.
 
19-20-2019

تفسير آية المباهلة 
في هذه الآية التي تسمى آية المباهلة ﺑﻴﻦ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻋﻴﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻭﺃﺑﻄﻞ ﻗﻮﻝ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭﻗﺎﻝ " ﻓﻤﻦ ﺣﺎﺟﻚ ﻓﻴﻪ " ﺃﻱ ﻓﻤﻦ ﺟﺎﺩﻟﻚ في عيسى ، بعدما ﺟﺎءﻙ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ، ﻣﻦ ﺑﻌﺪما ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻴﺴﻰ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺎﻥ اﻟﺤﻖ مانزل وهو أنه مثل آدم خلقه من غير أب ، ﻓﻤﻦ ﺣﺎﺟﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺑﻴﺎﻥ اﻟﺤﻖ ، ﻓﻘﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺪﻉ لكي نتباهل لكي يعرف الصادق من الكاذب، ويكون دعائنا ﻟﻠﻤﺒﺎﻫﻠﺔ ﺩﻋﺎء اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻌﻨﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺫﺑﻴﻦ ﻧﺪﻉ ﻧﺤﻦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎءﻛﻢ ﻭﻧﺴﺎءﻧﺎ ﻭﻧﺴﺎءﻛﻢ ﻭﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺛﻢ ﻧﺒﺘﻬﻞ ، ﻧﺪﻉ اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺫﺑﻴﻦ ﺩﻋﺎء ﻻ ﻳﺮﺩ ﻓﻨﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﻭاﻟﺘﺴﺒﻴﺐ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻟﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺫﺑﻴﻦ ، ﻓﻘﻮﻝ اﻟﻠﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - " ﻓﻤﻦ ﺣﺎﺟﻚ " ﺧﻄﺎﺏ ﻟﻨﺒﻴﻪ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وآله  ﻭﻗﻮﻟﻪ - ﺗﻌﺎﻟﻰ - " ﻓﻘﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺪﻉ " ﺃﻱ ﻓﻘﻞ ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ : ﺗﻌﺎﻟﻮا ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ اﻟﻤﺠﺎﺩﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻋﻴﺴﻰ ﻧﺪﻉ ﻧﺤﻦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ ﺃﻱ اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ ﻭﺃﺑﻨﺎءﻛﻢ ﺃﻱ ﺃﺑﻨﺎء اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ اﻟﻤﺠﺎﺩﻟﻴﻦ ونساءنا أي فاطمة الزهراء ونساؤكم من النصارى وأنفسنا أي الإمام علي عليه السلام وأنفسكم أيها النصارى من ترونه كأنفسكم. 
وفي ﻫﺬا دليل ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ اﺑﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ صلى الله عليه وآله وسلم وعليا نفس الرسول وكنفسه وفاطمة كذلك ،وفي اختصاص هؤلاء بالإحضار من النبي للمباهلة للدلالة على مزية هؤلاء دون غيرهم بهذه الفضيلة الشريفة و ﻟﻴﺒﻴﻦ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﻢ، ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺃﻣﺘﻪ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﻳﺴﺎﻭﻳﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﻞ ﻭﺗﻨﺒﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻔﻀﻞ ﻟﻬﻢ والكرامة. 

فائدة ذكر الأبناء والنساء 
ﻗﺎﻝ ﻓﻲ اﻟﻜﺸﺎﻑ : ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺩﻋﺎﺅﻩ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺒﺎﻫﻠﺔ ﺇﻻ ﻟﻴﺘﺒﻴﻦ اﻟﻜﺎﺫﺏ ﻣﻨﻪ ﻭﻣﻦ ﺧﺼﻤﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻣﺮ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻪ، ﻭﺑﻤﻦ ﻳﻜﺎﺫﺑﻪ؛ ﻓﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺿﻢ اﻷﺑﻨﺎء ﻭاﻟﻨﺴﺎء؟
ﻗﻠﺖ: ﺫﻟﻚ ﺁﻛﺪ ﻓﻲ اﻟﺪﻻﻟﺔ، ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﺤﺎﻟﻪ، ﻭاﺳﺘﻴﻘﺎﻧﻪ ﺑﺼﺪﻗﻪ، ﺣﻴﺚ اﺳﺘﺠﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﻳﺾ ﺃﻋﺰﺗﻪ، ﻭﺃﻓﻼﺫ ﻛﺒﺪﻩ، ﻭﺃﺣﺐ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ، ﻟﺬﻟﻚ، ﻭﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﻳﺾ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻪ؛ ﻭﻋﻠﻰ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﻜﺬﺏ ﺧﺼﻤﻪ، ﺣﺘﻰ ﻳﻬﻠﻚ ﺧﺼﻤﻪ، ﻣﻊ ﺃﺣﺒﺘﻪ ﻭﺃﻋﺰﺗﻪ، ﻫﻼﻙ اﻻﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺇﻥ ﺗﻤﺖ اﻟﻤﺒﺎﻫﻠﺔ.
ﻭﺧﺺ اﻷﺑﻨﺎء ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﻷﻧﻬﻢ اﻷﻫﻞ ﻭﻟأنهم ألصق ﺑﺎﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻓﺪاﻫﻢ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﺣﺎﺭﺏ ﺩﻭﻧﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺘﻞ ، ﻭﻗﺪﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ، ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻔﺲ لينبه ﻋﻠﻰ ﻟﻄﻒ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﻭﻗﺮﺏ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﻢ ﻭﻟﻴﺆﺫﻥ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﻘﺪﻣﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻔﺲ ﻣﻔﺪﻭﻥ ﺑﻬﺎ، ﻭﻓﻴﻪ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻭاﺿﺢ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﻭ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﻭاﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﺟﺎﺑﻮا ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﻓﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻻ ﺷﺊ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻜﺴﺎء –ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ- ﻭﻓﻴﻪ ﺣﺠﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺇﻧﺎﻓﺔ ﻣﺤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻋﺪاﻩ ﻷﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺼﺪ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ.

قصة آية المباهلة وسبب نزولها
ذكر الحاكم الجشمي في كتاب تنبيه الغافلين [ 44 - 45] 
ﺇﻥ ﻭﻓﺪ ﻧﺠﺮاﻥ ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻨﻪ ﻭﻫﻢ ﺑﻀﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﺭﺟﻼ ﻣﻦ ﺃﺷﺮاﻓﻬﻢ، ﻭﻓﻴﻬﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻔﺮ ﻳﺘﻮﻟﻮﻥ ﺃﻣﻮﺭﻫﻢ اﻟﻌﺎﻗﺐ ﻭﻫﻮ ﺃﻣﻴﺮﻫﻢ ﻭﺻﺎﺣﺐ ﻣﺸﻮﺭﺗﻬﻢ، ﻭﻋﻦ ﺭﺃﻳﻪ ﻳﺼﺪﺭﻭﻥ، ﻭﻫﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﻛﻨﺪﻩ، ﻭﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ ﺑﻦ ﻋﻠﻘﻤﺔ، ﻭﻫﻮ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺭﺑﻴﻌﺔ، ﻭﻣﻌﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﻛﺮﺯ، ﻭﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ ﺃﺳﻘﻔﻬﻢ ﻭﺣﺒﺮﻫﻢ، ﻭﺇﻣﺎﻣﻬﻢ، ﻭﺻﺎﺣﺐ ﻣﺪاﺭﺳﻬﻢ، ﻭﻟﻪ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺪﺭ ﻭﻣﻨﺰﻟﺔ ﻗﺪ ﺷﺮﻓﻪ ﻣﻠﻚ اﻟﺮﻭﻡ، ﻭاﺗﺨﺬﻭا ﻟﻪ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻭﻭﻟﻮﻩ، ﻭاﻟﺴﻴﺪ ﻭﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﺭﺣﻠﺘﻬﻢ، ﻭﻓﺼﻠﻮا ﻣﻦ ﻧﺠﺮاﻥ ﻭﺃﺧﻮ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻠﺔ ﻟﻪ ﻓﻌﺜﺮﺕ ﺑﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺗﻌﺲ ﺃﻻ ﺑﻌﺪ ـ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ: ﺑﻞ ﺗﻌﺴﺖ ﺃﻧﺖ ﺃﺗﺸﺘﻢ ﺭﺟﻼ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﺇﻧﻪ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻤﺎ ﻳﻤﻨﻌﻚ ﺃﻥ ﺗﺘﺒﻌﻪ، ﻭﺃﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﻫﺬا ﻣﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺷﺮﻓﻨﺎ اﻟﻘﻮﻡ ﻭﺃﻛﺮﻣﻮﻧﺎ، ﻭﺃﺑﻮا ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﻻ ﺧﻼﻓﻪ، ﻭﻟﻮ اﺗﺒﻌﺘﻪ ﻟﻨﺰﻋﻮا ﻛﻞ ﻣﺎﺗﺮﻯ ﻓﺄﻋﺮﺽ ﻋﻨﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻻﻳﺜﻨﻲ ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺎﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺪﻡ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻳﺴﻠﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ: ﻣﻬﻼ ﻳﺎﺃﺧﻲ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺎﺯﺣﺎ، ﻗﺎﻝ: ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻣﺎﺯﺣﺎ، ﺛﻢ ﻣﺮ ﻳﻀﺮﺏ ﺑﻄﻦ ﺭاﺣﻠﺘﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ:
ﺇﻟﻴﻚ ﺗﻌﺪﻭا ﻗﻠﻘﺎ ﻭﺿﻴﻨﻬﺎ .... ﻣﻌﺘﺮﺿﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻬﺎ ﺟﻨﻴﻨﻬﺎ
ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ﺩﻳﻦ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺩﻳﻨﻬﺎ
 ﻓﺄﺗﻮا اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﺒﺮﻛﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻓﺘﻘﺪﻡ اﻷﺳﻘﻒ،
 ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻩ؟ ﻗﺎﻝ: ﻋﻤﺮاﻥ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻴﻮﺳﻒ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻩ؟ ﻗﺎﻝ: ﻳﻌﻘﻮﺏ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻧﺖ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻙ؟ ﻗﺎﻝ: ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻌﻴﺴﻰ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻩ؟ ﻓﺴﻜﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﻮﺣﻲ، ﻓﻬﺒﻂ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺎﺕ: {ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ ءاﺩﻡ ﺧﻠﻘﻪ ﻣﻦ ﺗﺮاﺏ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ اﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺭﺑﻚ ﻓﻼ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺘﺮﻳﻦ} 
، ﻓﻘﺮﺃﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻨﺰﺃ اﻷﺳﻘﻒ، ﺛﻢ ﺩﻕ ﺑﻪ ﻓﻐﺸﻲ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﺭﻓﻊ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺃﻭﺣﻰ ﺇﻟﻴﻚ ﺃﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﻣﻦ ﺗﺮاﺏ ﺃﺗﺠﺪ ﻫﺬا ﻓﻴﻤﺎ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﻻﻧﺠﺪﻩ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻴﻨﺎ، ﻭﻻﺗﺠﺪﻩ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻫﺆﻻء ﻓﻴﻤﺎ ﺃﻭﺣﻲ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻗﺎﻝ : ﻓﻬﺒﻂ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺔ: {ﻓﻤﻦ ﺣﺎﺟﻚ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺟﺎءﻙ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻘﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺪﻉ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎءﻛﻢ ﻭﻧﺴﺎءﻧﺎ ﻭﻧﺴﺎءﻛﻢ ﻭﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺛﻢ ﻧﺒﺘﻬﻞ ﻓﻨﺠﻌﻞ ﻟﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺫﺑﻴﻦ} 
ﻗﺎﻟﻮا: ﺃﻧﺼﻔﺖ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻓﻤﺘﻰ ﻧﺒﺎﻫﻠﻚ؟ 
ﻗﺎﻝ: ﻏﺪا ﺇﻥ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ، ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﻮا، ﻓﻘﺎﻝ: ﺭﺋﻴﺲ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ اﻧﻈﺮﻭا ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ، ﻓﺈﻥ ﻫﻮ ﺧﺮﺝ ﻏﺪا ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﺒﺎﻫﻠﻮﻩ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺬاﺏ، ﻭﺇﻥ ﻫﻮ ﺧﺮﺝ ﻓﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ، ﻓﻼ ﺗﺒﺎﻫﻠﻮﻩ، ﻓﺈﻧﻪ ﻧﺒﻲ، ﻭﻟﺌﻦ ﺑﺎﻫﻠﻨﺎﻩ ﻟﻨﻬﻠﻜﻦ، ﻭﻗﺎﻟﺖ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ: ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﺎ ﻟﻨﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮ ﻭﻟﺌﻦ ﺑﺎﻫﻠﻨﺎﻩ ﻟﻨﻬﻠﻜﻦ، ﻭﻻﻧﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﻭﻻﻣﺎﻝ،
 ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻌﻤﻞ؟ ﻗﺎﻝ اﻷﺳﻘﻒ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺎﺭﺙ: ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺭﺟﻼ ﻛﺮﻳﻤﺎ ﻧﻐﺪﻭا ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻨﺴﺄﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻠﻨﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺻﺒﺤﻮا اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭاﻟﻴﻬﻮﺩ، ﻭﺑﻌﺚ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻮاﻟﻲ، ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﺑﻜﺮ ﻟﻢ ﺗﺮ اﻟﺸﻤﺲ ﺇﻻ ﺧﺮﺟﺖ ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺧﺮﻭﺝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، 
ﻓﺨﺮﺝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻗﺎﺑﺾ ﺑﻴﺪﻩ، ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻦ ﺷﻤﺎﻟﻪ، ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﺧﻠﻔﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻫﻠﻤﻮا ﻓﻬﺆﻻء ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ اﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ، ﻭﻫﺆﻻء ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻟﻌﻠﻲ ﻭﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻫﺬﻩ ﻧﺴﺎﺅﻧﺎ ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ،
ثم إن اﻷﺳﻘﻒ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﻯ ﻭﺟﻮﻫﺎ ﻟﻮ ﺳﺄﻟﻮا اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﻞ ﺟﺒﻼ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻷﺯاﻟﻪ ﻓﻼ ﺗﺒﺘﻬﻠﻮا ﻓﺘﻬﻠﻜﻮا ﻭ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻷﺭﺽ ﻧﺼﺮاﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺠﻌﻠﻮا ﻳﺘﺴﺘﺮﻭﻥ ﺑﺎﻷﺳﺎﻃﻴﻦ، ﻭﻳﺴﺘﺘﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﺗﺨﻮﻓﺎ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﺃﻫﻢ ﺑﺎﻟﻤﻼﻋﻨﺔ، ﺛﻢ ﺃﻗﺒﻠﻮا ﺣﺘﻰ ﺑﺮﻛﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮا: ﺃﻗﻠﻨﺎ ﺃﻗﺎﻟﻚ اﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻗﻴﻠﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺠﻴﺒﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻭاﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺛﻼﺙ .
ﻗﺎﻟﻮا: ﻫﺎﺕ .
ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺩﻋﻮﻛﻢ ﺇﻟﻰ اﻹﺳﻼﻡ، ﻓﺘﻜﻮﻧﻮﻥ ﺇﺧﻮاﻧﻨﺎ ﻟﻜﻢ ﻣﺎﻟﻨﺎ ﻭﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﺎﻋﻠﻴﻨﺎ .
ﻗﺎﻟﻮا: ﻻﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ.
ﻗﺎﻝ: ﺟﺰﻳﺔ ﻧﻔﺮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺗﺆﺩﻭﻧﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺻﻐﺮﺓ .
ﻗﺎﻟﻮا: ﻻﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ، ﻓﻬﺎﺕ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ .
ﻗﺎﻝ: اﻟﺤﺮﺏ .
ﻗﺎﻟﻮا: ﻻﻃﺎﻗﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻚ، ﻓﺼﺎﻟﺤﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﻔﻲ ﺣﻠﺔ ﺃﻟﻒ ﻓﻲ ﺭﺟﺐ، ﻭﺃﻟﻒ ﻓﻲ ﺻﻔﺮ، ﻭﻋﻠﻰ ﻋﺎﺭﻳﺔ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺩﺭﻋﺎ، ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﺭﻣﺤﺎ، ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﻓﺮﺳﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ ﻛﻴﺪ، ﻭﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺿﺎﻣﻦ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺆﺩﻳﻬﺎ ﺇﻟﻴﻬﻢ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ((ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﻟﻮ ﺑﺎﻫﻠﺘﻬﻢ ﻣﺎﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻷﺭﺽ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﺣﺪ، ﻭﻟﻘﺪ ﺣﺸﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻄﻴﺮ ﻭاﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ ﻣﻦ ﺭﺅﻭﺱ اﻟﺸﺠﺮ ﻟﻤﺒﺎﻫﻠﺘﻬﻢ))، ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺟﻊ ﻭﻓﺪ ﻧﺠﺮاﻥ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ اﻟﺴﻴﺪ، ﻭاﻟﻌﺎﻗﺐ ﺇﻻ ﻳﺴﻴﺮا ﺣﺘﻰ ﺭﺟﻌﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﺃﻫﺪﻯ ﻟﻪ اﻟﻌﺎﻗﺐ ﺣﻠﺔ ﻭﻋﺼﺎ ﻭﻗﺪﺣﺎ ﻭﻧﻌﻠﻴﻦ ﻭﺃﺳﻠﻤﺎ)

رواة حديث المباهلة
ﻣﻤﻦ ﺭﻭاﻩ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ (ﻋ) ﻭﺷﻴﻌﺘﻬﻢ (ﺿ): 
اﻹﻣﺎﻡ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻓﻲ: ﻣﺠﻤﻮﻉ ﻛﺘﺒﻪ ﻭﺭﺳﺎﺋﻠﻪ: ﻛﺘﺎﺏ ﺗﺜﺒﻴﺖ اﻟﻮﺻﻴﺔ [ 208 - 209] 
. ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻬﺎﺩﻱ ﻓﻲ: ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ [ 54] 
، ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﺮﺷﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻓﻲ: اﻷﻣﺎﻟﻲ اﻻﺛﻨﻴﻨﻴﺔ [ 504] ﺭﻗﻢ (662) ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺒﺎﻗﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ
، ﻭاﻹﻣﺎﻡ اﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻓﻲ: اﻟﺸﺎﻓﻲ [ 2/ 336] 
، ﻭاﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺠﺸﻤﻲ ﻓﻲ: ﺗﻨﺒﻴﻪ اﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ [ 44 - 45] 
 ، ﻭاﻟﺸﻬﻴﺪ ﺣﻤﻴﺪ ﻓﻲ: اﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻟﻮﺭﺩﻳﺔ [ 62] 
ﻣﻤﻦ ﺭﻭاﻩ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ: 
ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ: ﺻﺤﻴﺤﻪ [ 4/ 1871]  ﺭﻗﻢ [ (32 - 2404)]
 ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻓﻲ: ﺳﻨﻨﻪ [ 5/ 225] ﺭﻗﻢ (2999) ﻗﺎﻝ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻫﺬاﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﻏﺮﻳﺐ ﺻﺤﻴﺢ
 ﻭاﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺤﺴﻜﺎﻧﻲ ﻓﻲ: ﺷﻮاﻫﺪ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ [ 1/ 120]
، ﻭﺃﺣﻤﺪ ﻓﻲ: ﻣﺴﻨﺪﻩ [ 3/ 160] ﺭﻗﻢ (1608)، 
ﻭاﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ: اﻟﻤﺴﺘﺪﺭﻙ [ 2/ 649] ﺭﻗﻢ (4157)،
 ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ: اﻟﺴﻨﻦ اﻟﻜﺒﺮﻯ [ 7/ 101] ﺭﻗﻢ (13392)
وأﻗﺮﻩ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﻠﺨﻴﺺ اﻟﻤﺴﺘﺪﺭﻙ  
ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺠﻮﺯﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ( ﺟﻼء اﻷﻓﻬﺎﻡ ) ﺑﻌﺪ ﻛﻼﻣﻪ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻵﻝ اﻟﺬﻱ اﺑﺘﺪاﻩ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺔ ( 138 ) : ﻭاﺣﺘﺞ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺪﺧﻮﻟﻬﻢ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻭﻻﺩ اﻟﺒﻨﺎﺕ ﺑﺄﻥ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺠﻤﻌﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺩﺧﻮﻝ ﺃﻭﻻﺩ ﻓﺎﻃﻤﺔ - ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ - ﻓﻲ ﺫﺭﻳﺘﻪ ( ﺻ ) اﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﺼﻨﻮﺓ ﻷﻥ ﺃﺣﺪا ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺗﻪ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻘﺐ ﻓﻤﻦ اﻧﺘﺴﺐ ﺇﻟﻴﻪ ( ﺻ ) ﻣﻦ ﺃﻭﻻﺩ ﺑﻨﺘﻪ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ - ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺧﺎﺻﻪ 
ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﺴﻤﻰ ( اﻟﺠﻮاﺏ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺻ 61 ) ﻭﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺣﺪﻳﺚ ﻭﻓﺪ ﻧﺠﺮاﻥ ﻓﻔﻲ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭﻣﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻭﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻭﻗﺎﺹ ﻗﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ " ﻓﻘﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺪﻉ ﺃﺑﻨﺎءﻧﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎءﻛﻢ ﻭﻧﺴﺎءﻧﺎ ﻭﻧﺴﺎءﻛﻢ ﻭﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺃﻧﻔﺴﻜﻢ " ﺩﻋﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ( ﺻ ) ﻋﻠﻴﺎ ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﺣﺴﻨﺎ ﻭﺣﺴﻴﻨﺎ ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻠﻬﻢ ﻫﺆﻻء ﺃﻫﻠﻲ .
ﺫﻛﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ:
اﻟﺒﻴﻀﺎﻭﻱ ﻭاﻟﺰﻣﺨﺸﺮﻱ ﻭﺃﺑﻮ اﻟﺴﻌﻮﺩ وابن كثير  والرازي في مفاتيح الغيب ﻭﺭﻭاﻩ اﺑﻦ ﺟﺮﻳﺮ ﻓﻲ ( ﺟ 3 ﺻ 312 ) ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩوهو في ﺃﺳﺒﺎﺏ اﻟﻨﺰﻭﻝ ﻟﻠﻮاﺣﺪﻱ ( ﺻ 74 - 75 )
ﻭﻗﺎﻝ اﻟﺮاﺯﻱ ﺑﻌﺪ ﻧﻘﻞ ﺫﻟﻚ : ﻭاﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺮﻭاﻳﺔ ﻛﺎﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺘﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻭاﻟﺤﺪﻳﺚ اﻧﺘﻬﻰ . 

اطلاق لفظ الأبناء على الحسن والحسين 
ومما يستدل به في هذه الآية كون الحسن والحسين ابني رسول الله لأنه قال وأبنائنا ولم يحضر غير الحسن والحسين 
وهذه تسمية شرعية خاصة في الحسن والحسين جعلهم النبي صلى الله عليه وآله أبناءه ونذكر هنا بعض الشواهد التي تؤيد ذلك منها
- قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلاَّ ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)) الحاكم في المستدرك (3/179) رقم (4770).
قال السمهودي في هذا الحديث: في بعض طرقه ورجاله موثوقون إلا شريك، وشريك استشهد به البخاري وروى له مسلم في المتابعات وأخرجه ابن عساكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أن لكل بني أبٍ عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم وهم عترتي)).
فبين فيه النبي أنه أبوهم وعصبتهم وهو نص صريح كما لا يخفى.
- قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين علي عليه السلام ((أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي)) ذكره في ذخائر العقبى ص 66 فهنا يخبر النبي (ص) الإمام عليا بأنه أبو ولده وهو مما يعني أن الحسن والحسين ولدا رسول الله.
-قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سئل أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: ((الحسن والحسين)) وكان يقول لفاطمة ((ادعي لي ابنيَّ)) فيشمهما ويضمهما، أخرجه الترمذي عن أنس.

إطلاق النفس على الإمام علي عليه السلام 
وفي هذه الآية دلالة واضحة على فضل أمير المؤمنين علي عليه السلام لأنه جعله الله كنفس الرسول وأنهما شيء واحد لا يفترقا بحال من الأحوال .ﻓﺈﻥ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وآله  ﺃﻓﻀﻞ اﻷﻧﻔﺲ، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻲ  ﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺒﻲ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم  لأنه جعله كنفسه 
ﻭﻳﺆﻛﺪ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﻔﺲ ﻋﻠﻲ ﻫﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ شواهد عدة منها
-ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺬﻱ ﺭﻭاﻩ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭﻗﺎﻝ فيه: ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﻴﺢ ((ﻋﻠﻲ ﻣﻨﻲ ﻭاﻧﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻲ , ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﻋﻨﻲ اﻻ اﻧﺎ اﻭ ﻋﻠﻲ )) وهذا الحديث أيضا اﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ ﻓﻲ ((ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ )) ج1 [ ﺻ 92] , ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻓﻲ صحيحه, ﻭﻫﻮ اﻟﺤﺪﻳﺚ 2531 ﻓﻲ ج6 [ ﺻ 153] من كنز العمال, ﻭﻗﺪ اﺧﺮﺟﻪ اﻻﻣﺎﻡ اﺣﻤﺪ ﻓﻲ ج4 [ ﺻ 164] ﻣﻦ المسند 
-ﺭﻭى أحمد بن حنبل  ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ  (2/ 706): ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻮﻓﺪ ﺛﻘﻴﻒ: ((ﻟﺘﺴﻠﻤﻦ ﺃﻭ ﻷﺑﻌﺜﻦ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﺭﺟﻼ ﻣﻨﻲ - ﺃﻭ ﻗﺎﻝ: ﻋﺪﻳﻞ ﻧﻔﺴﻲ - ﻓﻠﻴﻀﺮﺑﻦ ﺃﻋﻨﺎﻗﻜﻢ، ﻭﻟﻴﺴﺒﻴﻦ ﺫﺭاﺭﻳﻜﻢ، ﻭﻟﻴﺄﺧﺬﻥ ﺃﻣﻮاﻟﻜﻢ)).ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻓﻤﺎ ﺗﻤﻨﻴﺖ اﻹﻣﺎﺭﺓ ﺇﻻ ﻳﻮﻣﺌﺬ، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﺃﻧﺼﺐ ﺻﺪﺭﻱ، ﺭﺟﺎء ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﻫﻮ ﻫﺬا.ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪ ﻋﻠﻲ، ﻭﻗﺎﻝ: ((ﻫﻮ ﻫﺬا)) ﻣﺮﺗﻴﻦ.
 - ﺃﺧﺮج اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ ﻣﺼﻨﻒه (12/ 107)(ﺃﻭﺻﻴﻜﻢ ﺑﻌﺘﺮﺗﻲ ﺧﻴﺮا، ﻭﺃﻥ ﻣﻮﻋﺪﻛﻢ اﻟﺤﻮﺽ، ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ، ﻟﺘﻘﻴﻤﻦ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭﻟﺘﺆﺗﻦ اﻟﺰﻛﺎﺓ، ﺃﻭ ﻷﺑﻌﺜﻦ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺭﺟﻼ ﻣﻨﻲ - ﺃﻭ ﻛﻨﻔﺴﻲ - ﻳﻀﺮﺏ ﺃﻋﻨﺎﻗﻜﻢ)).
ﺛﻢ ﺃﺧﺬ ﺑﻴﺪ ﻋﻠﻲ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ((ﻫﻮ ﻫﺬا)).

;

19-15-2019

قال الله جل وعلا: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ }
 تسمى هذه الآية آية المودة، لأن الله أمر  بالمودة لأهل القربى فيها،
ومعنى الآية قل يا محمد لا أسألكم على تبليغ الرسالة وإخراجكم من الظلمات أجراً غير أن عليكم أن تودوا قرابتي؛ لقرباهم مني؛ لأنها أنفع لكم وأقرب إلى هدايتكم؛ لأن المقصود بالمودة المحبة الصادقة التي تعني الإتباع.

المقصود بالقربى
 ذوو القربى: هم ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا هو التفسير الذي يفيده ظاهر الآية وهو التفسير الذي فسره النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حينما سئل عن قرابته الذين أمر الله بمودتهم كما في الحديث الذي ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻤﺮﺷﺪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ اﻷﻣﺎﻟﻲ ( ج1/ ص148) ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ: (( ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ"  [ اﻟﺸﻮﺭﻯ:23]  ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﻦ ﻗﺮاﺑﺘﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻭﺟﺒﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻮﺩﺗﻬﻢ ؟
 فقال النبي صلوات الله عليه وآله: (( علي ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭاﺑﻨﺎﻫﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼﻡ ))
وهذا الحديث في كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل ج1 /ص 669 وفي كتاب ﻣﻨﺎﻗﺐ اﺑﻦ اﻟﻤﻐﺎﺯﻟﻲ ( ص 191 ) ورواه الطبراني في المعجم اﻟﻜﺒﻴﺮ ( ﺟ 1/ 125 ): 

نقاش بعض المفسيرين حول معنى الآية
بعد أن رأينا تفسير النبي للآية وهو المبين لآيات القرآن المجملة نجد جملة من  المفسرين فسروا هذا الآية بتفسير آخر مختلف عن بيان النبي الأكرم، وهنا سنناقش تلك التفسيرات بشكل مختصر 
-قال بعضهم: أنّ الخطاب في الآية لقريش, والأجر المسؤول هو مودتهم للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لقرابته منهم؛ وذلك لأنّهم كانوا يكذبونه ويبغضونه لتعرضه لآلهتهم على ما في بعض الأخبار, فأمر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يسألهم: إن لم يؤمنوا به, فليودوه, لمكان قرابته منهم, ولا يبغضوه, ولا يؤذوه, (فالقربى) مصدر بمعنى القرابة, و حرف الجر (في) معناه للسببية.
والجواب على ذلك :
أولا:كيف يسأل النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم  الأجر من قريش وهم مكذبون له كافرون به ، وما هو العمل الذي قام به في حقهم حتى يطلب منهم أجرا عليه وهو في نظرهم ذلك الرجل الذي سب آلهتهم وسفه أحلامهم، فلا يعقل أن يطلب منهم أجرا على تبليغ الرسالة وهم على تلك الحال، وإذا فرضنا أن الأجر المسئول عنه هو لو آمنوا به أن يودوه فذلك من شرط الإيمان، لأنه لا يعد مؤمنا من يبغض رسول الله فكيف يطلب منهم  النبي مودته ويجعلها أجرا لتبليغ الرسالة والمفروض أن مودتهم قد حصلت من حين الإيمان  بالنبي الكريم .
وبالجملة, لا معنى لطلب الأجر لو كان الكفار هم المسؤولون فهو عندهم لم يفعل لهم شيئا, ولا تحقق لمعنى البغض للنبي على تقدير لو آمنوا بالنبي حتّى يسألهم المودّة له.
ثانيا:هذا لو سلمنا أن المخاطبين في الآية هم الكفار، لكن ظاهر الآية و سياقها أنما هو في المؤمنين؛ لأن الكلام قبلها وبعدها في المؤمنين، فقد قال قبلها: ]ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[  فذكر الذين آمنوا ثم قال بعدها: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} والمعنيون أيضا هنا: هم المؤمنون، أما الكفار فليسوا أهلاً لأن يقال لهم ذلك؛ لأن أعمالهم محبطة ولا ينفعهم شيء من العمل الصالح في حال كفرهم كما قال تعالى " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة" ، ومما يدل على أن المراد بقوله تعالى {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} ما رواه اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺤﺴﻜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺷﻮاﻫﺪ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ: ﺣﺪﺛﻨﻴﻪ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺜﻘﻔﻲ، ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺶ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ، ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ ﻇﻬﻴﺮ، ﻋﻦ اﻟﺴﺪﻱ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﺎﻟﻚ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ (( { ﻭﻣﻦ ﻳﻘﺘﺮﻑ ﺣﺴﻨﺔ } [ اﻟﺸﻮﺭﻯ:23]
ﻗﺎﻝ: اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻵﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ )).

-ﻭ ﻗﻴﻞ في تفسير هذه الآية : اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻭ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ ﻫﻲ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ اﻟﻤﺮاﺩ ﺑﻬﺎ ﻣﻮﺩﺓ اﻟﻨﺒﻲ (ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ) ﻻ ﻣﻮﺩﺓ ﻗﺮﻳﺶ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﻭﻝ، ﻭ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎء ﻣﻨﻘﻄﻊ، ﻭ ﻣﺤﺼﻞ اﻟﻤﻌﻨﻰ: ﺃﻧﻲ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﺃﺟﺮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﺩﻋﻮﻛﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻬﺪﻯ اﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﺿﺎﺕ اﻟﺠﻨﺎﺕ ﻭ اﻟﺨﻠﻮﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﻭ ﻻ ﺃﻃﻠﺐ ﻣﻨﻜﻢ ﺟﺰاء ﻟﻜﻦ ﺣﺒﻲ ﻟﻜﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺮاﺑﺘﻜﻢ ﻣﻨﻲ ﺩﻓﻌﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻫﺪﻳﻜﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﻭ ﺃﺩﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ.

والجواب على هذا التفسير من وجوه :-
أولا: كيف ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﻳﺄﻣﺮﻩ اﻟﻠﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ: "ﻗﻞ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ" اﻵﻳﺔ ﺃﻥ ﻳﺨﺒﺮ ﻛﻔﺎﺭ ﻗﺮﻳﺶ ﺃﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ اﻧﺪﻓﻊ ﺇﻟﻰ ﺩﻋﻮﺗﻬﻢ ﻭ ﻫﺪاﻳﺘﻬﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﺒﻪ ﻟﻬﻢ ﻟﻘﺮاﺑﺘﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﻻ ﻷﺟﺮ ﻳﺴﺄﻟﻬﻢ ﺇﻳﺎﻩ ﻋﻠﻴﻪ فهذا ينفي أن يكون النبي الكريم دعاهم لأجل أمر الله له بتبليغ الرسالة بل لأنهم يحبهم لقرابتهم منه، وهذا يخالف صريح ما في القرآن الكريم  من أن النبي أنما بلغ لأمر الله له بتبليغ الرسالة للناس كافة كما قال تعالى "لأنذركم به ومن بلغ" وهذا واضح كما ترى.
ثانيا:حتى بتسليم أن الكلام منقطع لا زال الإشكال هنا مطروحا وهو كيف يطلب النبي أجرا من الكفار وهم غير مؤمنين به، فالآية من حيث المعنى لا تتسق مع طلب المودّة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قريش الكافرين، وإنّما مع طلب المودّة من المسلمين للقربى، 
و قد أوضحنا فيما سبق أنها خطاب للمؤمنين.
-تفسير ثالث ﻗﻴﻞ: اﻟﻤﺮاﺩ ﺑاﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ ﻣﻮﺩﺓ اﻷﻗﺮﺑﺎء ﻭ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻟﻘﺮﻳﺶ ﺃﻭ ﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎﺱ ﻭ اﻟﻤﻌﻨﻰ: ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺩﻋﺎﺋﻲ ﺃﺟﺮا ﺇﻻ ﺃﻥ ﺗﻮﺩﻭا ﺃﻗﺮﺑﺎءﻛﻢ.
والجواب ﺃﻥ ﻣﻮﺩﺓ اﻷﻗﺮﺑﺎء ﻋﻠﻰ ﺇﻃﻼﻗﻬﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﺪﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ اﻹﺳﻼﻡ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻻ ﺗﺠﺪ ﻗﻮﻣﺎ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭ اﻟﻴﻮﻡ اﻵﺧﺮ ﻳﻮاﺩﻭﻥ ﻣﻦ ﺣﺎﺩ اﻟﻠﻪ ﻭ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﺁﺑﺎءﻫﻢ ﺃﻭ ﺃﺑﻨﺎءﻫﻢ ﺃﻭ ﺇﺧﻮاﻧﻬﻢ ﺃﻭ ﻋﺸﻴﺮﺗﻬﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭ ﺃﻳﺪﻫﻢ ﺑﺮﻭﺡ ﻣﻨﻪ": اﻟﻤﺠﺎﺩﻟﺔ: 22
إﻥ اﻟﺬﻱ ﻳﻨﺪﺏ ﺇﻟﻴﻪ اﻹﺳﻼﻡ ﻫﻮ اﻟﺤﺐ ﻓﻲ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻧﻌﻢ ﻫﻨﺎﻙ اﻫﺘﻤﺎﻡ ﺷﺪﻳﺪ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻭ اﻟﺮﺣﻢ ﻟﻜﻨﻪ ﺑﻌﻨﻮاﻥ ﺻﻠﺔ اﻟﺮﺣﻢ ﻭ ﺇﻳﺘﺎء اﻟﻤﺎﻝ، ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻪ ﺫﻭﻱ اﻟﻘﺮﺑﻰ ﻻ ﺑﻌﻨﻮاﻥ ﻣﻮﺩﺓ اﻟﻘﺮﺑﻰ ﻓﻼ ﺣﺐ ﺇﻻ ﻟﻠﻪ ﻋﺰ وجل.
ﻭ أيضا ﻻ يمكن أن يقال ﺑﺄﻥ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ ﻓﻲ اﻵﻳﺔ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺻﻠﺘﻬﻢ ﻭ اﻹﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﺈﻳﺘﺎء اﻟﻤﺎﻝ لأن هذا تأويل للكلام وأخراجه عن ظاهره لغير ضرورة موجبة للتأويل لأن ظاهره الآية المودة أي المحبة بالقلب كما غيرها من الآيات التي تذكر المودة.

ما معنى المودة لقربى النبي ؟ وما الحكمة في ذلك؟
فإن قيل فكيف تكون المودة لذوي القربى الذين هم ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من المؤمنين وما الحكمة في ذلك؟
فالجواب: الحكمة في ذلك أن الناس إذا أحبوهم اتبعوهم، فتعلموا منهم واهتدوا بهداهم، بخلاف ما إذا أبغضوهم فإنهم يتباعدون عنهم ويتنكرون لإرشاداتهم ويتركون الاقتداء بهم،

نقاش مع ابن كثير 
وممن فسر الآية بتفسير مختلف ابن كثير،  قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
ﻭاﻟﺤﻖ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﺴﺮﻫﺎ ﺑﻪ ﺣﺒﺮ اﻷﻣﺔ ﻭﺗﺮﺟﻤﺎﻥ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﺭﻭاﻩ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ. ا ﻫـ.
ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ رواه اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺑﺴﻨﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻃﺎﻭﻭﺱ، ﺃﻧﻪ ﺳﺌﻞ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: { ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ } [ اﻟﺸﻮﺭﻯ:23] . ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻌﻴﺪ اﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ: ﻗﺮﺑﻰ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ، ﻓﻘﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: ﻋﺠﻠﺖ ﺇﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻄﻦ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺮاﺑﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻻ ﺃﻥ ﺗﺼﻠﻮا ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ." ﻭﻳﻜﻮﻥ المعنى ﻋﻠﻰ ﻫﺬا: ﺇﻻ ﺃﻥ ﺗﻜﻔﻮا ﺃﺫاﻛﻢ ﻣﺮاﻋﺎﺓ ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ. ﻭﺗﺴﻤﻌﻮا ﻭﺗﻠﻴﻨﻮا ﻟﻤﺎ ﺃﻫﺪﻳﻜﻢ ﺇﻟﻴﻪ.

ﻭاﻟﺠﻮاﺏ ﻭﺑﺎﻟﻠﻪ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ: 
أولا: ﺃﻥ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ لذوي القربى بأنهم ذرية رسول الله علي وفاطمة وولدهما ﻫﻮ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ وهو ﺃﺭﺟﺢ ﺑﻼ ﺧﻼﻑ، و ﺭﻭاﻳﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻵﻳﺔ بآل محمد المروية ﻋﻨﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ وسلم أقوى وأكثر، وهذه الرواية رويت من عدة طرق فقد رواها الإمام المرشد بالله من طريقين ورواها في كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل ج1 /ص 669 وفي كتاب ﻣﻨﺎﻗﺐ اﺑﻦ اﻟﻤﻐﺎﺯﻟﻲ ( ص 191 ). والطبراني اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﻜﺒﻴﺮ ( ﺟ 1/ 125 )
 ثانيا: أنه قد ﺭﻭﻱ ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻵﻳﺔ، ﻋﻦ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ، ﻓﺄﺧﺮﺝ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺤﺴﻜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺷﻮاﻫﺪ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ، ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺃﺑﻮ اﻟﺸﻴﺦ اﻷﺻﺒﻬﺎﻧﻲ اﻟﺤﺎﺭﺛﻲ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺯﻛﺮﻳﺎ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﻬﺮاﻥ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻔﻮﺭ ﺃﺑﻮ اﻟﺼﺒﺎﺡ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺎﺷﻢ اﻟﺮﻣﺎﻧﻲ، ﻋﻦ ﺯاﺫاﻥ، ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﻗﺎﻝ: (( ﻓﻴﻨﺎ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺁﻳﺔ ﻻ ﻳﺤﻔﻆ ﻣﻮﺩﺗﻨﺎ ﺇﻻ ﻛﻞ ﻣﺆﻣﻦ، ﺛﻢ ﻗﺮﺃ { ﻗﻞ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺟﺮا ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ }
كما أنه قد روي تفسير هذه الآية عن الإمام الحسن بن علي فقد ذكر اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺪﺭﻙ ( ﺟ 3/ ﺻ 172 ) خطبة الإمام الحسن بن علي فكان من كلام الحسن :ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬﻳﻦ ﺃﺫﻫﺐ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺮﺟﺲ ﻭﻃﻬﺮﻫﻢ ﺗﻄﻬﻴﺮا، ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬﻱ اﻓﺘﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻣﻮﺩﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺴﻠﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻨﺒﻴﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: { ﻗﻞ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺟﺮا ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ ﻭﻣﻦ ﻳﻘﺘﺮﻑ ﺣﺴﻨﺔ ﻧﺰﺩ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺴﻨﺎ } [ اﻟﺸﻮﺭﻯ:23] ، ﻓﺎﻗﺘﺮاﻑ اﻟﺤﺴﻨﺔ ﻣﻮﺩﺗﻨﺎ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ )). اﻧﺘﻬﻰ.
وكذلك قد روي تفسير الاية عن الإمام الحسين ﻛﻤﺎ ﻓﻲ كتاب ﺃﻧﺴﺎﺏ اﻷﺷﺮاﻑ ( ﺟ 2/  ﺻ 754 ) من قصة للإمام الحسين قال " ﻓﺘﻜﻠﻢ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻓﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ اﻹﺳﻼﻡ ﺩﻓﻊ اﻟﺨﺴﻴﺴﺔ ﻭﺗﻤﻢ اﻟﻨﻘﻴﺼﺔ، ﻭﺃﺫﻫﺐ الآئمة، ﻓﻼ ﻟﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻠﻢ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﻣﺄﺛﻢ، ﻭﺇﻥ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻈﻢ اﻟﻠﻪ ﺣﻘﻬﺎ ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺮﻋﺎﻳﺘﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﻳﺴﺄﻝ ﻧﺒﻴﻪ اﻷﺟﺮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺩﺓ ﻷﻫﻠﻬﺎ، ﻗﺮاﺑﺘﻨﺎ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ... )) ﺇﻟﺦ
رابعا: أن اﻟﺮﻭاﻳﺎﺕ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ مختلفة، بخلاف الروايات عن الإمام علي والحسن والحسين، فقد اﺧﺘﻠﻔﺖ  ﺃﻟﻔﺎﻅ اﻟﺮﻭاﻳﺔ اﻟﺘﻲ اﺣﺘﺞ ﺑﻬﺎ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ، ﻓﻤﻦ ﺃﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ اﻟﺮﻭاﻳﺎﺕ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻠﺔ - أي ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﺑﺬﻭﻱ ﻗﺮﺑﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ومنها ما لايمكن الجمع.

شبه حول تفسير الآية:
الشبهة الأولى 
-أن الرواية التي عن ابن عباس ضعيفة وهي ﻗﻮﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ: (( { ﻗﻞ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺟﺮا ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ } [ اﻟﺸﻮﺭﻯ:23] . ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﺑﻤﻮﺩﺗﻬﻢ ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﻭﻟﺪﻫﺎ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ )).
ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ : ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ ﺿﻌﻴﻒ، ﻓﻴﻪ ﻣﺒﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ، ﻋﻦ ﺷﻴﺦ ﺷﻴﻌﻲ ﻣﺤﺘﺮﻑ ( ﻛﺬا )، ﻭﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺧﺒﺮﻩ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺤﻞ، 
والجواب عن هذه الشبهة كالتالي:-
أولا:  ﻗﻮﻟﻪ ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ ﺿﻌﻴﻒ، ﻓﻴﻪ ﻣﺒﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ، ﻋﻦ ﺷﻴﺦ ﺷﻴﻌﻲ، ﻓﺈﻥ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ اﺧﺘﺎﺭ ﻣﻦ ﻃﺮﻗﻪ ﻫﺬﻩ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺒﻬﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ: ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺭﺟﻞ ﺳﻤﺎﻩ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﺴﻴﻦ اﻷﺷﻘﺮ، ﻋﻦ ﻗﻴﺲ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ، ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: (( ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ { ﻗﻞ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺟﺮا ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ} [ اﻟﺸﻮﺭﻯ:23] . ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﺑﻤﻮﺩﺗﻬﻢ ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﻭﻟﺪﻫﺎ )). اﻧﺘﻬﻰ.
لكن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳﺮﻭﻯ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﺑﻬﺎﻡ ﻫﺬا، فهو ﻳﺮﻭﻯ ﻋﻦ ﺣﺴﻴﻦ الأشقر من ﻃﺮﻳﻖ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ اﻟﺤﻤﺎﻧﻲ، ﻭﺣﺮﺏ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻄﺤﺎﻥ، ﻭاﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺃﺑﻲ اﻟﻤﻨﺬﺭ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ.
 فقد ﺭﻭاﻩ ﻓﻲ ﻓﺮاﺋﺪ اﻟﺴﻤﻄﻴﻦ ( ﺟ 2/ ﺻ 13 ) ﺑﺴﻨﺪ ﺫﻛﺮﻩ ﺇﻟﻰ اﻟﻮاﺣﺪﻱ، ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻴﻪ: ﺃﻧﺒﺄﻧﺎ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﻮاﺣﺪﻱ ﺳﻤﺎﻋﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺒﺄﻧﺎ اﺑﻦ ﺣﻨﺎﻥ اﻟﻤﺰﻛﻲ، ﺃﻧﺒﺄﻧﺎ ﺃﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ اﻟﺴﺮﻱ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ اﻟﺤﻤﺎﻧﻲ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﺴﻴﻦ اﻷﺷﻘﺮ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻗﻴﺲ، ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻷﻋﻤﺶ، ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: (( ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ { ﻗﻞ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺟﺮا ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ } 
 ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﺮﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﺑﻤﻮﺩﺗﻬﻢ ؟ ﻗﺎﻝ: ﻋﻠﻲ ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﻭﻟﺪﻫﻤﺎ )) 
 وأخرج اﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ - ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ (113) ﻣﻦ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ في اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﻜﺒﻴﺮ ( ﺟ 1/ 125 ): ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﺮﺏ ﺑﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﻄﺤﺎﻥ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﺴﻴﻦ اﻷﺷﻘﺮ، ﻋﻦ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ، ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ: (( ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ { ﻗﻞ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺟﺮا ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ} [ اﻟﺸﻮﺭﻯ:23] . ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﻦ ﻗﺮاﺑﺘﻚ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻭﺟﺒﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻮﺩﺗﻬﻢ ؟ ﻗﺎﻝ: ﻋﻠﻲ ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭاﺑﻨﺎﻫﻤﺎ )). اﻧﺘﻬﻰ.
ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺎﻗﺐ اﺑﻦ اﻟﻤﻐﺎﺯﻟﻲ ( ﺻ 191 )، ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺻﺎﺑﺮﺃﺫﻧﺎ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﺪﻣﺸﻖ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﺑﺎﻟﺮﻗﺔ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﺴﻴﻦ اﻷﺷﻘﺮ، ﻋﻦ ﻗﻴﺲ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ، ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: (( ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ { ﻗﻞ ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺟﺮا ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﻰ } [ اﻟﺸﻮﺭﻯ:23] 
. ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﺑﻤﻮﺩﺗﻬﻢ ؟ ﻗﺎﻝ: ﻋﻠﻲ ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﻭﻟﺪﻫﻤﺎ )).
ثانيا: قول ابن كثير عن شيخ شيعي فهو يعني حسين الأشقر يريد بذلك أنه ضعيف، لكن قد وثقه غيره قال عنه ﺃﺣﻤﺪ اﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ: ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻱ ﻣﻤﻦ ﻳﻜﺬﺏ،
ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺗﻬﺬﻳﺐ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺣﺴﻴﻦ: ﺭﻭﻯ ﻋﻦ ﺷﺮﻳﻚ، ﻭﺯﻫﻴﺮ، ﻭاﺑﻦ ﺣﻲ، ﻭاﺑﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ، ﻭﻗﻴﺲ ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻭﻫﺸﻴﻢ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻋﻨﻪ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺓ اﻟﻀﺒﻲ، ﻭﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ، ﻭاﺑﻦ ﻣﻌﻴﻦ.
 ﻗﺎﻝ: اﺑﻦ اﻟﺠﻨﻴﺪ ﺳﻤﻌﺖ اﺑﻦ ﻣﻌﻴﻦ ﺫﻛﺮ اﻷﺷﻘﺮ ﻓﻘﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻌﺔ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ، ﻗﻠﺖ: ﻓﻜﻴﻒ ﺣﺪﻳﺜﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻻ ﺑﺄﺱ ﺑﻪ، ﻗﻠﺖ: ﺻﺪﻭﻕ، ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻛﺘﺒﺖ ﻋﻨﻪ. فﺩﻝ ﻛﻼﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺻﺪﻭﻕ، ﻭﻫﺬا ﻣﻦ اﺑﻦ ﻣﻌﻴﻦ، ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﻪ، ﻷﻧﻪ ﻗﺪ ﻟﻘﻴﻪ ﻭﺃﺧﺬ ﻋﻨﻪ.
ﻭﻗﺪ ﺻﺤﺢ ﻟﻪ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺪﺭﻙ ﺣﺪﻳﺜﺎ عن أم سلمة ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: (( ﻛﺎﻥ ﺇﺫا ﻏﻀﺐ ﻟﻢ ﻳﺠﺘﺮﺃ ﺃﺣﺪا ﻣﻨﺎ ﻳﻜﻠﻤﻪ ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ))، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ( ﺟ3/ ﺻ130 ).

الشبهة الثانية
-ﺫﻛﺮ ﻧﺰﻭﻝ اﻵﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﻴﺪ لأن السورة ﻣﻜﻴﺔ 
وﺎﻟﺠﻮاﺏ على هذا:ﺇﻧﻪ ﺇﻥ أريد ﺃﻥ اﻵﻳﺔ ﺁﻳﺔ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﺑﺨﺼﻮﺻﻬﺎ ﻣﻜﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﺩﻋﻮﻯ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺩﻟﻴﻞ، ﻭﻛﻮﻥ اﻟﺴﻮﺭﺓ ﻣﻜﻴﺔ ﻻ ﻳﻔﻴﺪ ﺫﻟﻚ، ﻷﻥ اﻟﺴﻮﺭﺓ ﺗﻨﺴﺐ ﻷﻭﻝ ﻧﺰﻭﻟﻬﺎ، ﻭﻣﻦ اﻟﺴﻮﺭ ﻣﺎ ﻧﺰﻝ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﻤﻜﺔ ﻭﺑﻌﻀﻪ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، يؤيد ذلك ما ذكر في الدر المنثور (ج7/ص439 )قال: ﺃﺧﺮﺝ ﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ ﻭاﺑﻦ اﻟﻤﻨﺬﺭ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﺮﻳﻦ ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻼﻡ {ﻭﺷﻬﺪ ﺷﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻠﻪ} 
ﻗﺎﻝ: ﻭاﻟﺴﻮﺭﺓ -أي سورة الاحقاف- ﻣﻜﻴﺔ ﻭالآﻳﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ.
ﻗﺎﻝ: ﻭﻛﺎﻧﺖ اﻵﻳﺔ ﺗﻨﺰﻝ ﻓﻴﺆﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻥ ﻳﻀﻌﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺁﻳﺘﻲ ﻛﺬا ﻭﻛﺬا ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻛﺬا ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﻣﻨﻬﻦ.
ﻋﻠﻰ ﺃﻧﺎ ﻭﺇﻥ ﺳﻠﻤﻨﺎ ﻧﺰﻭﻟﻬﺎ ﺑﻤﻜﺔ ﻓﻼ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻧﺰﻭﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻟﺘﺠﺪﺩ اﻟﺴﺒﺐ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺮﻭاﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻛﺮ ﻧﺰﻭﻝ اﻵﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﻼ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﺑﻬﺬا ﻋﻠﻴﻬﺎ.

الشبهة الثالثة 
-ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ ﺇﺫ ﺫاﻙ ﺃﻭﻻﺩ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺰﻭﺝ ﺑﻌﻠﻲ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺑﺪﺭ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﺠﺮﺓ.
الجواب على هذه: أن هذا مما ﻻ ﻳﺼﻠﺢ اﻻﻋﺘﺮاﺽ به ؛لأن هذا إخبار من النبي الكريم وهو ﻛﻼﻡ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻨﻄﻖ ﻋﻦ اﻟﻬﻮﻯ، { ﺇﻥ ﻫﻮ ﺇﻻ ﻭﺣﻲ ﻳﻮﺣﻰ } ، فالاخبار به كسائرالمغيبات التي يخبر بها بوحي من الله ، اذن فلا اعتراض ﻷﻥ ﻛﻼﻣﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻦ ﺧﺒﺮ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺳﻴﻜﻮﻥ، ﻓﻼ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﻭﺟﺪ ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ ﻭﻟﺪ ﻋﻨﺪ ﻧﺰﻭﻝ اﻵﻳﺔ، ليثبت اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﺩﺗﻬﻢ. 
كلام ابن كثير في أهل البيت بعد ذكره لآية المودة:
شواهد لتفسير آية المودة بقرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم 
هذا ويؤيد هذا ما روي في أهل البيت من قول النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم  (( ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻗﻠﺐ ﺃﺣﺪﻫﻢ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺒﻜﻢ ﻟﻠﻪ ﻭﻟﻘﺮاﺑﺘﻲ ))
ﻭهذا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺫﻛﺮﻩ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺟﺎﺩﻝ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺁﻳﺔ اﻟﻤﻮﺩﺓ ﺑﺂﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ( ﺟ 7/ ﺻ 189 ): ﻭﻻ ﺗﻨﻜﺮ اﻟﻮﺻﺎﺓ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ، ﻭاﻷﻣﺮ ﺑﺎﻹﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻭاﺣﺘﺮاﻣﻬﻢ ﻭﺇﻛﺮاﻣﻬﻢ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺫﺭﻳﺔ ﻃﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﺷﺮﻑ ﺑﻴﺖ ﻭﺟﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻷﺭﺽ، ﻓﺨﺮا ﻭﺣﺴﺒﺎ ﻭﻧﺴﺒﺎ، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺇﺫا ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺘﺒﻌﻴﻦ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ اﻟﺠﻠﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻠﻔﻬﻢ ﻛﺎﻟﻌﺒﺎﺱ ﻭﺑﻨﻴﻪ ﻭﻋﻠﻲ ﻭﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﺫﺭﻳﺘﻪ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﺑﻐﺪﻳﺮ ﺧﻢ: (( ﺇﻧﻲ ﺗﺎﺭﻙ ﻓﻴﻜﻢ اﻟﺜﻘﻠﻴﻦ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﻋﺘﺮﺗﻲ، ﻭﺇﻧﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺮﻗﺎ ( ﻛﺬا ) ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺩا ﻋﻠﻲ اﻟﺤﻮﺽ )).
ﻭﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻫﺎﺭﻭﻥ، ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺧﺎﻟﺪ، ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺯﻳﺎﺩ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺎﺭﺙ، ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺇﺫا ﻟﻘﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻟﻘﻮﻫﻢ ﺑﺒﺸﺮ ﺣﺴﻦ، ﻭﺇﺫا ﻟﻘﻮﻧﺎ ﻟﻘﻮﻧﺎ ﺑﻮﺟﻮﻩ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻐﻀﺐ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻏﻀﺒﺎ ﺷﺪﻳﺪا ﻭﻗﺎﻝ: (( ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻗﻠﺐ اﻟﺮﺟﻞ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺒﻜﻢ ﻟﻠﻪ ﻭﻟﺮﺳﻮﻟﻪ )).
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺃﺣﻤﺪ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺟﺮﻳﺮ، ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺯﻳﺎﺩ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺤﺎﺭﺙ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻌﺔ ﻗﺎﻝ: ﺩﺧﻞ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﺎ ﻟﻨﺨﺮﺝ ﻓﻨﺮﻯ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺗﺤﺪﺙ ﻓﺈﺫا ﺭﺃﻭﻧﺎ ﺳﻜﺘﻮا، ﻓﻐﻀﺐ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺩﺭ ﻋﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: (( ﻭاﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻗﻠﺐ ﺃﻣﺮﺉ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺒﻜﻢ ﻟﻠﻪ ﻭﻟﻘﺮاﺑﺘﻲ ))، ﻭﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺻﺤﺤﻪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻭﺫﻛﺮ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ اﻟﺤﺠﺔ، ﻛﻤﺎ ﺣﻜﺎﻩ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﻮﻝ اﻟﻘﻴﻢ. اﻧﺘﻬﻰ.
شاهد ثالث
ﻭﻗﺎﻝ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺪﻻﺋﻞ (ﺟ1/ﺻ130،ﻭﺹ131):  ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﺇﻥ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺇﺫا اﻟﺘﻘﻮا ﻟﻘﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﺑﺎﻟﺒﺸﺎﺷﺔ، ﻭﺇﺫا ﻟﻘﻮﻧﺎ ﻟﻘﻮﻧﺎ ﺑﻮﺟﻮﻩ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ!! ﻓﻐﻀﺐ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﻏﻀﺒﺎ ﺷﺪﻳﺪا ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: (( ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻴﺪﻩ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻗﻠﺐ ﺭﺟﻞ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺒﻜﻢ ﻟﻠﻪ ﻭﻟﺮﺳﻮﻟﻪ... )) اﻟﺤﺪيث
شاهد رابع
ﺃﺧﺮﺝ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ (ﺟ5/ﺻ316،ﻭﺹ317) ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ: (( ﺃﺗﻰ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺇﻧﺎ ﻟﻨﻌﺮﻑ اﻟﻀﻐﺎﺋﻦ ﻓﻲ ﺃﻧﺎﺱ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺃﻭﻗﻌﻨﺎﻫﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﺃﻣﺎ ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻮﻥ ﺧﻴﺮا ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺒﻮﻛﻢ ﻟﻘﺮاﺑﺘﻲ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﺗﺮﺟﻮ ﺳﻠﻬﺐ ﺷﻔﺎﻋﺘﻲ ﻭﻻ ﻳﺮﺟﻮﻫﺎ ﺑﻨﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ )).
شاهد خامس
روى اﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻦ (ﺟ1/ﺻ63)  ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺎ ﻧﻠﻘﻰ اﻟﻨﻔﺮ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻭﻫﻢ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻥ ﻓﻴﻘﻄﻌﻮﻥ ﺣﺪﻳﺜﻬﻢ، ﻓﺬﻛﺮﻧﺎ ﺫﻟﻚ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎﻝ: (( ﻣﺎ ﺑﺎﻝ ﺃﻗﻮاﻡ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﺇﺫا ﺭﺃﻭا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ ﻗﻄﻌﻮا ﺣﺪﻳﺜﻬﻢ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻗﻠﺐ ﺭﺟﻞ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺒﻬﻢ ﻟﻠﻪ ﻭﻟﻘﺮاﺑﺘﻬﻢ ﻣﻨﻲ )). اﻧﺘﻬﻰ

;

17-41-2019

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي منَّ علينا بوحي كتابه وتنزيله، وبما وَلِيَ تبارك وتعالى من أحكامه وتفصيله، بالإعراب والتبيين، وبما جعل فيه من دلائل اليقين، على وحدانيته ودينه، وبما نوَّر في ذلك من تبيينه، وقوَّم سبحانه من صراطه وسبيله، بما شرع فيه من تحريمه وتحليله، وأقام به على كل صالحةٍ مرشدةٍ من دليله، وفصَّل سبحانه من كلامه فيه وقيله، ومن أصدق من الله قيلاً، وأحكمُ لكل شيء تفصيلاً، فنزله بنور هداه تنزيلاً، فلم يغب في ذلك كله عنه من الهدى غائب، ولم يَخِب من طلاب الهدى به ولا فيه قط خائب، فيعدم من الهدى مراد مطلوب، ولا يحتجب عن الطالب له من هداه محجوب، أنزله الله بتفصيله إنزالاً، فقال تبارك وتعالى، فيما نزَّل منه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: "أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِيْ حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفصَّلاً" [الأنعام: 114] فجعله منه بفضله ورحمته وحياً منزلاً، وقال سبحانه فيه: "وَلَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [الأعراف: 52] وقال سبحانه في تنزيله، وما منَّ به فيه من تفصيله: "حَم، تَنْزِيْلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحيمْ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عربيا لِقَوْمٍ يَعْلَمُوْنَ، بَشِيراً وَنَذِيْرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ" [فصلت: 1ـ 4] فجعله سبحانه لعباده بشيراً ونذيراً، ووضعه للمؤمنين برحمته سراجاً منيراً.

[أهل الذكر]
فمن أراد سرَّ الأسرار، وعلانيةَ مكتومِ الأخبار، التي أظهرها الله لصفوته من الأبرار، وخصَّ بعلمها من انتجبه لها من الأخيار، فحباهم بفهمها واستخراجها، ودلَّ منهم بها من استدلَّ على منهاجها، فكشف لهم منها عن أنوار النور، وبَيَّنَ لهم منها ما التبس على غيرهم من الأمور، فظهر لمن هَداه الله بهم منها مكتومُها، وأسفر بعون الله لمن طلب علمها معلومُها، فسكنت إليها الأنفس، ونطق بها البكم الخرس، فقالوا: بها ناطقين، ونطقوا بها صادقين، وَحَيوا بروحها بمنِّ الله من كل هلكةٍ وموت، وتحركوا بحياتها من بعد خمود وخفوت، ومشوا بنورها مبصرين في الناس، وخرجوا بضيائها من الظلمات والالتباس، كما قال سبحانه: "أَفَمَنْ كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوْراً يَمْشِيْ بِهِ فِيْ النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِيْ الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلكَافِرِيْنَ مَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ" [الأنعام: 122]. وفيما بَيَّن الله سبحانه من آياته، لمن آمن به، ما يقول تبارك وتعالى: " قَدْ بَيَّنَا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُوْنَ" [الحديد: 17].
وفي أن وحي الله حياة مِن أمر الله وروح، ونور وهدى ورشد ساطع يلوح، ما يقول سبحانه في وحيه، وفيما نزَّل منه على نبيه: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوْحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِيْ مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيْمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوْراً نَهْدِيْ بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ، صِرَاطِ اللهِ الَّذِيْ لَهُ مَا فِيْ السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيْ الأَرْضِ أَلآ إِلَى اللهِ تَصِيْرُ الأُمُوْرُ"[الشورى: 52 ـ 53]. فجعله روحاً مُحيِياً لمن قَبِلَه، ونوراً مضيئاً لمن تأمَله، فنحمد الله على ما جعل فيه لأهله من الحياة، ووهب لهم به من الفوز والنجاة.
وقد ظن من ليس بِبَرٍّ ولا تقيّ، من كلِّ ضلِّيلٍ تائهٍ شقي، بجهله وضلاله واحتياره، وقلّة علمه بكتاب الله وأسراره، وعندما اقتصر عليه من نظره، ونقصِ فكره وتحيُّرِه، ولتركه علم ما خفي عليه من آياته، عند من جعله الله معدناً لعلم خفياته، ممن انتجب واصطفى، وجعل له المنزلة - عنده - الزلفى، أن في كتاب الله تناقضاً واختلافاً، وأنه إنما اعتسف القول فيه اعتسافاً، فقاده جهله بالكتاب، إلى جهل رب الأرباب، لأن من جهل صنع الله للكتاب في آية واحدة من آياته، كمن جهل صنع الله في أرضه وسماواته، لا فرق بين ذلك في حكمة ولا حكمٍ، وواحدٌ ذلك كله في الخطيئة والجُرم، فمن جهل أن كل ما سمع في آية من آيات الكتاب فوحي الله وتنزيله، وأن كل آية منه فلا يحتملها ولا يحكمها إلا حكمة الله وتفصيله، فهو بكتاب الله من الجاهلين، وعن حكمة الله فيه من الضالين، بل هو بالله في جهله ذلك إن جهله من الكافرين، ولأكثر نعم الله عليه فمن غير الشاكرين، والحمد لله فيه لا شريك له رب العالمين، ونعوذ بالله في كتابه من عماية العمين، ونسأله أن يجعلنا لهداه فيه من المتبعين، وبما نزل فيه من حكمته ورحمته من المنتفعين.
وفيما أمر به من اتباعه، في الإنصات له واستماعه، ما يقول الله سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: "اتَّبِعْ مَا يُوْحَى إِلَيْكَ مِنْ ربِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِيْنَ" [الأنعام: 106].
وفي ذلك أيضاً ما يقول لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله، : "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيْعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِيْنَ لاَ يَعْلَمُوْنَ" [الجاثية:18].
وفي الإنصات والاستماع ما يقول سبحانه: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوْا لَهُ وَأَنْصِتُوْا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَ" [الأعراف: 204].

[القرآن عظة ونور]
وفيما في تنزيل الله من الموعظة والنور، وما جعله عليه من الشفاء لما في الصدور، ما يقول سبحانه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَبِّكِمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُوْرِ وَهُدَى وَرَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِيْنَ" [يونس :57]، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم إلى ما فيه من الهدى والنور من المهتدين.
وفي تبيين ما نزَّل الله في كتابه من الآيات، وجعل فيه من المواعظ الشافيات، لمن قَبِلَه وفهمه عن الله جل جلاله، من عباده البررة المتقين الأتقين ما يقول سبحانه: "وَلَقَدْ أَنزْلَنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاَ مِنَ الَّذِيْنَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً للْمُتَّقِيْنَ، اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُوْرِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيْهَا مِصِبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌ يُوْقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُوْنَةٍ لاَ شَرْقِيَّة ولاَ غَرْبِيَّة يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُوْرٍ يَّهْدِيْ اللهُ لِنُوْرِهِ مَنْ يَّشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [النور: 34 ـ 35]. فمثَّلَ سبحانه ما في كتابه من نوره وهداه، وما وهب - من تبيينه فيه برحمته - أولياه، بمشكاة قد ملئت نوراً بمصباح في زجاجة نقية ككوكب دريٍّ، ومثَّلَ كتابه بما فيه من هداه بنور مصباحٍ زاهرٍ مضيٍّ، قد نقيا من كل ظلمة وغلس، وصفيا من كل كدرٍ ونجسٍ، فأعلمنا سبحانه بأنه هو نور السماوات والأرض ومن فيهما، إذ هو الهادي لِكُلِّ من اهتدى من أهليهما.
وقد قيل في التفسير: إن المشكاة هي الكوة، التي يجمع ما فيها كما يجمع ما فيه السقا والشكوة، فنور هدى كتاب الله محفوظ بالله مجتمع، وكل من وفقه الله لرشده فهو لأمر الله كله فيه متبع، لا يسوغ لأحدٍ عند الله من خلافه سائغ، ولا يزيغ عن حكم من أحكام الله فيه إلا زائع، يُزِيْغُ اللهُ قلبَه بزيغه عنه، ويفارق من الهدى بقدر ما فارق منه، كما قال علام الغيوب وخلاَّق ما ضل واهتدى من القلوب: "فَلَمَّا زَاغُوْا أَزَاغَ اللهُ قُلَوْبَهُمْ واللهُ لاَ يَهْدِيْ الْقَوْمَ الْفَاسِقِيْنَ" [الصف: 5].

[القرآن الحكم الفصل]
وفيما جعل الله في كتابه من الحكم والفرقان والفصل، ما يقول الله تبارك وتعالى:"إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بالْهَزْلِ" [الطارق: 12 ـ 13]. والفصل فهو الحكم الجد الرشيد، والهزل فهو اللعب والكذب والتفنيد، وفي ذلك ومثله، وما نزل الله فيه من فصله، ما يقول سبحانه: "تَبَارَكَ الَّذِيْ نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُوْنَ لِلْعَالِمِيْنَ نَذِيْراً"[الفرقان: 1].
والفرقان فهو: التفصيل من الله فيه لرشده. فمن لم يرشد بكتاب الله فلا رشد، ومن ابتعد عن كتاب الله فَبَعُدَ، كما بعدت عاد وثمود، ومن لم يهتد في أمره بكتاب الله وتنزيله، لم يهتد بغيره للحق أبداً ولا لسبيله، بل لن يبصر ولن يرَى، للحق عيناً ولا أثراً، ولا يزال - ما لم يراجعه - متحيراً ضالاً، ومعتقداً - ما بقي كذلك - حيرةً وضلالاً، يَعُد نفعاً له ما يضره، وثقةً عنده أبداً مَن يغرُّه، مرحاً لهلكته فرحاً، يرى غشه له بِرَاً ونصحاً، يخبط بنفسه كل ظلمة وعشواء، متبعاً في دينه وأمره كله لما يهوى، إن قال مبتدياً عسَّف، أو حكى عن غيره حرَّف، افتراءًا وبهتاناً، وقسوة ونسياناً، أثرة منه للباطل على الحق، ونقضاً لما عقد عليه من العهد والموثق، كما قال الله سبحانه: "فِبِمَا نَقْضِهِمْ مِيْثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوْبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُوْنَ الْكَلِمَ عَنْ مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظَّا مِمَّا ذُكِّرُوْا بِهِ، وَلاَ تَزَالُ تَطِّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيْلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ" [المائدة: 13].
فالويل كل الويل لمن لم يكتف في أموره وأمور غيره بتنزيل رب العالمين، كيف عظم ضلاله وغيه ؟! وضلت أعماله وسعيه، فَيَحْسبُه محسناً وهو مسيء، ورشيداً في أمره وهو غوي، كما قال سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِيْنَ أَعْمَالاً، الَّذِيْنَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِيْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحسْبُوْنَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُوْنَ صُنْعاً" [الكهف: 103 ـ 104]. أفليس هذا هو الذي ظن والله المستعان ضُرَّهُ لَه نفعاً ؟! وحسب ضلالته هدى، وهدايته إلى الجنة ردى، كما قال سبحانه: "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِيْنٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّوْنَهُمْ عَنِ السَّبِيْلِ، وَيَحْسَبُوْنَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُوْنَ"[الزخرف: 36 ـ 37].
وفي القرآن وأمره، وما عظَّم الله من قدره، ما يقول سبحانه: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِعَاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا للِنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُوْنَ" [الحشر: 21].
وفيه وفي خلاله، وما مَنَّ الله به من إنزاله، ما يقول تباركت أسماؤه لمن نزله عليهم كلهم جميعاً معاً: "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًاً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ للهِ الأَمْرُ جَمِيْعاً" [الرعد: 31].
أو لم يسمع من آمن بالله سبحانه في آيات نزلها من الكتاب: " هَذَا بَلاَغٌ لِلْنَّاسِ وَلْيُنْذَرُوا بِهِ وَليَعْلَمُوْا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَليَذَّكَرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ" [إبراهيم: 52]، وفي مثل ذلك بعينه، وفيما أنزل من تبيينه، ما يقول سبحانه: "هَذَا بَيَانٌ لِلَنَّاسِ وَهُدَىً وَّمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِيْنَ" [آل عمران: 138]. ويقول سبحانه: " وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِيْنَ " [النحل: 89]. فجعله سبحانه تبياناً وحجة على من فسق وكفر، وهدى ورحمة وموعظة لمن اتقى وشكر.

[القرآن رحمة وشفاء]
وفيه وفي رحمة الله به وشفائه، وما جعل فيه لكل ذي حكم من إكفائه، ما يقول سبحانه: " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُوْنَ " [العنكبوت: 51]. فمن لم يكتف بضيائه فلا كُفي، ومن لم يشتف بشفائه فلا شُفي، ففيه شفاء كل داء، وبيان كل قصد واعتداء، فلا يعرض عنه أبداً مهتدٍ، ولا يصد عنه إلاَّ كل معتدٍ، هالك مهلَك، يَأْفِكُ وَيُؤْفَك، يفتري على الله الإفك والزور، ويؤثر على اليقين بالله الغرور، فهو أبداً التائه المغرور، وقلبه فهو الخراب البور، الذي لم يعمر بهدى الله منه معمور، ولم يسكنه من أنوار حكمة الله نور.
أوَ ما سمع - ويله - قول الله جل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله، : "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَك مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُم شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً" [المائدة : 48]، فكفى بهذا على من أعرض عن كتاب الله بياناً وبرهاناً واحتجاجاً.
وأين بمن عرف الله وحكمته ؟ وإحسانه بتنزيل الكتاب ونعمته، عن كتاب الله وتنزيله، وما فيه من فرقان الله وتفصيله، وهل يذهب عنه إلا عميّ القلب مقفلُه ؟! لا يتدبر حكم الله ولا يعقله، كما قال سبحانه: "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُوْنَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوْبٍ أَقْفَالُهَا" [محمد: 24]، فلا يُسقط أبداً المعرفةَ بما جعل الله في كتابه من النور عن القلوب إلا انقفالُها، ولا ينقفل قلب عما فيه من الهدى إلا بضلال، ولا يترك ما ذكر الله من تدبيره إلا من كان من الضُّلاَّلِ، فأما من نوَّر الله قلبه، ورضي عقله ولبَّه، فلا يعدل بتذكر ما أنزل من الكتاب، كما قال الله سبحانه: "وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ أُولُوْا الأَلْبَابِ" [البقرة: 269]، وقال سبحانه في كتابه، وما ذكر الله من نعمه وتذكيره به: "إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيْدٌ" [ق: 37].
وماذا يا سُبحان الله يريد ؟! مِنْ خَلقِ اللهِ كلِّهم مُريدٌ رشيدٌ ؟ بعد قوله تبارك وتعالى لقومٍ يسمعون: "أَفَغَيْرَ دِيْنِ اللهِ يَبْغُوْنَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِيْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُوْنَ" [آل عمران: 83]. فأخبر سبحانه عن استسلام من في سماواته وأرضه، لحكمه فيهم وفي غيرهم وفرضه، وأخبرهم عن مرجعهم جميعاً إليه، ليحفظ كل امرئ ما حكم به له وعليه، تعليماً من الله لهم لا كتعليم، وهداية من الله لهم إلى صراط مستقيم.
فكتابَ الله أعانكم الله ما حييتم فاحفظوا، وبه هداكم الله ما بقيتم فاتعظوا، فإنه أوعظ ما اتعظ به متعظ، وخير ما احتفظ به منكم محتفظ، لما جعل فيه لحافظه من النجاة، ووهب لمواعظه لمن اتعظ بها من الحياة، فعليه فاحيوا ما حييتم، وبه فتمسكوا ما بقيتم، وفيه ما يقول لمن كان قبلكم رب العالمين: "وَالَّذِيْنَ يُمْسِّكُوْنَ بِالكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَة إِنَّا لا نُضِيْعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِيْنَ"[الأعراف: 170]. فالتمسك به أحسن الإحسان، وحقيقة الإصلاح والإيمان.

[حفظ الكتاب من الضياع]
وهو فكتاب الله المحفوظ الذي لم يَضِعْ منه بمنِّ الله قطُّ آية، فيضيع بضياعها من الله نور وبيان وهداية، وكيف يذهب منه شيء أو يضيع ؟! أو يتوهم أن الله سبحانه له مضيع ؟! بعد قوله تبارك وتعالى: "وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِّلَّ قَوْمَا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنْ لَهُمْ مَّا يَتَّقُوْنَ، إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمٌ" [التوبة: 115]. وبعد قوله: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأَتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّوْنَ عَلَيْكُمْ آيَاتِيْ وَيُنْذِرُوْنَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوْا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الحياة الدُّنْيَا وَشَهِدُوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ" [الأنعام: 130]. وبعد قوله سبحانه: "وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيْماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَرُوْنَ" [الأنعام: 126]. فكيف يصح أن يذهب منه شيء وهو صراط الله المستقيم ؟! وتبيانه لكل شيء ففيه لعباده هدى وتقويم!
وفيه ما يقول سبحانه: "إِنَّ هَذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِيْ هِيَ أَقْوَمُ" [الإسراء: 9]، فهل بقي لأحدٍ من بعده عذر أو مُتَلوَّم ؟! وكيف يُصدَّق مفترٍ على الله في ضياعه ؟!! وقد أمر تبارك وتعالى عباده باتباعه، فقال فيه: "وَأَنَّ هَذَا صَراطِيْ مُسْتَقِيْماً فَاتَّبَعُوْهُ وَلاَ تَتَّبِعُوْا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ" [الأنعام: 153]. وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيه: "اِتَّبِعُوْا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوْا مِنْ دُوْنِه أَوْلِيَاءَ قَلِيْلاَ مَّا تَذَكَّرُوْنَ"[الأعراف: 3].
وقال سبحانه: "وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوْهُ وَاتَّقُوْا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" [الأنعام: 155]. وقد قال قوم مبطلون، عماة لا يعقلون: أن قد ذهب منه بعضه فافتروا الكذب فيه وهم لا يشعرون !! وقالوا من الافتراء على الله في ذلك بما لا يدرون.
فيا سبحان الله!! أما يسمعوا لقول الله: "إِنَّا نحن نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ" [الحجر:9]. وقوله سبحانه: "بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيْدٌ فِيْ لَوْحٍ مَحْفُوْظٌ " [البروج: 22].
وكتاب الله فهو الذكر الحكيم، والقرآن المكرم العظيم، فمن أين يدخل عليه مع حفظ الله له ضياع؟ أو يصح في ذلك لمن رواه عن أحدٍ من الصالحين سماع، مع ما كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله من الأصحاب، وكان عليه أكثرهم من المعرفة بالخط والكتاب، إن هذا من الافتراء لعجب عجيب، لا يقبله مهتد من الخلق ولا مصيب . فنعوذ بالله من الجهل والعمى، ونسأله أن يهب لنا بكتابه علماً، ويجعله لنا في كل ظلمة مظلمةٍ سراجاً مضياً، ومن كل غُلَّةٍ معطشةٍ شفاءاً وريَّا، فقد جعله رياً من الظمأ لمن كان ظمياً، وضياءاً من العمى لمن كان جاهلاً عميّاً، فهو البصر المضيء الذي لا يعمى، والرَّيّ الرَّوِي الذي لا يظمأ، فمن رَوِيَ به من الصدى بإذن الله ارتوى، ومن أبصر ما فيه من الهدى سلم أن يضل أو يغوى، بل هو سراج السُّرُج، وحججه فأبلغ الحجج، كما قال الله ذو الحجج البوالغ، والحق المبين الغالب الدامغ : "قُلْ فَللهِ الحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِيْنَ" [الأنعام: 149]. وقال سبحانه: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُوْنَ" [الأنبياء: 18]. فمن عمي عن حججه فلن يبصر، ومن حآجَّ بغيره فلن يظفر، ومن ضل عنه عظم ضلاله، ومن قال بخلافه كذب مقاله، ضياء سراجه ووحيه ساطع لائح، وعزمٌ أمرُه ونهيهُ رحمة من الله ونصائح.
فيه قصص الأمم والقرون، وتفصيل الحكم كله والشئون، يخبر عن السماء والأرض وابتدائهما، وعن الجنة والنار وأنبائهما، وعما فطر من الجن والإنس، وخلق من كل بَدِن ونفس، بأخبار ظاهرة جلية، وأُخَر باطنةٍ خفية، إلاَّ عمَّنْ خصَّه الله بمستورها، وأطلعه بمنِّه على خفيِّ أمورها، فعنده منها، ومن الخبر عنها، عجائب كثيرة لا تحصى، وعلوم جمَّة لا تستقصى، فهو ينظر إليها ويراها، بغير قلب منه يرعاها، فلا يخفى عنه مِمَّا أظهر الله به منها خافية، وموهبةُ الله له في نفسه بعلمها من كل علم فكافية، فإن شاء أن ينطق فيها نطق، فأحقَّ في خَبرِه عنها فَصَدَق، وكان بها وفيها أصدق قائل، وإن سكت عنها سكت غير جاهل، فهو لعلومها قرين، وعلى مكنونها أمين، إن ذُكِّر منها بآية رعاها، أو سمعها عن الله وعاها، لا تصمّ عنها له أذن ولا يقين، ولا تعمى عنها منه فكرة ولا عين، فهو ينظر إلى ما أرته بيقين قلبه عياناً، كما قال سبحانه: "وَالَّذِيْنَ إِذَا ذُكِّرُوْا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمَّاً وَعُمْيَاناً" [الفرقان: 73].
ليس بمنِّ الله عليه، ولا مع إحسان الله إليه، بمستكبر عليها، ولا بمصرٍّ فيها، فيكون كمن ذكره الله فيها بإصراره، وإعراضه عنها واستكباره، فقال سبحانه: "وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيْمٍ، يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبِشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيْمٍ، وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيئاً اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِيْنٌ" [الجاثية: 7 ـ 9]. ولا كمن ذُكِّر بآيات الله فأعرض عنها وظلم، ولم يعلم عن الله منها ما علم، كما قال تبارك وتعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوْبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوْهُ وَفِيْ آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوْا إِذاً أَبَداً" [الكهف : 57]، بل وهبه برحمته وَمنِّه وفضله قبول ما جاءت به آيات الله من النور والهدى، فسمعها عن الله بأذن منه واعية، وعلمها من الله بنفس في علمها ساعية، ثم لم يمنعها من أهلها فيأثم، ولم يضعها في غير موضعها فيظلم، كما قال الله لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: "وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِيْنَ يُؤْمِنُوْنَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّه مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ، وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِيْنَ سَبِيْلُ الْمُجْرِمِيْن" [الأنعام :54 ـ 55]، ففصل تبارك وتعالى آياته وبيَّنها لمن يستحق تفصيلها وبيانها من المؤمنين.

[المعرضون عن الذكر]
وقال تبارك وتعالى فيمن أعرض عن ذكره بعد قيام حجته وطغى وتعدى: "فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيْلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى" [النجم: 30].
وكما قال عيسى بن مريم، صلى الله عليه وسلم: (( لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تبذلوها لمن لا يستأهلها فتظلموها، ولا تطرحوا كرائم الدُّر بين الخنازير فيقذروها)).
وكما قيل للمتكلم بالحكمة عند من لا يعقلها، ويؤثرها فيقبلها، كالمغني عند رؤوس الموتى، وكذلك من أمات الله قلبه عن آياته، فلم يقبلها هلكةً وموتاً .
وكما ذكر عن يحيى بن زكريا صلى الله عليه : أنه سارت طائفة من الزنادقة وأبنائها إليه، يريدون تطهرته ومسألته تعنتاً وتمرداً، فقال لهم إذ علم أنهم لا يريدون بمسألته الرشد والهدى، عندما طلبوا من ذلك إليه: يا أبناء الأفاعي، ائتوا بثمرةٍ تصلح للتَّطهر والتَّزكِّي، وأبى صلى الله عليه أن يطهرهم، إذ عرف كفرهم وأَمْرَهم، فكتاب الله أولى ما أُعز وأُكرم، إلا عَمَّن آمن بالله واستسلم، فأما من أعرض عنه وتمرد عليه، فحقيق بأن لا يعلم بسرٍ من أسرار حكمة الله فيه.
ومن قبل مصير كتب الله إلينا، ومَنِّ الله بتنزيله علينا، ما صار من الله إلى السماوات ودار بين أكنافها، وشهد بترتيله من ملائكة الله جميع أصنافها, ومِن قبل منِّه علينا به مَنَّ على الملائكة بعلمه، وما وهبهم من سماع حكمه، وفي ذلك من شهادتها وبيانه، وما نزل الله منه في فرقانه، ما يقول سبحانه: "لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَه بِعِلْمِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُوْنَ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيْداً" [النساء: 166]، فكفى بهذا الحكم لكتاب الله والحمد لله تبييناً وتوكيداً، وفيه حجة وبياناً، وعليه دلالة وبرهاناً، فأين يُتاهُ بمن غفل عنه ؟!! وهل يجد واجد أبداً خلفاً منه ؟!.
كلا لن يجده، ولو جَهِدَه جُهدَه ! نزل به من الله سبحانه روح القدس، شفاءًا من المؤمنين لكل نفس، فزادهم به إلى إيمانهم إيماناً، ووهبهم به بصيرة وإيقاناً، وجعله الله عمىً ورجساً، لمن كان عمياً نجساً، كما قال سبحانه: "وَإِذَا ما أُنْزِلِتْ سُوْرَةٌ فِمِنْهُمْ مَنْ يَقُوْلُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيْمَاناً، فَأَمَّا الَّذِيْنَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيْمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُوْنَ، وَأَمَّا الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوْا وَهُمْ كَافِرونَ" [التوبة : 124- 125]. فجعله الله لأعدائه ولمن لم يقبله وعَمِي عنه رجساً وتباراً، كما قال سبحانه: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَلاَ يَزِيْدُ الظَّالِمِيْنَ إِلاَّ خَسَاراً" [الإسراء: 82].
"كِتَابٌ عَزِيْزٌ لاَ يأَتِيْهِ الْبَاطِلُ مِنْ بِيْنِ يَدِيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيْلٌ مِنْ حَكِيْمٌ حَمِيْدٌ" [فصلت: 42]. فكتاب الله إمام لكل مهتدٍ من خلق الله رشيد، أعزَّه الله عن الوهنِ والتداحض فلا يتصلان به أبداً، ومنعه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إذ حفَّه بالنور والهدى، فنوره وهداه مقيمان أبداً معه، مضيئان مشرقان لمن قَبِله عن الله وسمعه، ساطع فيه نور شمسهما، بَيِّنٌ هداه ونوره لملتمسهما، لا يميلان بمتبع لهما عن قصده، ولا يمنعان من طلب رشدهما عن رشده، بل يدلانه على المراشد المرشدة، ويقصدان به الأمور المعدة، التي لا يشقى أبداً معها، ولا يضل أبداً من اتبعها، فرحم الله امرأً نظر فيه فرأى سعادته ورشده وهداه، فجانب شقوته وغيَّهُ ورداه، قبل أن يقول في يوم القيامة مع القائلين: "رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّيْنَ" [المؤمنون: 106]. فضلال من ترك كتاب الله لا يَغبَى، إلا على من لم يهبه الله عقلاً ولُبًّا، كتابٌ نزله الله الرحيم الأعلى، برحمته من فوق السماوات العلى، فأقر في أرضه قراره، وبثَّ في عباده أنواره، فنوره ظاهر لا يخفى، وضياءه زاهر لا يَطفَا، مشرقٌ نوره بالهدى يتلألأ، كما قال سبحانه تبارك وتعالى: "يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُطْفِئوا نُوْرَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمّ نُوْرَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِروْنَ" [التوبة: 32]. فأبى الله سبحانه إلا تمامه فتم، وخاصم به من هُدي لرشده من خلقه فخصم، برهانه منيرٌ مضيءٌ، وتبيانه مسفر جلي، فهو من إسفاره وتبيانه، وهداه ونوره وبرهانه، كما قال الله سبحانه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكَمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوْراً مُبِيْناً، فَأَمَّا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا بِاللهِ وَاعْتَصمُوْا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِيْ رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ
وَيَهْدِيْهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيْماً" [النساء: 174 ـ 175].
فمن اعتصم بنور كتاب الله وبرهانه، واتبع ما فيه من أموره وتبيانه، أدخله الله كما قال سبحانه مدخلاً كريماً، وهداه به كما وعد صراطاً مستقيماً، ومن أبصر به واهتدى، لم يعمَ بعده أبداً، ومن عمي عنه فلم يرَ هداه، وتورط من غيّه ورداه، في بحورٍ ذات لجٍّ من الجهالات، وتخبط في غور لجج من الضلالات، لا يخرج مَنْ تورط فيها مِن ضيق غورها، ولا ينجو غريق بحورها، من نار تبوبها، وحيرات سهوبها، فلا صريخ له فيها ينقذه من تبٍّ، ولا هادٍ يهديه منها في سهب، فهو في لج بحورها في تبوب، ومن ضلالات غورها في سهوب، متحيِّرٍ بينَ هلكة وثبور، وضلال حيرة في ظلمة وبحور، موصول ضلاله وعماه، بما هو فيه من عاجلته ودنياه، بعمى من الآخرة لا يبيد، بل له فيها البقاء أبداً والتخليد، كما قال سبحانه: "وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِيْ الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيْلاً" [الإسراء:72]، فمن لم يستدل على أمر دنياه وآخرته بكتاب الله فلن يصيب عليه أبداً دليلاً، ومن لم ينج به من خبوت الحيرة والجهالة، ويحيا بروحه من موت العمى والضلالة، لم يزل لسبيل الجهل سالكاً، وبموت العمى والضلال هالكاً؛ لأن الله جعله روحاً من موت الضلالة محيياً، وضياءاً من ظلم الجهالة منيراً مصحياً، فمن أحياه الله بروحه فهو الحيّ الرضي، وما كان فيه من حق فهو المصحي المضيء، لا تلتبس به الأغاليظ، ولا تشوبه الأخاليط، فهو النقي المحض، والجديد أبداً الغضّ، لا يُخلِقُ جِدَّتَه تكرار، ولا يدخل محضه الأكدار، بل نقي من ذلك كله فصفا، فأغنى بمنِّ الله وكفى، فليس معه إلى غيره حاجة ولا فاقة، ولا يغلب حجته من ملحد فيه لدد ولا مشآقَّة.
بل حججه الحجج الغوالب، وشهبُ نوره فالشهب الثواقب، التي لا يخبو أبداً ضوء نورها، ولا يخرب أبداً عمارة معمورها، فيخبو بخبوِّها، نور ضوِّها، ويخرب لو خربت لخرابها، نعمة الله وهَّابِها،، فيكون خرابها تغييراً لها ولنعمة الله فيها، ولما جعله من هداه مضموماً إليها.
ولن يغير الله نعمة كما قال عز وجل: "إِنَّ اللهَ لا يُغِيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد: 11]، ولن يلتبس شيء من هدى الله عليهم أبداً إلا بتلبيسهم، كما قال سبحانه: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمِ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ إِنَّ اللهَ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ"[الأنفال: 53].
وفي التلبيس عليهم بتلبيسهم، وما وكلهم الله إليه في ذلك من أنفسهم، ما يقول الرحمن الرحيم: "وَقَالُوْا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنْظَرُوْنَ، وَلَوْ جَعَلَنَاهُ ملكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُوْنَ" [الأنعام: 8 ـ 9].
وفي كتاب الله وترافده، وتشابهه في البيان وتشاهده، ما يقول سبحانه فيه، وفيما جعله من ذلك عليه: "اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيْثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُوْدُ الَّذِيْنَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِيْنُ جُلُوْدُهُمْ وَقُلُوْبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِيْ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ" [الزمر: 23]
فهل بعد هذه الآية وبيانها لِملحدٍ - أنصف نفسه - في كتاب الله من حيرة في شك أو إلحاد ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! لو لم يسمع فيه غيرها، إذا هو فَهِمَ تفسيرها، فكيف بما ثنَّى الله في الحجة لذلك من المثاني، وكرَّر على ذلك من شواهد البرهانِ، التي فيها من الحجة والتبيين والإتقان، ما هو أحق من كل رؤية وعيان، فليسمع سامع لتقرير الله سبحانه لعباده، على الشهادة له بتنزيله لكتابه، إذ يقول سبحانه فيهم لمن أنكر أنه تنزيل من رب العالمين: "قُلْ فَأْتُوْا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوْا مَنِ استَطَعْتُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْن" [هود: 13]. فأمرهم تبارك وتعالى في ذلك بالحشد لأوليائهم، ولكل من قدروا عليه في ذلك من أعدائهم، ممن أنكر من القرآن ما أنكروا، وكفر بالله كما كفروا، فلم يستجب له في ذلك مجيب، أحمق منهم ولا لبيب، وانحسروا عن الجواب له قاصرين، وغُلبوا بمنِّ الله صاغرين، ولو وجدوا على ذلك قوة، لأجابوا فيه - مسرعين - الدعوة، ولو كان ما جاء به بشرياً، لكان بعضهم عليه قوياً، لتشابه البشر، في القول والنظر، والهيئات والصور.
ولعلم الله بعجزهم عن أن يأتوا بسورة واحدةٍ من سُوَرِه، أو بشيء مما جعله فيه من هداه ونوره، ما يقول أرحم الراحمين، لرسوله وللمؤمنين: "فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيْبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوْا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ" [هود: 14]، فهل بعد هذا من تقرير أو برهان أو تبصير لقوم يعقلون ؟!
ومن ذلك ومثله، ما يقول سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: "قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعتِ الإنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوْا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُوْنَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ ظَهِيراً" [الإسراء: 88]، فكفى بهذا ومثله وبأقل أضعافٍ منه والحمد لله تعريفاً وتقريراً
وفيما برَّأَ الله كتابه من الإختلاف والتناقض، وما خصَّه به من الحكمة والبعد من التداحض، ما يقول سبحانه: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيْهِ اخْتِلاَفاً كَثَيْراً" [النساء: 82]، فهو الذي برَّأه الله من كل تناقض واختلاف وطهره تطهيراً، فلم ينظر بعين قلبٍ مبصرة، ولا تمييز نفس زكية مطهرة، مَن خفي عنه أن تنزيل الكتاب، لا يمكن أن يكون من غير رب الأرباب، لعجز كل مَنْ سِوى الله عن أن يأتي من آياته بأية، ولو عني بذلك وفيه بكل جهدٍ وعناية، لامتناع ذلك وعَوَزه وارتفاعه عن ذلك وعزه، عن أن ينال نائلٌ ذلك أبداً منه، وأن يصاب أبداً إلا بالله وعنه.
فوالله ما ينال ذلك في ظاهره وعِليِّه، وبيِّنِه الذي لا يخفى وجليِّه، فكيف بما فيه من الأسرار والخفايا ؟! وما خُبِّئ فيه لأولياء الله من الخبايا ؟!
كيف بما في حواميمه ؟! من غرائب حِكَمِه، وما في طواسينه، من عجائب مكنونه، وما في "ق"، و"طه"، و "يس"، من علمٍ جمٍّ للمتعلمين، وفي كهيعص وألم والذاريات، من أسرار العلوم الخفيات، وما في المرسلات والنازعات، من جزمِ أنباءٍ جامعات، لا يحيط بعلمها المكنون، إلا كل مخصوص به مأمون، فَسِرُّ ما نزل الله سبحانه من الكتاب، فخفِيٌّ على كل مستهزئ لعَّاب
وأسراره برحمة الله لأوليائه فعلانية، وأموره لهم فظاهرة بادية، فهو الظاهر الجلي المجهور، والباطن الخفي المستور، وهو بمنِّ الله المصون المبذول، والجَزْمُ الذي لا يدخل شيئاً منه هذرٌ ولا فضول، بل قرنت فيه لأهله مجامع كَلِمِه، وسهِّلَت به لهم مسامع حكمه، فقرعت من قلوبهم مقارع، ووقعت من أسماعهم مواقع، لا يقعها من غيرها عندهم واقع، ولا يسمع بمثل تفسيرها أبداً منهم سامع، فمن أبى ذلك، وأنكره أن يكون كذلك، فليأت بمثل سورة كبيرة، من سوره أو صغيرة، فلن يفعل ولو أجلب بالخلق كلهم أبداً، ولن يزداد بذلك لو كان كذلك من أن يأتي بمثلها إلا بعداً، كما قال الله سبحانه: "فَأْتُوْا بِسُوْرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوْا شَهَدَاءَكُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوْا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوْا النَّارَ الَّتِيْ وَقُوْدُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ أُعِدِّتْ لِلْكَافِرِيْنَ" [البقرة: 23 ـ 24].
وفي الكتاب والقرآن، وما جعل الله فيه من البيان، ما يقول سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى آله: "لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلِيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلِيْنا بَيَانَهُ" [القيامة: 16 ـ 19]. فما على الله تبارك وتعالى بيانه، فلن تضل عنه أبداً حجته ولا برهانه.
وفي تعجب مستمعة الجن به، وما سمعوا عند استماعهم له من عجبه، ما يقول سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى آله: "قُلْ أُوْحِي إِلِيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً" [الجن:1]، فجعله تبارك وتعالى لهم عجباً معجباً
وأيّ عجب أعظم، أو حكمةٍ أحكم، أو كتاب أعلى وأعزّ، وأحفظ من كل ضلالٍ وأحرز، لمن كان من أهله، أو مُنَّ عليه بتقبله، عند من يفهم أو يعقل، أو يفرق بين الأمور فيفصل، من حكمة الله في تنزيله ووحيه، وما جعل فيه من ضلال عدوه وهدى وَلِيِّه، وهو أمر من أمور الله واحد، يضل به الضال ويرشد عنه الراشد، فهو ضلالٌ لمن ضل عنه، وهدى ورشدٌ لن قبل منه، ونجاةٌ لمن اتقى ورحمة وبركة، وخزي على من تعدى ونقمة وهلكة، كما قال سبحانه: "ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيْهِ هُدًى لِلْمُتَّقِيْنَ، الَّذِيْنَ يُؤْمِنُوْنَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيْمُوْنَ الْصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُوْنَ" [البقرة: 1 - 3].
وفي بركة كتاب الله وما أمر به من تدبره، وما وهب لأولي الألباب من الذكر به، ما يقول سبحانه: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوْا آيَاتِهِ وَليَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألباب" [ص: 29].
فنحمد الله رب الأرباب، على ما وهب من الهدى بما نزَّل من الكتاب، ونسأله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هداها، وأن يمتعنا فيه بما وهب لنا من هداها، وأن يجعلنا له إذا قُرئ من المستمعين بالإنصات، وأن ينفعنا بما نزل فيه من الآيات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلنا وهو رب العرش الكريم.
تم المديح الكبير، بمنِّ الله العالم القدير.

 

;

11-35-2018

لقد تحدث الله تعالى في القرآن المجيد عن النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم في أكثر من موضع وتناول جوانب كثيرة من شخصيته الكريمة وهنا سنورد بعض الآيات التي تناولت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم 
المهمة الملقاة على عاتق النبي
في الحديث عن المهمة التي اضطلع بها رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول تعالى: 
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة/151]
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)). [آل عمران/164]
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)).[ الأعراف/156-158]
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)).[ الأحزاب/45ـ 46]
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (2) [الجمعة/ 2]


المواصفات الخلقية 
لقد منح الله رسوله من الأخلاق والمزايا ما أهله للقيام بمهمة الرسالة أتم قيام فالله أعلم حيث يضع رسالاته, وفي هذا الجانب يقول الله تعالى:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران/159]
(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) [القلم/ 1ـ4]


علاقة النبي بالله 
لقد كان الرسول عبداً لله منيباً كأكمل ما يكون عليه عبد من عبيد الله, يخاف من الله تعالى مع عظم قدره عند الله وعلو درجته لديه, لكن الخوف من الله كان يمتلك شخصية الرسول الأكرم يقول الله تعالى:
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) [الأنعام/ 14ـ 18]


الكتب السماوية تبشر بالرسول
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)).[ الأعراف/157]
(إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) [الصف/ 6]


أخذ ميثاقه على النبيين
ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا وأخذ الله منه الميثاق على الإيمان والتصديق بالرسول محمد والنصرة له, وهذا من مزيد الفضل من الله على نبيه ورسوله, يقول الله جل ثناؤه:
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) [آل عمران/ 81 ـ 82]


عناية الله برسوله 
لقد كانت عناية الله هي من تحوط رسوله في حياته التي تعرض فيها للأخطار من الكفار والأشرار, وكلما خططوا وكادوا كفاه الله شرهم ودرأ عنه مكرهم, يقول جل وعلا:
(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)).[ الأنفال/62-70]


الرسول رحمة للعالمين 
وجود الرسول بيننا يعد مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية على البشرية فالرسول هو رحمة للعالمين, بل هو الرحمة العظمى والمنة الكبرى على جميع عباد الله, يقول الله سبحانه:
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)).[ التوبة/61]
وكان يتعاطى مع العباد بالرحمة حريص على هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) [التوبة/128]
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) [الأنبياء/105-107]
ومن رحمة الرسول بالأمة وشفقته عليها أنه كاد أن يهلك نفسه حسرة عليهم حتى نهاه الله, يقول تعالى:
(وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)[النمل/70]
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)[فاطر/ 8]


واجبنا تجاه الرسول
(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)).[الأحزاب/6]
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) [الأحزاب/21]
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)). [الأحزاب/ 56ـ57]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ(4) [الحجرات/ 1ـ4]
خاتم النبيين 
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(40)) [الأحزاب/ 40]
تعامل النبي مع أمته
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) [الأحزاب/ 53]

 

;