✒️ النسب المبارك
هو أبو عبدالله الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ فكل آبائه نجباء بررة أزكياء، فروع شجرة طيبة مباركة.
لقبه: يلقب الإمام الحسين (بالفخي) نسبة إلى موضع قريب من مكة المكرمة وهو الموضع الذي استشهد فيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والده: السيد التقي علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
كان علي بن الحسن يسمى بعلي العابد، وعلي الخير، وعلي الأغر؛ وقد حبسه الخليفة العباسي المعروف بأبي الدوانيق في محبس الهاشمية مع من حبس من أهل البيت عليهم السلام، وكان محبس الهاشمية مكانا مظلما، لا يميزون فيه لشدة ظلمته بين ليل ونهار، فكانوا يعرفون أوقات الصلوات بتسبيح علي العابد وتلاوته للقرآن التي كان قد اعتاد عليها من قبل، ولقد استشهد علي العابد في ذلك السجن مع مجموعة من أهل البيت عليهم السلام بأفظع أنواع التعذيب كما هو مذكور في كتب التاريخ.
أمُّه: السيدة العابدة زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام, وكان يعرف أبوه علي وأمُّه زينب بالزوج الصالح لصلاحهما وفضلهما.
✒️ مولده وصفته
ولد الإمام الحسين الفخي سنة 128هـ، واستشهد سنة 169هـ.
وكان عليه السلام أسود الرأس واللحية لم يخالطه الشَّيب، وكان بطلاً شجاعاً، قد نشأ على السداد وطرق الرشاد، جامعاً بين العلم والعمل حتى اعتلى ذروة الشرف، جارياً على طريقة آبائه الأخيار السادة الأبرار عليهم السلام.
✒️ كرمه وبسطة يده
للإمام الحسين الفخي عليه السلام فضل في نفسه وصلاح وسخاء وكرم لم يعرف مثله عن أحد من الناس، فكان رضوان الله عليه لا يكترث بالأموال، ويفرق جميع ما يحصل في يده ويتصدق به، حتى باع في ذلك ما ورثه من أبيه من ضياع وأموال، وقد روي أنه قدم على المهدي العباسي في قصة لا يتسع المقام لإيرادها، فأعطاه المهدي عشرين ألف دينار، ففرقها ببغداد والكوفة على قرابته ومواليه ومحبيه.
وروي أنه لما عاد من الكوفة إلى المدينة نزل بقصر ابن هبيرة في خان، فقيل لصاحب الخان: هذا رجل من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ له سمكاً فشواه وجاء به ومعه رقاق، وقال له: لم أعرفك يا بن رسول الله، فقال الإمام الحسين الفخي لغلامه: ما بقي معك من ذلك المال؟، قال: شيء يسير، والطريق بعيد. قال: ادفعه إليه.
وقد عوتب الحسين بن علي الفخي فيما يعطي، فقال: والله ما أظن أن لي فيما أعطي أجراً، وذلك أن الله تعالى يقول: ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ))، ووالله ما هي عندي وهذا الحصى إلا بمنزلة، يعني الأموال.
وما أجدره بقول القائل:
وما مزبد من خليج البحو ... ر يعلو الآكام ويعلو الجسورا
بأجود منه بما عنده ... فيعطي المئين ويعطي البدورا
✒️ الإخبار بموضع استشهاده
كان الموضع الذي استشهد فيه الإمام الحسين الفخِّي معروفاً عند أهل البيت عليهم السلام؛ فقد مرَّ منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلى فيه، فلما كان في الركعة الثانية بكى، فبكى الناس، فلما أتم صلاته، قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله، قال: نزل عليَّ جبريل - لما صليت الركعة الأولى - فقال: ((يا محمد إن رجلاً من ولدك يقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين)).
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: يأتيكم صاحب الرعيلة، قد شد حقبها بوضينها، لم يقضِ تفثاً من حج ولا عمرة، يقتلونه فتكون شر حجة حجها الأولون والآخرون .
وعن يعقوب بن نصر بن أوس قال: أكريت من جعفر بن محمد عليه السلام من المدينة إلى مكة، فلما ارتحلنا من بطن مرّ، قال لي: يا نصر، إذا انتهينا إلى (فخ) فأعلمني، قال: قلت: أوليس تعرفه؟ قال: بلى، ولكني أخشى أن تغلبني عيني.
قال: فلما انتهينا إلى (فخ) دنوت من المحمل، فإذا هو نائم فتنحنحت، فلم ينتبه، فحركت المحمل فانتبه، فجلس، فقلت: قد بلغت، فقال: حل محملي، فحللته، ثم قال: حل القطار، قال: فنحيت به عن الجادة، وأنخت بعيره، فقال: ناولني الإدواة والركوة، قال: فتوضأ للصلاة وأقبل ثم دعا، ثم ركب، فقلت: جعلت فداك رأيتك صنعت شيئاً، أفهو من المناسك؟
قال: لا ولكن يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي، في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.
✒️ سبب خروج الإمام الفخي
كان سبب خروج الإمام الحسين الفخي عليه السلام هو الظلم العباسي الذي تفشى، والتسلط والتجبر على أهل بيت النبوة خاصة والمسلمين عامة، بالإضافة إلى الانحراف الكبير عن تعاليم الإسلام، وأحكام الدين الحنيف.
كل هذه الأسباب ينضاف إليها التضييق الذي مارسه الولاة على أهل البيت عليهم السلام في المدينة المنورة؛ فقد كان على المدينة خليفةٌ لإسحاق بن عيسى بن علي، وهو عبد العزيز بن عبد الله العُمَري من ولد عمر بن الخطاب، وكان إسحاق يليها من قِبَل الخليفة العباسي موسى الملقب بالهادي، فأساء العمري معاملة الأشراف من آل الرسول صلى الله عليه وعلى آله، وكان يجفوهم ويشدد عليهم، ويطالبهم بالعرض في كل يوم، فإذا غاب واحد منهم لحاجة له طالب أقرباءه.
وكان الحسن بن محمد بن عبد الله غاب، فطالب [العمري] الحسين بن علي الفخي، ويحيى بن عبد الله عليهم السلام به، وجرى بينهما وبينه خطب طويل، فاجتمع جماعة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وكثير من الشيعة إلى الإمام الحسين بن علي الفخي، وقالوا له: أنت أحقنا بالأمر وبايعوه.
✒️ دعوته
ظهر الإمام الحسين الفخِّي عليه السلام بالمدينة بعد عودته من الكوفة يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة 169هـ.
وكان عليه السلام قد جاءه عدة من الشيعة في جماعة كثيرة، وهو بالكوفة، فبايعوه ووعدوه الموسم للوثوب بأهل مكة، وكتبوا بذلك إلى ثقاتهم بخراسان والجيل وسائِر النواحي.
ولما ظهر الإمام الحسين الفخِّي دخل المسجد فصلى بالناس صلاة الفجر، ثم رقى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: أيها الناس أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله، في مسجد رسول الله، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أيها الناس أتطلبون أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحجر والعود وهذا - ثم مد يده - من لحمه ودمه؟!
ثم بايعه الناس، وكان يقول عند المبايعة: أبايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أن يُطاع الله ولا يُعصى، وأدعوكم إلى الرِّضا من آل محمد، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله والعدل في الرعية، والقسم بالسَّوية، وعلى أن تقيموا معنا وتجاهدوا عدونا، فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا، وإن لم نفِ لكم فلا بيعة لنا عليكم.
✒️ بعض من بايعه
بايع الإمام الحسين الفخي من رؤساء أهل البيت: الإمام موسى الكاظم، وعبدالله بن الحسن الأفطس بن علي بن علي بن الحسين، وأخوه عمر، والإمام يحيى والإمام إدريس، وسليمان أبناء عبدالله الكامل، وإبراهيم بن إسماعيل والد الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، والحسن بن الإمام النفس الزكية، وعلي بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، وغيرهم.
وخرج معه من فضلاء الناس: سعيد بن خثيم، وعلي بن هاشم المعروف بالبريد، ويحيى بن يعلى، وعامر السراج، ونصر الخفاف، وكان من الصالحين، وكان من حديثه، قال: أصابتني ضربة فبرت اللحم والعظم، فبت ليلتي أعوي منها، وأنا أخاف أن يجيئوني فيأخذوني إذا سمعوا الصوت، فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاء، فأخذ عظماً فوضعه على عضدي، فأصبحت وما أجد من الوجع قليلاً ولا كثيراً.
✒️ خروج الإمام إلى (فخٍّ)
خرج الإمام الحسين الفخي عليه السلام إلى مكة في عصابة من آل محمد، وهم ستة وعشرون رجلاً، وتوافوا هم وشيعتهم إلى ثلاثمائة وبضع عشرة وهو عدد أهل بدر، وكانوا محرمين، داعين إلى الله، عاملين بكتابه، لا تأخذهم في الله لومة لائم، واستخلف الإمام الحسين على المدينة رياشاً الخزاعي، فلما صاروا بمنطقة (فخ) لقيتهم جيوش الضلال وأحزاب بني العباس، وقد كان قصد الحج في تلك السنة من العباسية: العباس بن محمد، وموسى بن عيسى، وجعفر ومحمد ابنا سليمان، ومن الجند مبارك التركي، وابن يقطين، وغيرهما؛ فقصدوه بأجمعهم.
فالتقوا في يوم التروية، وقت صلاة الصبح ورتبوا الميمنة والميسرة والقَلْب، وكان عدد الجيش العباسي أربعين ألفاً أنفذهم موسى الملقب بالهادي العباسي.
✒️ خطبة الإمام في أصحابه
وقبل بدأ المعركة اجتمع أصحاب الإمام وكانوا جميعهم في ثياب الإحرام، فقام الإمام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد يا إخوتي ويا إخواني ويا شيعة جدي وشيعة أبي، ومحبي جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد تبين لكم ظلم هؤلاء القوم وفسقهم وفجورهم وعداوتهم لله ولرسوله، وسيرتهم في أمة محمد، وارتكابهم المحارم، وتعطيلهم الحدود، وشربهم الخمور، وارتكابهم الشرور، وهتكهم الستور، واستئثارهم بالفيء، وأمرهم بالمنكر، ونهيهم عن المعروف.
دعاهم الشيطان فأجابوه، واستصرخهم فاتبعوه يسيرون فيكم بسيرة القياصرة والأكاسرة، يقتلون خياركم، ويستذلون فقهاءكم، يقضون بالهوى، ويحكمون بالرشا، ويولون السفهاء، ويظاهرون أهل الريب والردى، يقلدون أمر المسلمين اليهود والنصارى، جبابرة عتاة، يلبسون الحرير، وينكحون الذكور، فكيف لا يغضب أولو النهى؟! أم كيف يسيغ الطعام لأهل البر والتقوى؟!، قد درس الكتاب فأُوِّل على غير تأويله، وغُنِّي به على المعازف فحُرِّف عن تنزيله، فلم يبقَ من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، فلو أن مؤمناً تقطعت نفسه قطعاً أما كان ذلك لله رضاً، بل كان بذلك عندي جديراً.
اخرجوا بنا إلى الله واصطبروا فوالله إن الراحة منهم ومن المقام معهم في دارهم لراحة، والجهاد عليكم فريضة، فقاتلوهم، الله قد فرض عليكم جهادهم، واصبروا أنفسكم فإن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص، وكونوا ممن أحب الله والدار الآخرة، وباين أعداءه وأحب وآثر لقاءه. عصمنا الله وإياكم.
وقد خطب فيهم خطبة أخرى قال فيها:
يا أهل القرآن ، والله إنَّ خصلتين أدناهما الجنة لشريفتان، وإن يبقيكم الله ويظفركم لنعملَنَّ بكتاب الله وسنة نبيه، ولنشبعنَّ الأرملة، وليعيشنَّ اليتيم، ولَنَعِزنَّ من أعزه كتاب الله وأوليائه، ولنذلنَّ من أذله الحق، والحكم من أعدائه، وإن تكن الخصلة الأخرى فأنتم تبعاً لسلفكم الصالح تُقْدِمُونَ عليهم وأنتم داعون إليهم: رسول الله ، وحمزة ، وعلي، وجعفر، والحسن والحسين، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد ، وعبدالله بن الحسن، ومحمد وإبراهيم أبناء عبدالله. فمن أي الخصلتين تجزعون؟ فوالله لو لم أجد غيري لحاكمتهم إلى الله حتى ألحق بسلفي.
✒️ حال أصحاب الإمام قبل المعركة
كان أبو العرجاء يهتم بجمال قائد الجيش العباسي موسى بن عيسى، وقد روي عن أبي العرجاء أنه قال: لما وصلنا بستان بني عامر فنزل (أي موسى بن عيسى)، فقال: اذهب إلى عسكر الحسين حتى تراه وتخبرني بكل ما رأيت.
قال أبو العرجاء: فمضيت فدرت فما رأيت خللاً ولا فللاً، ولا رأيت إلا مصليا أو مبتهلاً، أو ناظراً في مصحف، أو معداً لسلاح، قال: فجئته، فقلت: ما أظن القوم إلا منصورين.
فقال: كيف ذلك يا بن الفاعلة؟ فأخبرته، فضرب يداً على يد وبكى حتى ظننت أنه سينصرف، ثم قال: هم والله أكرم عند الله، وأحق بما في أيدينا منا، ولكن الملك عقيم، ولو أن صاحب القبر – يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم – نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف.
✒️ عرض الأمان على الإمام
أمر الإمام الحسين رجلاً من أصحابه فركب جملاً ومعه سيف فنادى: يا معشر المسودة هذا حسين بن رسول الله يدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله، فلم يجيب جيش العباسيين دعوة الإمام بتحكيم كتاب الله وسنة رسول الله، ووجهوا موسى بن عمر إليه وإلى جميع أصحابه يعرض عليهم الأمان، فقال الإمام عليه السلام: وأيُّ أمان لكم يا فجرة؟ المغرور من غررتموه بأمانكم وكيف وأنتم تغرونه عن دينه بحياة يسيرة تطمعونه فيها، فإذا ركن إليها قتلتموه، أليس من وصية آبائكم زعمتم قتل كل متهم ومن سأل الأمان عند الظفر به.
✒️الإمام والإغراءات الدنيوية
حاول العباسيون أن يغروا الإمام بإعطائه ما يشاء من الأموال والضياع محاولة منهم في ثنيه عن ثورته فأرسلوا إليه محمد بن سليمان بن علي وكانت أمُّه حسنية وهي زينب ابنة جعفر بن الحسن بن الحسن، فعرض على الإمام ما يشاء، وقال له: والله يا خال ما أشخصني إلى هذا البلد إلا الشفقة عليك والظن بك، ورجاء أن يحقن الله دمك.
فقال له الإمام الحسين: ما أعرفني بما تحاول من خديعتي من ديني ودنياي؟ إليك عني.
فقال له: يا خال لا تفعل. أقْبَل نصيحتي ولا تُعَرِّض نفسك للهلكة، فإنَّ معي كتاباً قد أخذته لك من ابن عمك الخليفة موسى الهادي ابن محمد المهدي بأمانك، وجعل إليَّ أنْ أعرض عليك كل ما أحببت، فصر إلى أيِّ بلد من البلدان شئت، وسمِّ ما شئت من الأموال والقطائع والضياع.
فأقبل الحسين عليه السلام، فقال له: يا عبد خيزران وخالصة، أتظن أنِّي إنَّما خرجت في طلب الدنيا التي تعظمونها، أو للرغبة فيما تعرضون عليَّ من أموال المسلمين؟! ليس ذلك كما تظن، إنَّما خرجتُ غضباً لله ونصرة لدينه وطلباً للشهادة، وأن يجعل الله مقامي هذا حجة على الأمة، واقتديت في ذلك بأسلافي الماضين المجاهدين، لا حاجة لي في شيء مما عرضت عليَّ، وأنا نافذ فيما خرجت له، وماض على بصيرتي حتى ألحق بربي.
✒️وقعة (فخٍّ)
لما يئسوا من خديعة الإمام الحسين بأمانهم شدوا عليه وعلى أصحابه، فحمل عليهم الإمام عليه السلام، وحملت معه الطائفة الصادقة، فقاتلوا قتالاً شديداً حتى كثر القتل في الفريقين؛ وكان قد تأخر قوم بايعوا الإمام الحسين عليه السلام، فلما فقدهم في وقت المعركة أنشأ يقول:
وإني لأنوي الخير سراً وجهرة .... وأعرف معروفاً وأنكر منكرا
ويعجبني المرء الكريم نجاره .... ومن حين أدعوه إلى الخير شمرا
يعين على الأمر الجميل وإن يرى .... فواحش لا يصبر عليها وغيرا
فصبر الإمام وأصحابه حتى استشهد أكثرهم، وأثخن الإمام عليه السلام، فقيل له: فقد أعذرت، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله ليبغض العبد يستأسر إلا من جراحة مثخنة)).
وقال لبني عمه: يا بني عمي انحازوا وامضوا إلى أي النواحي فعسى أن تدركوا بثأرنا يوماً من الدهر، فإني غير مفارقهم حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
فأبوا وصبروا حتى قتلوا قدامه واحداً واحداً، أغرقوا الأرض من دمائهم، وأصابت الإمام يحيى بن عبدالله سبعون نشابة بين درعه، وكثر حتى صار كالقنفذ، وجرح أخوه إدريس بن عبدالله حتى انصبغ قميصه، وجرح الحسن بن محمد بن عبدالله وفقئت عينه بنشابة.
فثبتوا يناجزون القوم حتى استشهد الإمام الحسين بعد أن أثخن بالجراح، وقتل معه من أهل البيت سليمان بن عبدالله الكامل، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، وغيرهم؛ سلام الله عليهم أجمعين.
ومن مواقف البطولة للإمام عليه السلام ما رواه الإمام القاسم الرسي عمن ذكره من أصحابه، قال: رأيت الحسين والناس في المعركة اعتزل فدفن شيئاً فأُتْبع ذلك الدفين فإذا هو بعض وجهه، ضُرِبَ في وجهه ضربة برَت عامته فاعتزل حتى دفنه، ثم تلثم على وجهه وعاود الحرب.
✒️استشهاده
كان استشهاد الإمام الحسين الفخي رضوان الله عليه يوم التروية من شهر ذي الحجة سنة 169هـ، وكان له من العمر إحدى وأربعين سنة، وبعد شهادته تعمد المجرمون إلى قطع رأسه الشريف وحمله إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، ودفن بدنه الطاهر بمنطقة(فخ).
وروى الإمام المنصور بالله أن الذين حضروا قتله اسودت وجوههم قاطبة.
وقد روي أنه لما حضرت محمدَ بنَ سليمان الوفاةُ جعلوا يلقنونه الشهادة، فلم يُفصح بها لسانُه إلا أنه يقول:
ألا ليت أمي لم تلدني ولم أكن .... شهدتُ حسيناً يوم (فخٍّ) ولا الحسن
فلم يزل يردد هذا البيت حتى مات.
وقد سُمِع على مياه غطفان كلها ليلة قتل الحسين بن علي هاتف يهتف ويقول:
ألا يا لقومي للسواد المصبح .... ومقتل أولاد النبي (ببلدح)
ليبكِ حسيناً كل كهل وأمرد .... من الجن إذ لم تبكه الأنس نُوح
وإني لجني وإن معرسي لبـ .... لبرقة السوداء من دون زحرح
فسمعها الناس لا يدرون ما الخبر حتى أتاهم قتل الإمام الحسين الفخي عليه السلام.