(1)
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام؛ وإلى عبادة الله الواحد، فلاقاه أهلها بالصدِّ وسفهوه، وكذبوه، وسلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم، فرجموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه، بعد ذلك ناداه ملك من الملائكة، ﻓﺴﻠﻢ عليه، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﻥَّ اﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﺳﻤﻊ ﻗﻮﻝ ﻗﻮﻣﻚ ﻟﻚ، ﻭقد ﺑﻌﺜﻨﻲ ﺭﺑﻲ ﺇﻟﻴﻚ ﻟﺘﺄﻣﺮﻧﻲ ﺑﺄﻣﺮﻙ، ﻓﻤﺎ ﺷﺌﺖ، ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﺃﻃﺒﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻷﺧﺸﺒﻴﻦ، عند ذلك ﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وآله ﻭﺳﻠﻢ: ((ﺑﻞ ﺃﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﺻﻼﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻌﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻻ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻪ شيئاً)).
وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقاً شديداً وقالوا: لو دعوت عليهم، فقال: ((إنِّى لم أبعث لعاناً ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون))
مرَّ أعرابيٌ ورسولُ الله يُقبِّلُ ولديه الحسن والحسين، فقال الأعرابي: إنَّ لي عشرة من الأبناء ما قَبَّلتُ واحداً منهم، فقال له النبي الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم: ((وما أدراني لعل الله نزع الرحمة من قلبك)).
قال رجلٌ لرسول الله: اعدل فإنَّ هذه قسمة ما أريد بها وجه الله, فلم يزده في جوابه أنٍْ بين له ما جهله, فقال: ((ويحك فمن يعدل إن لم أعدل ؟ خبت وخسرت إن لم أعدل)).
استعز بأمامة بنت أبي العاص فبعثت زينب بنت رسول الله إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تقول له: إن ابنتي قد استعز بها فبعث إلى ابنته: ((لله ما أخذ وله وما أبقى))، واستعزت الثانية، فبعثت إليه: إن ابنتي قد استعز بها، فبعث إلى ابنته: ((لله ما أخذ وله ما أبقى))، ثم كانت الثالثة، فجاءها النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فأخرجت الصبية إليه فإذا نفسها تقعقع في صدرها ومع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناس من أصحابه فذرفت عيناه حتى قبض على لحيته ففطن بهم وهم ينظرون إليه, فقال: ((ما لكم تنظرون ؟)), قالوا: يا رسول الله رأيناك رققت, قال : (( رحمة الله يضعها الله عز و جل حيث يشاء وإنما يرحم الله غدا من عباده الرحماء))
(2)
كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله يجلس بين أصحابه كأحدهم، حتى إنَّ الغريب إذا جاء كان يسأل: أيُّكم رسول الله؟
أرسل الله ﻣﻠﻜﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﻣﻌﻪ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻤﻠﻚ ﻟﺮﺳﻮﻝ الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ﺇﻥ الله ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻳﺨﻴﺮﻙ ﺑﻴﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺒﺪاً ﻧﺒﻴﺎً، ﻭﺑﻴﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻠﻜﺎً ﻧﺒﻴﺎً، ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻭآله ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻟﻤﺴﺘﺸﻴﺮ ﻟﻪ، ﻓﺄﺷﺎﺭ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺃﻥ ﺗﻮاﺿﻊ، ﻓﻘﺎﻝ ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﻻ، ﺑﻞ ﺃﻛﻮﻥ ﻋﺒﺪاً ﻧﺒﻴﺎً، ﻗﺎﻝ: ﻓﻤﺎ ﺃﻛﻞ ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻃﻌﺎﻣﺎً ﻣﺘﻜﺌﺎً ﺣﺘﻰ ﻟﻘﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ))
وروى أبو أمامة: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متوكئاَ على عصا فقمنا له، فقال: ((لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً، وقال: إنَّما أنا عبد آكلُ كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد)).
وعن عائشة: ما ضرب رسول الله خادماً قط ولا امرأة, ولا ضرب بيده شيئاً الا أن يجاهد في سبيل الله, وما خير بين شيئين الا كان أحبهما إليه أيسرهما الا أن يكون إثماً, ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله عز وجل.
(3)
جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفار قريش, فقال لهم: ((ﺃﺭﺃﻳﺘﻜﻢ ﻟﻮ ﺃﺧﺒﺮﺗﻜﻢ ﺃﻥ ﺧﻴﻼً ﺑﺎﻟﻮاﺩﻱ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻐﻴﺮ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺃﻛﻨﺘﻢ ﻣﺼﺪﻗﻲ؟))، ﻗﺎﻟﻮا: ﻧﻌﻢ، ﻣﺎ ﺟﺮﺑﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺇﻻ ﺻﺪﻗﺎً، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻧﺬﻳﺮ ﻟﻜﻢ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﻋﺬاﺏ ﺷﺪﻳﺪ)).
(4)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل مكة يوم فتح مكة: ((يا قريش ما تظنون أني فاعل بكم))، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
(5)
أعطى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﺭﺟﻼً مالاً ﻓﺮﺟﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻣﻪ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﻗﻮﻣﻲ ﺃﺳﻠﻤﻮا ﻓﺈﻥ ﻣﺤﻤﺪاً ﻳﻌﻄﻲ ﻋﻄﺎء من ﻻ ﻳﺨﺸﻰ اﻟﻔﺎﻗﺔ.
جاءه رجل فسأله فقال ما عندي شيء ولكن ابتع علىَّ فإذا جاءنا شيء قضيناه، فقال له عمر بن الخطاب: ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي صلى الله عليه وآله سلم ذلك القول من عمر، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسَّم صلى الله عليه وآله وسلم وعرف البِشرُ في وجهه وقال بهذا أمرت.
في الرواية أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان معه عشرة دراهم، فأتاه صاحب بز، فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم, فخرج وهو عليه فإذا رجل من الأنصار، فقال : يا رسول الله اكسني قميصاً كساك الله من ثياب الجنة، فنزع الرسول الأعظم القميص فكساه إياه، ثم رجع الرسول الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصاً بأربعة دراهم وبقي معه درهمان، فاذا هو بجارية في الطريق تبكي فقال: ((ما يبكيك ؟))، فقالت: يا رسول الله دفع إلي أهلي درهمين أشتري بهما دقيقاً فهلكا، فدفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها الدرهمين الباقيين، ثم ولَّت وهي تبكي فدعاها، فقال: ((ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين؟)), قالت: أخاف أن يضربوني، فمشى صلى الله عليه وآله وسلم معها إلى أهلها، فسلم، فعرفوا صوته ثم عاد فسلم ثم عاد فسلم ثم عاد فثلث فردوا، فقال: ((أسمعتم أول السلام؟))، قالوا: نعم لكن أحببنا أن تزيدنا من السلام, فما أشخصك بأبينا وأمنا؟، فقال صلوات الله عليه وآله: ((أشفقت هذه الجارية أن تضربوها))، قال صاحبها: فهي حُرَّةٌ لوجه الله لممشاك معها, فبشرهم نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخير والجنة, ثم قال: ((لقد بارك الله في العشرة كسا الله نبيه قميصاً ورجلاً من الأنصار قميصاً وأعتق الله منها رقبة وأحمد الله هو الذي رزقنا هذا بقدرته)).
(6)
اﻟﺘﻔﺖ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذات مرة ﺇﻟﻰ جبل ﺃٌﺣُﺪ ﻭﻗﺎﻝ: ((ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﺎ ﻳﺴﺮﻧﻲ ﺃﻥ ﺃﺣُﺪا ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻵﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺫﻫﺒﺎً ﺃﻧﻔﻘﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻣﻮﺕ ﻳﻮﻡ ﺃﻣﻮﺕ ﻭﻋﻨﺪﻱ ﻣﻨﻪ ﺩﻳﻨﺎﺭاﻥ ﺃﺭﺻﺪﻫﻤﺎ ﻟﺪﻳﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ))
(7)
ﻛﺎﻥ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ﻳﺮﻛﺐ اﻟﻔﺮﺱ، ﻭاﻟﺒﻌﻴﺮ، ﻭاﻟﺤﻤﺎﺭ، ﻭاﻟﺒﻐﻠﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺤﻴﺎء، ﻭﻛﺎﻥ ﺇﺫا ﻛﺮﻩ ﺷﻴﺌﺎ ﻋﺮﻑ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺤﺐ اﻟﺴﺘﺮ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺣﻖ ﺗﻮﻛﻠﻪ، ﻭﻳﻜﺜﺮ اﻟﺬﻛﺮ، ويديم اﻟﻔﻜﺮ، ﻭﻳﻘﻞ اﻟﻠﻐﻮ.
(8)
وﻣﺎ ﻋﺎﺏ صلى الله عليه وآله وسلم ﻃﻌﺎﻣﺎً ﻗﻂ، بل كان ﺇﻥ اﺷﺘﻬﺎﻩ ﺃﻛﻠﻪ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺸﺘﻬﻪ ﺗﺮﻛﻪ، ﻭﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ اﻟﻤﺒﺎﺡ ﻣﺎ ﺗﻴﺴﺮ ﻭﻻ ﻳﺘﻜﻠﻒ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ.
(9)
وكان ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻬﺪﻳﺔ ﻭﻳﻜﺎﻓﺊ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ، ﻭكان ﻳﺨﺼﻒ ﻧﻌﻠﻴﻪ ﻭﻳﺮﻗﻊ ﺛﻮﺑﻪ، ﻭﻳﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﻣﻬﻨﺔ ﺃﻫﻠﻪ، ﻭﻳﺤﻠﺐ ﺷﺎﺗﻪ، ﻭﻳﺨﺪﻡ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺷﺪ اﻟﻨﺎﺱ ﺗﻮاﺿﻌﺎً، ﻳﺠﻴﺐ اﻟﺪاﻋﻲ ﻣﻦ ﻏﻨﻲ ﺃﻭ ﻓﻘﻴﺮ، ﺃﻭ ﺩﻧﻲء ﺃﻭ ﺷﺮﻳﻒ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺤﺐ اﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻭﻳﺸﻬﺪ ﺟﻨﺎﺋﺰﻫﻢ ﻭﻳﻌﻮﺩ ﻣﺮﺿﺎﻫﻢ، ﻭﻻ ﻳﺤﻘﺮ ﻓﻘﻴﺮاً ﻟﻔﻘﺮﻩ، ﻭﻻ ﻳﻬﺎﺏ ﻣﻠﻜﺎً ﻟﻤﻠﻜﻪ.
(10)
ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﺗﺒﺴﻤﺎً، ﻳﻤﺰﺡ ﻭﻻ ﻳﻘﻮﻝ ﺇﻻ ﺣﻘﺎً، ﻭﻻ ﻳﺠﻔﻮ ﺃﺣﺪاً، ﻭﺇﺫا ﺗﻜﻠﻢ فأنه يتكلم ﺑﻜﻼﻡ ﺑﻴٍّﻦ ﻓﺼﻞ، ﻳﺤﻔﻈﻪ ﻣﻦ ﺟﻠﺲ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻳﻌﻴﺪ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﺛﻼﺛﺎ ﺇﺫا ﻟﻢ ﺗﻔﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﻬﻢ ﻋﻨﻪ، ﻭﻻ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﺎﺟﺔ، ﻭﻗﺪ ﺟﻤﻊ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻣﻜﺎﺭﻡ اﻷﺧﻼﻕ ﻭﻣﺤﺎﺳﻦ اﻷﻓﻌﺎﻝ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎﺗﺒﺘﻪ ﺗﻌﺮﻳﻀﺎً، ونصحه تلميحاً، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺮﻓﻖ ﻭﻳﺤﺚ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭينهى ﻋﻦ اﻟﻌﻨﻒ، ﻭﻳﺤﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻔﻮ ﻭاﻟﺼﻔﺢ.
(11)
جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفدٌ من النجاشي، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخدمهم بنفسه، فقال له أصحابه: نكفيك يا رسول الله خدمتهم، فقال النبي الوفي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وأحب أن أكافئهم))
اشترى رسول الله من أحد الباعة شيئاً وبقي للبائع بعض دراهم، فانتظره النبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ثلاث ليالٍ، وكان يذهب فيقيم في مكانه الذي غادره فيه، حتى لا يضل فلا يهتدي إليه، فيضيع حقه الثابت له.
(12)
عن أنس بن مالك: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية، فجبذه أعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد احمل لى على بعيريَّ هذين من مال الله الذى عندك فإنك لا تحمل لى من مالك ولا من مال أبيك، فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: ((المال مال الله وأنا عبده))، ثم قال: ((ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بى))، قال الأعرابي: لا، فقال النبي الإنسان: ((لم؟))، قال الأعرابي: لأنك لا نكافي بالسيئة السيئة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر.
(13)
قال ابن إسحاق: حدثني عبدالملك بن عبدالله بن أبي سفيان الثقفي وكان واعية قال: قدم رجل من إراش - قال ابن هشام: ويقال: إراشة - بإبل له مكة فابتاعها منه أبو جهل فمطله بأثمانها، فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناحية المسجد جالس، فقال: يا معشر قريش من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام فإنِّي رجل غريب ابن سبيل وقد غلبني على حقي؟، قال: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل الجالس - لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يهزؤون به لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة - اذهب إليه فإنه يؤديك عليه، فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا عبدالله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله، وأنا رجل غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه يأخذ لي حقي منه فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه يرحمك الله، قال: انطلق إليه وقام معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فلما رأوه قام معه، قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع.
قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال: محمد فاخرج إليَّ، فخرج إليه وما في وجهه من رائحة قد انتقع لونه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعطِ هذا الرجل حقه، قال: نعم لا تبرح حتى أعطيه الذي له، قال: فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه
قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال للإراشي: الحق بشأنك، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه الله خيراً فقد والله أخذ لي حقي، قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه، فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟، قال: عجباً من العجب والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه، فقال له: أعط هذا حقه، فقال: نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه
قال: ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا له: ويلك ما لك؟!، والله ما رأينا مثل ما صنعت قط، قال: ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي وسمعت صوته فملئت رعباً ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلاً من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحلٍ قط، والله لو أبيت لأكلني.
(14)
تصدى غوث بن الحارث ليفتك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو نائم تحت شجرة قائلاً، والناس قائلون فلم ينتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وهو قائم، والسيف مصلت على رأسه في يد الرجل، وهو يقول: ما يمنعك مني؟ فقال عليه وآله السلام بقلب مؤمن ولسان صادق: الله، فسقط السيف من يد الرجل، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ما يمنعك مني؟ فقال كن خير آخذ, فعاد غوث بن الحارث إلى قومه وهو يقول: جئتكم من عند خير الله.
(15)
وصفت بلاغته أم معبد فقالت: اذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق, فصل لا نزر ولا هذر، وكان منطقه خرزات نظم يتحدرن.