*مولده
ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة المكرمة يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل سنة 571م، و882 من تأريخ الإسكندر ذي القرنين عليه السلام.
لم تكن ليلة ميلاد الهدى محمد صلوات الله عليه وعلى آله كسائر الليالي، ولا يوم مولده كبقية الأيام, بل كان يوماً استثنائياً على مستوى العالم والكون, فهو يومٌ فارقٌ بين الظلمة والنور، والحق والباطل، والهدى والضلال.
لقد ولد صلوات الله عليه وعلى آله في أيمن طالع، فَقَدِمَ قدومُ الغيث إلى الأرض المجدبة, وأطل فجره بعد ليل أليل من الجاهلية, مؤذناً بتمزيق ظلام الشرك والباطل بنور الحق والخير والإسلام.
وقد سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال: ((يومٌ ولدتُ فيه، ويومٌ بُعثت فيه، ويومٌ أُنزل عليَّ فيه)).
وقد قالت أمُّه آمنة عن حمله وولادته: "إني حملتُ به فوالله ما حملت حملاً قط كان أخفَّ منه عليّ ولا أيسر، ثم رأيت حين حملته أنه خرج مني نور أضاء منه أعناق الإبل ببصرى، أو قالت: قصور بصرى، ثم وضعته حين وضعت, فوالله مَا وقع كما يقع الصبيان، لقد وقع معتمداً بيده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء".
ومن مزيد إكرام الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن ولد نظيفاً مختوناً مسروراً, ووقع على الأرض ساجداً رافعاً رأسه إلى السماء, قد خرج منه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب.
وحقيقٌ بيومٍ ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وآله سلم أن يُتَّخَذ عيداً؛ بل أفضل الأعياد, وأن تفرح بقدومه الأنام، فهو من نعم الله العظيم، وبذلك فليفرح المؤمنون, ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
ولما ولد صلى الله عليه وآله وسلم اضطربت الأصنام ونكست، وانطفأت نار المجوس، وقوِّضت الشياطين، وسمع تكبير عالٍ يقول: الله أكبر الله أكبر رب محمد المصطفى و إبراهيم المجتبى، ألا إن ابن آمنة الغراء قد ولد وقد انكشفت عنا سحائبُ الغمَّة إلى الرحمة، ثم اضطربت الأصنام وخرت على وجوهها.
*النبي في البادية
بعد مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قَدِمَتْ حليمةُ السعدية في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن الرضاع بمكة، فأخذتْ كل واحدة منهن رضيعاً، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نصيب حليمة، وما أن حملته حتى بدأت بركته تصب عليها وعلى زوجها، وقد قالت في ذلك: "فخرجنا [يعني من مكة]، فما زال يزيدنا الله في كل يوم خيراً حتى قدمنا والبلاد سنهة، فلقد كان رعاؤنا يسرحون ثم يروحون فتروح أغنام بني سعد جياعاً، وتروح غنمي شباعاً حُفْلاً، فنحتلب ونشرب، فيقولون: مَا شأن غنم الحارث بن عبد العزى وغنم حليمة تروح شباعاً بطاناً حُقلاً، وتروح غنمكم بشرٍ جياعاً؟! ويلكم اسرحوا حيث تسرح رعاتهم فيسرحون معهم فما ترجع إلاَّ جياعاً كما كانت".
قالت حليمة: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشب شباباً مَا يشبهه أحد من الغلمان، يشب في اليوم شباب الغلام في الشهر وفي الشهر شبابه في السنة.
*طفولته
بقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة المكرمة مع أمِّه آمنة بنت وهب، فلمَّا بلغ سنَّ السادسة قدمتْ به أمُّه المدينة لزيارة قبر والده عبدالله والذي توفي ورسول الله في بطن أمِّة، وماتت أمُّه آمنة في أثناء عودتهم إلى مكة بمنطقة الأبواء، ودُفنت هناك، ليتربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك في كنف جدِّه عبدالمطلب، وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظلِّ الكعبة، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج إليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي وهو غلام فيجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه, فيقول لهم عبد المطلب: دعوا ابني فوالله إن له لَشأنا.
ولما حضرت عبدالمطلب الوفاة، وكان عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذٍ ثمان سنين، فجمع بنيه وبناته، وأوصاهم به، وقضى عبد لمطلب نحبه، وكفل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عمُّه أبو طالب وزوجته فاطمةُ بنت أسد بن هاشم أم علي عليه السلام.
ولما بلغ سنَّ التاسعة خرج مع عمِّه أبي طالب إلى الشام، وفي الطريق كان ما كان من قصة بحيرى النصراني مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وحضر صلى الله عليه وآله وسلم في صغره مع أعمامه حرب الفجار قبل أن يبلغ مبالغ الرجال.
وهكذا بقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عمِّه أبي طالب حتى قام أتمَّ قيام، ونشأ أعظم نشأة، وألطافُ الله ورعايته تحوطه من كل جانب.
*شبابه
اشتغل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شبابه بالتجارة مع خديجة رضي الله عنها، وكان قد عُرِف بالأمانة والصدق وكمال الخلق حتى حكَّمته قريشٌ عند اختلافها فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه عند بناء الكعبة، فحكم بحكمٍ أرضى الجميع، وشارك في إعادة بناء الكعبة.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة يذهب إلى غارِ حراء لتعبد الله سبحانه وتعالى، وينعزل بنفسه عن المشركين، ويبقى فيه شهراً كاملاً من كل سنة، وكان ينفر عن الأصنام وعبادتها والذبح لها وما يلحق بذلك من الشرك.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يتعبد الله تعالى بالتوحيد والذكر والتفكر وبما بقي من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام مثل الحج والطواف وغيرها.
وخلال هذه الفترة اشترك صلى الله عليه وآله وسلم في حلف الفضول الذي شكِّل لنصرة المظلومين.
ولما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنَّ الخامسة والعشرين تزوج من خديجة رضي الله عنها.
*النبي بعد البعثة
نزل روح القدس جبريل الأمين عليه السلام بالوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، وفي بعض السير أنه في شهر رمضان, وعمره صلوات الله عليه وعلى آله (40) سنة.
وبعدها أقام صلوات الله عليه وعلى آله بمكة (13) سنة يدعوا الناس إلى عبادة الله وحده، فكانت دعوته في الثلاث السنوات الأولى سرَّاً لعشيرته، فقد أمره الله تعالى بقوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، ثم نزل قول الله تعالى:{فاصدع بما تؤمر..}، فجهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة.
وبسبب ذلك لاقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشدَّ الأذى من مشركي قريش وعتاولتهم، ولم يُؤمن معه إلا قلَّة من الناس المستضعفين، فصبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن معه على ذلك، حتى فُرض عليهم الحصار في شعب بني هاشم، الذي استمر قرابة ثلاث سنوت، وعُذِّب من عذِّب من أصحابه، كبلال بن رباح، وعمار بن ياسر، وأبيه ياسر وأمِّه سميَّة.
وفي السنة العاشرة من البعثة النبوية كان وفاة زوجته المعينة له خديجة رضي الله عنها، ثم توفي في نفس السنة عمُّه المحامي عنه أبو طالب رضوان الله عليه، ليكون ذلك العام هو عام الحزن كما سُمِّي، وليزيد بعد ذلك مؤاذاة مشركي قريش له صلى الله عليه وآله وسلم.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلَّة المؤمنين، واضطهادهم، وضعف الاستجابة للدعوة، عزم صلوات الله عليه وعلى آله على الخروج إلى الطائف لدعوة أهلها إلى الإسلام، ولكن لم يلقَ منهم إلا تسليط صبيانهم ومجانينهم وسفهائهم عليه، فعاد صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، ليلتقي بعد ذلك بحجاج بيت الله الوافدين من شتَّى البلدان، ويكلمهم عن دين الله سبحانه وتعالى، ويدعوهم إلى الدخول في الإسلام، حتى استجاب له نفر من أهل يثرب، وبايعوه البيعة الأولى (بيعة العقبة الأولى)، ثم عادوا إلى قومهم لينذروهم ويدعمهم إلى دين الإسلام، فجاؤوا في العام القادم وقد زاد عددهم، فبايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيعة العقبة الثانية، ولما عادوا إلى المدينة أرسل معهم صلى الله عليه وآله وسلم سفيره مصعب بن عمير؛ ليعلمهم أمور دينهم، وينشر دعوة الإسلام، فكان سبباً في إسلام سكان المدينة من الأوس والخزرج قاطبة.
*هجرة النبي
بعد أن أسلم أهل يثرب، وصاروا أنصاراً لدين الله، عزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الهجرة إلى المدينة المنورة، فأعد لذلك العدة واستخلف علياً عليه السلام على الأمانات التي كانت عنده، وأمره بالمبيت في فراشه، فخرج صلى الله عليه وآله وسلم هو وأبو بكر متخفيين، فلما علمت قريش بخروجهما أرسلت خلفهما، ووعدت بجائزة عظيمة لمن يأتي بمحمد، ولكن رعاية الله وحفظه كانت تحوطهما، فقد حدثت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم العديد من المعجزات في هذه الهجرة، كما حدث لخيل سراقة بن مالك، وقصته مع صاحبه في غار ثور، وما كان من نسج العنكبوت على الغار، ووضع الحمامة لبيضها عليه، وغيرها من المعجزات.
*النبي في المدينة
بعد أيام من المسير وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة ليستقبله أهلها بالفرح والسرور والاحتفال، فكان أول عمل قام به صلى الله عليه وآله وسلم بناء المسجد النبوي الشريف، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار.
ومن المدينة المنورة بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خوض المعارك مع مشركي قريش وغيرهم ممن يكيدون للمسلمين، ونشر دين الإسلام إلى أنحاء الأرض، وأقام العدل، وجسَّد الحكم الإلهي، فراسل ملوك الفرس والروم ومصر والبحرين وغيرها، كما راسل زعماء القبائل، فآمن من آمن، وجحد من جحد.
وخلال هذه السنوات فتح صلى الله عليه وآله وسلم مكة المكرمة، وكسر شوكة المشركين، وأرغم أنوف اليهود في المدينة وخيبر وغيرها، وخضعت له الكثير من البلدان، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
وفي السنة العاشرة من الهجرة النبوية حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجةَ الوداع، فخطب في الحجيج خطبة دونتها كتب التأريخ، وفي عودته من هذه الحجة استوقف الناس في منطقة غدير خمٍّ؛ ليكمل الدين، ويتم النعمة، ويعلن ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام.
*وفاة النبي
رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد حجة الوداع إلى المدينةِ المنورة، فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم والنصف من صفر لا يشتكي شيئاً، ثم ابتدأ به الوجع الذي توفي فيه صلى الله عليه وآله وسلم.
جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجد الوجع والثقل في جسده حتى اشتد به الوجع في أول شهر ربيع الأول، واجتمع إليه أهل بيته ونساؤه، فلما رأت فاطمة أباها قد ثقل دعت الحسن والحسين، فجلسا معها إلى رسول الله، ووضعت خدّها على خد رسول الله، وجعلت تبكي حتى أخضلت لحيته ووجهه بدموعها، فأفاق صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان أغميَ عليه، فقال لها: ((يا بنية لقد شققت على أبيك))، ثم نظر إلى الحسن والحسين عليهما السلام فاستعبر بالبكاء، وقال: ((اللهم إني أستودعكهم وصالح المؤمنين، اللهم إن هؤلاء ذريتي أستودعكهم وصالح المؤمنين))، ثم أعاد الثالثة، ووضع رأسه.
فقالت فاطمة: واكرباه لكربك يا أبتاه.
فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا كرب على أبيك بعد اليوم))
فقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم صبح يوم الاثنين من شهر ربيع الأول سنة 63 من عام الفيل، و23 من البعثة، و11 من الهجرة، وكان عمره 63 سنة، ودفن صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته المباركة في موضع وفاته.
"فكان مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته وهجرته ودخلوله المدينةَ ووفاته يوم الاثنين".
فصلوات الله وسلامه على خاتم النبيين، وسيد المرسلين، أبي الطيب والطاهر والقاسم، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، صلاةً وسلاماً لا منتهي لعددهما، ولا غاية لأمدهما.