بسم الله الرحمن الرحيم
النبي الأكرم في كلام الإمام علي عليه السلام
نجد الإمام علي عليه السلام في خطبه ورسائله يمجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويعظمه بما لم يعظمه أحد من المخلوقين, ولم يحفظ لنا التأريخ من كلمات الصحابة حول النبي ما حفظ لعلي بن ابي طالب لا في العدد ولا في البيان , وكل كلمات علي بن ابي طالب رضوان الله عليه في النبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم تنضح بالتعظيم والإجلال التي تكشف عن عمق المعرفة والإيمان لديه برسول البشرية وهنا نحاول أن نسجل بعض تلك الكلمات ..
منبت مبارك
تحدث الإمام علي عن المنبت الطّيب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "مُسْتَقَرُّه خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ، ومَنْبِتُه أَشْرَفُ مَنْبِتٍ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ"[نهج البلاغة / 216].
فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان مستقرّه في الأصلاب الشامخة، وهو خير مستقر, ونبت في أشرف رحم مطهّرة، بل في معدن الكرامة.
وفي خطبة أخرى: "حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ (الأصول) مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه، عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ " [نهج البلاغة / 213].
ويقول علي عليه السلام :" خْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الاْنْبِيَاءِ، وَمِشْكَاةِ الضِّيَاءِ، وَذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ، وَسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ، وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ، وَيَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ"[نهج البلاغة /241].
فمن شجرة النبوة ومن خليل الرحمن وأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي جعل الله في نسله النبوة والحكم والإمامة جاء نبينا محمد صلوات الله عليه وعلى آله, ثم هو كذلك لم يرتبط في آبائه القريبين إلا من أزكى فروع تلك الشجرة الإبراهيمية المباركة من فرع بني هاشم فأسرته خير الأٍسر, " كُلَّمَا نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ، وَلاَ ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ" [نهج البلاغة /523]
رعاية الله لنبيه
وهذا المنبت الطاهر الزكي مع رعاية الله له جعل منه "خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلاً"[نهج البلاغة /232].
بل أعظم من ذلك فلقد قرن الله به منذ طفولته ملكاً بل أعظم الملائكة, يقول الإمام علي في ذلك: "ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه" [نهج البلاغة / 474].
كل هذا ليعده الله ليقوم بمهمة خاتم النبيين وليكون تمام عدة المرسلين.
الصفات الخُلُقية
تلك العناية الإلهية والرعاية الربانية أثمرت في رسول الله كمالاً وقداسة وفضلاً حتى بلغ في الصفات مبلغاً لم يبلغه مخلوق قط, لا من الأنبياء ولا من غيرهم, يقول علي عليه السلام رسول الله في بعض خطبه بقوله: "حَتَّى بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)، شَهِيداً، وَبَشِيراً، وَنَذِيراً، خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلاً، وَأَنْجَبَهَا كَهْلاً، أَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً، وَأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً"[نهج البلاغة /232].
وفي خطبة أخرى يصف الإمام عليه السلام تواضع النّبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته اليومية، فيقول: " ولَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، ويَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ، ويَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ، ويُرْدِفُ خَلْفَهُ، ويَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ: "يَا فُلَانَةُ - لإِحْدَى أَزْوَاجِهِ - غَيِّبِيهِ عَنِّي، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وزَخَارِفَهَا"[نهج البلاغة /348].
تضحيته بأهل بيته دون أصحابه
وفي خطبة يذكر فيها وفاء الرسول وتضحيته في سبيل هداية البشرية ومنجاتها, فهو لم يأت ليعتلي على ظهور الناس, بل جاء لخدمتهم ولنجاتهم, ولهذا كان يقدم أهل بيته في ميادين التضحية, فيقول "وَكَانَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) إذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَأَحْجَمَ النَّاسُ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصَحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالاْسِنَّةِ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُد، وَقُتِلَ جعفر يَوْمَ مُؤْتَةَ" [نهج البلاغة /591].
حقيقة الدنيا في عين الرسول
كانت الدنيا كلّها طوع يدي رسول الله, ينال منها ما يريد، ولأنه يعرفها على حقيقتها فقد أعرض عنها ورفضها, وكان ينظر إليها كعرض فانٍ, يصف أمير المؤمنين الدنيا في عين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وصَغَّرَهَا، وأَهْوَنَ بِهَا وهَوَّنَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللهً زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً، وبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً. بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً، ونَصَحَ لأُمَّتِهِ مُنْذِراً، ودَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً، وخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً"[نهج البلاغة /250].
وفي خطبة أخرى: "أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً، وأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللهً سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ، وحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ، وصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ. ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللهُ ورَسُولُهُ، وتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ الله ورَسُولُهُ، لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلهِ، ومُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللهِ... فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، ولَا يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، ولَا يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ، وأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ، وغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ. وكَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ"[نهج البلاغة/347ـ349].
أفلح من تأسى برسول الله
إنّ فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه حثٌّ للناس كافة على التأسّي به في نظرتهم إلى هذه الدنيا وما ينالونه منها, ولذا يحثّ الإمام في وصاياه على الاقتداء برسول الله في ذلك: "تَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ صلى الله عليه وآله وسلم فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى، وعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى .. وأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ، والْمُقْتَصُّ لأَثَرِهِ... قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً، ولَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً... ولَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَا يَدُلُّكُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وعُيُوبِهَا: إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ، وزُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ. فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ: أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّداً بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ، فَإِنْ قَالَ: أَهَانَهُ، فَقَدْ كَذَبَ - واللَّهِ الْعَظِيمِ - بِالإِفْكِ الْعَظِيمِ، وإِنْ قَالَ: أَكْرَمَهُ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللهً قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ، وزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ. فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ، واقْتَصَّ أَثَرَهُ، ووَلَجَ مَوْلِجَهُ، وإِلَّا فَلَا يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ الله جَعَلَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم عَلَماً لِلسَّاعَةِ، ومُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ، ومُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ. خَرَجَ منَ الدُّنْيَا خَمِيصاً، ووَرَدَ الآخِرَةَ سَلِيماً. لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ. فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ، وقَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ"[نهج البلاغة/347ـ349].
البعثة النبوية المباركة
تطرق الإمام علي عليه السلام في خطبه للبعثة النبوية وتحدث عن ظروفها، وتناول ثمارها التي أعادتها على البشرية, فيقول عليه السلام وهو يصف حال الناس قبل بعثته: "أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الأُمَمِ، واعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ، وانْتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ، وتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا، واغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى، وظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا"[نهج البلاغة / 175].
فأحدث النبي ببعثته تحولاً عظيماً في مسار الأمة, يصف الإمام علي ذلك التحول فيقول : "إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً ولَا يَدَّعِي نُبُوَّةً، فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ، وبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ، فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ واطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ"[ نهج البلاغة / 92].
وفي خطبة أخرى: "دَفَنَ الله بِه الضَّغَائِنَ، وأَطْفَأَ بِه الثَّوَائِرَ( العداواة )، أَلَّفَ بِه إِخْوَاناً، وفَرَّقَ بِه أَقْرَاناً، أَعَزَّ بِه الذِّلَّةَ، وأَذَلَّ بِه الْعِزَّةَ"[نهج البلاغة /216].
لقد أثمرت جهود رسول الله بالخير على البشرية جمعاء, يقول "ع": " أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ، أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحلُّونَ الْحَرِيمَ، وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ، يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَة، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةِ!"[نهج البلاغة /322]
ولم يقبض الله نبيه حتى نعم العالم بالخير وافرغ إلى الخلق الهدى, "وقَبَضَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم وقَدْ فَرَغَ إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ الْهُدَى بِهِ فَعَظِّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِنْ دِينِهِ، ولَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلَّا وجَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً"[نهج البلاغة / 413]
جهاد رسول الله
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً كاملاً في كل شؤون الحياة في الحرب والسلم والولاء والعداوة والمحبة والكراهة، والغضب والرضا, ولذلك حين سعى المشركون إلى استئصال محمد ومشروعه وقادوا الجيوش والحملات لإطفاء نوره نهض عن نفس أبية وخرج في مقدمة الصفوف لمواجهة ذلك العدوان وتلك الحروب وكان يخوض غمارها بنفسه مستمداً تعاليمه وتوجيهاته من الله تعالى عبر وحي السماء، مخططاً عسكرياً لا مثيل له بين القادة الغابرين واللاحقين، يأمرهم بما يجب عليهم، وينهاهم عما يوجب هزيمتهم, يقول الإمام علي: " وَأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ، وَقَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَنْ دِينِهِ، لاَ يَثْنِيهِ عَنْ ذلِكَ اجْتِماعٌ على تَكْذِيبِهِ، وَالْتمَاسٌ لاِطْفَاءِ نُورِهِ" [نهج البلاغة / 437].
وكما كان أكمل البشر في قيادته العسكرية وبعده الحربي, كانت شجاعة الكل دون شجاعته حتى كان أصحابه يحتمون به عند اشتداد المعركة، يقول الإمام علي عليه السلام: "كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّم، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ"[نهج البلاغة /520].
رثاء الإمام علي للرسول الكريم
لقد كان علي أقرب الناس لرسول الله؛ في كل مراحل ومسيرة الدعوة والرسالة حتى في لحظات وفاته كان إلى جانبه، يقول علي عليه السلام: "ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَى صَدْرِي. ...ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه صلى الله عليه وآله وسلم والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ، مَلأٌ يَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ، ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ، يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَيْنَاه فِي ضَرِيحِه" [نهج البلاغة /494].
وعن بالغ حزنه على رحيل رسول الله يقول عليه السلام: "بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ والإِنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّمَاءِ. خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ، وعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً. ولَوْلَا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ، ونَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ، لأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤُوِن وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً وَالكَمَدُ مُحالِفاً وَقَلَّا لَكَ ولَكِنَّهُ مَا لَا يُمْلَكُ رَدُّهُ، ولَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي أذْكُرْنَاَ عِنْدَ رَبِّكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ"[نهج البلاغة /571].
الإمام علي يعلم الناس الصلاة على رسول الله
ونختم الحديث بذكر صلاة الإمام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، ونَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ والْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ، والْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ والدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيل، والدَّامِغِ صَوْلَاتِ الأَضَالِيلِ، كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ ولَا وَاه فِي عَزْمٍ، وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ، وأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ، وهُدِيَتْ بِه الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ والآثَامِ، وأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلَامِ ونَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ، وشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ، ورَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ" [نهج البلاغة /132ـ 133]