نسبه الشريف
هو هيبة رسول الله وسؤدده الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام؛ يكنى بأبي محمد، وأمه فاطمة الزهراء عليها السلام، فهو ريحانة المصطفى، وسيد شباب أهل الجنة.
مولده عليه السلام
تأتي السنة الثالثة للهجرة، ويأتي النصف من رمضان؛ ليهل بدرٌ هاشميٌّ علويٌّ، فيملأ الأرض نوراً، والوجود سروراً، فلا تجد القلوبُ إلا أن تُشغف به، والعيون إلا أن تَقَرَّ له، ذلك هو الحسن السبط ذو الحسن والبهاء، يُقبل على نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم، ويتنقل بين يدي أبيه علي المرتضى، وأمه فاطمة الزهراء؛ ليتربى تربية الطاهرين، وينمو نمو أئمة الهدى والدين؛ عليهم جميعاً من الله أزكى الصلاة وأتم التسليم.
كانت ولادته عليه السلام بالمدينة، عام أُحُد بعد الوقعة، فعَقَّ عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كبشاً في اليوم السابع، ورُوِيَ كبشين، وأمر بحلق شعره وتصدق بوزنه فِضَّة على المساكين؛ وقد ذكر آل الحسن عليه السلام أنَّه ولد لسبعة أشهر.
وقد ﺭﻭﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﻃﻠﻘﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ عليهم اﻟﺴﻼﻡ ﺃُﺧﺒﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﺭﺳﻮﻝ الله ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎء ﺑﻨﺖ ﻋﻤﻴﺲ ﻭﺇﻟﻰ ﻋﺎﺋﺸﺔ، ﻭﻗﺎﻝ: اﻧﻄﻠﻘﺎ ﺇﻟﻰ ﻓﺎﻃﻤﺔ، ﻓﺈﺫا ﻭﺿﻌﺖ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻬﺎ ﻓﺎﻗﺮءا ﺑﻔﺎﺗﺤﺔ اﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻭﺁﻳﺔ اﻟﻜﺮﺳﻲ، ﻭﺁﺧﺮ ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺤﺸﺮ، ﻭﻗﻞ ﻫﻮ الله ﺃﺣﺪ، ﻭاﻟﻤﻌﻮﺫﺗﻴﻦ، ﻭأﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﻭﺿﻌﺖ، ﻓﻔﻌﻠﺘﺎ ﺫﻟﻚ ﻭﺑﻌﺜﺘﺎ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺄﺫﻥ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻪ اﻟﻴﻤﻨﻰ، ﻭﺃﻗﺎﻡ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻪ اﻟﻴﺴﺮﻯ، ﻭﻟﺒﺎﻩ ﺑﺮﻳﻘﻪ ﻓﺤﻨﻜﻪ، ﻭﻗﺎﻝ: اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻴﺬﻩ ﺑﻚ ﻭﺫﺭﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ اﻟﺮﺟﻴﻢ.]الحدائق الوردية ج1/ ص117]
ويكفي الحسن بن علي عليهما السلام فخراً أن يُشْرِف الله سبحانه وتعالى على تسميته، كما أشرف من قبل على تسمية نبيئه يحيى بن زكريا صلى الله عليهما، فلم يجعل له من قبل سميا؛ فإنه لما ولدت فاطمة الزهراء عليها السلام الحسن، قالت لعلي عليه السلام: سمه؛ فقال: وكنت رجلاً أحب الحرب، فأحببت أن أسميه حرباً، ثم قلت: ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسمه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: سمه، فقال: ((ما كنت لأسبق ربي عزَّ وجلَّ)) فأوحى الله إلى جبريل أنه ولد لمحمد ابنٌ فاهبط وأقرئه السلام، وهنئه، وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون، فهبط جبريل عليه السلام فهنَّأه من الله تعالى، ثم قال: إن الله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، فقال: وما كان اسمه؟ قال: شبر، قال: لساني عربي. قال: فسمه الحسن؛ فسماه الحسن.
صفته عليه السلام
كان الحسن بن علي عليهما السلام يُشبَّه بجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعلاه من عند رأسه إلى سرته، وكان أبيض اللون، ﺣﺴﻦ اﻟﻮﺟﻪ، ﻋﻠﻰ ﺭﺗﺔ ﻓﻲ ﻟﺴﺎﻧﻪ، ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ((ﺃﺗﺘﻪ ﻣﻦ ﻗِﺒَﻞ ﺟﺪﻩ ﻣﻮﺳﻰﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ)).
أما صفته الخُلُقية فكان سيداً حليماً ذا سكينة ووقار، جواداً، كريماً، من أعبد أهل زمانه، وأزهدهم وأكثرهم علماً، روي أنه - عليه السلام - حجَّ 25 مرة ماشياً على قدميه، ﻭﻗﺎﺳﻢ ﻣﺎﻟﻪ ﺭﺑﻪ ﻣﺮﺗﻴﻦ، وأنه كان إذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: "حقٌّ على كل مؤمن وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله".
ومما اشتهر به الحسن عليه السلام شجاعته التي لا يخالطها وهن، وهيبته التي لا يقف أمامها عدو، فهو كما قال فيه جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ((له هيبتي وسؤددي))؛ كما اشتهر عليه السلام بفصاحة لسانه، وقوة حجته وبيانه، ومما يشهد له - عليه السلام - بذلك ما كان بينه وبين معاوية ـ كافأه الله ـ من المكاتبات، من ذلك أن معاوية دسَّ إلى الحسن عليه السلام رجلين ليأتياه بأخباره، فلما علم الإمام الحسن عليه السلام بذلك، أرسل إلى معاوية كتاباً جاء فيه "ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ: ﻓﺈﻧﻚ ﺩﺳﺴﺖ ﺇليَّ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻛﺄﻧﻚ ﺗﺤﺐ اللقاء، ﻭﻣﺎ ﺃﺷﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻓﺘﻮﻗﻌﻪ ﺇﻥ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻗﺪ ﺑﻠﻐﻨﻲ ﺃﻧﻚ ﺷﻤﺖَّ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺸﻤﺖ ﺑﻪ ﺫﻭﻭ اﻟﺤﺠﻰ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﺜﻠﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ اﻷﻭﻝ:
ﻗﻞ ﻟﻠﺬﻱ ﻳﺒﻐﻲ ﺧﻼﻑ اﻟﺬﻱ ﻣﻀﻰ ... ﺗﺠﻬﺰ ﻷﺧﺮﻯ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻜﺄﻥ ﻗﺪ
ﻭﺇﻧﺎ ﻭﻣﻦ ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻣﻨﺎ لكالذي ... ﻳﺮﻭﺡ ﻓﻴﻤﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺒﻴﺖ ﻟﻴﻐﺘﺪﻱ"
ومما جاء في بعض مكاتباته عليه السلام: " ﻓﻠﻴﺘﻌﺠﺐ اﻟﻤﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺗﻮﺛﺒﻚ ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻪ، ﻻ ﺑﻔﻀﻞ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻌﺮﻭﻑ، ﻭﻻ ﺃﺛﺮ ﻓﻲ اﻹﺳﻼﻡ ﻣﺤﻤﻮﺩ، ﻓﺄﻧﺖ اﺑﻦ ﺣﺮﺏ ﻣﻦ اﻷﺣﺰاﺏ، ﻭاﺑﻦ ﺃﻋﺪﻯ ﻗﺮﻳﺶ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻟﻜﺘﺎﺑﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺣﺴﻴﺒﻚ، ﻭﺳﺘﺮﺩ ﻓﺘﻌﻠﻢ ﻟﻤﻦ ﻋﻘﺒﻰ اﻟﺪاﺭ، ﻭﺑﺎﻟﻠﻪ ﻟﺘﻠﻘﻴﻦ ﻋﻦ ﻗﻠﻴﻞ ﺭﺑﻚ، ﺛﻢ ﻟﻴﺠﺰﻳﻨﻚ ﺑﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻳﺪاﻙ، ﻭﻣﺎ اﻟﻠﻪ ﺑﻈﻼﻡ ﻟﻠﻌﺒﻴﺪ".
ومما كتبه إليه أيضاً قوله عليه السلام: "ﻓﺪﻉ اﻟﺘﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻃﻞ، ﻭاﺩﺧﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺩﺧﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺑﻴﻌﺘﻲ ﻓﺈﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻲ ﺃﺣﻖ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﻨﻚ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ، ﻭﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺃﻭاﺏ ﺣﻔﻴﻆ، ﻭﻣﻦ ﻟﻪ ﻗﻠﺐ ﻣﻨﻴﺐ، ﻭاﺗﻖ اﻟﻠﻪ ﻭﺩﻉ اﻟﺒﻐﻲ، ﻭاﺣﻘﻦ ﺩماء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ دماﺋﻬﻢ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺃﻧﺖ ﻻﻗﻴﻪ ﺑﻪ، ﻭاﺩﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻢ ﻭاﻟﻄﺎﻋﺔ، ﻭﻻ ﺗﻨﺎﺯﻉ اﻷﻣﺮ ﺃﻫﻠﻪ، ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﺃﺣﻖ ﺑﻪ ﻣﻨﻚ؛ ﻟﻴﻄﻔﺊ اﻟﻠﻪ اﻟﺜﺎﺋﺮﺓ ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﻳﺠﻤﻊ اﻟﻜﻠﻤﺔ، ﻭﻳﺼﻠﺢ ﺫاﺕ اﻟﺒﻴﻦ، ﻓﺈﻥ ﺃﻧﺖ ﺃﺑﻴﺖ ﺇﻻ اﻟﺘﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﻏﻴﻚ ﻧﻬﺪﺕ ﺇﻟﻴﻚ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺤﺎﻛﻤﺖ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻜﻢ اﻟﻠﻪ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﻫﻮ ﺧﻴﺮ اﻟﺤﺎﻛﻤﻴﻦ".
ﻭقد ﺭﻭﻱ ﺃﻥ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻥ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ، ﻓﺬﻛﺮ ﻛﻞ ﻭاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻮﻣﻪ ﻭﻗﺪﻳﻤﻪ ﻭﺣﺪﻳﺜﻪ، ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺳﺎﻛﺖ، ﻓﻘﺎﻝ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻣﺤﻤﺪ، ﻣﺎﻟﻲ ﺃﺭاﻙ ﺳﺎﻛﺘﺎ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﺑﻜﻠﻴﻞ اﻟﻠﺴﺎﻥ، ﻭﻻ ﻣﺄﺷﻮﺏ اﻟﺤﺴﺐ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: "ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻭا ﻣﻜﺮﻣﺔ ﻣﻮﻧﻘﺔ، ﻭﻻ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺇﻻ ﻭﻟﻲ ﻣﺤﻀﻬﺎ ﻭﺟﻮﻫﺮﻫﺎ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ:
ﻓﻴﻢ اﻟﻤﺮﺁء ﻭﻗﺪ ﺳﺒﻘﺖ ﻣﺒﺮﺯا؟ ... ﺳﺒﻖ اﻟﺠﻮاﺩ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻯ اﻟﻤﺘﺒﺎﻋﺪ
ﻧﺤﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺇﺫا اﻟﻘﺮﻭﻡ ﺗﺨﺎﻃﺮﻭا ... ﻓﺰﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﻏﻢ اﻟﻌـﺪﻭ اﻟﺤﺎﺳﺪ
ﺩاﻧﺖ ﻟﻨـﺎ ﺭﻏﻤﺎ ﺑﻔﻀﻞ ﻗﺪﻳﻤﻨـﺎ ... ﻣﻀـﺮ ﻭﻗﻮﻣﻨـﺎ ﻃـﺮﻳـﻖ اﻟﺤﺎﻳـﺪ"
ولا عجب أن يتمتع الإمام الحسن عليه السلام بكل هذه الصفات الكريمة، وهو سليل الرسالة، وابن بيت النبوة، فسلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.
أولاده عليه السلام
البنون:
الحسن بن الحسن وهو الحسن المثنى، وأمه خولة بنت مَنْضُور بن زَبَّان الفزاري، وكان وصي أبيه ووالي صدقته.
وزيد بن الحسن وأمه أم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة من ولد الحارث بن الخزرج.
وعمر، والقاسم، وأبو بكر، وعبد اللّه، استشهدوا مع عمهم.
وعبد الرحمن، والحسين الأثرم.
وطلحة وهو طلحة الجود، ذكره محمد بن حبيب في الطلحات المعدودين في الأجواد، وأمه أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه التيمي.
وإسماعيل، ويعقوب، ومحمد، وجعفر، وحمزة، لأمهات أولاد.
فهؤلاء أربعة عشر ابناً، العقب منهم لاثنين، وهما: الحسن بن الحسن، وزيد بن الحسن، وانقرض اثنان منهم، وهما: عمر بن الحسن، والحسين الأثرم بن الحسن، وقد كان اتصل عقبهما إلى أوائل أيام بني العباس ثم انقرض، والباقون دَرَجُوا.
والبنات ثمان:
فاطمة
وأم عبداللّه
وزينب
وأم الحسن
وأم الحسين
وأم سلمة
ورقية
وفاطمة الصغرى
أعقبت منهن أم عبد اللّه، وكانت على علي بن الحسين عليه السلام، فولدت له: حسناً وحسيناً الأكبر ودَرَجا، ومحمداً الباقر، وعبداللّه.
بعض الآثار الواردة فيه
كان للإمام الحسن عليه السلام من كلام جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الحض الوفير، والمكان الرفيع، فكثيرة هي تلك الأحاديث التي رويت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في ولده الحسن عليه السلام، في كتب المسلمين عامة، نذكر منها على سبيل الاختصار قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
((اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﺣﺒﻪ ﻓﺄﺣﺒﻪ ﻭﺃﺣﺐ ﻣﻦ ﻳﺤﺒﻪ)).
((الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا)).
((ﺇﻥ اﺑﻨﻲ ﻫﺬا ﺳﻴﺪ، ﻭﻣﻦ ﺃﺣﺒﻨﻲ ﻓﻠﻴﺤﺐ ﻫﺬا ﻓﻲ ﺣﺠﺮﻱ)).
((اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺣﺒﻬﻤﺎ ﺃﺣﺒﺒﺘﻪ، ﻭﻣﻦ ﺃﺣﺒﺒﺘﻪ ﺃﺣﺒﻪ اﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻦ ﺃﺣﺒﻪ اﻟﻠﻪ ﺃﺩﺧﻠﻪ اﻟﺠﻨﺔ ﺟﻨﺔ اﻟﻨﻌﻴﻢ، ﻭﻣﻦ ﺃﺑﻐﻀﻬﻤﺎ ﻭﺑﻐﻰ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺃﺑﻐﻀﺘﻪ، ﻭﻣﻦ ﺃﺑﻐﻀﺘﻪ ﺃﺑﻐﻀﻪ اﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻦ ﺃﺑﻐﻀﻪ اﻟﻠﻪ ﺃﺩﺧﻠﻪ ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ ﺧﺎﻟﺪاً ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻟﻪ ﻋﺬاﺏ ﻣﻘﻴﻢ)).
((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)).
((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير من هما)).
وغيرها الكثير من الأحاديث والآثار.
نشأته عليه السلام
نشأ الإمام الحسن عليه السلام وترعرع في أطهر بيوت عرفها التأريخ، وأطيب حجور أقلَّتها البسيطة، في }بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه{، فعاش طفولته بين أعظم خلق الله وأنقاهم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة، وكذا الحسين عليهم السلام، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
فكانت طفولته طفولة فريدة تنامت في أجواء الدين وعبق الرسالة في السنوات الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعاش الحسن عليه السلام طفولته، يغمره جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بحبه، ويفيض عليه بعطفه وحنانه، فكان يحمله على عاتقه، وهو يقول:(اللهم إني أحبه فأحبه)، ورآه رجل وهو يحمله هو وأخوه الحسين على رقبته، فقال:)نعم الفرس تحتكما)، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:(ونعم الفارسان هما).
وقد روي أن الحسن عليه السلام كان يأتي جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ساجد، فيصعد على ظهره، فيطيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سجوده حتى ينزل الحسن، فإذا فرغ من الصلاة قال للمصلين: لقد رحلني الحسن فكرهت أن أعجله.
وما أكثر وأعظم كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي رسخت حب الحسن عليه السلام في وجدان المسلمين، وعززت مكانته في قلوبهم، رغم قصر المدة التي حضي بها الحسن عليه السلام من حياته صلى الله عليه وآله وسلم؛ من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((هما ريحانتاي من الدنيا))، ((وسيدا شباب أهل الجنة))، ((ومن أحبني فليحبهما..))، وغيرها.
فلم تدم هذه الرعاية النبوية الحانية طويلاً، فلم تمضِ سوى سبع سنوات حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ سبع سنوات مرت كطرفة عين؛ لتأتي بعدها سنوات ملئت بالمصائب والإبتلاءات التي صبت على أهل البيت عليهم السلام.
توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولما يبلغ الحسن عليه السلام الثامنة، وسرعان ما لحقت به أمه فاطمة الزهراء عليها السلام؛ ليصير يتيم الأم والجد إن صح التعبير.
وبعد ذلك عاش الحسن مع أخيه الحسين عليهما السلام في كنف والدهما علي عليه السلام، فكانا له خير عون وسند، حتى استشهد صلوات الله عليه، ليكون الحسن عليه السلام هو الإمام والخليفة من بعده، وليقوم بأمر هذه الأمة أتم قيام، ولا يألو جهداً في رفع راية الإسلام.
أخلاقه وشمائله
ما أصعب أن تحصيَ لرجل - كالحسن بن علي عليهما السلام - فضائله، وما أبين عجزك، وأقل حيلتك تجاه ذلك، أويُبغى لنجوم السماء من إحصاء، أو لماء البحر من نزح؟!
ما أكثر تلك المقامات، وتلك المواقف التي شعَّ منها بريق شمائل الإمام الحسن عليه السلام وأخلاقه، وما أبلغ مضمونها، وأنفع دروسها؛ نذكر هنا بعضاً مما ذاع واشتهر عنه من ذلك؛ قصداً للتأسي والتبرك لا للاحاطة والاستقصاء.
ﺭﻭي ﻋﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﻗﺎﻝ: ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ؛ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻫﻮ ﺳﺎﺟﺪ ﻓﻴﺮﻛﺐ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻩ، ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺰﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻮ اﻟﺬﻱ ﻳﻨﺰﻝ، ﻭﻳﺄﺗﻲ ﻭﻫﻮ ﺭاﻛﻊ ﻓﻴﻔﺮﺝ ﻟﻪ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ.
ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻳﻘﻮﻝ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻟﻪ:
ﺃﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻭاﻟﺪﻱ ﻫﺒﻠﺖ ﺇﺫا ﺻـ ... ـﻟﻰ ﻟﺪﻳﻪ اﻣﺘﻄﻰ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺒﻪ
ﺛـﻢ ﻳﺸﻴـﺮ اﺗـﺮﻛـﻮﻩ ﻻ ﺗـﺮﻛﺖ ... ﻟـﻚ اﻟـﺮﺯاﻳـﺎ ﻣـﺎﻻً ﻟﻤﻨﺘﻬﺒﻪ
وقد جاء في كتب التأريخ من أخلاق الإمام الحسن عليه السلام وشمائله ومناقبه ما تخر له العظمة إجلالاً، وتقف له الكبرياء تواضعاً، من ذلك ما روي في الحدائق الوردية ﺃﻥ ﺭﺟﻼً ﻗﺎﻝ للحسن اﻟﺒﺼﺮﻱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺳﻌﻴﺪ، ﺃﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﻠﻢ ﺃﻡ اﻟﺤﺴﻦ؟ ﻗﺎﻝ: ﺑﻞ اﻟﺤﺴﻦ، ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻋﻨﻲ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، فقال اﻟﺤﺴﻦ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ: ﻭﻫﻞ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺣﻤﺎﺭاً ﻧﻬﺎﻗﺎ.
ﻭمن القصص التي تظهر علوَّ أخلاق الإمام الحسن عليه السلام، وكريم شمائله، ﺃنه كان مع أخيه اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ في طريقهما إلى الحج، ماشيين على أقدامهما، ﻓﻠﻢ ﻳﻤﺮا ﺑﺮاﻛﺐ ﺇﻻ ﻧﺰﻝ ﻳﻤﺸﻲ، ﻓﺜﻘﻞ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﺴﻌﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻭﻗﺎﺹ: ﻗﺪ ﺛﻘﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﻤﺸﻲ ﻭﻻ ﻧﺴﺘﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻧﺮﻛﺐ ﻭﻫﺬاﻥ اﻟﻔﺘﻴﺎﻥ ﻳﻤﺸﻴﺎﻥ، ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻌﺪ ﻟﻠﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻣﺤﻤﺪ، ﺇﻥ اﻟﻤﺸﻲ ﻗﺪ ﺛﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻤﻦ ﻣﻌﻚ، ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﺇﺫا ﺭﺃﻭﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻄﺐ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄﻥ ﻳﺮﻛﺒﻮا، ﻓﻠﻮ ﺭﻛﺒﺘﻤﺎ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﻻ ﻧﺮﻛﺐ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻥ ﺃﻣﺸﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺗﻨﻜﺐ اﻟﻄﺮﻳﻖ، ﻓﺄﺧﺬ ﺟﺎﻧﺒﺎ.
ﻭﺭﻭي ﻋﻦ ﻣﺪﺭﻙ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺭاﺷﺪ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﻄﺎﻥ ﻻﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻓﺠﺎء اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ، ﻓﻄﺎﻓﺎ ﺑﺎﻟﺒﺴﺘﺎﻥ ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﻋﻨﺪﻙ ﻏﺪاء ﻳﺎ ﻣﺪﺭﻙ؟ ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ: ﻃﻌﺎﻡ اﻟﻐﻠﻤﺎﻥ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺠﺌﺘﻪ ﺑﺨﺒﺰ ﻭﻣﻠﺢ ﺟﺮﻳﺶ ﻭﻃﺎﻗﺎﺕ ﺑﻘﻞ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻛﻞ ﺛﻢ ﺟﻲء ﺑﻄﻌﺎﻣﻪ ﻭﻛﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻃﻴﺒﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﻣﺪﺭﻙ، اﺟﻤﻊ ﻏﻠﻤﺎﻥ اﻟﺒﺴﺘﺎﻥ، ﻓﺠﻤﻌﻬﻢ ﻓﺄﻛﻠﻮا ﻭﻟﻢ ﻳﺄﻛﻞ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺎﻝ: ﺫاﻙ ﻛﺎﻥ ﻋﻨﺪﻱ ﺃﺷﻬﻰ ﻣﻦ ﻫﺬا، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢ ﺗﻮﺿﺄ ﺛﻢ ﺟﻲء ﺑﺪاﺑﺘﻪ، ﻓﺄﻣﺴﻚ ﻟﻪ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺑﺎﻟﺮﻛﺎﺏ ﻭﺳﻮﻯ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﻣﻀﻰ ﺑﺪاﺑﺔ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻓﺄﻣﺴﻚ ﻟﻪ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺑﺎﻟﺮﻛﺎﺏ ﻓﺴﻮﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻢ ﻣﻀﻰ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﺃﻧﺖ ﺃﺳﻦ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﻤﺴﻚ ﻟﻬﻤﺎ؟ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﻟﻜﻊ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺗﺪﺭﻱ ﻣﻦ ﻫﺬاﻥ؟ ﻫﺬاﻥ اﺑﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺃﻭﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣﻤﺎ ﺃﻧﻌﻢ اﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﻋﻠﻲ ﺃﻥ ﺃﻣﺴﻚ ﻟﻬﻤﺎ ﻭﺃﺳﻮﻱ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ!
ﻭﺳﻤﻊ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺭﺟﻼً ﻳﺴﺄﻝ اﻟﻠﻪ ﻋﺸﺮﺓ ﺁﻻﻑ ﻓﺎﻧﺼﺮﻑ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻓﺒﻌﺚ ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ.
وما أصدقه عليه السلام، وأعظم شأنه حين يحكي عن نفسه؛ إذ افتخر عليه ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﺑﻄﺤﺎء ﻣﻜﺔ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﺃﻏﺰﺭﻫﺎ ﺟﻮﺩاً، ﻭﺃﻛﺮﻣﻬﺎ ﺟﺪﻭﺩاً، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﻦ ﺳﺎﺩ ﻗﺮﻳﺸﺎً ﻓﻀﻼً ﻧﺎﺷﺌﺎً ﻭﻛﻬﻼ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﺃعليَّ ﺗﻔﺘﺨﺮ ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ؟! ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻋﺮﻭﻕ اﻟﺜﺮﻯ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﺄﻭﻯ اﻟﺘﻘﻰ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﻦ جاء ﺑﺎﻟﻬﺪﻯ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﻦ ﺳﺎﺩ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ، ﻭاﻟﺠﻮﺩ اللاﺋﻖ، ﻭاﻟﺤﺴﺐ اﻟﻔﺎﺋﻖ، ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻌﺼﻴﺘﻪ ﻣﻌﺼﻴﺔ اﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻞ ﻟﻚ ﺃﺏ ﻛﺄﺑﻲ ﺗﺒﺎﻫﻴﻨﻲ ﺑﻪ؟ ﻭﻗﺪﻳﻢ ﻛﻘﺪﻳﻤﻲ ﺗﺴﺎﻣﻴﻨﻲ ﺑﻪ؟ ﻗﻞ ﻧﻌﻢ ﺃﻭ ﻻ، ﻗﺎﻝ: ﺑﻞ ﺃﻗﻮﻝ ﻻ، ﻭﻫﻲ ﻟﻚ ﺗﺼﺪﻳﻖ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ:
اﻟﺤﻖ ﺃﺑﻠﺞ ﻣﺎ ﻳﺨﻴﻞ ﺳﺒﻴﻠﻪ ... ﻭاﻟﺤﻖ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺫﻭﻭا اﻷﻟﺒﺎﺏ
وأيضاً فقد كان الإمام الحسن عليه السلام جواداً بمعروفه، سخياً بما ملكت يمينه، من ذلك أن رجلاً جاءه يسأله، ويشكو إليه حاله وقلة ذات يده بعد أن كان ثرياً، فقال له الإمام الحسن عليه السلام: يا هذا حق سؤالك يعظم علي، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، فإن قبلت الميسور رفعت عني مؤنة الاحتفال والاهتمام بما أتكلفه من واجبك؛ فقال له الرجل : يا بن رسول الله، أقبل القليل وأشكر العطية وأعذر على المنع.
فما كان من الإمام الحسن عليه السلام إلا أن دعا وكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقضاها؛ فقال له: هاتِ الفاضل، فأحضر خمسين ألف درهم؛ ثم قال الإمام الحسن: ما فَعَلَتْ الخمسمائة دينار التي معك؟
قال: هي عندي.
قال الإمام: فأحضرها؛ فلما أحضرها، دفعها الإمام الحسن هي والدراهم إلى الرجل واعتذر منه.
وروي أن الإمام الحسن عليه السلام خرج هو والحسين وعبدالله بن جعفر حجاجاً، فلما كانوا ببعض الطريق جاعوا وعطشوا وقد فاتتهم أثقالهم، فتوجهوا إلى عجوز في خباء لها عندها شويهة؛ فقالت لهم: احتلبوها وامتذقوا لبنها، ففعلوا وقالوا: هل من طعام؟
قالت: ما عندي غير هذه الشويهة، وأقسم بالله إلا ما ذبحها أحدكم بينما أهيئ الحطب، فاشتووها وأقاموا حتى أبردوا، فلما ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه، فإذا رجعنا فألِمِّي بنا نصنع إليك خيراً، ثم ارتحلواز
فأقبل زوجها فأخبرته فغضب وقال: تذبحين شاتنا لقوم لا تعرفينهم؛ وبعد دهر طويل أصابتهم السنة فدخلا المدينة يلتقطان البعر، فمرت العجوز ومكيلها معها تلقط فيه البعر، والحسن عليه السلام جالس على باب داره فعرفها وقال: يا أمة الله أنا أحد ضيوفك يوم كذا؛ فقالت: بأبي أنت وأمي لست أعرفك، فأمر غلامه فاشترى لها من غنم الصدقة ألف شاة، وأعطاها ألف دينار وبعث معها غلامه إلى أخيه الحسين عليه السلام فأمر لها بمثل ذلك، ثم بعث بها إلى عبد الله بن جعفر فأمر لها بألفي شاة وألفي دينار، فرجعت وهي من أغنى الناس.
وهكذا ظلت شمائل الإمام الحسن عليه السلام لامعة، ﻭشموس أخلاقه بيِّنة ساطعة.
قصته مع ابن الأزرق
كان الإمام الحسن عليه السلام من أعلم أهل زمانه، وأقواهم منطقاً، وأبلغهم للحجة، ولا عجب في ذلك؛ إذ أخذ العلم عن باب مدينة علم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وتشرب المعرفة منه، حتى صار علماً يشار إليه، ونجماً يهتدى به، ومما يُظهر ذلك العلم، وينبي عنه قصته عليه السلام مع نافع بن الأزرق.
فقد روي أنه بينما كان اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻳﺤﺪﺙ اﻟﻨﺎﺱ، ﺇﺫ ﻗﺎﻡ ﺇﻟﻴﻪ ﻧﺎﻓﻊ ﺑﻦ اﻷﺯﺭﻕ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﺗﻔﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻤﻠﺔ ﻭاﻟﻘﻤﻠﺔ، ﺻﻒ ﻟﻲ ﺇﻟﻬﻚ اﻟﺬﻱ ﺗﻌﺒﺪﻩ؟ ﻓﺄﻃﺮﻕ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺇﻋﻈﺎﻣﺎً ﻟﻘﻮﻟﻪ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺟﺎﻟﺴﺎً ﻓﻲ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻟﻲَّ ﻳﺎ اﺑﻦ اﻷﺯﺭﻕ، ﻗﺎﻝ: ﻟﺴﺖ ﺇﻳﺎﻙ ﺃﺳﺎﻝ، ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: ﻳﺎ اﺑﻦ اﻷﺯﺭﻕ، ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻭﻫﻢ ﻭﺭﺛﺔ اﻟﻌﻠﻢ، ﻓﺄﻗﺒﻞ ﻧﺎﻓﻊ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﺤﺴﻦ: ﻳﺎ ﻧﺎﻓﻊ، ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﻭﺿﻊ ﺩﻳﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﺎﺱ ﻟﻢ ﻳﺰﻝ ﺩﻫﺮﻩ ﻓﻲ اﻟﺘﺒﺎﺱ، ﻗﺎﺑﻼً ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﻬﺎﺝ، ﻇﺎﻋﻨﺎً ﻓﻲ اﻻﻋﻮﺟﺎﺝ، ﺿﺎﻻً ﻋﻦ اﻟﺴﺒﻴﻞ، ﻗﺎﺋﻼً ﻏﻴﺮ اﻟﺠﻤﻴﻞ.
ﻳﺎ اﺑﻦ اﻷﺯﺭﻕ، ﺃﺻﻒ إﻟﻬﻲ ﺑﻤﺎ ﻭﺻﻒ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺃعرِّﻓﻪ ﺑﻤﺎ ﻋﺮﻑ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ: ﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﺑﺎﻟﺤﻮاﺱ، ﻭﻻ ﻳﻘﺎﺱ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ، ﻓﻬﻮ ﻗﺮﻳﺐ ﻏﻴﺮ ﻣﻠﺘﺼﻖ، ﻭﺑﻌﻴﺪ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻘﺺ، ﻳﻮﺣﺪ ﻭﻻ ﻳﺒﻌﺾ، ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺑﺎﻵﻳﺎﺕ، ﻣﻮﺻﻮﻑ ﺑﺎﻟﻌﻼﻣﺎﺕ، ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﻤﺘﻌﺎﻝ.
ﻗﺎﻝ: ﻓﺒﻜﻰ اﺑﻦ اﻷﺯﺭﻕ، ﻭﻗﺎﻝ ﻳﺎ ﺣﺴﻦ: ﻣﺎ ﺃﺣﺴﻦ ﻛﻼﻣﻚ! ﺃﻣﺎ ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺣﺴﻦ ﻟﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺘﻢ ﻣﻨﺎﺭ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻧﺠﻮﻡ اﻷﺣﻜﺎﻡ، ﺣﺘﻰ ﺑﺪﻟﺘﻢ ﻓﺎﺳﺘﺒﺪﻟﻨﺎ ﺑﻜﻢ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ: ﺇﻧﻲ ﺃﺳﺎﻟﻚ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻞ، ﻗﺎﻝ: ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ: {ﻭﺃﻣﺎ اﻟﺠﺪاﺭ ﻓﻜﺎﻥ ﻟﻐﻼﻣﻴﻦ ﻳﺘﻴﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ} [ اﻟﻜﻬﻒ: 82] ﻳﺎ اﺑﻦ اﻷﺯﺭﻕ، ﻣﻦ ﺣﻔﻆ ﻓﻲ اﻟﻐﻼﻣﻴﻦ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﺑﻮﻫﻤﺎ، ﻗﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ: ﻓﺄﺑﻮﻫﻤﺎ ﺧﻴﺮ ﺃﻡ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ؟ ﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻷﺯﺭﻕ: ﻗﺪ ﺃﻧﺒﺎﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﺑﺄﻧﻜﻢ ﻗﻮﻡ ﺧﺼﻤﻮﻥ.
ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻣﺎﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ
ومن مقامات الإمام الحسن عليه السلام التي تُظهر مدى شجاعته، وطلاقة لسانه، وقوة بيانه، ﺃﻧﻪ اﺟﺘﻤﻊ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ اﻟﻌﺎﺹ، ﻭﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻭاﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ، ﻭاﻟﻤﻐﻴﺮﺓ ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﺃﺭﺳﻞ ﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ؛ ﻟﻨﺴﺐ ﺃﺑﺎﻩ ﻭﻧﻮﺑﺨﻪ ﻭﻧﺼﻐﺮﻩ، ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﺗﻮاﻃﺌﻮا ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮ ﻭاﺣﺪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮﻭ: ﺇﻥ اﻟﺤﺴﻦ ﻗﺪ ﺃﺣﻴﺎ ﺃﺑﺎﻩ، ﻭﺧﻔﻘﺖ اﻟﻨﻌﺎﻝ ﺧﻠﻔﻪ، ﻭﺃﻣﺮ ﻓﺄﻃﻴﻊ، ﻭﻗﺎﻝ ﻓﺼﺪﻕ، ﻭﻫﺬا ﺭاﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ، ﻓﻠﻮ ﺑﻌﺜﺖ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ ﻣﻨﻪ اﻟﻨﺼﻔﺔ ﻛﺎﻥ ﺭﺃﻳﺎً، ﻓﻘﺎﻝ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ: ﺇﻧﻲ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﺧﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﻘﻠﺪﻛﻢ قلاﺋﺪ ﺗﺒﻘﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﺭﻛﻢ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻗﻂ ﺇﻻ ﺧﻔﺖ ﺟﻨﺎﺑﻪ، ﻭﻫﺒﺖ ﻋﺘﺎﺑﻪ، ﻭﺇﻥ ﺑﻌﺜﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻧﺼﻔﺘﻪ ﻣﻨﻜﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮﻭ: ﺃﺗﺨﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎﻃﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻨﺎ، ﺃﻭ ﻣﺮﺿﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺘﻨﺎ؟ ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻓﺎﺑﻌﺜﻮا ﺇﻟﻴﻪ ﺇﺫاً ﻓﺎﻟﻘﻮﻩ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ، ﻭﻻ ﺗﻜﻨﻮا ﻭﻻ ﺗﻠﺠﻠﺠﻮا، ﻭﺻﺮﺣﻮا ﻭﻻ ﺗﻌﺮﺿﻮا، ﻓﻠﻦ ﻳﻨﻔﻌﻜﻢ ﻏﻴﺮ اﻟﺘﺼﺮﻳﺢ.
ﻗﺎﻝ: ﻓﺒﻌﺜﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺮﺳﻮﻝ: ﺃﺟﺐ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻓﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ؟ ﻓﺴﻤﺎﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﺧﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻘﻒ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﻢ، ﻭﺃﺗﺎﻫﻢ اﻟﻌﺬاﺏ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺟﺎﺭﻳﺔ، ﺃﺑﻠﻐﻴﻨﻲ ﺛﻴﺎﺑﻲ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﺩﺭأ ﺑﻚ ﻓﻲ ﻧﺤﻮﺭﻫﻢ، ﻭﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺷﺮﻭﺭﻫﻢ، ﻭﺃﺳﺘﻌﻴﻦ ﺑﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﺄﻛﻔﻨﻴﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺷﺌﺖ، ﻭﻛﻴﻒ ﺷﺌﺖ، ﻭﺃﻧﻰ ﺷﺌﺖ ﺑﺤﻮﻟﻚ ﻭﻗﻮﺗﻚ ﻳﺎ ﺭﺣﻤﺎﻥ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ: ﻫﺬﻩ ﻛﻠﻤﺎﺕ اﻟﻔﺮﺝ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺗﻰ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺣﺐ ﺑﻪ ﻭﻧﺎﻭﻟﻪ ﻳﺪﻩ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ: ﺇﻥ اﻟﺘﺮﺣﻴﺐ ﺳﻼﻣﺔ، ﻭاﻟﻤﺼﺎﻓﺤﺔ ﺃﻣﺎﻧﺔ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺟﻞ، ﻓﻠﻤﺎ ﻗﻌﺪ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ: ﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﺩﻋﻮﺗﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺆلاء ﺃﺣﺮﺟﻮﻧﻲ ﻓﻴﻚ ﺣﺘﻰ ﺃﺭﺳﻠﺖ ﺇﻟﻴﻚ ﻓﺪﻋﻮﺗﻚ ﻟﻬﻢ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺩﻋﻮﻙ ﻟﻴﻘﺮﺭﻭﻙ ﺃﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻗُﺘﻞ ﻣﻈﻠﻮﻣﺎ، ﻭﺃﻥ ﺃﺑﺎﻙ ﻗﺘﻠﻪ، ﻓﺎﺳﻤﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺃﺟﺒﻬﻢ، ﻭﻻ ﻳﻤﻨﻌﻨﻚ ﻫﻴﺒﺘﻲ ﻭﻻ ﻫﻴﺒﺘﻬﻢ ﺃﻥ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﺑﺼﻠﻴﺐ ﻟﺴﺎﻧﻚ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﺳﺒﺤﺎﻥ اﻟﻠﻪ! اﻟﺒﻴﺖ ﺑﻴﺘﻚ، ﻭاﻹﺫﻥ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﺌﻦ ﻛﻨﺖ ﺃﺟﺒﺘﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﺇﻧﻪ اﺳﺘﺤﻴﺎء ﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﺶ، ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻏﻠﺒﻮﻙ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺇﻧﻪ اﺳﺘﺤﻴﺎء ﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ، ﻓﺒﺄﻳﻬﻤﺎ ﺗﻘﺮ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻬﻤﺎ ﺗﻔﺮ؟ ﻓﻬﻼ ﺇﺫ ﺃﺭﺳﻠﺖ ﺇﻟﻲ ﺃﻧﺒﺄﺗﻨﻲ ﻓﺄﺟﻲء ﺑﻤﺜﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ، ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﻊ ﻭﺣﺪﺗﻲ ﺃﻭﺣﺶ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ، ﻭﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻟﻮﻟﻴﻲ ﻓﻠﻴﻘﻮﻟﻮا ﻓﺄﺳﻤﻊ.
ﻓﺒﺪﺃ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ اﻟﻌﺎﺹ ﻓﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﺫﻛﺮ ﻋﻠﻴﺎً ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺮﻙ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻋﻴﺮﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﺷﺘﻢ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ، ﻭاﺷﺘﺮﻙ ﻓﻲ ﺩﻡ ﻋﻤﺮ، ﻭﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﻈﻠﻮﻣﺎ، ﻭاﺩﻋﻰ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺑﺤﻖ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻜﻢ ﻣﻌﺸﺮ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻠﻪ ﻟﻴﻌﻄﻴﻜﻢ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻠﻜﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ، ﻭاﺳﺘﺤﻼﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻭﺣﺮﺻﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻚ، ﻭﺇﺗﻴﺎﻧﻜﻢ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﻜﻢ، ﺛﻢ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﺣﺴﻦ: ﻛﻴﻒ ﺗﺤﺪﺙ ﻧﻔﺴﻚ ﺃﻧﻚ ﻛﺎﺋﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ؟ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻙ ﻋﻘﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻻ ﺭﺃﻳﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺮاﻙ ﺗﺄﺗﻴﻪ، ﻭﺃﻧﺖ ﺃﺣﻤﻖ ﻗﺮﻳﺶ! ﻭﻓﻴﻚ ﺳﻮء ﻋﻘﻞ ﺃﺑﻴﻚ، ﻭﺇﻧﻲ ﺩﻋﻮﺗﻚ ﻷﺳﺒﻚ ﻭﺃﺑﺎﻙ، ﺛﻢ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻐﻴﺮﻩ، ﻭﻻ ﺃﻥ ﺗﻜﺬﺑﻪ، ﻓﺄﻣﺎ ﺃﺑﻮﻙ ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺎﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﺷﺮﻩ، ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻓﻔﻲ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ﻧﺘﺨﻴﺮ ﻓﻴﻚ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﻗﺘﻠﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻚ ﺇﺛﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻋﺘﺐ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺘﻜﻠﻢ، ﻭﺇﻻ فاﻋﻠﻢ ﺃﻧﻚ ﻭﺃﺑﺎﻙ ﻣﻦ ﺷﺮ ﺧﻠﻖ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
ﺛﻢ ﺗﻜﻠﻢ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻜﻢ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻗﺘﻠﺘﻢ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﺪﻭﻩ، ﻭﻟﻢ ﺗﻘﻴﺪﻭﻧﺎ ﺑﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻟﻮ ﻗﺘﻠﻨﺎﻙ ﺑﻌﺜﻤﺎﻥ ﺇﺛﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻟﻮﻡ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﺃﻥ ﻧﻘﺘﻠﻚ ﻭﺃﺑﺎﻙ، ﻓﺄﻣﺎ ﺃﺑﻮﻙ ﻓﻘﺪ ﺗﻔﺮﺩ اﻟﻠﻪ ﺑﻘﺘﻠﻪ ﻭﻛﻔﺎﻧﺎﻩ، ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻓﻘﺪ ﺃﻗﺎﺩﻙ اﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻙ ﺷﺮ ﻗﺮﻳﺶ ﻟﻘﺮﻳﺶ، ﺃﻗﻄﻌﻬﻢ ﻷﺭﺣﺎﻣﻬﺎ، ﻭﺃﺳﻔﻜﻬﻢ ﻟﺪﻣﺎﺋﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻴﻚ اﻟﻘﻮﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻓﻨﺤﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮﻙ ﺑﻪ، ﻭﺃﻣﺎ ﺭجاﺅﻙ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻗﺪﺣﺔ ﺭﺃﻳﻚ، ﻭﻻ ﺭﺟﺢ ﻣﻴﺰاﻧﻚ.
ﺛﻢ ﺗﻜﻠﻢ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻜﻢ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻛﻨﺘﻢ ﺃﺧﻮاﻝ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻭﻟﻨﻌﻢ اﻟﻮﻟﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﻜﻢ ﺇﺫ ﻛﻨﺘﻢ ﺃﺻﻬﺎﺭﻩ، ﻭﻟﻨﻌﻢ اﻟﺼﻬﺮ ﻛﺎﻥ ﻟﻜﻢ، ﻳﻌﺮﻑ ﺣﻘﻜﻢ، ﻭﻳﻜﺮﻣﻜﻢ، ﻭﺇﻧﻜﻢ ﻛﻨﺘﻢ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺣﺴﺪﻩ ﻭﺩﺏ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻪ ﻭﻓﺘﻚ ﺑﻪ، ﻭﻛﻨﺘﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﻗﺘﻠﺘﻤﻮﻩ، ﻭﺃﻃﻌﺘﻢ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻪ؛ ﺣﺮﺻﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻚ، ﻭﻗﻄﻴﻌﺔ ﻟﻠﺮﺣﻢ، ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺮﻭﻥ اﻟﻠﻪ ﻃﻠﺐ ﺑﺪﻣﻪ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﺗﺮﻭﻥ ﻣﻨﺰﻟﻜﻢ ﻣﻨﺎﺯﻟﻜﻢ؟ ﺃﻣﺎ ﺃﺑﻮﻙ ﻓﻘﺘﻠﻪ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻓﺼﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺮﻫﺖ.
ﺛﻢ ﺗﻜﻠﻢ اﻟﻤﻐﻴﺮﺓ ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ، ﻓﻘﺎﻝ ﻳﺎ ﺣﺴﻦ: ﺇﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻗﺘﻞ ﻣﻈﻠﻮﻣﺎً، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻷﺑﻴﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻋﺬﺭ ﺑﺮﻱء، ﻭﻻ اﻋﺘﺬاﺭ ﻣﺬﻧﺐ، ﻏﻴﺮ ﺃﻧﺎ ﻇﻨﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﺭاﺽ ﺑﻘﺘﻠﻪ ﻟﻀﻤﻪ ﻗﺘﻠﺘﻪ، ﻭﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻨﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻭاﻟﻠﻪ ﻃﻮﻳﻞ اﻟﻠﺴﺎﻥ ﻭاﻟﺴﻴﻒ، ﻳﻘﺘﻞ اﻟﺤﻲ ﻭﻳﻌﻴﺐ اﻟﻤﻴﺖ، ﻭﺑﻨﻮ ﺃﻣﻴﺔ ﻟﺒﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻟﺒﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ، ﻭﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺧﻴﺮ ﻟﻚ ﻣﻨﻚ ﻟﻪ.
ﺛﻢ ﺗﻜﻠﻢ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﻓﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺷﺘﻤﻨﻲ ﻏﻴﺮﻙ ﻓﺤﺸﺎً ﻣﻨﻚ، ﻭﺧﻠﻘﺎً ﺳﻴﺌﺎً، ﻭﺑﻐﻴﺎً ﻋﻠﻲَّ، ﻭﻋﺪاﻭﺓ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺪﻳﻤﺎً ﻭﺣﺪﻳﺜﺎ، ﻭﻻ ﺃﺑﺪﺃ ﺇﻻ ﺑﻚ، ﻭﻻ ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻻ ﺩﻭﻥ ﻣﺎ ﻓﻴﻚ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺎ ﻭﻫﺆلاء ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﺣﻮﻟﻨﺎ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﺃﻥ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮا ﺑﺎﻟﺬﻱ ﺗﻜﻠﻤﻮا ﺑﻪ، ﻭﻟﻜﻦ اﺳﻤﻌﻮا ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻤﻸ، ﻭﻻ ﺗﻜﺘﻤﻮا ﺣﻘﺎً ﻋﻠﻤﺘﻤﻮﻩ، ﻭﻻ ﺗﺼﺪﻗﻮا ﺑﺎﻃﻼً ﺇﻥ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﺑﻪ: ﺃﻧﺸﺪﻛﻢ اﻟﻠﻪ، ﺃﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬﻱ ﺷﺘﻤﺘﻢ ﻭﺗﻨﺎﻭﻟﺘﻢ ﻣﻨﻪ اﻟﻴﻮﻡ ﻗﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻘﺒﻠﺘﻴﻦ ﻛﻠﺘﻴﻬﻤﺎ، ﻭﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻛﺎﻓﺮ ﺑﻬﻤﺎ ﺗﺮاﻫﻤﺎ ﺿﻼﻟﺔ ﻭﺗﻌﺒﺪ اللاﺕ ﻭاﻟﻌﺰﻯ، ﻭﺑﺎﻳﻊ اﻟﺒﻴﻌﺘﻴﻦ ﺑﻴﻌﺔ اﻟﺮﺿﻮاﻥ ﻭﺑﻴﻌﺔ اﻟﻔﺘﺢ ﻭﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﺎﻷﻭﻟﻰ ﻛﺎﻓﺮ ﻭﺑﺎﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻧﺎﻛﺚ.
ﻭﺃﻧﺸﺪﻛﻢ اﻟﻠﻪ، ﺃﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﻋﻠﻴﺎً ﻟﻘﻴﻜﻢ ﻳﻮﻡ اﻷﺣﺰاﺏ ﻭﻳﻮﻡ ﺑﺪﺭ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻣﻌﻪ ﺭاﻳﺔ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭاﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻭﻣﻌﻚ ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻟﻮاء اﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻳﻔﻠﺞ اﻟﻠﻪ ﺣﺠﺘﻪ، ﻭﻳﺤﻖ ﺩﻋﻮﺗﻪ، ﻭﻳﺼﺪﻕ ﺃﺣﺪﻭﺛﺘﻪ، ﻭﻳﻨﺼﺮ ﺭاﻳﺘﻪ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺭاﺽ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻛﻠﻬﺎ.
ﻭﺃﻧﺸﺪﻛﻢ اﻟﻠﻪ ﺃﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﺎﺻﺮ ﻗﺮﻳﻈﺔ ﻭاﻟﻨﻀﻴﺮ، ﻓﺒﻌﺚ ﻋﻤﺮ ﺑﺮاﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ، ﻭﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎﺫ ﺑﺮاﻳﺔ اﻷﻧﺼﺎﺭ، ﻓﺄﻣﺎ ﺳﻌﺪ ﻓﺠﻲء ﺑﻪ ﺟﺮﻳﺤﺎً، ﻭﺃﻣﺎ ﻋﻤﺮ ﻓﺮﺟﻊ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ((ﻷﻋﻄﻴﻦ اﻟﺮاﻳﺔ ﻏﺪاً ﺭﺟﻼً ﻳﺤﺐ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭﻳﺤﺒﻪ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ)).
ﻓﺘﻌﺮﺽ ﻟﻬﺎ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻭﻋﻤﺮ، ﻭﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﺃﺭﻣﺪ، ﻓﺪﻋﺎﻩ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﻋﻄﺎﻩ ﺇﻳﺎﻫﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺢ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺎﺳﺘﻨﺰﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭﺃﻧﺖ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻣﺸﺮﻙ ﺑﻤﻜﺔ ﻋﺪﻭ ﻟﻠﻪ.
ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺃﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﻋﻠﻴﺎً ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻤﻦ ﺣﺮﻡ اﻟﺸﻬﻮاﺕ، ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻬﻢ {ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻻ ﺗﺤﺮﻣﻮا ﻃﻴﺒﺎﺕ ﻣﺎ ﺃﺣﻞ اﻟﻠﻪ ﻟﻜﻢ} [ اﻟﻤﺎﺋﺪﺓ: 87] ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺭﻫﻂ ﻫﻮ ﻋﺎﺷﺮﻫﻢ، ﻓﺄﻧﺒﺄﻫﻢ اﻟﻠﻪ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ، ﻭﺃﻧﺖ ﻓﻲ ﺭﻫﻂ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻟﻌﻨﻚ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ.
ﻭﻧﺸﺪﺗﻚ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﺃﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﺴﻮﻕ ﺃﺑﺎﻙ ﻳﻮﻡ اﻷﺣﺰاﺏ، ﻭﻳﻘﻮﺩ ﺑﻪ ﺃﺧﻮﻙ ﻫﺬا اﻟﻘﺎﻋﺪ: ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻞ ﺃﺣﻤﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻋﻤﻲ ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻓﻠﻌﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ اﻟﺠﻤﻞ ﻭاﻟﻘﺎﺋﺪ ﻭاﻟﺮاﻛﺐ ﻭاﻟﺴﺎﺋﻖ.
ﻭﻧﺸﺪﺗﻚ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﺃﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﻜﺘﺐ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻌﺠﺒﻪ ﺣﺴﻦ ﺧﻄﻚ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺇﻟﻴﻚ ﻳﻮﻣﺎً، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺮﺳﻮﻝ: ﻫﻮ ﻳﺄﻛﻞ، ﻓﺄﻋﺎﺩ ﺫﻟﻚ ﻣﺮاﺭاً، ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻳﻘﻮﻝ اﻟﺮﺳﻮﻝ: ﻫﻮ ﻳﺄﻛﻞ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ((اﻟﻠﻬﻢ ﻻ ﺗﺸﺒﻊ ﺑﻄﻨﻪ)) ﻓﻨﺸﺪﺗﻚ اﻟﻠﻪ، ﺃﻟﺴﺖ ﺗﻌﺮﻑ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻋﻮﺓ ﻓﻲ ﻧﻬﻤﺘﻚ ﻭﺃﻛﻠﻚ ﻭﺭﻏﺒﺔ ﺑﻄﻨﻚ؟
ﻭﻧﺸﺪﺗﻚ ﺑﺎﻟﻠﻪ! ﺃﺗﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻌﻦ ﺃﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻮاﻃﻦ: ﻟﻌﻨﻪ ﻳﻮﻡ ﻟﻘﻴﻪ ﺧﺎﺭﺟﺎً ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ﻣﻬﺎﺟﺮاً ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ، ﻭﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺟﺎء ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻡ، ﻓﻮﻗﻊ ﻓﻴﻪ ﻭﺳﺒﻪ ﻭﻛﺬﺑﻪ ﻭﺃﻭﻋﺪﻩ ﻭﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﺒﻄﺶ ﺑﻪ، ﻓﺼﺪﻩ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻭﻟﻌﻨﻪ ﻳﻮﻡ ﺃﺣﺪ، ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ: ﺃﻋﻞ ﻫﺒﻞ، ﻓﻘﺎﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: اﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻰ ﻭﺃﺟﻞ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ: ﻟﻨﺎ اﻟﻌﺰﻯ ﻭﻻ ﻋﺰﻯ ﻟﻜﻢ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: اﻟﻠﻪ ﻣﻮﻻﻧﺎ ﻭﻻ ﻣﻮﻟﻰ ﻟﻜﻢ. ﻭﻟﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﻼﺋﻜﺘﻪ ﻭﺭﺳﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻟﻌﻨﻪ ﻳﻮﻡ ﺑﺪﺭ ﺇﺫ ﺟﺎء ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻗﺮﻳﺶ، ﻓﺮﺩﻫﻢ ﺑﻐﻴﻈﻬﻢ، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻬﻢ ﺁﻳﺘﻴﻦ: ﺳﻤﻰ ﺃﺑﺎﻙ ﻓﻲ ﻛﻠﺘﻴﻬﻤﺎ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻛﺎﻓﺮاً، ﻭﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻣﻊ ﺃﺑﻴﻚ، ﻭﻟﻌﻨﻪ ﻳﻮﻡ اﻟﻬﺪﻱ ﻣﻌﻜﻮﻓﺎً ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﺤﻠﻪ، ﻓﺮﺟﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻟﻢ ﻳﻄﻒ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ، ﻭﻟﻢ ﻳﻘﺾ ﻧﺴﻜﻪ، ﻭﻟﻌﻨﻪ ﻳﻮﻡ اﻷﺣﺰاﺏ: ﺟﺎء ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﺠﻤﻊ ﻗﺮﻳﺶ، ﻭﺟﺎء ﻋﻴﻴﻨﺔ ﺑﻦ ﺣﺼﻦ ﺑﻦ ﺑﺪﺭ ﺑﻐﻄﻔﺎﻥ، ﻭﻭاﻋﺪﻛﻢ ﻗﺮﻳﻈﺔ ﻭاﻟﻨﻀﻴﺮ، ﻓﻠﻌﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﻘﺎﺩﺓ ﻭالأﺗﺒﺎﻉ، ﻓﺄﻣﺎ اﻷﺗﺒﺎﻉ ﻓﻼ ﺗﺼﻴﺐ اﻟﻠﻌﻨﺔ ﻣﺆﻣﻨﺎً، ﻭﺃﻣﺎ اﻟﻘﺎﺩﺓ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﺆﻣﻦ ﻭﻻ ﻣﺠﻴﺐ ﻭﻻ ﻧﺎﺝ، ﻭﻟﻌﻨﻪ ﻳﻮﻡ ﺣﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺒﺔ، ﻭﻫﻢ اﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ ﺭﺟﻼً: ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ، ﻭﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻓﻴﻬﻢ، ﻭﺧﻤﺴﺔ ﻣﻦ ساﺋﺮ ﻗﺮﻳﺶ، ﻟﻌﻦ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻨﻴﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻧﺎﻗﺘﻪ ﻭﺳﺎﺋﻘﻬﺎ ﻭقاﺋﺪﻫﺎ، ﻓﻬﻞ ﺗﺮﺩﻭن ﻋﻠﻲَّ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﺷﻴﺌﺎ؟
ﻭﻣﻨﻬﺎ: ﻟﻌْﻨُﻚ ﻳﻮﻡ ﺃﺑﻮﻙ ﻫﻢَّ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻢ، ﻓﺒﻌﺜْﺖَ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺸﻌﺮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺗﻨﻬﺎﻩ ﻋﻦ اﻹﺳﻼﻡ، ﻓﻬﺬﻩ ﻣﻮاﻃﻦ ﻟَﻌﻨْﺖَ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻧﺖ ﻭﺃﺑﻮﻙ.
"ﻭﺷﻌﺮ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻴﻪ ﻳﺮﺩﻩ ﻋﻦ اﻹﺳﻼﻡ:
ﻳﺎ ﺻﺨﺮ ﻻ ﺗﺴﻠﻤﻦ ﻃﻮﻋﺎً ﻓﺘﻔﻀﺤﻨﺎ ... ﺑﻌﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺒﺪﺭ ﺃﺻﺒﺤﻮا ﻣﺰﻗﺎ
ﺟﺪﻱ ﻭﺧﺎﻟﻲ ﻭﻋﻢ اﻷﻡ ﻳﺎ ﻟﻬﻢ ... ﻗﻮﻣﺎً ﻭﺣﻨﻈﻠﺔ اﻟﻤُﻬﺪﻱ ﻟﻨﺎ اﻷﺭﻗﺎ
ﻻ ﺗﺮﻛﻨﻦَّ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺮ ﻳﻘﻠﺪﻧﺎ ... ﻭاﻟﺮاﻗﺼﺎﺕ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ اﻟﺤﺮﻗﺎ
ﻭاﻟﻤﻮﺕ ﺃﻫﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ اﻟﺴﻔﺎﻩ ﻟﻘﺪ ... ﺧﻠﻰ اﺑﻦ ﺣﺮﺏ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﺰﻯ ﻟﻨﺎ ﻓﺮﻗﺎ
ﻓﺈﻥ ﺃﺗﻴﺖ ﺃﺑﻴﻨﺎ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﻓﻼ ... ﻧﺜﻨﻲ ﻋﻦ اللاﺕ ﻭاﻟﻌﺰﻯ ﻟﻨﺎ ﻋﻨﻘﺎ"
ﻭﻣﻨﻬﺎ: ﻭﻻﻙ ﻋﻤﺮ اﻟﺸﺎﻡ ﻓﺨﻨﺘﻪ، ﻭﻭﻻﻙ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻓﺘﺮﺑﺼﺖ ﺑﻪ، ﻭﻗﺎﺗﻠﺖ ﻋﻠﻴﺎً ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﻪ ﻣﻨﻚ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﺃﺟﻠﻪ، ﻭﺻﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻘﻠﺐ، ﻭﺻﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺷﺮ ﻣﺜﻮﻯ، ﻭﻗﺪ ﺧﻔﻔﺖ ﻋﻨﻚ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﺑﻚ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﻋﻤﺮﻭ: ﻓﺈﻥ ﺃﻭﻝ ﻟﺆﻣﻚ ﺃﻧﻚ ﻭﻟﺪﺕ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺵ ﻣﺸﺘﺮﻙ، ﻭﻗﺪ اﺣﺘﺞ ﻓﻴﻚ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ: ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﻦ ﺣﺮﺏ، ﻭاﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻐﻴﺮﺓ، ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ اﺑﻦ اﻟﺤﻮﻳﺮﺙ، ﻭاﻟﻨﻀﺮ ﺑﻦ ﺣﺎﺭﺛﺔ، ﻭاﻟﻌﺎﺹ ﺑﻦ ﻭاﺋﻞ، ﻛﻞ ﻭاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺪﻋﻲ ﺃﻧﻚ اﺑﻨﻪ، ﻓﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻚ ﺟﺰاﺭ ﻗﺮﻳﺶ ﺃﻷﻣﻬﺎ ﺣﺴﺒﺎً، ﻭﺃﺧﺒﺜﻬﺎ ﻣﻨﺼﺒﺎً، ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ ﻟﻌﻨﺔ، ﺛﻢ ﻗﻤﺖ ﺧﻄﻴﺒﺎً ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺶ، ﻓﻘﻠﺖ: ﺇﻧﻲ ﺷﺎﻧﺊ ﻣﺤﻤﺪاً، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻴﻚ: {ﺇﻥ ﺷﺎﻧﺌﻚ ﻫﻮ اﻷﺑﺘﺮ (3)} [ اﻟﻜﻮﺛﺮ: 3]
ﺛﻢ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻗﺎﺗﻞ ﻓﻴﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﺷﺪﻫﻢ ﻟﻪ ﻋﺪاﻭﺓ ﻭﺗﻜﺬﻳﺒﺎ، ﺛﻢ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﺴﻘﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﺭﻛﺒﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺠﺎﺷﻲ ﻓﻲ ﺟﻌﻔﺮ، ﻓﻜﺬﺑﻚ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺩﻙ ﺑﻐﻴﻈﻚ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺧﻄﺄﻙ ﻣﺎ ﺭﺟﻮﺕ ﺃﺟﻠﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻚ ﻋﻤﺎﺭﺓ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻓﻘﺘﻠﺘﻪ.
ﻭﺃﻧﺖ ﻋﺪﻭ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻭاﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻟﺴﻨﺎ ﻧﻠﻮﻣﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺒﻚ، ﻭﻻ ﻧﺴﺘﻌﺘﺒﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﺐ، ﻭﻗﺪ ﻫﺠﻮﺕ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺴﺒﻌﻴﻦ ﺑﻴﺘﺎً، ﻓﻘﺎﻝ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﻻ ﺃﺣﺴﻦ اﻟﺸﻌﺮ، ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻌﻨﻪ ﺑﻜﻞ ﺑﻴﺖ ﻟﻌﻨﺔ، ﻓﺄﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻓﺈﻧﻚ ﺃﻟﻬﺒﺘﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺎﻧﻴﺎً، ﺛﻢ ﻫﺮﺑﺖ ﺇﻟﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﻚ ﻗﺘﻠﻪ ﺣﺒﺴﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻓﺒﻌﺘﻪ ﺩﻳﻨﻚ ﺑﺪﻧﻴﺎﻩ، ﻭﻟﺴﻨﺎ ﻧﻠﻮﻣﻚ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻀﻨﺎً، ﻭﺃﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﺣﻴﺚ ﻗﻠﺖ:
تقول ابنتي أين أين الرحيـ
ـل؟ وما السير مني بمستنكر
فقلت: دعيني فإني امرؤ
أريد النجاشي في جعفر
لأكويه عنده كية
أقيم بها صعر الأصعر
ولا أنثني عن بني هاشم
بما اسطعت في الغيب والمحضر
وعن عائب اللت في قله
ولولا رضى اللات لم نمطر
وإني لأشنى قريش له
وأقومهم فيه بالمنكر
وأجرا قريش على عيبه
وإن كان كالذهب الأحمر
فإن بزني الأمر تابعته
وإلا لويت له مشفري
ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﻋﺘﺒﺔ: ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﺑﺤﺼﻴﻒ ﻓﺄﺟﻴﺒﻚ، ﻭﻻ ﻋﺎﻗﻞ ﻓﺄﻋﻴﺒﻚ، ﻭﻻ ﻓﻴﻚ ﺧﻴﺮ ﻳﺮﺗﺠﻰ، ﻭﻻ ﺷﺮ ﻳﺘﻘﻰ، ﻭﺃﻣﺎ ﻭﻋﻴﺪﻙ ﺇﻳﺎﻱ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ، ﻓﻬﻼ ﻗﺘﻠﺖ اﻟﺬﻱ ﻭﺟﺪﺕ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺷﻬﺎ ﻗﺪ ﻏﻠﺒﻚ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺟﻬﺎ، ﻭﺃﺷﺮﻛﻚ ﻓﻲ ﻭﻟﺪﻫﺎ؟ ﻭﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺗﺴﺘﺤﻴﻲ ﻣﻦ ﺷﻲء، ﺃﻭ ﺗﻘﺘﻞ ﺃﺣﺪاً ﻟﻤﺎ ﺃﻣﺴﻜﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﺫ ﺑﻐﺖ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﻟﻢ ﺗﻐﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺨﺎﻓﻚ ﺃﺣﺪ؟! ﺃﻡ ﻛﻴﻒ ﺗﻮﻋﺪ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﻭﻗﺪ ﺗﺮﻛﺘﻪ! ﻭﻻ ﺃﻟﻮﻣﻚ ﻋﻠﻰ ﺳﺐ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﺧﺎﻟﻚ ﻣﺒﺎﺭﺯﺓ، ﻭاﺷﺘﺮﻙ ﻫﻮ ﻭﺣﻤﺰﺓ ﻓﻲ ﺟﺪﻙ ﻓﻘﺘﻼﻩ.
ﻭﺃﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ ﻓﻲ ﺭجاﺋﻲ اﻟﺨﻼﻓﺔ، ﻓﻠﻌﻤﺮﻱ ﺇﻥ ﻟﻲ ﻟﻤﻠﺒﺴﺎً، ﻭﻟﻜﻨﻚ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﺑﻨﻈﻴﺮ ﺃﺧﻴﻚ، ﻭﻻ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺃﺑﻴﻚ، ﻭﻛﺎﻥ ﺣﻘﺎً ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﺤﻴﻲ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﻧﺼﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺠﺎﺝ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻝ:
ﻳﺎ ﻟﺮﺟﺎﻝ ﻟﺤﺎﺭﺙ اﻷﺯﻣﺎﻥ ... ﻭﻟﺴﻮءﺓ ساءﺕ ﺃﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ
ﻧﺒﺌﺖ ﻋﺘﺒﺔ ﻗﺬﺭﺗﻪ ﻋﺮﺳﻪ ... ﺑﺼﺪاﻗﺔ اﻟﻬﺬﻟﻲ ﻣﻦ ﻟﺤﻴﺎﻥ
ﺃﻟﻔﺎﻩ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاﺵ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ... ﺣﺮاً ﻭﺃﻣﺴﻚ ﺷﺮﺓ اﻟﻨﺴﻮاﻥ
ﻟﻠﻪ ﺩﺭﻙ ﺧﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﻧﻬﺎ ... ﻟﻴﺴﺖ ﻭﻋﻨﺪﻙ ﻋﻠﻤﻬﺎ ﺑﺤﺼﺎﻥ
ﻭاﻃﻠﺐ ﺳﻮاﻫﺎ ﺣﺮﺓ ﻣﺄﻣﻮﻧﺔ ... ﺃﻟﻘﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺜﻘﻠﺔ اﻟﺪﻳﺜﺎﻥ
ﻟﻠﻪ ﺩﺭﻙ ﺇﻧﻬﺎ ﻣﻜﺮﻭﻫﺔ ... ﻗﺎﻟﻮا اﻟﺰﻧﺎ ﻭﻧﻜﺎﺣﻬﺎ ﺳﻴﺎﻥ
ﻻ ﺗﻠﺰﻣﻦ ﻳﺎ ﻋﺘﺐ ﻧﻔﺴﻚ ﺣﺒﻬﺎ ... ﺇﻥ النساء حباﺋﻞ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ
ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﻭﻟﻴﺪ: ﻓﻼ ﺃﻟﻮﻣﻚ ﺃﻥ ﺗﺴﺐ ﻋﻠﻴﺎً ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﻗﺪ ﺟﻠﺪﻙ ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺮ، ﻭﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﺃﺑﺎﻙ ﺑﻴﺪﻩ ﺻﺒﺮاً ﻋﻦ ﺃﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﺴﺒﻪ ﻭﻗﺪ ﺳﻤﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﺸﺮ ﺁﻳﺎﺕ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﻭﺳﻤﺎﻙ ﻓﺎﺳﻘﺎ!، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﺴﺒﻪ ﻭﺃﻧﺖ ﻋﻠﺞ ﺻﻔﻮﺭﻳﺔ!
ﻭﺃﻣﺎ ﺯﻋﻤﻚ ﺃﻧﺎ ﻗﺘﻠﻨﺎ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻉ ﻃﻠﺤﺔ ﻭاﻟﺰﺑﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻻ لعليٍّ ﺫﻟﻚ، ﻭﻟﻮ اﺳﺘﻄﺎﻋﺎ ﻟﻘﺎﻻ، ﻭﻛﺄﻧﻚ ﻗﺪ ﻧﺴﻴﺖ ﻗﻮﻝ ﺷﺎﻋﺮﻙ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻝ:
ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻋﺰﻳﺰ ... ﻓﻲ ﻋﻠﻲ ﻭﻓﻲ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻗﺮﺁﻧﺎ
اﻟﻘﺼﻴﺪﺓ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﻣﻐﻴﺮﺓ: ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺣﻘﻴﻘﺎً ﺃﻥ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﻼﻡ، ﺇﻧﻤﺎ ﻣﺜﻠﻚ ﻣﺜﻞ اﻟﺒﻌﻮﺿﺔ ﺣﻴﺚ ﻭﻗﻌﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺨﻠﺔ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ: اﺳﺘﻤﺴﻜﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻧﺎﺯﻟﺔ ﻋﻨﻚ، ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﻨﺨﻠﺔ: ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺷﻌﺮﺕ ﺑﻮﻗﻮﻋﻚ ﻓﻴﺸﻖ ﻋﻠﻲ ﻧﻬﻮﺿﻚ، ﻭﻧﺤﻦ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﻌﺪاﻭﺗﻚ ﻭﻻ ﻏﻤﺘﻨﺎ ﺇﺫ ﻋﺮﻓﻨﺎﻫﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﺄﻱ اﻟﺨﺼﺎﻝ ﺗﺴﺐ ﻋﻠﻴﺎً: اﻧﺘﻘﺎﺻﺎً ﻓﻲ ﻧﺴﺒﻪ؟ ﺃﻡ ﺑﻌﺪاً ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ؟ ﺃﻡ ﺳﻮء بلاء ﻓﻲ اﻹﺳﻼﻡ؟ ﺃﻡ ﺟﻮﺭ ﺣﻜﻢ؟ ﺃﻡ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ؟ ﻓﻠﺌﻦ ﻗﻠﺖ ﻭاﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺬﺑﺖ، ﺃﻭ ﺟﺌﺖ ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥ ﻋﻠﻴﺎً ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻭﻟﻌﻤﺮﻱ ﻟﻮ ﻗﺘﻠﻪ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺷﻲء، ﻓﺄﻣﺎ ﻗﻴﻠﻜﻢ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﻭاﻟﻤﻠﻚ اﻟﺬﻱ ﺃﻋﻄﻴﺘﻢ، ﻓﺈﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺎﻝ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: {ﻭﺇﻥ ﺃﺩﺭﻱ ﻟﻌﻠﻪ ﻓﺘﻨﺔ ﻟﻜﻢ ﻭﻣﺘﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﻦ (111)} [ اﻷﻧﺒﻴﺎء: 111] {ﻭﺇﺫا ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﻬﻠﻚ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﻣﺘﺮﻓﻴﻬﺎ ﻓﻔﺴﻘﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺤﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﻮﻝ ﻓﺪﻣﺮﻧﺎﻫﺎ ﺗﺪﻣﻴﺮا (16)} [ اﻹﺳﺮاء: 16]
ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻧﺼﺮﺕ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺣﻴﺎً، ﻭﻻ ﻏﻀﺒﺖ ﻟﻪ ﻣﻴﺘﺎً، ﻭﻣﺎ ﺯاﻟﺖ الطاﺋﻒ ﺩاﺭﻙ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﺃﻣﺲ، ﻭﺃﻣﺎ اﻋﺘﺮاﺿﻚ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﺃﻭ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ، ﻓﻬﻮ اﺩﻋﺎﺅﻙ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ.
ثم ﻧﻔﺾ الإمام الحسن بن علي عليه السلام ﺛﻴﺎﺑﻪ ﻭﺧﺮﺝ.
ﻓﻘﺎﻝ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ: ﺫﻭﻗﻮا، ﻗﺪ ﻧﺒﺄﺗﻜﻢ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺣﺘﻰ ﺃﻇﻠﻢ ﻋﻠﻲَّ اﻟﺒﻴﺖ، ﻭﻗﺎﻝ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺷﻌﺮا:
ﺃﻣﺮﺗﻜﻢ ﺃﻣﺮاً ﻓﻠﻢ ﺗﺴﻤﻌﻮا ﻟﻪ ... ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻜﻢ ﻻ ﺗﺒﻌﺜﻦ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﺴﻦ
ﻓﺈﻧﻲ ﻭﺭﺏ اﻟﺮاﻗﺼﺎﺕ ﻋﺸﻴﺔ ... ﺑﺮﻛﺒﺎﻧﻬﺎ ﻳﻬﻮﻳﻦ ﻣﻦ ﺳﺮﺓ اﻟﻴﻤﻦ
ﺃﺧﺎﻑ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﻨﻪ ﻃﻮﻝ ﻟﺴﺎﻧﻪ ... ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺪاﻩ ﻋﻨﺪ ﺗﺠﺮﻳﺮﻩ اﻟﺮﺳﻦ
ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺑﻴﺘﻢ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ﻛﺒﻌﻀﻜﻢ ... ﻭﻛﺎﻥ ﺧﻄﺎﺑﻲ ﻓﻴﻪ ﻏﺒﻨﺎً ﻣﻦ اﻟﻐﺒﻦ
ﻓﺄﺟﻤﻌﺘﻢ ﺑﻐﻴﺎً ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻏﺪﺭﺓ ... ﻭﻗﺪ ﻳﻌﺜﺮ اﻟﻌﻴﺮ اﻟﻤﺪﻝ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻦ
ﻓﻜﻴﻒ ﺭﺃﻳﺘﻢ ﻏﺐ ﺭﺃﻳﻲ ﻭﺭﺃﻳﻜﻢ ... ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺩاﺭ اﻟﺴﻼﺡ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﻦ
ﻓﺤﺴﺒﻜﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻧﻀﺞ ﻛﻴﻪ ... ﻭﺣﺴﺒﻲ ﻭﺣﺴﺐ اﻟﻤﺮء ﻓﻲ اﻟﻘﺒﺮ ﻭاﻟﻜﻔﻦ
ﻭﻗﺎﻝ في ذلك ﻗﺜﻢ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ:
ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﺟﺌﻨﺎ ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻗﺎﺋﻞ ... ﻣﻊ اﺑﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺣﺮﻓﺎ ﻣﺪﻯ اﻟﺪﻫﺮ
ﻭاﻧﺼﺮﻩ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻋﺼﺎﺑﺔ ... ﺃﺫﻝ ﺑﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻋﺎﺯﺏ اﻟﻮﺑﺮ
ﺩﻟﻔﺘﻢ ﺑﻌﻤﺮﻭ ﻭاﺛﻘﻴﻦ ﺑﻔﺤﺸﻪ ... ﺇﻟﻰ اﺑﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺧﺮﻗﺎً ﻭﻻ ﻧﺪﺭﻱ
ﻭﻟﻴﺲ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﻋﻤﺮﻛﻢ ﺷﺴﻊ ﻧﻌﻠﻪ ... ﺃﻻ ﻻ ﻭﺷﺴﻊ اﻟﻨﻌﻞ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻭ
ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﻤﺮء اﻟﻤﻌﻴﻄﻲ ﺷﺎﻏﻞ ... ﻋﻦ اﺑﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﻬﺮ ﻭاﻟﺨﻤﺮ
ﻭﻗﻞ ﻷﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ عتبة ﺯﻓﻬﺎ ... ﺇﻟﻴﻚ ﻋﺮﻭﺳﺎً ﻭاﺗﺮﻙ اﻟﻔﺨﺮ ﻓﻲ ﻓﻬﺮ
ﻭﻣﺎ اﻷﺣﻤﻖ اﻟﺰﻧﺎ ﺇﻻ ﺑﻌﻮﺿﺔ ... ﻫﻮﺕ ﻓﻲ ﺫﻧﺎﺏ اﻟﺮﻳﺢ ﻓﻲ ﻟﺠﺔ اﻟﺒﺤﺮ
ﻭﺭﺃﺱ ﺧﻄﺎﻳﺎﻫﻢ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ اﻟﺬﻱ ... ﻳﺮﺩ ﺑﻄﻴﺮ اﻟﻤﺎء ﻋﺎﺩﻳﺔ اﻟﺼﻘﺮ
ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺗﺎﻩ اﻟﺼﻘﺮ ﺃﺑﺼﺮ ﺻﻴﺪﻩ ... ﻓﻈﻠﺖ ﺩﻣﺎء اﻟﺼﻴﺪ ﻓﻲ ﻧﺤﺮﻩ ﺗﺠﺮﻱ
ﺃﺗﺆﺫﻱ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ ... ﻭﺗﻮﺻﻞ ﺃﺭﻭاﺛﺎً ﺟﻤﻌﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺮ
ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺫﻧﺐ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﺎ ﻋﻠﻤﺘﻪ ... ﺳﻮﻯ ﻣﺎ ﻗﺘﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺮ
ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻟﻪ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻳﻬﺎﺑﻮﻥ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﺾ.
خطبة الحسن عند استشهاد أبيه
لما استشهد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قام الحسن عليه السلام في الناس خطيباً، فقال:
الحمد لله الذي لم يزل للحمد أهلاً، الذي منّ علينا بالإسلام وجعل فينا النبوة والكتاب، واصطفانا على خلقه، فجعلنا شهداء على الناس، وجعل الرسول علينا شهيداً، أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالجَدُّ في كتاب الله أبٌ قال الله: }وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ{[يوسف:38]، فأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله تعالى وأنا ابن السراج المنير، ونحن أهل البيت الذين كان جبريل فيهم ينزل، ومنهم يصعد، ونحن الذين افترض الله مودتنا وولايتنا، فقال: }قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى{[الشورى:23]
أيها الناس لقد فارقكم في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، هيهات هيهات، لطالما قلبتم له الأمور في مواطن بدر وأحد وحنين وخيبر وأخواتها، جرعكم رنقاً، وسوّغكم علقماً، فلستم بملومين على بغضكم إياه.
أيها الناس لقد فقدتم رجلاً لم يكن بالملومة في أمر الله، ولا النؤومة عن حق الله، ولا السروفة من مال الله، أعطى الكتاب عزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه صلوات الله عليه وعلى آله ومغفرته، ونحتسب أمير المؤمنين عند الله وأستودع الله ديني وأمانتي وخواتيم عملي.
بيعة الإمام الحسن عليه السلام
وبعد أن أنهى الإمام الحسن عليه السلام خطبته قام قيس بن سعد بن عبادة، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن الله تعالى بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فأدى عن الله رسالته، ونصح الله في عباده حتى توفاه، وقد رضي عمله وغفر ذنبه صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم ذكر الذين ولوا الأمر بعده، وذكر عثمان، وقال: إنه خالف سنة من كان قبله، وسَنَّ سنن ضلالة لم تكن قبله، واستأثر بالفيء وحابى به أقرباءه، ووضعه في غير مواضعه، فرأى أهل الفضل من هذه الأمة أن ينفوا ما رأوه من إحداثه فقتلوه، ثم نهضوا إلى خير خلق الله بعد رسول الله وأولاهم بالأمر من بعده، فبايعوه فأقام الكتاب، وحكم بالحق، وتخلى عن الدنيا، ورضي منها بالكفاف، وتزود منها زاد البلغة، ولم يؤثر نفسه ولا أقرباءه بفيء المسلمين، فتوفاه الله حسن السيرة تابعاً للسنة، ماحقاً للبدعة، وهذا ابنه وابن رسول الله وأولى عباد الله اليوم بهذا الأمر، فقوموا إليه رحمكم الله فبايعوه ترشدوا وتصيبوا.
ثم قال: ابسط يدك يا بن رسول الله أبايعك، فبسطها، فبايعه، وقام إليه المسيب بن نجبة الفزاري، وسليمان بن صرد الخزاعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وحجر بن عَدِي فبايعوه، فكان يقول للرجل: تبايع على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم سلْم من سالمت، وحرب لمن حاربت، فعلموا أنه يريد الجد في الحرب، فكان أمير المؤمنين عليه السلام أوصاه بذلك عند وفاته، إذْ كان «لمَّا» انصرف من حرب النهروان جمع الناس وأمراء الأجناد، وأعلمهم أنه يريد الخروج إلى الشام وأنه لا يسعه غيره فدعا قيس بن سعد بن عبادة، وعقد له على خمسة آلاف رجل، ودعا الحسين بن علي وضم إليه ألفين من الأنصار وأبنائهم، ودفع إليه الراية، وصيّر قيس بن سعد تحت لوائه، فخرج الحسين بن علي عليه السلام وذلك في غرة شهر رمضان حتى نزل المدائن، وعزم أمير المؤمنين عليه السلام أن يخرج في غرة شوال، فقتل ليلة تسع عشرة من شهر رمضان.]المصابيح في السيرة, ج1/ص316]
ﻭقد روي أنه ﻟﻤﺎ ﻓﺮﻍ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ اﻟﺬﻱ ﺗﻘﺪﻡ، ﻗﺎﻡ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ رضي الله عنهما ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﻌﺘﻪ ﻭﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻭﺃﺳﺮﻉ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﻌﺘﻪ، ﻓﺒﺎﻳﻌﻪ: ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ، ﻭﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺻﺮﺩ اﻟﺨﺰاﻋﻲ، ﻭاﻟﻤﺴﻴﺐ ﺑﻦ ﻧﺠﺒﺔ اﻟﻔﺰاﺭﻱ، ﻭﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﺤﻨﻔﻲ، ﻭﺣﺠﺮ ﺑﻦ ﻋﺪﻱ، ﻭﻋﺪﻱ ﺑﻦ ﺣﺎﺗﻢ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻠﺮﺟﻞ: ﺗﺒﺎﻳﻊ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﺳﺎﻟﻤﺖ، ﻭﺣﺮﺏ ﻣﻦ ﺣﺎﺭﺑﺖ، ﻓﻌﻠﻤﻮا ﺃﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﺏ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻗﺪ ﺃﻭﺻﺎﻩ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﻭﻓﺎﺗﻪ.
ثم ﻭﺭﺩﺕ على الإمام الحسن عليه السلام ﺑﻴﻌﺔ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ ﻭاﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺳﺎﺋﺮ اﻟﺤﺠﺎﺯ ﻭاﻟﺒﺼﺮﺓ ﻭاﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ﻭاﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻭاﻟﻌﺮاﻗﻴﻦ؛ ﻭﺯاﺩ الإمام الحسن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺎﺋﺔ، ﻓﺘﺒﻌﻪ كل من تولى الخلافة ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﻫﻮ ﺃﺻﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ اﻵﻥ ﻣﺎﻝ اﻟﺒﻴﻌﺔ.
وكانت البيعة له عليه السلام يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان سنة 40هـ، وكتب إلى العمال يقرهم في أعمالهم، وبسط فيهم العدل، فاستقامت له النواحي إلاّ الشام والجزيرة ومصر.
عماله عليه السلام
بعد تولي الإمام الحسن عليه السلام لأمر المسلمين كتب إلى عمال أبيه أمير المؤمنين يقرّهم في أعمالهم، وجعل كاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع، وكان كاتب أبيه صلوات الله عليهما.
كما أنفذ على مقدمة جيشه عند خروجه لحرب معاوية عبيدَ اللّه بن العباس، وعقد لقيس بن سعد لواء وضمه إليه، وقال لعبيد اللّه: إن أُصِبْتَ فقيسٌ على الجيش، فإن أصيب قيس فسعيد بن قيس الهمداني.
وأنفذ لاستنفار النَّاس معقل بن قيس الرياحي، وشريح بن هانئ الحارثي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
وكان خليفته على الكوفة حين خرج عنها لحرب معاوية المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره باستحثاث النَّاس وإشخاصهم إليه.
كتاب معاوية إلى عماله
كان وجود الإمام الحسن عليه السلام سبباً كافياً ليقض مضجع معاوية ـ كافأه الله ـ، ويشعل نار القلق في صدره، فلم يهنأ له عيش، ولم يهدأ له بال، فما كان منه إلا السعي جاهداً للتخلص منه، فأخذ يُتبع الخطة بالأخرى، ويردف الشائعة بأختها؛ إرادة منه لإطفاء نور الله، ثم إنه كتب إلى عماله على النواحي كتاباً قال فيه:
"ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ
ﻣﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻓﻼﻥ ﺑﻦ ﻓﻼﻥ، ﻭﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺳﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻓﺈﻧﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺇﻟﻴﻜﻢ اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ ... ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ:
ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱ ﻛﻔﺎﻛﻢ ﻣﺆﻧﺔ ﻋﺪﻭﻛﻢ، ﻭﻗﺘﻠﺔ ﺧﻠﻴﻔﺘﻜﻢ، ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﺑﻠﻄﻔﻪ ﻭﺣﺴﻦ ﺻﻨﻌﻪ ﺃﺗﺎﺡ ﻟﻌﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺭجلاً ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻓﻘﺘﻠﻪ، ﻭﺗﺮﻙ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﺘﻔﺮﻗﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ، ﻭﻗﺪ جاءﺗﻨﺎ ﻛﺘﺐ ﺃﺷﺮاﻓﻬﻢ ﻭﻗﺎﺩﺗﻬﻢ ﻳﻠﺘﻤﺴﻮﻥ اﻷﻣﺎﻥ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﻋﺸﺎﺋﺮﻫﻢ ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﺇﻟﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺄﺗﻴﻜﻢ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﺑﺠﺪﻛﻢ ﻭﺟﻨﺪﻛﻢ، ﻭﺣﺴﻦ ﻋﺪﺗﻜﻢ، ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺘﻢ ﺑﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺜﺄﺭ، ﻭﺑﻠﻐﺘﻢ اﻷﻣﻞ، ﻭﺃﻫﻠﻚ اﻟﻠﻪ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻐﻲ ﻭاﻟﻌﺪﻭاﻥ، ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ اﻟﻠﻪ."
وعند ذلك اﺟﺘﻤﻌﺖ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ـ كافأه الله ـ ، فسار بهم ﻗﺎﺻﺪاً اﻟﻌﺮاﻕ لمحاربة الإمام الحسن عليه السلام.
خروج الحسن وأصحابه إلى معسكر النخيلة
لما بلغ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺧﺒﺮ ﻣﺴﻴﺮ معاوية ـ كافأه الله ـ ، ﻭﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺟﺴﺮ ﻣﻨﺒﺞ، ﺑﻌﺚ الصحابي الجليل ﺣﺠﺮ ﺑﻦ ﻋﺪﻱ الكندي رضي الله عنه ﻳﺄﻣﺮ اﻟﻌﻤﺎﻝ ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺘﻬﻲء ﻟﻠﻤﺴﻴﺮ لمواجهة الجيش الأموي، ﻭﻧﺎﺩﻯ اﻟﻤﻨﺎﺩﻱ اﻟﺼﻼﺓ ﺟﺎﻣﻌﺔ، ﻓﺄﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮﻥ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﺇﺫا ﺭَﺿِﻴَﺖْ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﺄﻋﻠﻤﻨﻲ، ﻭجاءﻩ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ اﻟﻬﻤﺪاﻧﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: اﺧﺮﺝ، ﻓﺨﺮﺝ الإمام اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﺼﻌﺪ اﻟﻤﻨﺒﺮ، ﻓﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ:
ﻓﺈﻥ اﻟﻠﻪ ﻛﺘﺐ اﻟﺠﻬﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﻭﺳﻤﺎﻩ ﻛﺮﻫﺎً، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻷﻫﻞ اﻟﺠﻬﺎﺩ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ: {اﺻﺒﺮﻭا ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ} ﻓﻠﺴﺘﻢ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻧﺎﺋﻠﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﺤﺒﻮﻥ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻜﺮﻫﻮﻥ، ﺇﻧﻪ ﺑﻠﻐﻨﻲ ﺃﻥ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻠﻐﻪ ﺃﻧﺎ ﻛﻨﺎ ﺃﺯﻣﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﺘﺤﺮﻙ ﻟﺬﻟﻚ، اﺧﺮﺟﻮا ﺭﺣﻤﻜﻢ اﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺴﻜﺮﻛﻢ ﺑﺎﻟﻨﺨﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻧﻨﻈﺮ ﻭﺗﻨﻈﺮﻭا ﻭﻧﺮﻯ ﻭﺗﺮﻭا.
ﻓﺴﻜﺘﻮا ﻓﻤﺎ ﺗﻜﻠﻢ ﺃﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﻻ ﺃﺟﺎﺑﻪ ﺑﺤﺮﻑ، ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺫﻟﻚ ﻋﺪﻱ ﺑﻦ ﺣﺎﺗﻢ الطائي ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ اﺑﻦ ﺣﺎﺗﻢ، ﺑﺺ ﺑﺺ، ﺳﺒﺤﺎﻥ اﻟﻠﻪ - ﻣﺎ ﺃﻗﺒﺢ ﻫﺬا اﻟﻤﻘﺎﻡ! ﺃﻻ ﺗﺠﻴﺒﻮﻥ ﺇﻣﺎﻣﻜﻢ، ﻭاﺑﻦ ﺑﻨﺖ ﻧﺒﻴﻜﻢ؟ ﺃﻳﻦ ﺧﻄﺒﺎء ﻣﺼﺮ، ﺃﻳﻦ اﻟﻤﺘﺒﻠﻐﻮﻥ، ﺃﻳﻦ اﻟﺨﻮاﺻﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺼﺮ؟ اﻟﺬﻳﻦ ﺃﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﻛﺎﻟﻤﺨﺎﺭﻳﻖ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺔ، ﻓﺈﺫا ﻭﺟﺪﻭا اﻟﺠﺪ ﻓﺮﻭاﻏﻮﻥ ﻛﺎﻟﺜﻌﺎﻟﺐ، ﺃﻣﺎ ﺗﺨﺎﻓﻮﻥ ﻣﻘﺖ اﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﻋﻴﺒﻬﺎ ﻭﻋﺎﺭﻫﺎ.
ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺒﻞ الحسنَ عليه السلام ﺑﻮﺟﻬﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺻﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﺑﻚ اﻟﻤﺮاﺷﺪ، ﻭﺟﻨﺒﻚ اﻟﻤﻜﺎﺭﻩ، ﻭﻭﻓﻘﻚ ﻟﻤﺎ ﻳﺤﻤﺪ ﻭﺭﺩﻩ ﻭﺻﺪﺭﻩ، ﻗﺪ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﻘﺎﻟﺘﻚ، ﻭﺃﺗﻴﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺮﻙ، ﻭﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﻨﻚ، ﻭﺃﻃﻌﻨﺎﻙ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﻠﺖ، ﻭﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ، ﻭﻫﺬا ﻭﺟﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺴﻜﺮﻱ، ﻓﻤﻦ ﺃﺣﺐ ﺃﻥ ﻳﻮاﻓﻲ ﻓﻠﻴﻮاﻑ، ﺛﻢ ﻣﻀﻰ ﻟﻮﺟﻬﻪ ﻓﺨﺮﺝ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﺩاﺑﺘﻪ ﺑﺎﻟﺒﺎﺏ، ﻓﺮكبها ﻭﻣﻀﻰ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺨﻴﻠﺔ، ﻭﺃﻣﺮ ﻏﻼﻣﻪ ﺃﻥ ﻳﻠﺤﻘﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﺼﻠﺤﻪ، ﻓﻜﺎﻥ ﻋﺪﻱ ﺃﻭﻝ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﺴﻜﺮاً، ﺛﻢ ﻗﺎﻡ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ، ﻭﻣﻌﻘﻞ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ اﻟﺮﻳﺎﺣﻲ، ﻭﺯﻳﺎﺩ ﺑﻦ ﺣﻔﺼﺔ اﻟﺘﻴﻤﻲ، ﻓﺄﻧَّﺒﻮا اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻻﻣﻮﻫﻢ، ﻭﺣﺮﺿﻮﻫﻢ، ﻭﻛﻠﻤﻮا اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻤﺜﻞ ﻛﻼﻡ ﻋﺪﻱ ﺑﻦ ﺣﺎﺗﻢ ﻓﻲ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻭاﻟﻘﺒﻮﻝ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ﺻﺪﻗﺘﻢ ﺭﺣﻤﻜﻢ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺃﻋﺮﻓﻜﻢ ﺑﺼﺪﻕ اﻟﻨﻴﺔ ﻭاﻟﻮﻓﺎء ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ، ﻭاﻟﻤﻮﺩﺓ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻓﺠﺰاﻛﻢ اﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮاً ﺛﻢ ﻧﺰﻝ.
ﻭﺧﺮﺝ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻌﺴﻜﺮﻭا ﻭﻧﺸﻄﻮا ﻟﻠﺨﺮﻭﺝ، ﻭﺧﺮﺝ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻭاﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﻤﻐﻴﺮﺓ ﺑﻦ ﻧﻮﻓﻞ ﺑﻦ اﻟﺤﺎﺭﺙ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ، ﻭﺃﻣﺮﻩ ﺑﺎﺳﺘﺤﺜﺎﺙ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﺇﺷﺨﺎﺻﻬﻢ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺴﺘﺤﺜﻬﻢ ﻭﻳﺨﺮﺟﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺎﻟﻰ اﻟﻌﺴﻜﺮ.
خروجه (ع) إلى الشام
بعد ذلك عزم الإمام الحسن عليه السلام على الخروج إلى الشام؛ لمواجهة جيش معاوية ـ كافأه الله ـ ، وكان ذلك بعد قرابة شهرين من مبايعة الناس له، فأنفذ معقل بن قيس الرياحي، وشريح بن هانئ الحارثي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى؛ ليستنفروا الناس، فاستنفروا أربعين ألفا.
ثم إنه عليه السلام ﺳﺎﺭ ﻓﻲ ﻋﺴﻜﺮ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﻋﺪﺓ ﺣﺴﻨﺔ، ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻰ ﺩﻳﺮ ﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﺄﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﺛﻼﺛﺎً ﺣﺘﻰ اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ، ﺛﻢ ﺩﻋﺎ ﻋﺒﻴﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ ﻓﻘﺎﻝ: ﻟﻪ ﻳﺎ ﺑﻦ ﻋﻢ ﺇﻧﻲ ﺑﺎﻋﺚ ﻣﻌﻚ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﺃﻟﻔﺎً ﻣﻦ ﻓﺮﺳﺎﻥ اﻟﻌﺮﺏ، ﻭﻗﺮاء اﻟﻤﺼﺮ، اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺮﺩ اﻟﻜﺘﻴﺒﺔ ﻓﺴِﺮ ﺑﻬﻢ، ﻭﺃﻟﻦ ﻟﻬﻢ ﺟﺎﻧﺒﻚ، ﻭاﺑﺴﻂ ﻭﺟﻬﻚ، ﻭاﻓﺮﺵ ﻟﻬﻢ ﺟﻨﺎﺣﻚ، ﻭﺃﺩﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻚ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺑﻘﻴﺔ ﺛﻘﺔ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺻﻠﻮاﺕ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺳﺮ ﺑﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﻂ اﻟﻔﺮاﺕ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻄﻊ ﺑﻬﻢ اﻟﻔﺮاﺕ، ﺛﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﻜﻦ، ﺛﻢ اﻣﺾ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻓﺈﻥ ﺃﻧﺖ ﻟﻘﻴﺘﻪ ﻓﺎﺣﺒﺴﻪ ﺣﺘﻰ ﺁﺗﻴﻚ ﻓﺈﻧﻲ ﻓﻲ ﺃﺛﺮﻙ ﻭﺷﻴﻜﺎ، ﻭﻟﻴﻜﻦ ﺧﺒﺮﻙ ﻋﻨﺪﻱ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﻭﺷﺎﻭﺭ ﻫﺬﻳﻦ ﻳﻌﻨﻲ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ بن عبادة، ﻭﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ الهمداني، ﻓﺈﺫا ﻟﻘﻴﺖ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻓﻼ ﺗﻘﺎﺗﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺎﺗﻠﻚ، ﻓﺈﻥ ﻓﻌﻞ ﻓﻘﺎﺗﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺃﺻﺒﺖ ﻓﻘﻴﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺈﻥ ﺃﺻﻴﺐ ﻗﻴﺲ, ﻓﺴﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ، ﺛﻢ ﺃﻣﺮﻩ ﺑﻤﺎ ﺃﺭاﺩ، ﻭﺳﺎﺭ ﻋﺒﻴﺪاﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﺑﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺷﻴﻨﻮﺭ ﺣﺘﻰ ﺧﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺷﺎﻫﻲ، ﺛﻢ ﻟﺰﻡ اﻟﻔﺮاﺕ ﻭاﻟﻔﻠﻮﺟﺔ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻰ ﻣﺴﻜﻦ، ﻭﺃﺧﺬ اﻟﺤﺴﻦُ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻡ ﻋﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻰ ﺩﻳﺮ ﻛﻌﺐ، ﻓﻨﺰﻝ ﺳﺎﺑﺎﻁ ﺩﻭﻥ اﻟﻘﻨﻄﺮﺓ.
التحاق عبيدالله بن العباس بمعاوية
وصل ﻋﺒﻴﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ إلى "مسكن"، ثم أقبل ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻝ ﺑﺈﺯاء معاوية، وكان قد نزل بقرية منها تسمى "الجنوبية"، فلما كان من الغد ﻭﺟﻪ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﺨﻴﻠﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻓﺨﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻋﺒﻴﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﻓﻴﻤﻦ ﻣﻌﻪ ﻓﻀﺮﺑﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺭﺩﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺴﻜﺮﻫﻢ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ اﻟﻠﻴﻞ ﺃﺭﺳﻞ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ـ كافأه الله ـ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﻴﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺃﻥ اﻟﺤﺴﻦ ﺭاﺳﻠﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﻠﺢ، ﻭﻫﻮ مسلِّم اﻷﻣﺮ ﺇﻟﻲ، ﻓﺈﻥ ﺩﺧﻠﺖ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻲ اﻵﻥ ﻛﻨﺖ ﻣﺘﺒﻮﻋﺎً، ﻭﺇﻻ ﺩﺧﻠﺖ ﻭﺃﻧﺖ ﺗﺎﺑﻊ، ﻭﻟﻚ ﺇﻥ ﺟﺌﺘﻨﻲ اﻵﻥ ﺃﻋﻄﻴﺘﻚ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﺩﺭﻫﻢ ﻳﻌﺠﻞ ﻟﻚ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻧﺼﻔﻬﺎ، ﻭﺇﺫا ﺩﺧﻠﺖ اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﻨﺼﻒ اﻵﺧﺮ، ﻓﺎﻧﺴﻞَّ ﻋﺒﻴﺪاﻟﻠﻪ ﻟﻴﻼً ﻓﺪﺧﻞ ﻋﺴﻜﺮ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻓﻮﻓﻰ ﻟﻪ ﺑﻤﺎ ﻭﻋﺪﻩ.
ﻭﺃﺻﺒﺢ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ عبيدالله إليهم ﻓﻴﺼﻠﻲ ﺑﻬﻢ، ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺮﺝ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﻮا ﻓﻄﻠﺒﻮﻩ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪﻭﻩ؛ ﻓﺼﻠﻰ ﺑﻬﻢ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ، ﺛﻢ خطب فيهم، فلما سمعوا ما تكلم به، قالوا: اﻟﺤﻤﺪﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻨﺎ، اﻧﻬﺾ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﻭﻧﺎ، ﻓﻨﻬﺾ ﺑﻬﻢ، ﻭﺧﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﺴﺮ ﺑﻦ ﺃﺭﻃﺄﺓ ﻓﻲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻔﺎً ﻓﺼﺎﺣﻮا ﻫﺬا ﺃﻣﻴﺮﻛﻢ ﻗﺪ ﺑﺎﻳﻊ، ﻭﻫﺬا اﻟﺤﺴﻦ ﻗﺪ ﺻﺎﻟﺢ، ﻓﻌﻼﻡ ﺗﻘﺘﻠﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ؟ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ: اﺧﺘﺎﺭﻭا ﺇﺣﺪﻯ اﺛﻨﺘﻴﻦ: ﺇﻣﺎ اﻟﻘﺘﺎﻝ ﻣﻊ ﻏﻴﺮ ﺇﻣﺎﻡ، ﻭﺇﻣﺎ ﺗﺒﺎﻳﻌﻮﻥ ﺑﻴﻌﺔ ﺿﻼﻝ، ﻗﺎﻟﻮا: ﺑﻞ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﺑﻼ ﺇﻣﺎﻡ، ﻓﺨﺮﺟﻮا ﻓﻀﺎﺭﺑﻮا ﺃﻫﻞ اﻟﺸﺎﻡ ﺣﺘﻰ ﺭﺩﻭﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺎﻓﻬﻢ.
وفي رواية أنه لما لحق عبيد الله بن العباس بمعاوية، قال قيس بن سعد لأصحابه: من يبايعني على الموت؟ فبايعه أربعة آلاف، وسرح معاوية بسر بن أرطأه، وصادفوا أهل العراق على حدة وتعبئة، فجالدوهم حتى تركوا لهم العسكر.
محاولة معاوية استلحاق قيس بن سعد به
لم يكتفِ معاوية ـ كافأه الله ـ بإغراء عبيدالله بن العباس، فكاتب قيس بن سعد، يدعوه إلى مثل ما دعا إليه عبيدالله، ويعطيه ألف ألف درهم؛ يريد بذلك أن يفرق أصحاب الإمام الحسن عليه السلام عنه، فلا يبقى معه من يناصره، ولكنَّ قيس قال لرسول معاوية: قل له: لا والله لا أنثني عن شيء إلَّا عن الرمح بيني وبينك.
ﻓﻜﺘﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ: ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺖ ﻳﻬﻮﺩﻱ اﺑﻦ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﺗﺸﻘﻲ ﻧﻔﺴﻚ ﻭﺗﻘﺘﻠﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻚ، ﻓﺈﻥ ﻇﻬﺮ ﺃﺣﺐ اﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ ﺇﻟﻴﻚ ﻧﺒﺬﻙ ﻭﻋﺰﻟﻚ، ﻭﺇﻥ ﻇﻬﺮ ﺃﺑﻐﻀﻬﻤﺎ ﺇﻟﻴﻚ ﻧﻜﻞ ﺑﻚ ﻭﻗﺘﻠﻚ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻙ ﺃﻭﺗﺮ ﻏﻴﺮ ﻗﻮﺳﻪ، ﻭﺭﻣﻰ ﻏﻴﺮ ﻏﺮﺿﻪ، ﻓﺄﻛﺜﺮ اﻟﺤﺰ، ﻭﺃﺧﻄﺄ اﻟﻤﻔﺼﻞ، ﻓﺨﺬﻟﻪ ﻗﻮﻣﻪ، ﻭﺃﺩﺭﻛﻪ ﻳﻮﻣﻪ، ﻓﻤﺎﺕ ﺑﺤﻮﺭاﻥ ﻃﺮﻳﺪا ﻏﺮﻳﺒﺎ. ﻭاﻟﺴﻼﻡ.
ﻓﻜﺘﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ: ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺃﻧﺖ ﻭﺛﻦ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻷﻭﺛﺎﻥ، ﺩﺧﻠﺖ ﻓﻲ اﻹﺳﻼﻡ ﻛﺮﻫﺎً، ﻭﺃﻗﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓَﺮَﻗَﺎً، ﻭﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻪ ﻃﻮﻋﺎً، ﻭﻟﻢ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻠﻪ ﻟﻚ ﻓﻴﻪ ﻧﺼﻴﺒﺎً؛ ﻟﻢ ﻳﻘﺪﻡ ﺇﺳﻼﻣﻚ، ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﻧﻔﺎﻗﻚ، ﻭﻟﻢ ﺗﺰﻝ ﺣﺮﺑﺎً ﻟﻠﻪ ﻭﻟﺮﺳﻮﻟﻪ، ﻭﺣﺰﺑﺎًً ﻣﻦ ﺃﺣﺰاﺏ اﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ، ﻓﺄﻧﺖ ﻋﺪوٌّ ﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭاﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ، ﻭﺫﻛﺮﺕ ﺃﺑﻲ، ﻭﻟﻌﻤﺮﻱ ﻣﺎ ﺃﻭﺗﺮ ﺇﻻ ﻗﻮﺳﻪ، ﻭﻻ ﺭﻣﻰ ﺇﻻ ﻏﺮﺿﻪ، ﻓﺸﻐﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺸﻖ ﻏﺒﺎﺭﻩ، ﻭﻻ ﻳﺒﻠﻎ ﻛﻌﺒﻪ، ﻭﻛﺎﻥ اﻣﺮءاً ﻣﺮﻏﻮﺑﺎً ﻋﻨﻪ، ﻣﺰﻫﻮﺩاً ﻓﻴﻪ، ﻭﺯﻋﻤﺖ ﺃﻧﻲ ﻳﻬﻮﺩﻱ اﺑﻦ ﻳﻬﻮﺩﻱ، ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﻭﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﻥ ﺃﺑﻲ ﻣﻦ ﺃﻧﺼﺎﺭ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬﻱ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻪ، ﻭﺃﻋﺪاء اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬﻱ ﺩﺧﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﻭﺻﺮﺕ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭاﻟﺴﻼﻡ.
وفي رواية أخرى أنه كتب إليه: إنما أنت وثن من أوثان مكة دخلت في الإسلام كرهاً وخرجت منه طائعاً، والله لو سرت إلي شِبْراً لأسيرن إليك ذراعاً، ولئن سرت إليّ ذراعاً لسرت إليك باعاً، ولئن سرت باعاً لأهرولن إليك.
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮﺃ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻏﺎﻇﻪ ﻭﺃﺭاﺩ ﺇﺟﺎﺑﺘﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻋﻤﺮﻭ: ﻣﻬﻼً ﺇﻥ ﻛﺎﺗﺒﺘﻪ ﺃﺟﺎﺑﻚ ﺑﺄﺷﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا، ﻭﺇﻥ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﺩﺧﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺩﺧﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﺄﻣﺴﻚ ﻋﻨﻪ.
قال إبراهيم بن محمد الثقفي فحدثنا أبو إسحاق البجلي بإسناده عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي أن معاوية كتب حينئذ إلى رؤوس مَنْ مع الحسن بن علي: أن قيس بن سعد قد بايعني، وجعل يكتب إلى الرجل منهم لك أرض كذا وكذا حتى بايعوه، وثاروا بالحسن عليه السلام ذات عشية فطعنه رجل منهم طعنة في جنبه، وثار إلى القصر الأبيض ليدخله فمد رجل منهم يده إلى ثوبه فانتزعه عن ظهره، وتناول آخر طنفسة فحصروه في القصر، وكتبوا إلى معاوية أن اقدم، فكتب إليه معاوية: إن قيس بن سعد قد بايعني وأن أصحابك قد ثاروا عليك، فَلِمَ تَقْتل نفسك.
وفي غير هذا الحديث: أن رجلاً من بني أسد طعنه بمعول فسقط عن بغلته وأغمي عليه فبقي بالمدائن عشرة أيام وتفرق عنه أصحابه، ثم انصرف إلى الكوفة في علته وضعفه، وبقي شهرين صاحب فراش.
الصلح بين الإمام الحسن ومعاوية
لما رأى الإمام الحسن عليه السلام تشتت أصحابه عنه، وخذلانهم له، اضطر للمصالحة مع معاوية ـ كافأه الله ـ في ﻏﺮﺓ ﺷﻬﺮ ﺭﺑﻴﻊ اﻷﻭﻝ ﺳﻨﺔ ﺇﺣﺪﻯ ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ مقابل شروط اشترطها على معاوية، منها:
أن لا يُتبع أحد بما مضى.
ولا ينال أحد من شيعة علي عليه السلام إلا بخير.
وأن تصير الخلافة بعد معاوية إلى الحسن إن كان حياً وإلا فالحسين ثم بعد ذلك في ذريتهما.
وغيرها من الشروط.
قال الإمام مجدالدين المؤيدي عليه السلام في كتاب التحف شرح الزلف ما لفظه:
"ولما غدرت به الأمة الغادرة، ونكثت عهده الجبابرة، ورفضت قول أبيه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما))، اضطر إلى مهادنة بني أمية، وصَعِدَ المنبر فقال - بعد حمد الله، والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم -: (أيها الناس والله ما بين جَابَلَق ]بلد بالمشرق[ وجابَلَص ]بلد في المغرب ليس وراءه إنسي[ ابن بنت نبي غيري وغير أخي، فليكن استماعكم لقولي على قدر معرفتكم بحقي، أيها الناس إنا كنا نقاتل وفينا الصبر والحمية، فقد شيب الصبر بالجزع، وشيبت الحمية بالعداوة، وإنكم أصبحتم اليوم بين باكيَيْن: باكٍ يبكي لقتلى صفين خاذل، وباك يبكي لقتلى النهروان ثائر، وإنكم قد دعيتم إلى أمر ليس فيه رضى ولا نصفة، فإن كنتم تريدون الله واليوم الآخر حاكمناهم إلى ظِبَّاتِ السيوف، وأطراف الرماح، وإن كنتم تريدون الدنيا أخذنا لكم العافية).
قال في الشافي - عند ذكر هذه الخطبة -: فتنادى الناس من جوانب المسجد: البقية البقية."
بعد ذلك ﺳﺎﺭ الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻝ اﻟﻨﺨﻴﻠﺔ، ﻭﺟﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻬﺎ ﻓﺨﻄﺒﻬﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻠﻮا اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺧﻄﺒﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﻭاﺓ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭجاءﺕ ﻣﻘﻄﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ، فروي ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺒﻲ أنه ﻗﺎﻝ: ﺧﻄﺐ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺣﻴﻦ ﺑﻮﻳﻊ ﻟﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ ﺃﻣﺔ ﺑﻌﺪ ﻧﺒﻴﻬﺎ ﺇﻻ ﻇﻬﺮ ﺃﻫﻞ ﺑﺎﻃﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺣﻘﻬﺎ، ﺛﻢ ﺇﻧﻪ اﻧﺘﺒﻪ ﻓﻨﺪﻡ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻻ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ.
وروي أن معاوية قال في خطبته: ﻭﺇﻧﻲ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻗﺎﺗﻠﺘﻜﻢ ﻟﺘﺼﻠﻮا ﻭﻻ ﻟﺘﺼﻮﻣﻮا ﻭﻻ ﻟﺘﺤﺠﻮا ﻭﻻ ﻟﺘﺰﻛﻮا، ﺇﻧﻜﻢ ﻟﺘﻔﻌﻠﻮﻥ ﺫﻟﻚ، ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻧﻤﺎ ﻗﺎﺗﻠﺘﻜﻢ ﻷﺗﺄﻣﺮ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻭﻗﺪ ﺃﻋﻄﺎﻧﻲ اﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻛﺎﺭﻫﻮﻥ.
ﻭﺭﻭي ﻋﻦ ﺣﺒﻴﺐ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺛﺎﺑﺖ ﻗﺎﻝ: ﻟﻤﺎ ﺑﻮﻳﻊ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺧﻄﺐ ﻓﺬﻛﺮ ﻋﻠﻴﺎً ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻨﺎﻝ ﻣﻨﻪ، ﻭﻧﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﻓﻘﺎﻡ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻟﻴﺮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺄﺧﺬ اﻟﺤﺴﻦُ ﺑﻴﺪﻩ، ﻓﺄﺟﻠﺴﻪ ﺛﻢ ﻗﺎﻡ ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﺬاﻛﺮ ﻋﻠﻴﺎً ﺃﻧﺎ اﻟﺤﺴﻦ ﻭﺃﺑﻲ ﻋﻠﻲ، ﻭﺃﻧﺖ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻭﺃﺑﻮﻙ ﺻﺨﺮ، ﻭﺃﻣﻲ ﻓﺎﻃﻤﺔ، ﻭﺃﻣﻚ ﻫﻨﺪ، ﻭﺟﺪﻱ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻭﺟﺪﻙ ﺣﺮﺏ، ﻭﺟﺪﺗﻲ ﺧﺪﻳﺠﺔ، ﻭﺟﺪﺗﻚ ﻗﺘﻴﻠﺔ، ﻓﻠﻌﻦ اﻟﻠﻪ ﺃﺧﻤﻠﻨﺎ ﺫﻛﺮا، ﻭﺃﻷﻣﻨﺎ ﺣﺴﺒﺎ، ﻭﺷﺮﻧﺎ ﻗﺪﻣﺎ، ﻭﺃﻗﺪﻣﻨﺎ ﻛﻔﺮاً ﻭﻧﻔﺎﻗﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﻃﻮاﺋﻒ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ: ﺁﻣﻴﻦ.
ﻭﺭﻭي ﺃﻥ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ قال للحسن ﺃﻥ ﻳﺨﻄﺐ ﻟﻤﺎ ﺳﻠﻢ ﺇﻟﻴﻪ اﻷﻣﺮ، ﻭﻇﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺤﺼﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﺧﻄﺒﺘﻪ: ﺇﻧﻤﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﺭ ﺑﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻟﻴﺲ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﺭ ﺑﺎﻟﺠﻮﺭ، ﺫﻟﻚ ﻣَﻠِﻚٌ ﻣَﻠَﻚَ ﻣُﻠْﻜَﺎً ﻳﻤﺘﻊ ﻓﻴﻪ ﻗﻠﻴﻼ، ﺛﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﻟﺬﺗﻪ، ﻭﺗﺒﻘﻰ ﺗﺒﻌﺘﻪ، ﻭﺇﻥ ﺃﺩﺭﻱ ﻟﻌﻠﻪ ﻓﺘﻨﺔ ﻟﻜﻢ ﻭﻣﺘﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﻦ.
ثم اﻧﺼﺮﻑ الإمام اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺄﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ عشر سنين.
وتوجه معاوية إلى الكوفة وﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﻋﺮﻓﻄﺔ، ﻭﻣﻌﻪ ﺭﺟﻞ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺣﺒﻴﺐ ﺑﻦ ﺣﻤﺎﺭ ﻳﺤﻤﻞ ﺭاﻳﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﺩﺧﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻭﺻﺎﺭ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﺪﺧﻠﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ اﻟﻐﻴﻞ ﻭاﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ.
مواقف بعض أصحاب الإمام الحسن
ﻟﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ اﻟﺼﻠﺢ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﻭﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪﻩ ﻟﻠﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻻم الإمامَ الحسنَ عليه السلام ﺟﻤﺎﻋﺔٌ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ.
فروي أن الحسين ﻗﺎﻝ لأخيه الحسن ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ: ﺃﺟﺎﺩ ﺃﻧﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺭﻯ ﻣﻦ ﻣﻮاﺩﻋﺔ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ.
ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﺎ ﻟﻠﻪ ﻭﺇﻧﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺭاﺟﻌﻮﻥ ﺛﻼﺛﺎ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻟﻮ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺃﻟﻒ ﺭﺟﻞ ﻟﻜﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻋﻦ ﺣﻘﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﺪﺭﻛﻪ ﺃﻭ ﻧﻤﻮﺕ ﻭﻗﺪ ﺃﻋﺬﺭﻧﺎ.
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ: ﻭﻛﻴﻒ ﻟﻨﺎ ﺑﺄﻟﻒ ﺭﺟﻞ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ! ﺇﻧﻲ ﺃﺫﻛﺮﻙ اﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺃﻥ ﺗﻔﺴﺪ ﻋﻠﻲ ﻣﺎ ﺃﺭﻳﺪ، ﺃﻭ ﺗﺮﺩ ﻋﻠﻲ ﺃﻣﺮﻱ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺁﻟﻮﻙ ﻭﻧﻔﺴﻲ ﻭﺃﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻴﺮا، ﺇﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﻣﺎ ﺃﻗﺎﺳﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺎﺳﻲ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﺑﻮﻙ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻏﺐ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻓﺮاﻗﻬﻢ ﻛﻞ ﺻﺒﺎﺡ ﻭﻣﺴﺂء، ﺛﻢ ﻗﺪ ﺗﺮﻯ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﻮا ﺑﻲ، ﻓﺒﻬﺆﻻء ﺗﺮﺟﻮ ﺃﻥ ﻧﺪﺭﻙ ﺣﻘﻨﺎ! ﺃﻧﺎ اﻟﻴﻮﻡ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻓﻲ ﺳﻌﺔ ﻭﻋﺬﺭ ﺣﻴﺚ ﻗﺒﺾ ﻧﺒﻴﻨﺎ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻜﻒ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻭﺳﻜﺖ.
وذلك ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﻦ اﻟﻠﻴﻞ دخل ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ فقال: اﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﻣﺬﻝ ﺭﻗﺎﺏ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺃﻧﺖ ﻭاﻟﻠﻪ ﺑﺄﺑﻲ ﻭﺃﻣﻲ ﺃﺫﻟﻠﺖ ﺭﻗﺎﺑﻨﺎ ﺣﻴﻦ ﺳﻠﻤﺖ اﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ اﻟﻠﻌﻴﻦ اﺑﻦ اﻟﻠﻌﻴﻦ، اﺑﻦ ﺁﻛﺎﻟﺔ اﻷﻛﺒﺎﺩ، ﻭﻣﻌﻚ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻛﻠﻬﻢ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﺩﻭﻧﻚ، ﻓﻘﺎﻝ الحسن: ﻳﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﻦ اﻟﻠﻴﻞ، ﺇﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﻲ ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ: ((ﻳﻠﻲ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﺃﻭ ﺃﻣﺘﻲ ﺭﺟﻞ ﻭاﺳﻊ اﻟﺒﻠﻌﻮﻡ، ﺭﺣﺐ اﻟﻀﺮﺱ، ﻳﺄﻛﻞ ﻭﻻ ﻳﺸﺒﻊ، ﻻ ﻳﻨﻈﺮ اﻟﻠﻪ ﺇﻟﻴﻪ))، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻚ ﻳﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ؟ ﻗﺎﻝ: ﺣﺒﻜﻢ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ، فقال الحسن: ﺇﺫاً ﻭاﻟﻠﻪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻌﻨﺎ ﻫﻜﺬا ﻭﺃﻟﺼﻖ ﺑﻴﻦ ﺃﺻﺒﻌﻴﻪ اﻟﺴﺒﺎﺑﺘﻴﻦ.
ﻭقد روي ﺑﺎﻹﺳﻨﺎﺩ ﻋﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﻔﻀﻞ، ﻗﺎﻝ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻣﺎﺯﻥ اﻟﺮاﺳﻲ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻡ ﺭﺟﻞ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﻗﺎﻝ: ﺳﻮﺩﺕ ﻭﺟﻮﻩ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻭﻓﻌﻠﺖ ﻭﻓﻌﻠﺖ، ﺩﺧﻠﺖ ﻣﻊ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻗﺎﻝ: ﻻ ﺗﺆﺫﻧﻲ ﻳﺮﺣﻤﻚ اﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺪ ﺭﺃﻯ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ ﻳﺼﻌﺪﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺒﺮﻩ ﺭﺟﻼ ﺭﺟﻼ ﻓﺴﺎءﻩ ﺫﻟﻚ، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻋﺰﻭﺟﻞ: {ﺇﻧﺎ ﺃﻧﺰﻟﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﺭ (1) ﻭﻣﺎ ﺃﺩﺭاﻙ ﻣﺎ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﺭ (2) ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﺭ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﺷﻬﺮ (3)} [ اﻟﻘﺪﺭ: 1 - 3]
ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ ﺑﻨﻮ ﺃﻣﻴﺔ، ﻗﺎﻝ اﻟﻘﺎﺳﻢ: ﻓﺤﺴﺒﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﺫا ﻫﻮ ﺃﻟﻒ ﺷﻬﺮ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻭﻻﻳﻨﻘﺺ!.
ﻭﺭﻭﻯ اﻟﺴﻴﺪ ﺃﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﺈﺳﻨﺎﺩﻩ: ﺃﻥ ﻣﺪﺓ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﻭﺃﻳﺎﻣﺎ، ﻭﻫﺬا ﺇﻧﻤﺎ ﺣﻜﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻋﺘﺰاﻟﻪ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻏﺮﺓ ﺷﻬﺮ ﺭﺑﻴﻊ اﻷﻭﻝ.
غدر معاوية ونكثه للصلح
لم يكن عقد الصلح بالنسبة إلى معاوية ـ كافأه الله ـ إلا حيلة من حيله، ووسيلة لابعاد الإمام الحسن عليه السلام من أمامه فيخلو له الجو بطريقة يخيلها للناس شرعية، وإلا فقد كان عازماً على النكث، غير آبهٍ بالصلح من أول لحظاته، ويدل على ذلك ما ﺭﻭي ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺨﻴﻠﺔ ﻳﻘﻮﻝ: ﺃﻻ ﺇﻥ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺃﻋﻄﻴﺘﻪ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻲ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﻻ ﺃﻓﻲ ﺑﻪ. ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺇﺳﺤﺎﻕ: ﻭﻛﺎﻥ ﻭاﻟﻠﻪ ﻏﺪاﺭا.
وأيضاً يدل على تلك النية المبيتة أن معاوية - وبالرغم من الصلح - لم تهدأ له نفس، ولم تقرَّ له عين، ما دام والحسن عليه السلام في المدينة على قيد الحياة، فسعى جاهداً للغدر به، فاحتال في سمِّه على يدي امرأته جعدة ابنة الأشعث، ﻭﺑﺬﻝ ﻟﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﺩﺭﻫﻢ، ﻭﻭﻋﺪﻫﺎ أن يزوجها بيزيد.
استشهاد الإمام الحسن عليه السلام
ﻟﻤﺎ اﺳﺘﺜﻘﻞ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺣﻴﺎﺓ الإمام اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ احتال على زوجته جعدة ابنة الأشعث في سمِّه عليه السلام، وأعطاها مقابل ذلك مائة ألف درهم، ووعدها بتزويجها من يزيد، فسقت الإمام الحسن بن علي عليه السلام السمَّ، ثم إن معاوية لم يفِ لها بما وعدها من التزويج بيزيد، ﻓﺰﻭﺟﺖ ﺑﻌﺪﻩ ﻓﻲ ﺃﻭﻻﺩ ﻃﻠﺤﺔ ﻭﺃﻭﻟﺪﺕ ﺃﻭﻻﺩا، ﻓﻜﺎﻥ ﺃﻭﻻﺩﻫﺎ ﺇﺫا ﺟﺮﻯ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﺷﻲء ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻣﺴﻤﺔ اﻷﺯﻭاﺝ.
ولما احتضر الإمام الحسن عليه السلام قال: لقد سقيت السمَّ ثلاث مرات ما منهن بلغت مني ما بلغت هذه، لقد تقطعت كبدي.
ﻭﺭﻭﻱ ﺃﻧﻪ ﻟﻤﺎ اﺣﺘﻀﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﻜﻰ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: ﻣﺎ ﻳﺒﻜﻴﻚ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﻗﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪ ﻟﻢ ﺃﺭﻩ، ﻭﺃﺳﻠﻚ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻟﻢ ﺃﺳﻠﻜﻬﺎ، ﺃﺧﺮﺟﻮا ﺳﺮﻳﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺻﺤﻦ اﻟﺪاﺭ ﺣﺘﻰ ﺃﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺕ اﻟﺴﻤﻮاﺕ ﻭاﻷﺭﺽ.
فاستشهد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ سنة 50 من الهجرة، ﻭﻟﻪ من العمر 46 ﺳﻨﺔ.
قال ابن عبدون:
أتت بمعضلة الألباب والفكر ... وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسنٍ
وعن عمر بن بشر الهمداني: قلت لأبي إسحاق: متى ذل الناس؟ قال: حيث مات الحسن بن علي، وادعي زياد، وقتل حجر بن عدي.]الإعتبار وسلوة العارفين ج1/ ص489]
وصية الإمام الحسن عليه السلام
ﻛﺎﻥ الإمام الحسن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻗﺪ ﺃﻭﺻﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻦ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺨﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﺮاﻕ ﻣﺤﺠﻤﺔ ﻣﻦ ﺩﻡ، ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﺬﻟﻚ، ﺭﻛﺒﺖ بغلاً ﻭاﺳﺘﻨﻔﺮﺕ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ، ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻘﺎﺋﻞ:
ﻓﻴﻮﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻞ ﻭﻳﻮﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻞ
ﻓﺠﻤﻊ ﻣﺮﻭاﻥ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻬﻢ اﻷﻭﻏﺎﺩ اﻟﻄﻐﺎﺓ، ﻭﺑﻠﻎ ﺫﻟﻚ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ فجاء ﻫﻮ ﻭﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻼﺡ ﻟﻴﺪﻓﻨﻮا الحسن عليه السلام ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﺃﻗﺒﻞ ﻣﺮﻭاﻥ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ وذووه، ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﺭﺏَّ ﻫﻴﺠﺎ ﻫﻲ ﺧﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺩَﻋَﺔ، ﺃﻳﺪﻓﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﻴﻊ، ﻭﻳﺪﻓﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ؟ ﻭاﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺣﻤﻞ اﻟﺴﻴﻒ، ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﺩﺕ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺗﺴﺘﻌﺮ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺄﺑﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻨﻪ ﺇﻻ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻜﻠﻤﻪ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ، ﻭﻣﺴﻮﺭ ﺑﻦ ﻣﺨﺮﻣﺔ؛ ﻟﻴﺪﻓﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﻴﻊ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ: ﺇﻧﻪ ﻋﻬﺪ ﺇﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﺩﻓﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﻴﻊ، ﺑﺤﻘﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﻋﺰﻣﺖ ﺃﻻ ﺗﻜﻠﻤﻨﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻓﻤﻀﻰ ﻫﻨﺎﻟﻚ، ﻭاﺗﺼﻞ اﻟﺨﺒﺮ ﺑﻤﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻓﺎﺳﺘﺤﻤﺪ ﻣﺮﻭاﻥ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻓﻘﺎﻝ ﻣﺮﺗﻴﻦ: ﺇﻳﻬﺎً ﻣﺮﻭاﻥ ﺃﻧﺖ! ﻭﺣﻜﻲ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﻳﻚ ﻇﻨﻲ ﺑﻤﺮﻭاﻥ ﺻﺎﺩﻗﺎً ﻟﻦ ﻳﺼﻠﻮا ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﺑﺪاً.
ﻓﺪﻓﻦ الإمام الحسن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﻴﻊ من المدينة المنورة.
وروي ﺃﻧﻪ ﻟﻤﺎ ﺩﻓﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ، ﻗﺎﻡ ﺃﺧﻮﻩ ﻣﺤﻤﺪ اﺑﻦ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮﻩ ﻭﻗﺎﻝ: ﻳﺮﺣﻤﻚ اﻟﻠﻪ ﺃﺑﺎ ﻣﺤﻤﺪ، ﻟﺌﻦ ﻋﺰﺕ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻟﻘﺪ ﻫﺪﺕ ﻭﻓﺎﺗﻚ، ﻭﻟﻨﻌﻢ اﻟﺮﻭﺡ ﺭﻭﺡ ﻋﻤﺮ ﺑﻪ ﺟﺴﺪﻙ، ﻭﺗﻀﻤﻨﻪ ﻛﻔﻨﻚ، ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ! ﻭﺃﻧﺖ ﺳﻠﻴﻞ اﻟﻬﺪﻯ، ﻭﺣﻠﻴﻒ ﺃﻫﻞ اﻟﺘﻘﻰ، ﻏﺬﺗﻚ ﻛﻒ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺭﺿﻌﺖ ﺛﺪﻱ اﻟﺘﻘﻮﻯ، ﻓﻄﺒﺖ ﺣﻴﺎ ﻭﻃﺒﺖ ﻣﻴﺘﺎ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻃﻴﺒﺔ ﺑﻔﺮاﻗﻚ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺷﺎﻛﺔ ﺑﺄﻥ اﻟﻠﻪ ﻗﺪ اﺧﺘﺎﺭ ﻟﻚ، ﺛﻢ ﺑﻜﻰ ﻭﺃﺑﻜﻰ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻧﻌﻲ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻭﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﺒﺎﺏ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻓﺤﺠﺐ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺣﺘﻰ ﺃﺧﺬ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﻢ، ﺛﻢ ﺃﺫﻥ ﻟﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻠﻪ ﺃﺟﺮﻙ ﻳﺎ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻓﻴﻤﻦ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﻲ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻗﺎﻝ: ﺇﺫاً ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﻓﻲ ﻋﻤﺮﻙ، ﻭﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻤﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻲ ﻗﺒﺮﻙ، ﻓﻘﺪ ﻓﻘﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ ﻗﺪﺭاً، ﻭﺃﺟﻞ ﻣﻨﻪ ﺃﻣﺮاً، ﻓﺄﻋﻘﺐ اﻟﻠﻪ ﻋﻘﺒﻰ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻓﺨﺮﺝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ:
ﺃﺻﺒﺢ اﻟﻴﻮﻡ اﺑﻦُ ﻫﻨﺪ ﺷﺎﻣﺘﺎ ... ﻇﺎﻫﺮ اﻟﻨﺨﻮﺓ ﺃنْ ﻣﺎﺕ اﻟﺤﺴﻦ
ﻭﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻤﺮﻩ ... ﻣﺜﻞ ﺭﺿﻮﻯ ﻭﺛﺒﻴﺮ ﻭﺣﻀﻦ
ﻓﺎﺭتعِ اﻟﻴﻮﻡَ اﺑﻦَ ﻫﻨﺪٍ ﺁﻣﻨﺎ ... ﺇﻧّﻤﺎ ﻳﻘﻤﺺ ﺑﺎﻟﻌﻴﺮ اﻟﺴﻤﻦ
ﻭاتقِ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻇﻬﺮ ﺗﻮﺑﺔً ... ﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻛﺸﻲء ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
رثاء الحسين لأخيه الحسن عليهما السلام
ورثى الإمام الحسين بن علي أخاه الحسن بن علي عليهما السلام بقصيدة قال فيها:
ﺃﺃﺩﻫﻦ ﺭﺃﺳﻲ ﺃﻡ ﺗﻄﻴﺐ ﻣﺠﺎﻟﺴﻲ ... ﻭﺧﺪﻙ ﻣﻌﻔﻮﺭ ﻭﺃﻧﺖ ﺳﻠﻴﺐُ
ﺃﻡ اﺳﺘﻤﺘﻊ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺸﻲء ﺃﺣﺒﻪ ... ﺃﻻ ﻛﻠﻤﺎ ﺃﺩﻧﻰ ﺇﻟﻴﻚ ﺣﺒﻴﺐُ
ﺃﻡ اﺷﺮﺏ ماء اﻟﻤﺰﻥ ﺃﻡ ﻏﻴﺮ ﻣﺎﺋﻪ ... ﻭﺇﻻ ﻟﺪﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻷناء ﻏﺮﻭﺏُ
ﻓﻼ ﺯﻟﺖ ﺃﺑﻜﻲ ﻣﺎ ﺗﻐﻨﺖ ﺣﻤﺎﻣﺔ ... ﻋﻠﻴﻚ ﻭﻣﺎ ﻫﺒﺖ ﺻﺒﺎ ﻭﺟﻨﻮﺏُ
ﻭﻟﻴﺲ ﺣﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ ﺃﺻﻴﺐ ﺑﻤﺎﻟﻪ ... ﻭلكنَّ ﻣﻦ ﻭاﺭﻯ ﺃﺧﺎﻩ ﺣﺮﻳﺐُ
ﻭﻣﺎ ﻗﻄﺮﺕ ﻋﻴﻦٌ ﻣﻦ الماء ﻗﻄﺮﺓ ... ﻭﻣﺎ اﺧﻀﺮ ﻓﻲ ﺩﻭﺡ اﻟﺤﺠﺎﺯ ﻗﻀﻴﺐُ
ﺑﻜﺎﺋﻲ ﻃﻮﻳﻞ، ﻭاﻟﺪﻣﻮﻉ ﻏﺰﻳﺮﺓ ... ﻭﺃﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪ ﻭاﻟﻤﺰاﺭ ﻗﺮﻳﺐُ
ﻭﻟﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻋﻨﻲ ﺃﺧﻲ ﺫﻗﺖ ﺣﺮﻗﺔ ... ﻟﻪ ﻟﻢ ﻳﺬﻗﻨﻴﻬﺎ ﺳﻮاﻩ ﻏﺮﻳﺐُ