؛ ويدل على ذلك ما جاء عن الإمام زيد عليه السلام في كلامه مع هشام بن عبدالملك؛ وذلك أن هشام بن عبدالملك قال له: فما يصنع أخوك البقرة؟ فغضب زيد، حتى كاد يخرج من إهابه، ثم قال: سماه رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله الباقر، وتسميه أنت البقرة؟! لشد ما اختلفتما! لتخالفنه في الآخرة، كما خالفته في الدنيا، فيَرِدُ الجنةَ، وتَرِدُ النار.
وإنما لقبه رسولُ الله عليه وآله وسلم بالباقر لِبَقْرِه العلومَ بقراً؛ أي أظهرها إظهاراً، أو لأنّه تبقّر في العلم، أي توسّع؛ وفي الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله أنّه قال: «يا جابر إنّك ستعيش حتى تدرك رجلًا من أولادي اسمه اسمي، يبقر العلم بقرًا».

✒️ علاقة الإمام الباقر بأخيه الإمام زيد (ع)
الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين هو الأخ الأكبر للإمام زيد عليهم السلام، وأستاذه؛ فقد أخذ عنه العلم مع أخذه من والدهما علي بن الحسين عليهم السلام؛ حتى بلغ في العلم مبلغاً عظيماً فاق به أهله، وجاوز أقرانه؛ وقد روي أن الإمام زيداً عليه السلام اختفى عن الأنظار سنوات، ولزم القرآن يتأمله ويتدبره حتى عُرِف بـ"حليف القرآن".
 تُحاول الإماميةُ أن تفرق بين الإمام زيد وأخيه الباقر عليهما السلام، ويظهرون أنهما مختلفان، وأن الإمام هو الباقر ثم ابنه جعفر، ولكنَّ المرويات عن الإمام الباقر وولده الإمام جعفر الصادق عليهما السلام تكشف خلاف ذلك؛ فالباقر يقول في الإمام زيد: ((بأبي أنت وأمي يا أخي أنت والله نَسِيْج وحدك، بركة اللّه على أمٍّ ولدتك، لقد أنجَبَتْ حين أتَتْ بكَ شبيه آبائك)).
وقال أيضاً فيه، وقد سئل عنه: ((لقد أوتي زيدٌ علما لَدُنِيّاً؛ فاسألوه فإنه يعلم ما لا نعلم)).
وقال لسائل آخر سأله عنه: ((سألتني عن رجل مُلئ إيماناً وعلماً من أطراف شعره إلى قدميه، وهو سيد أهل بيته)).
وقال الباقر أيضاً: أمَّا زيد فلساني الذي أنطق به، وقال: ((ما وُلِد فينا أشبه بعلي بن أبي طالب منه)).
وروي عنه عليه السلام أنه قال - وأشار إلى زيد -: ((هذا سيد بني هاشم، إذا دعاكم فأجيبوه، وإذا استنصركم فانصروه)).
وقال عنه أيضاً: ((إن أخي زيد بن علي خارج، ومقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه، والويل لمن يقتله)).

✒️ شهادات تاريخية
قال ابن كثير في الباقر عليه السلام في كتابه البداية والنهاية: "وهو تابعي جليل كبير القدر كثيراً؛ أحد أعلام هذه الأمة علماً وعملاً وسيادةً وشرفا.
وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: "وإنّما سمي الباقر من كثرة سجوده، بقر السجود جبهته أي فتحها ووسّعها، وقيل لغزارة علمه".
وقال الجاحظ عنه في رسائله عند ذكره الرد عمَّا فخرت به بنو أميّة على بني هاشم ما نصّه: ".. وهو سيد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه، وهو الملقّب بالباقر، باقر العلم، لقّبه به رسول الله (صلى الله عليه وآله)".
وقال ابن حجر: "صفا قلبه، وزكاه علمه وعمله، وطَهُرَتْ نفسُه، وشَرُفَ خُلُقُه، وعُمِرَتْ أوقاتُه بطاعة اللّه، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلُّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة".

✒️ نشأته ودوره التعليمي والتثقيفي
نشأ الإمام الباقر في بيت الرسالة فعاش مع جدِّه الحسين بن علي عليهم السلام أربع سنين، ومع أبيه نيفاً وثلاثين سنة؛ وكانت بدايات حياته مع واقعة الطف وسبي نساء أهل البيت بعد الواقعة؛ فقد كان آنذاك في سنِّ الرابعة، وبعد واقعة الطف لازم والده سيد العابدين طيلة حياته؛ فتأثّر بهديه وعلمه وتقواه وورعه وزهده وشدة انقطاعه وإقباله على الله, وتلقى العلم بدايةً عن والده كما هي سنة أهل البيت عليهم السلام في تلقي العلوم عن آبائهم, ثم تلقاه عن عدد كبير من الصحابة والتابعين.
لقد أثر الإمام زين العابدين عليه السلام في بناء شخصية ولده الإمام الباقر؛ فانطبعت فيه صفات الزاهد والعبادة، وبلغ من العلم درجةً عاليةً سامية، حتى إن كثيراً من العلماء كانوا يرون في أنفسهم فضلاً وتحصيلاً، فإذا جلسوا إليه أحسُّوا أنهم عِيالٌ عليه، وتلاميذٌ بين يديه، وأشار إلى مثل ذلك أحد كبار الرواة في ذلك العصر، وهو عبد الله بن عطاء، بقوله: "ما رأيت العلماء عند أحد، أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم بن عتيبة عنده مع جلالته في القوم بين يديه، كأنه صبي بين يدي معلِّمه".
لقد تلقى الكثير من الطلبة والرواة العلم والحديث عن الإمام الباقر, حتى أن جابر الجعفي وهو أحد تلامذته النجباء كان يحفظ عنه ثمانين ألف حديث.
إن الإمام الباقر عليه السلام علمٌ من أعلام أهل البيت عليهم السلام الذين أوصانا الله باتباعهم، واستأمنهم على حفظ الدين, وإحياء معالمه، وحياطته من التحريف والتبديل.

✒️ دوره الثوري والجهادي
تلقَّى الإمام الباقر عليه السلام العديد من المضايقات, وواجه الكثير من التحديات، ووقف في وجه صلف الأمويين بكل شجاعة واقتدار، صابراً محتسباً، فلم يُخِفه سلطانهم، ولم يتردد في مواقفه، ممتثلاً وصية والده عليه السلام، التي يحكيها، فيقول عليه السلام: "لما حضرت وفاة علي بن الحسين أبي ضمني إلى صدره، ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي يوم قتل، وبما ذكر لي أن أباه علياً عليه السلام أوصاه به: يا بني عليك ببذل نفسك، فإنه لا يسر أباك بذل نفسه حمر النعم".
لقد شهدت حياةُ الإمام الباقر فصولاً مهمَّة ومصائب جمة كوقعة الحرَّة بأهل المدينة، وغزو مكة المكرمة، كما عاصر فترة نشوء الثورات والحركات المعارضة للدولة الأموية، كثورة المدينة المنورة، وثورة ابن الزبير، وثورة التوَّابين، وثورة المختار الثقفي، وثورة القرَّاء، وثورة ابن الأشعث.
كما أدرك بدايات تحركات أخيه الامام زيد بن علي عليه السلام؛ وبلا شك فقد كان داعماً ومناصراً له عليهما السلام، وحاثاً للناس على مناصرته والقيام معه, وقد روى الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام عن محمد بن علي بن الحسين باقر العلم أنَّ قوماً وَفَدُوا إليه فقالوا: يا ابن رسول الله إنَّ أخاكَ زيداً فينا وَهُوَ يسألُ البيعة؛ أفَنُبايعُهْ؟ فقال لهم محمد: "بايعوه فإنّه اليومَ أفضَلُنا".
وهكذا كانت حياته كسائر سادات أهل البيت عليهم السلام، بين نشرٍ للعلم والهدى والدين وانشغال بالعبادة وذكر الله وبين جهاد وتضحية في سبيل الله إن استطاع وإلا فهو المناصر لمن قام بذلك منهم عليهم السلام.

✒️ وفاته عليه السلام
توفي الباقر عليه السلام في الحميمة، ثم نقل إلى المدينة المنورة سنة 114هـ، ودفن في مقبرة البقيع، في قبة العباس بن عبدالمطلب؛ وهذه القبة تحوي: العباس بن عبدالمطلب، والإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، والإمام زين العابدين، والباقر، وولده جعفر الصادق.
وتَذْكر بعضُ المصادر أنه توفي بالسم من قبل بني أمية.
وقال فيه أخوه الإمام زيد عليه السلام يرثيه:
يا موتُ أنت سلبتني إلفا ... قدمته وتركته خلفا
وا حسرتا لا نلتقي أبدا ... حتى نقوم لربنا صفا

 

01:57 on 2024/57/07
اضافة تعليق
*