¤النسب المبارك¤
هي أمُّ الحسنين فاطمة بنت خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي سيدة النساء، وبضعة الحبيب المصطفى؛ تكنى بأم أبيها.
والدها: هو خير الخلق طراً، وسيد ولد آدم، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، خاتم النبيين، وسيد المرسلين.
وأمها: هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة لشرفها وعفتها، وكانت من عقيلات قريش؛ وهي أول من آمن بدعوة رسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من صلى معه هي وعلي بن أبي طالب عليه السلام؛ وهي من قام الإسلام بمالها؛ قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "آمَنَتْ بي إذ كفر الناس، وصدَّقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً دون غيرها من النساء".
¤تأريخ ومكان الميلاد¤
ولدت فاطمة الزهراء عليها السلام بمكة المكرمة، واختلف في تأريخ مولدها عليها السلام، ولعل أصح الأقوال أنها ولدت عليها السلام قبل بعثة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بسبع سنين وستة أشهر، وذلك وقت بناء الكعبة.
فجاءت عليها السلام كريمةَ الاصل، طيبةَ المنبت؛ لتشرق الأرض بمولدها، وتتزين السماء بمقدمها، ويزداد نور البيت النبوي توهجاً وسطوعاً.
¤أسماؤها وألقابها¤
عن الصادق عليه السلام: لفاطمة عليها السلام ثمانية أسماء: الصديقة، والزهراء، والطاهرة، والزاكية، والرضية، والمرضية، والبتول، وفاطمة.
¤نشأتها¤
نشأت فاطمة الزهراء عليها السلام في كنف أبوين طاهرين، متنقلةً بين حجر أمها خديجة الكبرى رضوان الله عليها، وبين أحضان أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فترعرعت في بيت طالما ملأت أجواءه نسماتُ الوحي، وآيات التنزيل.
فأخذت الزهراء عليها السلام في هذا البيت الطاهر دروسها الأولى، كالقراءة والكتابة، والحساب، والمعارف الأولية، كما تعلمت القرآن الكريم من معلم البشرية جمعاء، وسمعت السنة النبوية منه، ووعت أحكام فرائضهما.
كما عاشت الزهراء ظروف الإسلام الأولى بمكة، فما كادت أن تُزهر عليها السلام حتى اشتدت عداوة قريش لأبيها صلوات الله عليه وعلى آله، وزادت أذيتهم له؛ لينالها من ذلك ما ينال أباها، ثم جاء عام الحزن الذي فقدت فيه فاطمةُ عليها السلام أمَّها خديجة الكبرى؛ لتعظم عليها البلية، وتشتد المحنة؛ ولتقوم - بعد ذلك- لأبيها مقام الأم المواسية، وتسد غياب أمِّها خديجة المعينة، بعد أن كانت له الابنة الصالحة البارة؛ وليكون لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المقابل أباً وأُمَّاً في نفس الوقت.
لقد شبَّت فاطمة الزهراء عليها السلام على ذلك الحب والمساندة لأبيها صلى الله عليه وآله وسلم، حتى استحقت أن تكون "أمَّ أبيها"، كما كنَّاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
¤بضعة المصطفى¤
لقد كانت فاطمة عليها السلام أحبَّ الناس إلى أبيها صلوات الله عليه وآله وسلم، وأشبه الخلق به، في حركتها وسكونها، وكلامها وسكوتها، وقعودها وجلوسها، وهيبتها ووقارها؛ قالت عائشة: (ما رأيت أحداً أشبه كلامُه وحديثُه برسول الله من فاطمة)، وكانت تقول: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها).
وقالت أمُّ أنس بن مالك: (كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر، بيضاءَ مُشرَبةً حُمْرة، لها شَعرٌ أسود، من أشدِّ الناس برسول الله شبها).
وتصف عائشة مشية فاطمة عليها السلام، فتقول: (لا والله ما تخفَى مشيتُها عن مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
وكيف لا تشبهه صلى الله عليه وآله وسلم وهي ابنته، وبضعة منه، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما ابنتي فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها)).
¤زاوجها من علي¤
بلغت فاطمة مبلغ النساء، وقد طاب خَلْقُها، وزان خُلُقُها، حتى فاقت من هُنَّ في سنِّها رفعةً، وسامتهن جمالاً، فاتجهت إليها الأنظار، ورغب الكثير من الصحابة في الزواج بها، فكانوا يتقدمون لخطبتها، الواحد تلو الآخر، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لهم: ((أنتظر القضاء)).
ثم جاء بعد ذلك الأمر الإلهي بأن يكون زوج فاطمة الزهراء هو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخليفته، وابن عمِّه علي بن أبي طالب عليه السلام، كما جاء عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي عليهما السلام)).
جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى فاطمة عليها السلام، فأخبرها بالأمر الإلهي، وقال لها: ((إني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه؛ وقد ذكر من أمرك شيء فما ترين؟, فسكتت)).
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهو يقول: ((الله أكبر سكوتها إقرار)).
فتزوجها علي عليه السلام في شهر صفر ، وبنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة بعد وقعة بدر؛ وحضر عقدها جماعة من النبلاء؛ ودعا صلى الله عليه وآله وسلم برطب وثمر؛ فقال: ((انتهبوا)).
فجمع الله - بذلك - الطيب ببعضه، والتقى سيد العرب بسيدة نساء العالمين عليهما السلام؛ لتكون ذريتهما هي ذرية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وسفينة النجاة, ومنها يكون الأئمة الأطهار.
¤أمُّ السبطين¤
فاطمة عليها السلام هي أم سيدي شباب أهل الجنة، السبطين النقيين الطاهرين الحسن والحسين، من نالا أرفع الرتب، وأسمى الدرج، ومن سماهما الله سبحانه وتعالى في آية المباهلة بابني رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وجعل الله سبحانه وتعالى ذرية نبيئه محمد صلى الله عليه وآله وسلم هي ذريَّة الحسنين عليهما السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما))، كما جعل الله تعالى هذه الذرية هي الذرية المباركة الباقية إلى قيام الساعة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي))؛ وما ذلك إلا ليكون منهم الأئمة الهداة لهذه الأمة، والقائمون بأمر الله في أرضه، وليكونوا هم ثَقَل الله الأصغر مقترنين مع القرآن الكريم لا ينفكون عنه حتى يردا مُجتمِعَيْنِ على الحوض.
وبالإضافة للحسن والحسين عليهما السلام، فقد كان لفاطمة عليها السلام أولاد آخرين ؛ وهم: زينب العقيلة، وأمُّ كلثوم، والمُحسِّن درج صغيراً.
¤فضلها ومقامها¤
أثنى الله سبحانه وتعالى على سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وأنزل فيها وفي ذريتها قرآناً يشيدُ بعظمتهم، ويشهد بطهارتهم ومقامهم؛ ولنذكر هنا طرفاً مما جاء فيها من القرآن الكريم، والسنة الشريفة:
1- آية التطهير، وهي قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ ا لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}. [الأحزاب:33].
2- آية المباهلة، وهي قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}. [آل عمران:61].
3- آية المودة، وهي قوله تعالى: {قُل لَّا أَسْأَ لَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}. [الشورى:23].
روي أنها لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من قرابتُك الذين أمرَنا الله بمودتهم؟ قال: ((علي وفاطمة وولدهما)).
4- صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إنما ابنتي فاطمةُ بِضْعَةٌ منِّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها)).[الإمام المرشد بالله، الأمالي الاثنينية ج1/ ص154].
5- عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام: ((إن الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)).[الإمام المرشد بالله، الأمالي الاثنينية ج1/ ص161].
¤وفاتها¤
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم - في مرضه - قد بشر فاطمة الزهراء عليها السلام بأنها أول اللاحقين به، فلم تَمضِ سوى ستة أشهر من وفاته صلى الله عليه وآله وسلم حتى توفيت الزهراء عليها السلام، وذلك عام (11هـ)، وعمرها حينئذ (28) سنة على أصح الأقوال.
وكانت عليها السلام قبل وفاتها أمرت أن يُجهَّز لها نعش، فكانت أولَّ من صنع لها نعشاً في الإسلام، فلما توفيت غسَّلها عليٌّ عليه السلام وأسماء بنت عميس، ثم صلى عليها الإمام علي عليه السلام وخاصته، ودفنها ليلاًً بوصية منها بالبقيع في المدينة المنورة، ولم يؤذِنْ بها أبا بكرٍ وعمر بحسب رغبتها عليها السلام.
ولما قام الإمام علي عليه السلام بجهازها ودفنها، أخذ يقول:
لكل اجتماع من خليلين فرقةٌ .... وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ .... دليل على أن لا يدوم خليل
وبعد أن دفنها عليه السلام ذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يناجيه، ويقول له: (السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلَّ يا رسولَ الله عن صفيتك صبري، ورقَّ عنها تجلّدي، إلا أن التأسيَ لي بعظيمِ فرقتك، وفادحِ مصيبتِك، موضعُ تعزٍّ .. فلقد استُرْجِعَتِ الوديعة، وأُخِذَت الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهَّد).
فصلاة الله وسلامه على سيدة نساء العالمين، وبضعة الرسول الأمين، من ملأت الأرض طهراً وعفافاً، وزادت الأخلاق بهجةً وضياء، فاطمة البتول الزهراء، وعلى أبيها وزوجها وذريتها الطيبين الطاهرين.