الشاعر: الحسن بن علي الهبل
لو كان يعلم أنها الأحداقُ
يوم النَّقا ما خاطر المشتاقُ
جهل الهوى حتى غدا في أسْره
والحُبُّ ما لأسيره إطلاقُ
يا صاحبيَّ وما الرفيق بصاحبٍ
إن لم يكن من دأبه الإشفاقُ
هذا "النقا" حيث النفوس تباح
والألباب تسلب والدماء تراقُ
حيث الضباء لهُنَّ سوقٌ في الهوى
فيها لألباب الرجال نفاقُ
فخذا يميناً عن مضاربه فَمِنْ
دون المضارب تضرب الأعناقُ
وحذارِ من تلك الضباء فمالها
في الحبِّ لا عهد ولا ميثاقُ
وبمهجتي من شاركتني لُوَّمي
وجداً عليه فكلنا عُشَّاقُ
كالبدر إلا أنه في تِمّهِ
لا يختشي أن يعتريه محاقُ
كالغُضن لكن حُسنه في ذاته
والغصن زانت قده الأوراقُ
مهما شكوتُ له الجفاء يقول لي:
ما الحب إلا جفوة وفراقُ
أو أشتكي سهري عليه يقل: متى
نامت لمن حمل الهوى آماقُ؟!
أو قلت: قد أشرقتني بمدامعي
قال: الأهلّة شأنها الإشراقُ
ما كنتُ أدري قبله أن الهوى
مُهَجٌ تصدَّع أو دمٌ مهراقُ
كنت الخَليّ فعرضتني للهوى
يوم النقا الوجنات والأحداقُ
ومن التدله في الغرام وهكذا
سُكر الصبابة ما له إفراقُ
إنّي أعبر بالنقا عن غيره
وأقول: "شام" والمراد "عراقُ"
ما للنقا قصدي ولا لمحجَّبٍ
وجدي ولا أنا للحمى مشتاقُ
برج الخفا "نعمان" أقصى مطلبي
لو ساعدتني صحبة ورفاقُ
يا بَرْقَ "نعمانٍ" أفقْ حتى متى؟
وإلى متى الإرعاد والإبراقُ؟
قل لي عن الأحباب هل عهدي على
عهدي؟ وهل ميثاقيَ الميثاقُ؟
يا ليت شعري إنّ ليتَ وأختها
لسمير من لعبت به الأشواقُ
أيعود لي بعد الصدود تواصل؟
ويعاد لي بعد البعادِ عناقُ؟
إنّي أقول لعصبة زيديةٍ
وخَدَتْ بهم نحو العراق نياقُ
بأبِي وبِي وبطارفي وبتالدي
من يمموه ومن إليه يساقوا
هل مِنّة في حمل جسمٍ حلَّ في
أرض "الغَرِيِّ" فؤادُه الخفّاقُ؟
أسمعتهم ذِكر "الغَرِيِّ" وقد سَرت
بعقولهم خَمْرُ السُّرى فأفاقوا
حباً لمن يَسقي الأنام غداً ومن
تُشفى بِتُرْبِ نِعاله الأحداقُ
لمن استقامت ملّة الباري به
وعَلَت وقامت للعُلى أسواقُ
ولمن إليه حديثُ كلِّ فضيلةٍ
مِن بعدِ خير المرسلين يساقُ
لمحطِّم الردنِ الرماحِ وقد غدا
للنقع من فوق الرماح رواقُ؟
لفتىً تحيَّتُه لعِظْمِ جلالِه
مِنْ زائِرِيه الصمتُ والإطراقُ
صهر النبيِّ وصنوِه يا حبّذا
صنوان قد وشجَتْهما الأعراقُ
وأبو الأُلى فاقوا وراقوا والأُلَى
بمديحهم تتَزّيّن الأوراقُ
انظر إلى غايات كل سيادةٍ
أسِوَاه كان جوادها السبّاقُ
وامدحه لا متحرِّجاً في مدحه
إذ لا مبالغةٌ ولا إغراقُ
ولاّه أحمدُ في "الغدير" ولايةً
أضحت مطوَّقةً بها الأعناقُ
حتى إذا أجرى إليها طِرْفَه
حادوه عن سَنَن الطريق وعاقوا
ما كان أسرع ما تناسوا عَهْدَه
ظُلْماً وحلّت تلكمُ الأطواقُ؟!
شهدوا بها يوم "الغدير" لحيدرٍ
إذ عمَّ من أنوارها الإِشراقُ
حقنوا الدماءَ بطاعة من تحتها
غدرٌ ومكرٌ كامنٌ وشقاقُ
حتى إذا قُبِضَ المذِلُّ سُطاهم
وغدت عليه من الثرى أطباقُ
نبذوا عهودَ اللهِ خلفَ ظهورهم
وبدا هنالك للنِّفاق نَفَاقُ
يا ليت شعري ما يكون جوابُهم
حين الخلائق للحساب تُساقُ
حين الخصيم "محمَّدٌ" وشهوده
أهلُ السَّما والحاكم الخلاَّقُ
قد قُيِّدت إذ ذاك ألْسُنُهم بما
نكثوا العهودَ فما لها إطلاقُ
وتظل تذرف بالدِّما آماقُهم
للكربِ لا رقأت لهم آماقُ
راموا شفاعة "أحمد" من بعد ما
سفكوا دِما أبنائِه وأراقوا
فهناك يدعو كيف كانت فيكمُ
تلك العهودُ وذلك الميثاقُ؟
الآن؟ حين نكثتمُ عهدي وذاق
أقاربي من ظلمكم ما ذاقوا
و"أخي" غدتْ تسعى له مِن نكثكمْ
حيّاتُ غَدرٍ سُمّهنَّ زُعَاقُ
وأصاب "بنتي" من دفائن غدركم
وجفائكم دهياءُ ليس تُطاقُ
وسننتمُ من ظُلم أهلي سنّةً
بكم اقتدى في فِعلها الفُسَّاقُ
وبسعيكمُ رُميَ "الحسين" وأهلَه
بكتائبٍ غُصَّت بها الآفاقُ
فغَدت تنوشهمُ هناك ذوابلٌ
سمرٌ ومرهفةُ المتون رقاقُ
وكذاك "زيدٌ" أحرقته معاشرٌ
ما إنْ لهم يوم الحساب خَلاَقُ
من ذلك الحَطَبِ الذي جمَّعْتُمُ
يوم "السقيفة" ذلك الإِحراقُ
ولكم دمٍ "شرَّكْتُمُ" في وزْرِهِ
لِبَنِيَّ في الحَرَمِ الشَّريف يُراقُ
ولكم أسيرٍ منهمُ وأسيرةٍ
تدعو: ألا مَنٌّ؟ ألا إعتاقُ؟
أجزاء نصحي أن ينال أقاربي
من بعدي الإبعاد والإِزهاق؟
فالآن جِئتم تطلبون شفاعتي
لَمّا علا كربٌ وضاق خِنَاقُ؟
أترون بعد صنيعكم يرجى لكم
أبداً خلاصٌ أو يُحَلّ وثاقُ؟
يا رب جرِّعْهم بعدلك غبَّ ما
قد جرَّعُوه أقاربي وأذاقُوا!