.
 
22-25-2019

الزيدية هي منهجٌ بُنيت أساساته على الدليل والحجة، فأقيمت عليها أعمدة العدل والتوحيد، وارتفع منها الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والكتاب والسنة وولاية أهل البيت المصطفين، وسُقف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكان بذلك أعظم منهج للحق، وخير بيت أسس للناس.

وإنما سميت الزيدية بهذا الاسم نسبة إلى الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، الذي حمل مشعل الدين، وجدد معالمه، وجسَّده بعد أن ضعف بريقه، وقل أصحابه؛ وهذه النسبة ليست نسبةَ تقليدٍ كما يعتقد البعض من أن الزيدية مقلدون للإمام زيد عليه السلام، كتقليد الشافعية للإمام الشافعي أو المالكية للإمام مالك رحمهم الله جميعاً، وإنما هي نسبة اعتزاء؛ لأن هذه النسبة لم يطلقها الإمام زيد على نفسه ولا على أتباعه، ولا أطلقها أتباعه على أنفسهم في البداية، وإنما هي نسبة اعتزاء اختارها الأئمة لأنفسهم؛ لما كانَ للإمام الأعظم زيد بن علي (ع) من منزلةٍ وأثر في نفوس أهل البيت (ع) لذلك قال الإمام شيخ بني هاشم عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام: ((العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب والعلم بيننا وبين الشيعة زيدُ بن علي))، وقال ابنه الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن عليهم السلام: ((والله لقد أحيا زيد بن علي ما دثر من سنن المرسلين، وأقام عمود الدين إذ اعوج، ولن ننحو إلا أثره، ولن نقتبس إلا من نوره، وزيد إمام الأئمة))، وقال الإمام النفس الرضية إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام: ((لو نزلت راية من السماء لم تنزل إلا في الزيدية))، فلما اجتمع أئمة العترة على ذلك الشِّعار الذي هو الاقتداء بزيد بن علي عليهما السلام اشتهر عنهم هذه التسمية.

وقد قال الإمام مجد الدين المؤيدي عليه السلام في ذلك: ((.. فإنهم إنما سموا زيدية لموافقتهم الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام في أصول الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج على الظلمة، لا التقليد في المسائل الفروعية، كيف والتقليد محرم على أهل الاجتهاد بالإجماع، ..إلخ)).

"لقد وصل المذهب الزيدي المعروف الآن في اليمن ـ نظراً لحرية الفكر وفتح باب الاجتهاد ـ ليكون خلاصة أبحاث عميقة ودراسات واسعة في كل مجالات الفقه الإسلامي العظيم، واستمرت تلك الجهود المضنية في البحث والتنقيب والتصفية أكثر من سبعة قرون، وقد قام بذلك أئمة أعلام أهل البيت النبوي الشريف ومن تابعهم من الفقهاء المجتهدين، وهم في كلّ ذلك يعتمدون على المحكم من كتاب الله والصحيح من سنة رسول الله وعلى الإجماع والقياس وأحياناً على الاستصحاب والاستحسان والمناسبة المرسلة وهي التي تتفق مع المقاصد الشرعية فيما لا يوجد له نص في الكتاب أو السنة إثباتاً أو نفياً."[الزيدية الطائفة والمذهب]

أسس الزيدية

للفكر الزيدي أسس ومعتقدات قام عليها، من قال بها واعتقد بمضمونها فهو الزيدي أينما حلَّ، ومن خالفها عُدَّ خارجاً عن الزيدية، مجانباً لها؛ وبهذه الأسس عُرف المنتمون للزيدية وحُكِم بزيديتهم، كما عُرف بها المفارقون للزيدية المائلون عنها، وإن سَمَّوا أنفسَهم زيدية، أو سُمُّوا بذلك؛ ولنذكر هنا هذه الأسس؛ لنميز الزيدية من غيرها:

أصول الدين

وتتضمن أصولاً خمسة، وهي:

التوحيد

فالله سبحانه وتعالى هو الخالق العالم القادر الحي الذي لا أول لوجوده، الأول والآخر، الذي ليس معه شريك، وليس له كفء، وأنه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، فهو كما قال عن نفسه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، وأنه سبحانه وتعالى:{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} , ومعتقد الزيدية في ذلك هو معتقد الإمام علي عليه السلام حين قال: ((التوحيد أن لا تتوهمه)).

العدل

وهو سبحانه وتعالى عدل لا يظلم، وحكيم ليس في أفعاله شيء من العبث أو الخطأ، وهو جل وعلا على ما حكى عن نفسه:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}، و{لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}،{ولا يظلم ربك أحدا}، وهو أجل من أن يجبر أحداً على فعله, ومعتقد الزيدية في ذلك هو معتقد الإمام علي عليه السلام حين قال: ((العدل أن لا تتهمه)).

الوعد والوعيد

ومن عقائد الزيدية التصديق بوعد الله للمؤمنين بالجنة والخلود فيها، ووعيده للعصاة من الكفار والفساق والمنافقين غير التائبين بالخلود في نار جهنم، إيماناً بقوله تعالى:{إن الأبرار لفي نعيم- وإن الفجار لفي جحيم- يصلونها يوم الدين- وما هم عنها بغائبين}[الإنفطار:13-16]، وقوله:{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا- خالدين فيها لا يبغون عنها حولا}، {ومن يعصِ الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}، وغيرها من الآيات.

النبوة

ومحمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو نبي الله الخاتم، وعبده المعظَّم، كما قال تعالى:{ولكن رسول الله وخاتم النبيين}[الأحزاب:40]، أرسله الله للعالمين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، لم يفرط في شيء، ولم يتوانَ عن نصح أحد، الإيمان به وبما جاء به من الشرع (القرآن والسنة).

الإمامة

والإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المفترض الطاعة، هو أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب عليه السلام، بالنصوص المتواترة، قال فيه الله سبحانه وتعالى: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم:((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).

قال الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام:((أجمع علماء آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن علي بن أبي طالب كان أفضل الناس بعد رسول الله، وأعلمهم وأولاهم بمقامه)).

وقال فقيه الآل أحمد بن عيسى بن زيد عليهم السلام:((أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أولى الناس به وأفضلهم عند الله وعنده، وأعلم الناس من بعده، علي بن أبي طالب صلوات الله عليه)).

ثم الإمام بعده ابنه الحسن ثم الحسين عليهما السلام بالنص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهما:((إمامان قاما أو قعدا)).

ثم الإمامة بعدهما في من قام ودعا من ذرية الحسن أو الحسين، واجتمعت فيه شروط الإمامة، لأنهم ثقل الله الذين أمرنا الله باتباعهم.

مبدأ الخروج على الظالم

مما تقرر عند الزيدية وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أعظم مراتبه وأجلها الخروج على الظالم المنتهك لحرمات الله، وذلك من أعظم أسس الدين عند الزيدية؛ فبه تُقام الشرائع، وتطبق الأحكام؛ وقد جسدت الزيدية هذا المبدأ أعظم تجسيد، ممثلةً بأئمتها (أئمة أهل البيت عليهم السلام)، وعلمائها وأتباعها، ولعل هذا هو السبب الرئيسي لانتماء الزيدية للإمام الأعظم زيد بن علي عليهما السلام دوناً عن غيره من العترة كانتماء اعتزاز، فأما الاتباع فإن الزيدية تتبع عموم العترة العلماء من بني الحسن والحسين؛ فهو فاتح باب الجهاد والاجتهاد؛ وهذه هي سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام على مرِّ العصور والأزمان، كالأئمة يحيى بن زيد، والنفس الزكية، والنفس الرضية، والحسين الفخي، والقاسم، والناصر الكبير، والهادي إلى الحق، وابنيه الناصر والمرتضى، والإمام عبدالله بن حمزة، وجميع أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وبلا شك فإن للزيدية أسوة في ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم بعلي والحسن والحسين عليهم السلام الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الله وإعلاء كلمته، والصحابة السابقين رضوان الله عليهم، حين قال الله تعالى عنهم:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..}[آل عمران:110].

وذلك هو منهج الحق، وأَمْر الله للخلق، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}[آل عمران:104]، {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..}[التوبة:71].

العقل عند الزيدية

العقل عند الزيدية حجة عظيمة على كل مكلف، يستطيع بواسطته معرفة الحق من الباطل، والحسن من القبيح، وبه يعرف وجود الخالق سبحانه وتعالى، وأنه العالم الحي القدير، العدل الذي لا يظلم، والحكيم الذي لا يعبث، وبالعقل قُطع بنبوة الأنبياء وصدق ما جاؤوا به، إلى غير ذلك من الأصول التي بيناها سابقاً.

ونظرة الزيدية هذه موافقة للقرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى قد أمرنا بإعمال عقولنا والنظر والتفكر، وأنكر على من لم يستعمل عقله، فقال جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا..}[سبأ:46]، وقال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[يونس:101]، وقال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[آل عمران:191]، وقال: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها..}[الحج:46].

وكيف يمكن القول بإهمال الدليل العقلي؟ والحال أننا بالعقل فقط أدركنا كيف نفهم الحق ونقنع الخصم بثبوت الحجة، ووجود الله، وبصحة إرسال الرسل، حيث لا طريق لهذا يجدي في المسائل العقلية في مناظرة المجادل غير الدليل العقلي.

لهذا وذاك ندرك أنه لا يمكن إهمال الدليل الفكري كما يرى بعض علماء المذاهب في المسائل العلمية والعملية.

أصول الفقه

يحتل علم أصول الفقه بالنسبة للزيدية مكانة عظيمة، فعليه تدور علوم الفقه، وبه تعرف الأحكام من القرآن والسنة، ومن خلاله وعلوم أخرى يبلغ المكلف مرتبة الاجتهاد؛ ومن تلك الأصول:

1- الأدلة في الأحكام؛ وتنقسم إلى أربعة أقسام [القرآن، السنة، الإجماع، القياس]:

[الدليل الأول]: القرآن الكريم

وهو ثقل الله الأكبر، ومنبع العلوم الشرعية، وإليه ترد الاختلافات والمنازعات، ومنه تؤخذ الاحكام.

[الدليل الثاني]: السنة النبوية

السنة مصدر من مصادر التشريع عند الزيدية بشرط أن لا يصادم الحديث نصاً صريحاً في كتاب الله سبحانه؛ فالصحيح عند الزيدية ما اكتملت فيه شروط الصحة، من صحة طريقه، وسنده، وسلامة رجاله من الجرح، أي مما ينافي العدالة والضبط مع موافقته معنى وروحاً لما في كتاب الله عز وجل ولما أجمع عليه أهل البيت (ع) قرناء القرآن.

فما توافرت فيه هذه الشروط فهو حجة عند الزيدية؛ لقول الله سبحانه وتعالى:{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}[الحشر:7]، {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}[النساء:59]، وغيرها من الآيات البينات.

ومن وصية لأمير المؤمنين عليه السلام لابن عمه عبدالله بن عباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج: ((لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمَّالٌ ذو وجوه تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً)), وليس القصد من هذا أن القرآن ليس شفاء لما في الصدور، أو أن الحجة فيه تامة، ولكن لما كانت السنة لا تخالف القرآن وتؤدي نفس الحق الذي في القرآن، وكانت عباراتها مبينة لما في القرآن، فإن طبيعة أولئك القوم والغرض إقامة الحجة تقتضي الاحتجاج عليهم بأقرب ما يلزمهم فإذا عادوا تكون عودتهم للقرآن والسنة.

[الدليل الثالث]: الإجماع

وهو نوعان:

1- إجماع الأمة (وهو حجة عند الزيدية)

 2- إجماع أهل البيت (ع)

وهو حجة عند الزيدية؛ لما دلت الأدلة القطعية من خبر الثقلين وأمثاله على كون العترة مع القرآن وأنهم نجاة للأمة، ولم تصح النصوص في آحادهم بعد أمير المؤمنين والحسن والحسين، فاقتضى ذلك عصمة إجماعهم وحجيته؛ فهم ثقل الله الأصغر، وقرناء القرآن، وسفينة النجاة، ونجوم الاقتداء.

وقد قال الإمام زيد عليه السلام: ((فاختلافنا - أهل البيت- لكم رحمة، فإذا نحن أجمعنا على أمر لم يكن للناس أن يَعْدوه)).[مجموع كتب ورسائل الإمام زيد (ع)] .

وسئل الباقر عليه السلام عن أهل بيت محمد هل يختلفون، فأجاب (ع): ((إنا نجتمع ونختلف، ولن يجمعنا الله على ضلالة)).[كتاب الزيادات من جامع علوم آل محمد للشريف العلوي].

[الدليل الرابع]: القياس

دليل تعتمده الزيدية، وهو: إلحاق فرعٍ بأصل ثابت بدليل الشرع لاشتراكهما في علة الحكم .

2- الاجتهاد

هو طريق للوصول إلى الأحكام الشرعية من خلال بذل الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية، ولا يكون إلا عند عدم وجود نص شرعي صحيح على النوازل، والأمة بحاجة ملحَّة إليه، وخصوصاً مع التطورات في جوانب الحياة المختلفة؛ وفي نفس الوقت فإن الاجتهاد موافق للشرع، فالله سبحانه وتعالى يقول:{ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}[النساء:83].

ومن ذلك حديث معاذ بن جبل حين وجهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن حين قال له: بمَ تقضي فيهم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟! قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فإن لم تجد؟! قال: أجتهد رأيي، ولم ينكره صلى الله عليه وآله وسلم بل قال: الحمد لله الذي وفَّق رسول رسوله؛ ولم ينكر هذا الحديث أحد، بل تلقته الأمة بالقبول.

وقال الإمام الناصر الكبير الأطروش الحسن بن علي عليه السلام: ((فإذا نظر الطالب في اختلاف علماء آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فله أن يتبع قول أحدهم إذا وقع له الحق بدليل, من غير طعن ولا تخطئة للباقين)).[الإرشاد إلى سبيل الرشاد].

المسائل الفرعية المجمع عليها عند أهل البيت (ع)

هناك مسائل من فروع الدين قد وقع الإجماع عليها من أهل البيت (ع)، كالجهر بالبسملة، والأذان بحي على خير العمل، وعدم جواز المسح على الخفين، وحُرمة نكاح المتعة، وغيرها.

ولا يخرج عن الزيدية من يخالف في المسائل الفرعية المختلف فيها بين أهل البيت (ع)، كرفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، والقنوت في الفجر هل قبل الركوع أم بعده، وغيرها مما محله كتب الفقه.

فهذه أسس الزيدية وعقائدها، من قال بها واعتقد بمضمونها الذي تفصيله في كتب أصول الدين، فهو الزيدي أينما حلَّ، وإن سُمِّي بخلاف ذلك، ومن خالفها أو بعضها فليس من الزيدية وإن سُمِّي زيدياً، وهذه أصول الفقه وأدلتها في الاستنباط.

الانتشار الجغرافي للزيدية

جاء المذهب الزيدي الذي جدد شعائره الإمام زيد بن علي عليهما السلام امتداداً لدين الله الذي أقامه رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وكان عليه أهل بيته المطهرون، وهو منهج الله الذي قاده أنبياؤه على مر العصور، ولكن بغير مسمى الزيدية لمَّا كانوا قبل عصره؛ ولنقف هنا؛ لنقرأ تحرك هذا المنهج وانتشاره منذ زمن الإمام الأعظم زيد بن علي عليهما السلام وحتى يومنا هذا.

الزيدية في العراق

خرج الإمام زيد بن علي عليهما السلام بثورته المباركة ضد حكم هشام الأموي الجائر، في سنة 122هـ، وكان أتباعه من خلص الشيعة المحبين لأهل البيت عليهم السلام، فأُطْلِقَ عليهم اسمُ الزيدية، ثم جرى هذا الاسم فيما بعد على كل من سار بسيرة الإمام زيد عليه السلام وأتباعه، فكان غالبية شيعة أهل الكوفة من بلاد العراق على مذهب الإمام زيد عليه السلام، وقد جاء في التأريخ أن ديوانه عليه السلام قد اشتمل على أسماء خمسة عشر ألفاً ممن بايعه من أهل الكوفة، وبلا شكك أن الكثير منهم كانوا زيدية المنهج.

الزيدية في نجد والحجاز

ثم انتشر المذهب الزيدي وتوسعت رقعته عبر التأريخ، حتى ضم شبه الجزيرة العربية بما فيها نجد والحجاز واليمن؛ ففي بلاد نَجْد نَجِدُ أن أهل اليمامة كانوا على مذهب الزيدية، وفي الحجاز وعلى وجه الخصوص مكة وينبع، كان للزيدية مكانتها ووجودها؛ حيث كان أشرافها جميعاً على المذهب الزيدي حتى قرون قريبة متأخرة، ومن أمراء مكة الزيديين الشريف الكبير قتادة بن إدريس الذي أذَّن في عصره بحي على خير العمل في الحرم المكي الشريف، وجدد بناء مرقد الإمام الحسين بن علي الفخي عليهما السلام.

الزيدية في المغرب

وفي المغرب الأقصى كان للزيدية حضورها المشرف؛ وذلك بخروج الإمام إدريس بن عبدالله الكامل - عليهما السلام- إليها، ودعوته إلى الله؛ حيث أسس بها أول دولة للزيدية سنة 172هـ، والتي عرفت بدولة الأدارسة، ثم قام بالدعوة بعده ابنه إدريس بن إدريس، الذي كان على منهج آبائه عليهم السلام، فسار بسيرة أبيه من نشر العدل، وإقامة معالم الدين؛ واستمرت الزيدية بالمغرب حتى انتهاء دولة الأدارسة في القرن الخامس الهجري تقريباً، ثم انتقل أهلها تدريجياً إلى مذهب الإمام مالك، وأصبح المذهبَ السائدَ بها إلى يومنا هذا, قال في كتاب "الاستئناس بتراجم فضلاء فاس" في ترجمة درَّاس بن إسماعيل (ص153): (وممن أدخل مذهب مالك إلى المغرب, وكان أهله قبله على مذهب الكوفيين والزيديين).

الزيدية في بلاد المشرق

وخلال الفترة التي أسس فيها الإمام إدريس دولة زيدية بالمغرب، كان أخوه الإمام يحيى بن عبدالله قد توجه إلى الديلم من بلاد المشرق، فنشر بها المذهب الزيدي، وأسلم على يديه كثير من أهلها؛ ثم توسعت الزيدية بعد ذلك إلى طبرستان وجرجان ونيسابور من أعمال خراسان في زمن الإمام الداعي الكبير الحسن بن زيد منذ سنة 250هـ، ثم في زمن أخيه الإمام محمد بن زيد عليهما السلام.

وفي سنة 284هـ قام الإمام الناصر الأطروش بالجيل والديلم داعياً إلى الله، فدخلت جيلان في دعوته، ونشر الإسلام في تلك المناطق، بعد أن كان أهلها يعبدون الحجر والشجر، حتى بلغ عدد من أسلم على يديه ألف ألف نسمة، أي مليون نسمة، وتيسر على يديه تثبيت دعائم الدولة الكريمة القائمة على العدل والدين والكرامة منهاج سلفه منهاج الكتاب والسنة.

ثم جاء بعده الإمام الداعي الحسن بن القاسم، الذي أقام أَوَدَ الدين الحنيف في نيسابور والري ونواحيهما، وفي الجيل والديلم، ثم جاء بعده عدد من الأئمة كابنه الإمام أبي عبدالله الداعي والإمامين أبي طالب وأخيه المؤيد بالله وغيرهم؛ وعلى هذا المنوال تعاقب أئمة الزيدية على بلاد المشرق؛ ليبقى المذهب الزيدي قائماً فيها بعقائده ومبادئه، فبلغ أذربيجان وبيهق وخراسان وتركستان وغيرها من البلدان.

وأئمة الزيدية هم من نشروا الإسلام في المشرق الأقصى والمغرب الأقصى، بعدلهم وعلمهم وحسن دعوتهم، بعد أن كان ظلم الحكام قبلهم يحول دون انتشاره.

الزيدية في اليمن

وبالنسبة لليمن، فمؤسس الدولة الزيدية فيها هو الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام، والذي قدم إلى اليمن بدعوة من أهلها سنة 280هـ، وكانت هذه الخرجة الأولى، ثم كانت له خرجة ثانية في سنة 284هـ، فأقام الدين، وأحيا فرائضه، ووضع حجر الأساس لهذه الدولة الزيدية، واتخذ من صعدة عاصمة لحكمه، فأقام أكبر وأطول دولة عرفتها الزيدية، والتي استمرت - وهي في حالة مدٍّ وجزر- حتى ثورة 26 سبتمير، سنة 1962م .

لقد نشأت الدولة الزيدية - التي أسسها الإمام الهادي عليه السلام- في المناطق الشمالية من اليمن، وظل تواجدها لفترة طويلة محصوراً في هذه المناطق، مع بعض التمدد والانكماش؛ ثم بدأت في أوائل القرن الحادي عشر بالتغلغل في جنوب اليمن وتهامة حتى امتدت إلى حضرموت في أيام الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم عليهما السلام؛ كما توسعت هذه الدولة في أيام الإمام يحيى حميد الدين وابنه الإمام أحمد عليهما السلام، حتى شملت إب وتعز وبعض المناطق الجنوبية.

ومع أن الدولة الزيدية قد انتهت بعد ثورة 26 سبتمبر، فقد بقيت الزيدية - فكراً وعقيدة- هي المذهب السائد في أغلب مناطق اليمن الميمون، بفضل علماء أهل البيت المطهرين، وشيعتهم المخلصين، حتى قام منهم بالدعوة من قام بعد ذلك، وكان آخرهم مجدد الزيدية، وإمام زمانه، المولى الحجة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي سلام الله عليه .

العلاقة بين زيدية اليمن وزيدية المشرق

ومن الجدير بالذكر أنه وبالرغم من بُعد المسافة بين المجتمع الزيدي في اليمن والمجتمع الزيدي في المشرق، إلا أنه ربطت بين المجتمعين علاقة وثيقة، وتبادل فكري كبير، وذلك من خلال قدوم علماء من الزيدية البيهقيين والطبريين وغيرهم إلى اليمن، ونقلهم لتراث الزيدية ومعارفها في تلك المناطق، والعكس.

زيدية مصر

وأيضاً فقد كان للزيدية تواجد في صعيد مصر في العصر المملوكي؛ فقد كان جماعة من الأشراف المتواجدين فيها بجميع فروعهم على مذهب الزيدية، ولكن هذا التواجد قد خف في عصر الظاهر بيبرس، الذي اتخذ أقصى الإجراءات لحصر القضاء في المذاهب السنية الأربعة في عام 663هـ، مما أدى لإزاحة الزيدية من الساحة المصرية؛ ومع ذلك فإن الزيدية لم تنتهِ في مصر، فقد ظل الأشراف على المذهب الزيدي مدة من الزمن؛ حيث يذكر أبو المحاسن(وهو مؤرخ مملوكي) في كتابه "النجوم الزاهرة" بأن أحد أهالي الصعيد حكى له: ((أن غالب مزارعي بلدتنا أشراف علوية))؛ وفي موضع آخر من "النجوم الزاهرة" يقول أبو المحاسن عن الأشراف العلوية بصعيد مصر:((كان معظمهم شيعة زيدية ويتجاهرون بذلك))؛ ويلاحظ أن بعضاً من قبائل آل البيت بمصر قد تحولوا إلى المذهب الإسماعيلي في العصر الفاطمي؛ وحالياً فإن أغلب قبائل آل البيت بمختلف فروعها بمصر سنية في مذهبها.

وهكذا كان تواجد الزيدية في  العديد من البلدان على مر التأريخ الإسلامي، وليس ذلك إلا بجهود أئمة المذهب الزيدي وعلمائه وأتباعه؛ ولكن - وللأسف- فإن هذا الانتشار قد تقلص نتيجة ظروف الحكم في البلدان، وملابسات شتى سيأتي الكلام عنها، حتى لم يبقَ للزيدية وجود معتبر إلا في اليمن، مع تواجد بسيط في بعض الدول الأخرى.

أسباب اختفاء المذهب  الزيدي من الكثير من البلدان

بلا شك أن لتقلص الفكر الزيدي واختفائه من الكثير من البلدان أسباب ومبررات، فمن غير المنطقي أن يصل هذا الفكر الأصيل، والقائم على الحجة والدليل إلى الكثير من البلدان ثم يتركه الناس، ولا يرغبون إليه؛ ويمكن للمتتبع للتأريخ الإسلامي عموماً والتأريخ الزيدي خصوصاً معرفة هذه الأسباب من خلال البحث والتتبع؛ ولنذكر خلاصة ذلك في عدد من النقاط:

· إن من الأسس التي يقوم عليها المذهب الزيدي كما ذكرنا سابقاً "وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج على الظالم"، وبلا شك فإن هذا المبدأ قد عارض أهواء الحكام والسلاطين في الدولتين الأموية والعباسية وغيرهما؛ مما دعا هذه الدول إلى محاربة هذا الفكر أشد المحاربة، والسعي لإنهائه بشتى الطرق والأساليب، حتى قتل من قتل من أئمة الزيدية وأتباعهم، وشرد من شرد منهم، فكانوا متخفين في كثير من الأوقات، لا يأمنون على أنفسهم.

· الترهيبُ الفكري للدول ضد كل من ينتسب إلى الزيدية كان عاملاً في عدم رغبة الكثير في ظهور هذه النسبة؛ وقد دل على ذلك كلام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي حين قال: "أنا زيدي إذا أمنتُ على نفسي، حنفي إذا خفت".[الهادي الوزير, نهاية التنويه في إزهاق التمويه، ص223].

· محاولة الدول لتشويه الزيدية وأئمتها، والكلام عنها بما ليس فيها، والادعاء عليها بالأكاذيب، حتى نفر البعض عنها.

· تبني الدول لغيره من المذاهب الإسلامية الأخرى, كتبني الحكام الأمويين في الأندلس للمذهب المالكي، وتبني الظاهر بيبرس في مصر للمذاهب السنية الأربعة, وتبني الدولة الصفوية في إيران للمذهب الجعفري, ثم فرض هذه المذاهب على رعيتها, كل هذا أدى إلى انحسار المذهب الزيدي عن تلك الدول.

· ضعف الحركة العلمية في الوسط الزيدي، وموت العلماء مع عدم اشتغال الأتباع بالعلم والمحافظة على قواعد المذهب, مما يجعل الخلف لا ينتسبون إليه إلا بالاسم, مما يؤدي إلى تلاشيه مع مرور الزمن.

سعي المذهب الزيدي لتحقيق الوحدة الإسلامية

ظل المذهب الزيدي خير داعية للوحدة الإسلامية، وترك ما يسبب الخلافات؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، ومن واجبات المسلمين تجاه هذا الدين العظيم، ومما ينبغي أن تلتفت إليه جميع المذاهب؛ ليكون الدين الإسلامي كما أراده الله سبحانه وتعالى، دين صفاء وتسامح ووحدة وسعة، لا دين إرهاب وتناحر وتقاطع وتدابر، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، {ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وغيرها من الآيات؛ وقد سعت الزيدية لتحقيق هذه الوحدة الإسلامية عدداً من المبادئ والأفكار؛ منها:

· النظر إلى مسائل الفروع أنها مسائل اجتهادية، لكل مجتهد فيها نصيب ورأي، فلا ينبغي الإنكار على المجتهد ما دامت له أدلته واجتهاده شرعي، والاهتمام بالأصول التي يقل أو يندر الخلاف فيها؛ لأن بالتمسك بها تتحقق الوحدة الإسلامية.

· أن من قواعد الزيدية أنه لا يجوز التكفير أو التفسيق إلا بدليل قطعي، وهذا يوقف الإنسان عند حده، وهو ما تحتاجه وحدة الأمة.

· أن الزيدية بعيدة عن السباب والشتم للمخالفين لها من المذاهب الأخرى، أو التعدي عليها بما لا يجوز من القول أو الفعل.

· الدعوة إلى الوحدة الإسلامية في المؤتمرات والاجتماعات العلمائية في مختلف الدول، وكان آخرها دعوة الدكتور المرتضى المحطوري في أحد المؤتمرات، التي دعا فيها علماء المذاهب للكتابة عن مذاهبهم- فصاحب البيت أدرى بالذي فيه-؛ بحيث تكون هذه الكتابات هي المعتمد، ومن خلالها يتم النقد والنظر إلى كل مذهب.

· وضوح المذهب الزيدي، وعدم إحاطته بالأغشية المبهمة، وجلاء عقائده.

· التعايش مع المذاهب المختلفة، وترك التحجر والعصبية، كما عرف ذلك من مئات السنين، كتعايش الزيدية مع الشافعية في اليمن، وغير ذلك.

الزيدية دستور دولة

الزيدية واسطة عقد الاعتدال الذي لو نظر إليه المنصفون بعقائده وفروعه لوجدوه قنطرة الوصول إلى جمع شتات هذه الأمة، ففي ظل الدول الزيدية التي قامت في مختلف البلدان عبر العصور عاشت المذاهب المختلفة معها مطمئنة آمنة، لا تخاف على عقائدها، ولا تجبر على ترك آرائها.

والزيدية جديرة بأن تكون دستور دولة لما تحمل من عقائد وقواعد تأهلها لذلك؛ فمن خلال الاجتهاد - مثلاً- استطاعت الزيدية أن تجعل الصدور واسعة رحبة، تتقبل الآراء المختلفة ما دامت من علماء مجتهدين واجتهادهم شرعي.

وأيضاً فإن من قواعد الزيدية الجمع بين الأدلة التي يكون ظاهرها التعارض، ولا يخالف واحد منها دليلاً قطعياً، وغيرها من القواعد التي يتسم بها المذهب الزيدي مما بها يُلمُّ شمل الأمة، ويزول تشتتها.

وبهذا يتحقق أن الزيدية دستور للشعوب، وقانون تعبر من خلاله المذاهب إلى الوحدة الإسلامية.

 

;

22-17-2019

كان الإمام زيد بن علي عليهما السلام موسوعة علمية فريدة في مختلف العلوم الدينية الإسلامية والإنسانية, وله إسهامات في كل فرع منها؛ ولنلقي الضوء - هنا- على جانب من هذه الإسهامات بشيء من الاختصار.

أولاً: في العلوم الدينية

العلوم الدينية هي العلوم المتعلقة بالإسلام كدين، كعلوم القرآن, وعلوم الحديث, وعلم الكلام, وعلم أصول الفقه, وعلم الفقه, وعلوم اللغة؛ ولنذكر دوره في هذه العلوم بنوع من التفصيل، كما يلي:
علوم القرآن: وهي العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم، قراءةً، وتفسيراً، وناسخاً ومنسوخاً.
ولا تخفى علاقة الإمام زيد بن علي عليهما السلام بالقرآن الكريم؛ فقد كان يوصف عند الناس بـ(حليف القرآن)؛ لكثرة تدبُّره وتأمُّله فيه, وقال عليه السلام عن نفسه: (خلوت بالقرآن ثلاث عشرة سنة أقرؤه وأتدبره), وقال عليه السلام: والله ما خرجت ولا قمت مقامي هذا حتى قرأت القرآن، وأتقنت الفرائض، وأحكمت السنن والآداب، وعرفت التأويل كما عرفت التنزيل، وفهمت الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، وما تحتاج إليه الأمّة في دينها مما لا بدّ لها منه ولا غنى لها عنه، وإني لعلى بينة من ربي).
وقال عنه الإمام جعفر الصادق: (كان بالقرآن عالماً, وقال عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب: (وإنه ليسمع الشيء من ذكر الله فيغشى عليه حتى يقول القائل ما هو بعائد إلى الدنيا), وقال عمر بن موسى الوجهي: (وما رأيت أعلم بكتاب الله عز وجل, وناسخه ومنسوخه, ومشكله وإعرابه منه), وقال سلمة بن كهيل: (ما رأيت أنطق لكتاب الله من الإمام أبي الحسين), وقال السيد أبو طالب عن خصائص الإمام: (اختصاصه بعلم القرآن ووجوه القراءات، وله قراءة مفردة مروية عنه).
إذن فقد برع الإمام زيد عليه السلام في علوم القرآن ومعارفه المختلفة، وحاز أزمَّتها؛ ومن هذه العلوم:

أ- قراءة القرآن: ظهر تضلع الإمام زيد عليه السلام بعلم القراءة من خلال مناظراته عن علل القراءات، من روايته عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ومن الشعر العربي, وقد عني القراء والدارسون للقراءات بقراءته فقد جمعها عدد من المهتمين بالقراءات في كتب مستقلة منهم: عمر بن موسى الوجهي, والحسن بن علي الأهوازي, وأبو حيان التوحيدي, وذكرها آخرون مع غيرها, واكتفى قسم ثالث بالاستشهاد بها.

ب- تفسير القرآن: كان للإمام زيد عليه السلام السبق في التأليف في هذا الباب, وكان مؤلفه المسمى (تفسير غريب القرآن) أول باكورة من هذا النوع في الصعيد الإسلامي, ولهذا يعد أهم كتاب في غريب القرآن, وسار على نهجه فيه من جاء بعده كأبي عبيدة معمر بن مثنى البصري المتوفى سنة 209هـ في كتابه (مجاز القرآن)، والذي ظهر جلياً تأثير الإمام زيد بن علي عليهما السلام فيه, وكذلك تفاسيره المتفرقة في كتب التراث, فقد روي عن الإمام زيد بن علي تفاسير عديدة مسندة ومرسلة لكثير من الآيات ولأكثر من مذهب.

ج- الناسخ والمنسوخ: وله عليه السلام مشاركة بعد إتقانه له كما قال: (..وفهمت الناسخ والمنسوخ..), وروى: (لا يفتي الناس إلا من قرأ القرآن، وعلم الناسخ والمنسوخ، وفقه السنة، وعلم الفرائض والمواريث), ويرى الإمام زيد بن علي عليهما السلام: أن (المحكمات هن الناسخات، والمتشابهات هن المنسوخات).

علوم الحديث: وهي العلوم المتعلقة بالمرويات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تدوين وحفظ، وصيانة وتحقيق.
التدوين والحفظ: يُعدُّ مجموع الإمام زيد بن علي عليهما السلام أول مدون حديثي فقهي في الإسلام, فقد جمعه الإمام زيد عليه السلام في كتاب يقول عنه أبو خالد الواسطي رحمه الله تعالى: (سمعناه من كتاب معه قد وطأه وجمعه فما بقي من أصحاب زيد بن علي عليهما السلام ممن سمعه إلا قتل غيري), إضافة إلى مروياته عليه السلام المتفرقة في كتب التراث الإسلامي والتي رواها عنه أكثر من مائة وأربعة وخمسين راوياً.

الصيانة والتحقيق: وذلك لمَّا كثر الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام وضع الإمام زيد بن علي عليهما السلام أصولاً للكشف عن صحة نسبتها إليهم, وهي أول أصول موضوعة للتحقيق, قال عليه السلام: (فمن جاءك عني بأمر أنكره قَلَبُك، وكان مبايناً لما عهدته مِنِّي، ولم تفقهه عَنِّي، ولم تره في كتاب الله عز وجل جائزاً، فأنا منه برئ، وإن رأيت ذلك في كتاب اللّه عز وجل جائزاً، وللحق مُمَاثِلاً، وعهدت مثله ونظيره مني، ورأيته أشبه بما عهدته عني، وكان أولى بي في التحقيق، فاقبله فإنَّ الحق من أهله ابتدأ وإلى أهله يرجع), وترتيب هذه الأصول كما يلي: إنكار القلب, المباينة للمعهود, المخالفة للمشهور, المخالفة للقرآن, المخالفة للحق, والمراد بالحق هو الثابت المقطوع عقلياً أو تاريخياً أو دينياً أو واقعياً.

وقد تبنى من هذه الأصول لنقد المتون جمعٌ من المحققين؛ منهم: الخطيب البغدادي - المتوفى سنة 463هـ -, وأبو حامد الغزالي - المتوفى سنة 505هـ , وابن القيم الجوزية - المتوفى سنة 751هـ -, وابن كثير الدمشقي - المتوفى سنة 774هـ -, وغيرهم؛ ومن الإمامية الاثني عشرية: أبو جعفر الطوسي المتوفى سنة - 460هـ -, وعبد الله المامقاني - المتوفى سنة 1351هـ -, ومحمد تقي التستري - المتوفى سنة 1415هـ -, ومحمد الطباطبائي - المتوفى سنة 1402هـ  - .

علم الكلام، ومعرفة الله تعالى وتوحيده وعدله، وما يترتب عليهما, وهو من العلوم التي اختص بها عليه السلام، قال السيد أبو طالب عليه السلام: (اختصاصه بعلم الكلام، الذي هو أجل العلوم، وطريق النجاة والعلم الذي لا ينتفع بسائر العلوم إلا معه، والتقدم فيه، والاشتهار عند الخاص والعام, هذا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ يصفه في صنعة الكلام ويفتخر به ويشهد له بنهاية التقدم، وجعفر بن حارث في كتاب الديانة، وكثير من معتزلة بغداد كمحمد بن عبد الله الإسكافي وغيره، وينسبون إليه في كتبهم، ويقولون: نحن زيدية), وللإمام زيد بن علي عليهما السلام مساهمات فاعلة في تصحيح الانحرافات العقدية المنسوبة إلى الإسلام والتي من خلالها تردى الوضع, وشُرْعِنَ الظلم والطغيان, ومجموع رسائله المطبوع خير شاهد وبرهان على ذلك؛ ففي التوحيد: أعلن الإمام عليه السلام التنزيه المطلق لله تعالى مقابل التشبيه الطاغي فقال: (إني أبرأ إلى الله من المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه), وكان يفسر الآيات والأحاديث المتشابهات على مقتضى قاعدة التنزيه في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:11] .
وفي العدل: أعلن براءته من الجبر وأتباعه ومن الإرجاء والمرجئة فقال: (إني أبرأ إلى الله من ... ومن المجبرة الذين حملوا ذنوبهم على الله, ومن المرجئة الذين طمعوا الفساق في عفو الله), وقال عليه السلام: (سبحانه وتعالى عما تَقُولُ المُجْبِرةُ والمشبِّهةُ علواً كبيراً؛ إذ زعموا أن الله سبحانه وتعالى خَلَقَ الكُفْرَ بنفسهِ، والجحودَ والفِرْيَةَ عليه..., فقالوا: منه جَمِيْعُ تَقَلُّبِنَا في الحركات، التي هي: المعاصي، والطاعات، وإنه محاسبنا يوم القيامة على أفعاله التي فعلها، إذْ خَلَقَ: الكفر، والزِّنا، والسَّرقة، والشِّرك، والقتل، والظلم، والجور، والسَّفَه؛ ولولا أنه خَلَقَها - زعموا - ثم أجْبَرَنا عليها، ما قَدَرْنَا على أن نَّكْفُرَ، وأن نُشْرِكَ، أو نُكَذِّب أنبياءه، أو نجحد بآياته، أو نقتل أولياءه، أو رُسُلَه، فلما خَلَقَهَا وجَبَرَنا عليها، وقَدَّرها لنا، لم نخرج من قضائه وقَدَرِه، فَغَضِبَ علينا، وعذَّبنا بالنار طول الأبد.

كلا وباعِثِ المرسلين، ما هذه صِفَةُ أحكم الحاكمين، بل خلقهم مُكَلَّفِين مستطيعين مَحْجُوْجِيْنَ مأمورين منهيين، أمرنا بالَخْيرِ ولم يمْنَعْ منه، ونهى عن الشَّر ولم يُغْرِ عليه)().

وفي الوعد والوعيد: بعد ما انتشر القول بإخلاف الوعيد؛ تقليداً لليهود كما أخبر عنهم الله تعالى في كتابه المجيد {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة:80], وتعلقوا بآيات متشابهات {ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ}[آل عمران:7], كقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}[النساء:48] وقد بين معناه الإمام زيد عليه السلام بقوله: (وسأبين لمن ضل عن هذه الآية كيف تفسيرها, الذين يشاء لهم المغفرة هم الذين أنزل فيهم: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً}[النساء:31], فمن وعد اللهُ من أهل القبلة النارَ بكبيرة أتاها فإن الله تعالى قال: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الْمِيْعَادَ}[الرعد: 31]، وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا}[مريم:61]، وقال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيْدِ}[ق: 29]) .

وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فبعد أن عُطِّل هذا الأصل العظيم والذي منه الجهاد, لم يقتصر إسهام الإمام زيد بن علي عليهما السلام في ترسيخ هذا الأصل من الناحية النظرية فحسب؛ بل أيده بالخروج العملي والذي انتهى باستشهاده عليه السلام, بل يعتبر الإمام زيد محيي هذا الأصل, وفاتح باب الجهاد, قال الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله عليهما السلام: (والله لقد أحيا زيد بن علي ما دثر من سنن المرسلين، وأقام عمود الدين إذ اعوج، ولن ننحو إلا أثره، ولن نقتبس إلا من نوره، وزيد إمام الأئمة، وأول من دعا إلى الله بعد الحسين بن علي عليهم السلام), وقال الإمام الحسين الفخي عليه السلام: (من قام منا أهل البيت داعياً إلى الله وإلى كتابه وإلى جهاد أئمة الجور فهو من حسنات زيد بن علي، فتح والله لنا زيد بن علي باباً إلى الجنة وقال لنا: ادخلوها بسلام).

قال الإمام زيد بن علي عليهما السلام في بيان قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة:71]: (فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده؛ ولعَمْرِي لقد استفتح الآية في نَعْت المؤمنين بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاعتبروا عباد الله وانتفعوا بالموعظة؛ وقال تعالى في الآخرين: {وَالْمُنَافِقُوْنَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأَمُرُوْنَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوْفِ}[التوبة:67]؛ فلعَمْرِي لقد استفتح الآية في ذمهم بأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف، فاعتبروا عباد الله وانتفعوا، واعلموا أن فريضة الله تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها، هَيِّنُها وشَدِيْدُها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الدعاء إلى الإسلام، والإخراج من الظُّلْمَة، ورَدُّ الظالم، وقِسْمَة الفَيء والغنائم على منازلها، وأخذ الصَّدقات ووضعها في مواضعها، وإقامة الحدود، وصِلَة الأرحام، والوفاء بالعهد، والإحسان، واجتناب المحَارم، كل هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الله تعالى لكم: {وَتَعَاوَنُوْا عَلَىْ البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوْا عَلَىْ الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوْا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيْدُ العِقَابِ}[المائدة:2]).
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: (وكان زيد بن علي -عَلَيْه السَّلام- أول من سن الخروج على أئمة الجور، وجرد السيف بعد الدعاء إلى الله).

وفي الإمامة: وهي الرئاسة العامة المحكومة بالشرع, أبان الإمام زيد عليه السلام مسألة الأولوية في تقلدها، فقال: (قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين علي صلى الله عليه، ثم قبض أمير المؤمنين علي صلى الله عليه فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قبض أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام), وفي الشروط الواجب توفرها للمرشح للإمامة, قال عليه السلام: (لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال: حتى يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وعلم الحلال والحرام، والسنة الناسخة ما كان قبلها، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان لمثل ما فيه وله، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي، والسيرة في أهل الشرك، ويكون قوياً على جهاد عدو المؤمنين، يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، لا يُسلِمَهم حَذَر دائرة، ولا يخالف فيهم حكم الله تعالى، فهذه صفة من يجب طاعته من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم), وفي طرق تولي الإمامة يرى عليه السلام الدعوة والخروج مع كمال الخصال المعتبرة, قال عليه السلام: (فالإمام منا المفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين: الخارج بسيفه, الداعي إلى كتاب الله وسنة نبيه، الظاهر على ذلك, الجارية أحكامه، فأما أن يكون إمام مفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين متكئ فرشه مرجئ على حجته، مغلق عنه أبوابه تجري عليه أحكام الظلمة، فإنا لا نعرف هذا).

علم الفقه: هو العلم أو الظن بجُمَل من الأحكام الشرعية وعللها وأسبابها وشروطها, والإمام زيد بن علي عليهما السلام كان فقيهاً مجتهداً بل فاتح باب الاجتهاد (ولم يكن في زمانه أفقه منه، ولا أعلم، ولا أسرع جواباً، ولا أبين قولاً لقد كان منقطع القرين) كما قال أبو حنيفة, وقد خلف الإمام عليه السلام تراثاً فقيهاً جليلاً تميز بالواقعية وسعة الأفق وأصالة المصادر ودُّوِنَ في (المجموع) و(كتاب مناسك الحج والعمرة), بالإضافة إلى ما نقل عنه من فتاوى وأنظار في كتب التراث الإسلامي, قال عنه الشيخ أبو زهرة: (وقد أثر عن زيد فقه عظيم تلقاه الزيدية في كل الأقاليم الإسلامية، وفرعوا عليه وخرَّجوا، واختاروا من غير ما تلقوا، واجتهدوا ومزجوا ذلك كله بالمأثور عن فقه الإمام زيد بن علي- رضي الله عنه - وتكونت بذلك مجموعة فقهية لا نظير لها، إلا في المذاهب التي دونت وفتحت فيها باب التخريج، وباب الاجتهاد على أصول المذهب، ولعله كان أوسع من سائر مذاهب الأمصار، لأن المذاهب الأربعة لا يخرج المخرجون فيها عن مذهبهم إلى مرتبة الاختيار من غيره .. نعم أنهم يقارنون بين المذاهب أحياناً، كما نرى في المغني الحنبلي، وفي المبسوط الحنفي، وفي بداية المجتهد ونهاية المقتصد الذي ألفه ابن رشد من المالكية، والمهذب للشيرازي من الشافعية، ولكن هذه المقارنات إما أن ينتهي المؤلف إلى نصر المذهب الذي ينتمي إليه والدفاع عنه، كما نرى في مبسوط السرخسي، والمغني، وإما أن يعرض الأدلة وأوجه النظر المختلفة من غير ترجيح، ويندر أن يكون اختيار إلا في القليل، كما نرى في اختيارات ابن تيمية، إذ قد خرج من هذا النطاق، وقد اختار من مذهب آل البيت مسائله في الطلاق الثلاث، والطلاق المعلق، وكما نرى في اختيارات قليلة لكمال الدين بن الهمام من المذهب الحنفي، كاختيار رأي مالك في ملكية العين الموقوفة.
أما المذهب الزيدي فإن الاختيار فيه كان كثيراً، وكان واسع الرحاب، وقد كثر الاختيار حتى في القرون الأخيرة، وكان لذلك فضل في نمائه وتلاقيه مع فقه الأئمة الآخرين)().

5- علم أصول الفقه: هو علم بقواعد يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية, فهو الطرق الموصلة إلى الفقه, وكان أول واضع لقواعده أمير المؤمنين عليه السلام, قال السيد العلامة علي بن عبدالله بن القاسم: (أجمع أهل البيت المطهرين ومن تبعهم على ذلك من سائر المسلمين أنه عليه السلام - أي الإمام علي- الذي فتح بابها, وعرف أسبابها, وبين صفاتها, وقواعدها, وكلامه عليه السلام ورسائله وخطبه التي يرويها المؤالف والمخالف بهذا شاهدة وبما أشرنا إليه ناطقة)(), وقد أسهم الإمام زيد بن علي عليهما السلام في ترسيخ هذا العلم بوجوه عدة منها:- بيان مراتب الأدلة الشرعية, روى عليه السلام: ((أول القضاء ما في كتاب الله عز وجل ، ثم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ما أجمع عليه الصالحون، فإن لم يوجد ذلك في كتاب الله تعالى ولا في السنة ولا فيما أجمع عليه الصالحون اجتهد الإمام في ذلك لا يألو احتياطاً، واعتبر، وقاس الأمور بعضها ببعضٍ؛ فإذا تبين له الحق أمضاه، ولقاضي المسلمين من ذلك ما لإمامهم)) .
- حجية إجماع العترة: قال عليه السلام: (الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان)، وقال: (فإن الله عز وجل قد فضلهم على الخلق بالهدى والطاعة، وأعلمَ الناسَ عصمَتَهم، فلا يضلون عن الحق أبداً).
- حجية قول أمير المؤمنين عليه السلام: قال عليه السلام: (وعليك بعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه، فإنه كان باب حكمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان وصيه في أمته، وخليفته على شريعته، فإذا ثبت عنه شيء فاشدد يدك به، فإنك لن تضل ما اتبعت علياً صلوات الله عليه وسلامه).
- شروط الاجتهاد: فقد روى عليه السلام: ((لا يفتي الناس إلا من قرأ القرآن، وعلم الناسخ والمنسوخ، وفقه السنة، وعلم الفرائض والمواريث)) .

6- علوم اللغة: وهي العلوم المتعلقة باللغة العربية، كالنحو، والصرف، والبيان، والمعاني، والشعر، والحكم، والرسائل، والخطب, والإمام زيد عليه السلام كان متقناً لعلوم اللغة العربية خبيراً بها، شهد له أدباء عصره بذلك كالشاعر الكميت بن زيد الأسدي القائل: (ما رأيت قط أبلغ من زيد بن علي)(), والأديب خالد بن صفوان المنقري القائل: (انتهت الفصاحة، والخطابة، والزهادة، والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي), وكان عالم النحو الشهير سيبويه يحتج بما روي عن الإمام زيد من أشعار كما ذكر في كتاب نور الأبصار؛ ويمكن النظر لإسهام الإمام زيد بن علي عليهما السلام في النحو والصرف في قراءته المنشورة, وأما الخطب والمواعظ والحكم فمنشورة أيضاً ومجموعة, ومن الخطب: (الحمد لله على ما ابتدأنا به من نعمه، والحمد لله على ما ألهمنا من حمده، والحمد لله على جميع لطفه بنا وأياديه عندنا، اللهم وإنا لا نبلغ منتهى الحمد الواجب لك أبداً إذ كان حمدنا إياك على ما عرفتناه من نعمة يجب حمدك عليها وشكرك بها..), ومن حكمه عليه السلام: (الداعي إلى الله بغير عمل كالرامي بغير وتر), و(من استشعر حب البقاء استدثر الذل إلى الفناء), ومن أشعاره عليه السلام:
السيف يعرف عزمي عند هبته
إنّا لنأمل ما كانت أوائلنا


والرمح بي خبر والله لي وزر
من قبل تأمله إن ساعد القدر


ومنه:
لو يعلم الناس ما في العرف من شرف
وبادروا بالذي تحوي أكفّهم


لـشرفوا العرف في الدنيا على الشرف
من الخطير ولو أشفوا على التلف


ثانياً: في العلوم الإنسانية
العلوم الإنسانية هي العلوم الاجتماعية المتعلقة بنشاط الإنسان وحياته, كالتاريخ والسياسة والقانون والحقوق والحريات والتربية:
علم التأريخ: هو حكاية الماضي الإنساني ونقله أو تدوينه, ومن عادة الناس أن يؤرخوا بالواقع المشهور والأمر العظيم، فأرخ بعض العرب بعام الختان لشهرته، وكانت العرب قديماً تؤرخ بالنجوم، إلى أن ظهر الإسلام وبدأ التأريخ لأهله بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولادة ومبعثاً وهجرة ووفاة()؛ كونه أعظم حدث في تاريخ البشرية، ولاعتبارات دينية؛ وعلاقة الزيدية بالتاريخ دينية في المقام الأول للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده من خلال تدوين سيرهم، والسير على إثرها؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}[الأحزاب:21], وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[الممتحنة:6].
وللاعتبار أيضاً؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}[يوسف:111], بمعرفة الحوادث، والكوارث، والوقائع، والكوائن، وأسباب الصعود والهبوط؛ لأن حياة الأمم موصولة, وحاضرها القريب وليد ماضيها البعيد, قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أي بني، إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره).

وللإمام زيد بن علي عليهما السلام عناية بالتاريخ, فقد كان مؤرخاً للحوادث السابقة على عصره, ومن ذلك ما روى عنه بشر أنه قال: (قتل أويس القرني يوم صفين), وإسحاق بن سالم وسعيد بن خثيم عنه أنه قال: (كان شعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر: يا منصور أمت), وفضيل بن الزبير عنه تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام, وقال الأجلح بن عبدالله: سمعت زيد بن علي، وعبدالله بن حسن، وجعفر بن محمد، يذكر كل واحد منهم عن آبائه وعمن أدرك من أهله وغيرهم أنهم سمّوا له من شهد مع علي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال: (وعبدالله بن بديل بن ورقاء، ومحمد بن بديل بن ورقاء الخزاعيان قتلا بصفّين، وهما رسولا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى أهل اليمن).

علم السياسة والقانون: علم السياسية هو: العلم الذي يتعلق بالسلطة الحاكمة بناءً وتوزيعاً وهدماً, وعلم القانون هو: العلم الذي يعتني بوضع القواعد المنظمة للحكم والسلوك, وللإمام زيد بن علي عليهما السلام مشاركة سياسية فاعلة تمثلت في القيام بالمعارضة والخروج على السلطة الحاكمة لإسقاطها, وقد سلك الإمام زيد عليه السلام منهجاً واقعياً فاعلاً في إسقاط النظام الظالم وإقامة دولة العدل الإسلامية, وتمثل المنهج في تقسيم المهمة السياسية إلى قسمين:
القسم الأول: مقدمات الخروج: وهي الإجراءات اللازمة للقيام بإسقاط النظام وبناء الدولة الجديدة، وهي كما يلي:
- النصح المباشر للحاكم: باعتباره رأس النظام والمسؤول الأول على كل الاختلالات الحاصلة في الدولة, وللإمام زيد عليه السلام نصائح عدة لهشام بن عبدالملك.

- المناظرة العلنية لعلماء الحاكم: وذلك لبيان فساد منهجهم في التبرير لفساد الحاكم وظلمه وإعلام أتباعهم بذلك, وللإمام زيد عليه السلام مناظرة مع علماء هشام بن عبدالملك بالشام، بل وله نصائح لكافة العلماء.

- بث التجاوزات بين الناس بكافة وسائل الإعلام الممكنة وذلك للتأليب على الحاكم والإعلام بعدم صلاحيته للبقاء والاستمرار.

القسم الثاني: شروط الخروج: فبعد تحقق ما سبق من مقدمات للخروج تأتي شروط الخروج الفعلية لكمال المراد على الوجه المطلوب، وهي كما يلي:

- وجود القيادة الموحدة - من إمام وفقهاء وأعلام - في الرؤية والأهداف المراد تحقيقها بعد إسقاط النظام القائم, وقد توفرت القيادة الموحدة للإمام زيد عليه السلام باعتبار الإمام وجمع من الأعلام.

- وجود القوة العددية والعتادية القادرة على الإطاحة بالحاكم وإقامة النظام الجديد على أنقاضه, وقد توفر ذلك للإمام زيد عليه السلام، وقد بلغ عدد أنصاره ما يقوم به الأمر ويحقق المراد.

- حصول غلبة الظن بنجاح الخروج في تحقيق الأهداف المنشورة من إزالة الظلم القائم وإقامة العدل, ولم يخرج الإمام زيد عليه السلام إلا بعد غلبة الظن بنجاح خروجه في تحقيق الأهداف المرجوه منه, ولولا نكث الأتباع وشراؤهم لتحقق المراد.

- تحديد الموعد المناسب للخروج على الحاكم وإسقاطه, وقد حدد الإمام زيد عليه السلام موعداً له على هشام بن عبدالملك كان ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة, ثم عجل الخروج نتيجة وقوف المخابرات الأموية على ذلك فكان في الخامس والعشرين من محرم.

وفي مجال القانون ووضع القواعد المنظمة للحكم وضع الإمام زيد عليه السلام قاعدة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فقد روى عليه السلام: ((حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يعدل في الرعية؛ فإذا فعل ذلك فحق عليهم أن يسمعوا وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا، وأيما إمام لم يحكم بما أنزل الله فلا طاعة له)), وروى: ((أيما والٍ احتجب من حوائج الناس احتجب الله منه يوم القيامة)), وفي بيان الشروط اللازمة للحاكم قال عليه السلام: (لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال: حتى يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وعلم الحلال والحرام، والسنة الناسخة ما كان قبلها، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان لمثل ما فيه وله، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي، والسيرة في أهل الشرك، ويكون قوياً على جهاد عدو المؤمنين، يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، لا يسلمهم حذر دائرة، ولا يخالف فيهم حكم الله تعالى، فهذه صفة من يجب طاعته من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).

علم الحقوق والحريات: هو العلم المتعلق بحق الإنسان الشامل الإنساني والديني والسياسي والمدني والاجتماعي, وحقوق الإنسان هي محور مقاصد الشريعة الإسلامية, وما شُرعت الشرائع إلا لمصالحه, فالواجبات لكونها ألطافاً, والمندوبات لكونها مسهلات للواجبات, والمحرمات لكونها مفاسد, ولا شك أن دفع المفاسد كالمصلحة, والمكروهات كونها مسهلة لتجنب المحرمات, وقد وضع الإمام زيد بن علي عليهما السلام وثيقة مستقلة في بيان الحقوق اللازمة بعنوان (رسالة الحقوق)، وقال للناس: (تدارسوها وتعلموها وعلموها من سألكم .. فتعلموها وعلموها), ومما جاء فيها: (اعلموا أن حقوق الله عز وجل مُحِيْطَةٌ بعباده في كل حَرَكة، وسبيل، وحال، ومنزل، وجارحة، وآلة؛ وحقوق الله تعالى بعضها أكبر من بعض.. إلخ, فذكر: حق الله الأكبر, وحق النفوس, وحق الجوارح, وحق الطعام, وحق الأفعال, وحق الأئمة والرعية, وحق العلماء والمتعلمين, وحق المُلاك, وحق الرحم, وحق المؤذن, وحق أئمة الصلاة, وحق الجلاس, وحق الجار, وقال في آخرها: وحقوق الله كثيرة، وقد حَرَّم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فجانبوا كل أمر فيه رِيْبَة، ودعوا ما يريب إلى ما لا يريب، والسلام).
وفي الحريات الفكرية والعملية دافع الإمام زيد بن علي عليهما السلام على تقرير حرية الإنسان في القول والعمل, وأنه مخير لا مسير, وعدم وجود جبر عليه في تصرفاته، بل وتبرأ ممن يفترض وجود ذلك بقوله: (إني أبرأ إلى الله من ... ومن المجبرة الذين حملوا ذنوبهم على الله).
وفي الحريات السياسية يرى الإمام زيد عليه السلام أن للإنسان الحرية المطلقة في المشاركة السياسية، فعندما قاد الثورة قال عليه السلام: (...فإن أجبتم سعدتم، وإن أبيتم خسرتم، ولست عليكم بوكيل).

علم التربية والأخلاق: هو العلم الذي يهتم بتنشئة الأفراد على القيم والأخلاق الحسنة, وقد سعى الإمام زيد بن علي عليهما السلام لبناء منظومة تربوية أخلاقية؛ لحماية المجتمع المسلم من الانحراف والفساد, وزرع القيم الأخلاقية فيه من الصدق والعدل، فكان يقول: (والله ما كذبت كذبة، منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله محرماً منذ عرفت أن الله يعاقب عليه).

فبدأ عليه السلام بتربية العلماء على سلوك الحق والصدع به، وذلك لما لهم من تأثير على العامة، كما قال عليه السلام: (وأنتم أيها العلماء عصابة مشهورة، وبالورع مذكورة، وإلى عبادة الله منسوبة، وبدراسة القرآن معروفة، ولكم في أعين الناس مهابة، وفي المدائن والأسواق مكرمة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويرهبكم من لا فضل لكم عليه، يبدأ بكم عند الدعوة والتحفة، ويشار إليكم في المجالس، وتشفعون في الحاجات إذا امتنعت على الطالبين، وآثاركم متبعة، وطرقكم تسلك، كل ذلك لما يرجوه عندكم من هو دونكم من النجاة في عرفان حق الله تعالى، فلا تكونوا عند إيثار حق الله تعالى غافلين، ولأمره مضيعين، فتكونوا كالأطباء الذين أخذوا ثمن الدواء واعطبوا المرضى، وكرعاة استوفوا الأجر وضلوا عن المرعى، وكحراس مدينة أسلموها إلى الأعداء، هذا مثل علماء السوء).

ثم اتجه عليه السلام إلى بناء المجتمع العلمي من خلال حث الناس على طلب العلم ونشره فكان يقول عليه السلام في مواضع عدة: (سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإنكم لن تسألوا مثلي، والله لا تسألوني عن آية من كتاب الله تعالى إلا أنبأتكم بها، ولا تسألوني عن حرف من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنبأتكم به)(), وروى عليه السلام: ((عالمٌ أفضل من ألف عابدٍ)), و((العلماء ورثة الأنبياء)), و((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة)).

والمجتمع العلمي المنشود لدى الإمام زيد بن علي عليهما السلام لا بد أن يكون فاعلاً في الواقع، فيترجم ما علمه نظرياً إلى التطبيق، وقد يعرضه ذلك إلى المخاطر ويجب عليه مواجهتها دون مراعاة لحب الدنيا وحلاوة العيش، لا سيما في الجهاد والثورة على الظالمين, وقد كرر عليه السلام في مواضع عدة قوله: (من أحب الحياة عاش ذليلاً), و(من أحب البقاء استدثر الذل إلى الفناء), ففتح عليه السلام باب الجهاد ومقارعة الظالمين، ورسخه كعقيدة دينية لكل الأحرار، وعليه ساروا في كل المواطن.
والاعتصام بحبل الله والوحدة عقيدة إسلامية لدى الإمام زيد عليه السلام حاول بكافة الطرق التربوية إيصالها إلى الناس؛ كونها استجابة لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: 103], فكان يقول: (والله لوددت أن يدي ملصقة بها - أي الثريا- فأقع إلى الارض أو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة وأنَّ الله أصلح بي أمة محمد صلى الله عليه وآله(, ويقول عليه السلام: )والله لو أعلم أنه تؤجج لي نار بالحطب الجزل، فأقذف فيها(وأن الله أصلح لهذه الأمة أمرها لفعلت).
وكان عليه السلام يوصي ابنه، وهي وصية للجميع بقوله: )يا بني اطلب ما يعنيك بترك مالا يعنيك, فإن في ترك مالا يعنيك دركا لما يعنيك, واعلم أنك تقدم على ما قدمت ولست تقدم على ما أخرت, فآثر ما تلقاه غداً على مالا تراه أبداً).

;

04-33-2019

بالرغم من أن حديث الغدير قد فاق غيره من الأحاديث تواتراً، وفاض عليهن طرقاً وإسناداً، إلا أننا نجد من يشكك في مصداقية هذا الخبر النبوي، متجاهلاً لكل أسانيده الجليلة عدداً، والرفيعة قدراً، وغاضاً بصره عن حجم رواته ومخرجيه؛ ومن أولئك ابن حزم الذي يقول: وأما ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فلا يصح من طريق الثقات أصلاً.[ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج4/ ص116].
وهناك من ذهب إلى ما ذهب إليه ابن حزم؛ وإذا قرأ الباحث المنصف كلامهم وتضعيفاتهم، سيجدهم يتعللون بعلات تنمُّ عن تعصب أو جهل، كنظرهم إلى بعض طرق الحديث الضعيفة وتعميمهم الحكم بالضَّعف عليه، متغافلين عن طرق الحديث الأخرى والكثيرة الصحيحة، أو تعللهم بأن الحديث لم يرد في صحيح البخاري ومسلم، مع أنه قد ورد في غيرهما من الصحاح والكتب المعتمدة وأن العلماء لا زالوا ينوهون أن البخاري ومسلم لم يستوعبا كل الأحاديث الصحيحة.
ومن أجل هذا فإننا هنا - زيادة على ما تقدم- سنذكر بعض علماء الحديث المشهورين والمعتمدين في هذا الجانب، ونورد نصوصهم على صحة الحديث، وردود بعضهم على من ضعفه؛ ليرى المنصف أن ما قاله أولئك لم يكن إلا  لتعصب أو جهل وتقصير في تتبع طرق الحديث؛ وإلا فإن حديث الغدير من أكثر الأحاديث تواتراً عند جميع المسلمين، بل قل أن يُنقل حديث كنقل حديث الغدير؛ وإليكم كلام بعض علماء أهل السنة في تصحيحه:
1) الترمذي
(هذا حديث حسن صحيح).[الترمذي، سنن الترمذي ج5/ ص633].

2) الحاكم الحسكاني
صحح عدة  طرق في المستدرك، منها حديث بريدة الأسلمي وزيد بن أرقم، وقال فيه كل واحد منهما: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. [الحاكم الحسكاني، المستدرك على الصحيحين، ج4/ ص195، ص196].

3) ابن حجر الهيتمي
وبيانه أنه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جدا ومن ثم رواه ستة عشر صحابيا وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون صحابيا وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته ولا لمن رده بأن عليا كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقول بعضهم إن زيادة اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها.[ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة، ج1/ ص106].

4) شمس الدين الذهبي في عدة مواضع
قال: وقال غندر: حدثنا شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « من كنت مولاه فعلي مولاه ». هذا حديث صحيح.[الذهبي، تاريخ الإسلام، ج3/ ص629].

وقال: وقد جمعتُ طرق حديث الطير في جزء، وطرق حديث: (من كنت مولاه) وهو أصح.[الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج17/ ص169].

وذكره بطرق شتى في تلخيص المستدرك وصحح غير واحد منها.[التلخيص ضمن المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج3/ ص613].

5) الألباني
قال: إسناده صحيح على شرط البخاري.[الألباني، السلسلة الصحيحة، ج4/ ص331].

وقال: فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، و أما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب! و هذا من مبالغته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها.[الألباني، السلسلة الصحيحة، ج4/ ص249].وفي عدة مواضع أخرى منه.

6) ابن كثير
قال في عدة مواضع: قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح.
وقال: إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثاً في الريث.[ابن كثير، البداية والنهاية ج5/ ص209، ص212].

7) ابن حجر العسقلاني
وأما حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، وقد روينا عن الإمام أحمد قال: ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب.[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، ج7/ ص74].

ورواه في تهذيب التهذيب في مواضع بعدة طرق وقال وقد جمعه بن جرير الطبري في مؤلف فيه أضعاف من ذكر وصححه واعتنى بجمع طرقه أبو العباس بن عقدة فأخرجه من حديث سبعين صحابيا أو أكثر.[ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج7/ ص339].

8) النووي
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه" فحديث صحيح.[النووي، فتاوى النووي، ص252].

9) ابن حبان
أخرجه في صحيحه.[ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج15/ ص375].

10) الشوكاني
قال: إسناده رجاله ثقات.[الشوكاني، در السحابة، ص145].

11) الحافظ نور الدين الهيثمي
في عدة مواضع فقال: رواه البزار، ورجاله ثقات.[نور الدين الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9/ ص107].
وقال في ص104: ورجال أحمد ثقات.
رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة.
______________________________________________

12) علي القاري
والحاصل أن هذا حديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عده متواتراً؛ إذ في رواية لأحمد أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثلاثون صحابياً.[الملا على القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج9/ ص3937].
وقال أيضاً في ص3944: وأقل مرتبته أن يكون حسنا فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا الحديث، وأبعد من رده بأن عليا كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم.

13) القسطلاني
قال: وطرق هذا الحديث كثيرة جداً، استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.[القسطلاني، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج2/ ص684].

14) ابن المغازلي
قال: قال أبو القاسم الفضل بن محمد: هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو من مائة نفس منهم العشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علة.[ابن المغازلي، مناقب علي لابن المغازلي، ج1/ ص71].

15) السمناني
قال: وهذا حديث متَّفق على صحَّته.[علاء الدين السمناني، العروة لأهل الخلوة، ص422].

16) الألوسي
قال: وكذا رواه النسائي بإسناد جيد قوى رجاله كلهم ثقات، وروي بإسناد آخر تفرد به، وقال الذهبي: إنه صحيح.[الألوسي، روح المعاني، ج3/ ص360].

17)  ابن شاهين
قال: وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو مائة نفس، وفيهم العشرة، وهو حديث ثابت، لا أعرف له علة. تفرد علي بهذه الفضيلة، لم يشركه فيها أحد.[ابن شاهين، شرح مذاهب أهل السنة، ص103].

18) الطحاوي
قال: وقد وجدنا بحمد الله ونعمته في ذلك حديثا صحيح الإسناد يخبر أن ذلك القول الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بغدير خم إنما كان في رجوعه إلى المدينة من حجه لا في خروجه منها إلى حجه.[الطحاوي، شرح مشكل الآثار، ج5/ ص16].
قال أبو جعفر: فهذا الحديث صحيح الإسناد, لا طعن لأحد في أحد من رواته.[الطحاوي، شرح مشكل الآثار، ج5/ ص18].

19) ابن عبد البر
قال بعد ذكر حديث المؤاخاة وحديثي الراية والغدير: هذه كلها آثار ثابتة.[ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3/ ص1100].

20) الكنجي الشافعي
قال بعد ذكر الحديث من طرق أحمد: أقول، هكذا أخرجه في مسنده وناهيك به راويا بسند واحد وكيف وقد جمع طرقه مثل هذا الإمام. وروى بإسناده عن المحاملي ثم قال: قلت: هذا حديث مشهور حسن روته الثقات، وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض حجة في صحة النقل.[الكنجي الشافعي، كفاية الطالب، ص15].

21) الحوت
حديث: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". رواه أصحاب السنن غير أبي داود ورواه أحمد وصححوه، وروي بلفظ: " من كنت وليه فعلي وليه "، رواه أحمد والنسائي والحاكم، وصححه.[الحُوت، أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب، ص285].

22) ابن الجزري
قال: هذا حديث حسن صحيح من وجوه كثيرة.
وقال أيضاً: رواه الجمّ الغفير عن الجم الغفير، و لا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم.[ابن الجزري، أسنى المطالب، ج1/ ص39].

23) المَلَطي، جمال الدين
قال: يؤيده الحديث الصحيح أنه كان هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم في رجوعه إلى المدينة من حجه.[المَلَطي، المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، ج2/ ص301].

24) نور الدين الحلبي
قال: وهذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته.[نور الدين الحلبي، السيرة الحلبية، ج3/ ص384].

25) ميرزا محمد البدخشي
هذا حديث صحيح مشهور، ولم يتكلم في صحته إلا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله، فإن الحديث كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وقد نص الذهبي على كثير من طرقه بالصحة، ورواه من الصحابة عدد كثير.[ميرزا محمد البدخشي، نزل الأبرار، ص21].

26) الصبان الشافعي
بعد رواية الحديث: رواه عن النبي ثلاثون صحابياً، وكثير من طرقه صحيح أو حسن.[الصبان الشافعي، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار، ص153].

27) أحمد محمد شاكر
قال في تعليقه على الحديث في مسند أحمد: وأما متن الحديث فإنه صحيح ورد من طرق كثيرة.[أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج2/ ص56].

28) الأرنؤوط
قال في تعليقه على الحديث في مسند أحمد: لكن متن الحديثِ صحيح ورد من طرق كثيرة تزيد على ثلاثين صحابياً، قال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" ص8/ ج335: متنه متواتر.[أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج2/ ص71].

;

04-31-2019

من الحفاظ وأهل الحديث من أورد خبر الغدير ضمن مؤلفاتهم، مع ذكر طرقه، ومن رواه من الصحابة؛ منهم:
o النَّسائي
أخرجه في عدة مواضع من كتبه "السنن الكبرى" و"خصائص أمير المؤمنين" و"فضائل الصحابة" من نيف وعشرين طريقاً.

o الإمام أحمد بن حنبل
روى الحديث بألفاظ مختلفة بطرق كثيرة مبثوثة في المسند والفضائل، وقد ذكروا أنها بلغت نحواً من أربعين طريقاً.

o الحافظ أبو القاسم ابن عساكر
أخرجه في كتابه "تاريخ دمشق" وﺗﺘﺒﻊ ﻃﺮﻗﻪ ﻓﻲ ﻧﺤﻮ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻭﺭﻗﺔ، ﻓﺒﻠﻎ ﻋﺪﺩ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ الذين رواه عنهم ﻧﻴﻔﺎً ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ صحابياً من نحو مائة وثلاثين طريقاً.[انظر تاريخ دمشق ج42 من ص205 إلى ص236].

قال ابن كثير في سياق حديثه عمن روى الحديث وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة.[ابن كثير، البداية والنهاية، ج5/ ص208].

o اﺑﻦ ﺣﺠﺮ اﻟﻌﺴﻘﻼﻧﻲ
ذكره ﻓﻲ ﺗﺨﺮﻳﺠﻪ لأﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﻜﺸﺎﻑ، ﻋﻦ ﺳﺒﻌﺔ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺻﺤﺎﺑﻴﺎً؛ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻭﺁﺧﺮﻭﻥ؛ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﺃﺳﻤﺎء ﺃﻓﺮاﺩﻫﻢ، ﻏﻴﺮ اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻣﺜﻞ، اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ، ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ، ﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ، ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺭﺟﻼ.[الكافي الشاف من تخريج أحاديث الكشاف مطبوع بذيل الكشاف ص96].

o نور الدين الهيثمي
أورده في كتابه مجمع الزوائد من خمسة وعشرين طريقاً.[انظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9/ ص103 وما بعدها وفي مواضع أخرى].

o ابن المغازلي الشافعي
أخرجه في كتابه "مناقب علي بن أبي طالب" من ستة عشر طريقاً.[انظر مناقب علي بن أبي طالب، ج1/ ص44 إلى ص66].

o اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ اﻟﻜﻮﻓﻲ
ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻗﺐ بطرق كثيرة ورفع اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻔﺮﻋﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺭﺳﻮﻝ الله ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻌﺸﺮﺓ، ﻭﻣﺘﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻴﻬﺎ ﻭاﺣﺪ، ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ ﻭاﺣﺪ، ﻭﻓﻴﻪ ﺯﻳﺎﺩاﺕ ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺁﺧﺮﻩ.[ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ اﻟﻜﻮﻓﻲ، كتاب اﻟﻤﻨﺎﻗﺐ ج1/ ص365 إلى ج2/ ص455].

o شمس الدين الجزري الشافعي
روى حديث الغدير وأفرد في إثبات تواتره كتابه "أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب" أثبت فيه تواتر حديث الغدير، ورواه من ثمانين طريقاً.[ابن الجزري، أسنى المطالب. ج1/ ص39].
وقال: هذا حديث حسن صحيح من وجوه كثيرة تواتر عن أمير المؤمنين علي، وهو يتواتر أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم، ثم أورد أسماء سبعة وعشرين صحابياً ممن رووا الحديث.[ابن الجزري، مناقب الأسد الغالب علي بن أبي طالب لابن الجزري، ص12].

o ابن أبي عاصم
رواه في كتابيه "السنَّة" من نحو واحد وثلاثين طريقاً.[ابن أبي عاصم، السنة ومعها ظلال الجنة للألباني،ج2/ ص604، ومواضع أخرى].

o أبو القاسم الطبراني
أخرجه في معاجمه الثلاثة في عدة مواضع من نيف وأربعين طريقاً.

o جمال الدين الزيعلي
أورده في كتابه "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشّاف" من ستة وخمسين طريقاً.[الزيلعي، تخريج أحاديث الكشاف، ج2/ ص234 إلى ص244 سورة النحل الحديث التاسع، رقم 681].

o أبو بكر الآجرّيَّ
أخرجه في كتاب "الشريعة" من عشرين طريقاً.[الآجري، الشريعة، ج4/ ص2043، وما بعدها].

o اﻟﺴﻴﺪ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ اﻹﻣﺎﻡ القاسم بن محمد عليهم اﻟﺴﻼﻡ
أورده ﻓﻲ اﻟﻬﺪاﻳﺔ ﻋﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﺻﺤﺎﺑﻴﺎً ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﻢ، ﻏﻴﺮ اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻛﻠﻬﺎ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻃﺮﻕ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ.[الإمام الحسين بن القاسم بن محمد، هداية العقول إلى غاية السؤول، ج2/ ص45].

ومن الحفاظ من اكتفى بذكر عدد الطرق معبراً بذلك عن قوة هذا الحديث وتواتره؛ منهم:
o ابن الأمير الصنعاني
قال: ومن ذلك حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، فإن له مائة وخمسين طريقاً.[ابن الأمير الصنعاني، إجابة السائل شرح بغية الآمل، ص99].

ﻭﻗﺎﻝ أيضاً: وأخرجه أئمة لا يأتي عليهم العد عن جماعة من الصحابة، وقد عده أئمة من المتواتر.[الصنعاني، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، ج1/ ص219].

o السيد محمد ابراهيم الوزير
نقلوا عنه القول بأن له مائة وخمسين طريقاً؛ ففي تعليق هداية العقول إلى غاية السؤول [ج2/ ص30]- نقلاً عن  العلامة السيد عبداللّه بن علي الوزير، في طبق الحلوى تأريخه ‏المعروف عن السيد محمد بن إبراهيم- أن حديث "من كنت مولاه‏" له مائة وخمسون طريقاً، لكن لم يعرف كل ذلك ‏من حفاظ الحديث إلا الأفراد.

o ابن شاهين
قال: وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو مائة نفس، وفيهم العشرة، وهو حديث ثابت، لا أعرف له علة، تفرد عليٌّ بهذه الفضيلة، لم يشركه فيها أحد.[ابن شاهين، شرح مذاهب أهل السنة، ص104].

o أبو القاسم الفضل بن محمد
نقل عنه ابن المغازلي قوله: هذا حديث صحيح عن  رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو من مائة نفس منهم العشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علة، تفرد علي عليه السلام بهذه الفضيلة، ليس يشركه فيها أحد.[ابن المغازلي، مناقب علي لابن المغازلي، ج1/ ص71].

o الحافظ أبو علي العطّار الهمداني
قال عنه علوي بن طاهر الحداد: أنهى طرق الحديث إلى مائتين وخمسين طريقاً وكان يقول أروي هذا الحديث على مائتين وخمسين طريقاً.[علوي الحداد، القول الفصل، ج1/ ص445].

o أبو المعالي الجويني "إمام الحرمين أستاذ أبي حامد"
قال: رأيت مجلداً في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوبا عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون.[القندوزي، ينابيع المودة، ج1/ ص35].

o القسطلاني
قال: وطرق هذا الحديث كثيرة جداً، استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.[القسطلاني، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج2/ ص684].

o اﺑﻦ ﺣﺠﺮ الهيتمي
قال: وطرقه كثيرة جدا ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً، وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابياً.[ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة، ج1/ ص106].

o البدخشاني
قال: فإنَّ الحديث كثير الطرق جدَّاً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وقد نصَّ الذهبي على كثير من الطرق بالصحَّة، ورواه من الصحابة عدد كثير.[البدخشاني، نزل الأبرار، ص51، ص52].

o أحمد محمد شاكر
قال في تعليقه على الحديث في مسند أحمد: وأما متن الحديث فإنه صحيح ورد من طرق كثيرة.[أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج2/ ص56].

o الأرنؤوط
قال: لكن متن الحديثِ صحيح، ورد من طرق كثيرة تزيد على ثلاثين صحابياً، قال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" [ج8/ ص335]: متنه متواتر.[أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج2/ ص71].
والحاصل أن من يتابع طرق حديث الغدير، يحصل له القطع والجزم بصدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وذلك لتواتره وكثرة طرقه.
 

;

04-28-2019

لكثرة الطرق التي روي بها حديث الغدير، فقد أفرد له بعض حفاظ الحديث كتباً مستقلة، أوردوا فيها الطرق والأسانيد المختلفة لهذا الحديث، وصنفوا في ذلك المصنفات؛ وممن صنَّف في ذلك:  
¤ الحافظ  محمد بن جرير الطبري "صاحب التأريخ والتفسير"
له كتاب الولاية جمع فيه طرق الحديث من نيف وسبعين طريقاً في مجلدين ضخمين، رد فيه على بعض معاصريه الذين أنكروا صحة حديث الغدير، وأتى فيه من الطرق ما يدل على تواتر الحديث.
قال الذهبي: رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق.[الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج2/ ص713].
وقال الذهبي: جمع طرق حديث غدير خم، في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك.[الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج14/ ص277].
وقال ابن كثير: وقد اعتنى بأمر هذا الحديث [يعني حديث الغدير] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه.[ابن كثير، البداية والنهاية، ج5/ ص208].
وقال ابن كثير: وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه طريق حديث الطير.[ابن كثير، البداية والنهاية، ج11/ ص147].
¤ الحافظ أبو العباس ابن عقدة
جمع طرق الحديث في كتاب خاص من مائة وخمس طرق، عن أكثر من سبعين صحابياً.
قال ابن حجر: وأما حديث:((من كنت مولاه فعلي مولاه))، فقد أخرجه الترمذي، والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج7/ ص74].
وقال أيضاً: وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلف فيه أضعاف من ذكر وصححه واعتنى بجمع طرقه أبو العباس بن عقدة فأخرجه من حديث سبعين صحابيا أو أكثر.[ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج7/ ص339].
وقال القسطلاني: وطرق هذا الحديث كثيرة جداً، استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.[القسطلاني، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج2/ص684].
¤ الحافظ الذهبي
 انبهر لكثرة طرق الحديث فجمع طرقه في كتاب منفرد وجزم بوقوعه، وقد قال:  وأما حديث: "من كنت مولاه ... " فله طرق جيدة وقد أفردتُ ذلك أيضاً. أي بكتاب.[الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج3/ ص1043].
وقال أيضاً: قد جمعتُ طرق حديث الطير في جزء، وطرق حديث: (من كنت مولاه)، وهو أصح. [الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج17/ ص169].
¤ الحافظ الدارقطني، أبي الحسن علي بن عمر
قال الكنجي: جمع الدارقطني طرقه في جزء، وجمع الحافظ ابن عقدة كتاباً مفرداً فيه.[الكنجي، كفاية الطالب، الباب الأول، ص60].
¤ الحاكم الحسكاني
وقد قال: وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب "دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة" من تصنيفي في عشرة أجزاء.[الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، ج1/ ص252].
¤ أبوسعيد الركاب مسعود بن ناصر السجستاني
خصص له كتاب "الدراية في حديث الولاية"، وقد رواه من مائة وعشرين طريقاً، ويقال أنه في سبع عشر جزءاً، وأنه يروي حديث الغدير ب‍ـ1300 إسناد.
قال السمعاني في معجم شيوخه، في ترجمة شيخه أبي بكر الحسن بن يعقوب النيسابوري ـ تلميذ السجستاني ـ هذا: «كان شيخاً فاضلاً نظيفاً، مليح الخط... وكان قد كتب الحديث الكثير بخطه، رأيت كتاب الولاية لأبي سعيد مسعود بن ناصر السجزي، وقد جمعه في طرق هذا الحديث: «من كنت مولاه، فعلي مولاه» بخطه الحسن المليح.[عبدالكريم السمعاني، المنتخب من معجم شيوخ السمعاني، ص684].
¤ أبو بكر الجعابي 
له كتاب "من روى حديث غدير خم"، وقد رواه من مائة وخمس وعشرين طريقاً.
 

;