في هذا المقال اخترنا جمع بعض من أنظار المولى الإمام مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي ، ونقلناه باللفظ لأن كلام الإمام عليه السلام وأسلوبه لا يحتاج إلى شرح وبيان:
• منهجه عليه السلام في قبول الحق
قال عليه السلام في قسمه المشهور: (قَسَمَاً بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيْرِ، قَسَمَاً يَعْلَمُ صِدْقَهُ الْعَلِيْمُ الْخَبِيْرُ أنْ لا غَرَضَ لَنَا وَلا هَوى غَيْرَ النُّزُولِ عِنْدَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوُقُوفِ عَلَى مُقْتَضَى أَمْرِهِ، وَأَنَّا لَو عَلِمْنَا الْحَقَّ فِي جَانِبِ أَقْصَى الْخَلِقِ مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيِّ، أَو قُرَشِيٍّ أَوْ حَبَشِيِّ لَقَبِلْنَاهُ مِنْهُ، وَتَقَبَّلْنَاهُ عَنْهُ، وَلَمَا أَنِفْنَا مِن اتِّبَاعِهِ، وَلكُنَّا مِنْ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِ وَأَتْبَاعِهِ، فَلْيَقُلِ النَّاظِرُ مَا شَاءَ، وَلا يُرَاقِبْ إلاَّ رَبَّهُ، وَلا يَخْشَى إلَّا ذَنْبَهُ، فَالْحَكَمُ اللَّهُ، والْمَوعِدُ الْقِيَامَة، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ).
• رؤية الإمام عليه السلام حول العلم والجهاد
قال عليه السلام في كتاب التحف ص168 ما لفظه: (واعلم أنه كان أعظم احتفال الأئمة القدماء صلوات الله عليهم ببيان علم التوحيد والعدل، وفرائض الله التي ضلت فيها غواة الأمم، ولم ينجُ من الغرق إلا من بحبلهم اعتصم، ولدينهم التزم، فإنهم حجج الله على خلقه، والدعاة إلى دينه، وما زالوا يقارعون على دين الله الذي أتى به جدهم النبي المنذر، وتلاه في القيام به وتبليغه أبوهم الوصي الهادي، مؤسس قواعد الإسلام، الضارب عليه بذي الفقار هام المشركين، ومردة الطغام، حتى أقام عمود الإسلام بذلك العضب الحسام، صلى الله عليهما وعلى عترتهما الأطائب الأعلام، فهم من باب المدينة يغترفون، ولذلك الأثر يقتفون، كما قال الإمام الناصر للحق الحسن بن علي عليه السلام:
وعلمهم مسند عن قول جدهم .... عن جبريل عن الباري إذا قالوا).
• تصريحه عليه السلام برغبته في الجهاد وتحسره على عدم تحقق ذلك له
وقال عليه السلام حاكياً عن نفسه:
قد مضت وانقضت ثمانون عاماً ... وأنافت عامين طرفة عينِ
لم أحقق ما كنت أرجوه فيها ... من جهاد ونشر علم ودينِ
رب فاغفر وارحم وأيد وسدد ... واعف والطف رباه في الدارينِ
• وجوب اتباع أهل البيت عليهم السلام من كلام المولى عليه السلام
قال عليه السلام في كتاب مجمع الفوائد ص99:
(واعلم أن من أعظم ما كلف اللّه به الخلق ودعاهم به إلى سبيل نجاتهم، ودلهم على نهج سلامتهم إخلاص الطاعة لأهل بيت رسوله وإصداق الولاية لورثته وعترته في محكم قوله حتى قرنهم بكتابه وجعلهم من كل الورى أدرى به المطهرين عن الرجس المشهود لعصمتهم وحجيتهم بآية التطهير والمودة وأخبار الكساء وأحاديث التمسك وخبري السفينة وغيرها مما طفحت به الأسفار ووضحت به الحجة لذوي الأبصار، فلا حاجة بنا هنا إلى سرد الدلائل القطعية والحجج المنيرة الجلية من الكتاب العزيز والسنة النبوية على وجوب التمسك بآل محمد صلوات اللّه عليه وآله، والكون معهم ومودتهم وتقديمهم على الكافة، وأنه لا يفضلهم أحد من الخلائق غيره صلى اللّه عليه وآله وسلم، وأنهم ورثة الكتاب وحجج اللّه على ذوي الألباب، ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)) [القصص:68] وكونهم عترة الرسول خلقوا من لحمه ودمه، وأوتوا علمه وفهمه، والمدعو لهم بجعل العلم والحكمة في زرعه وزرع زرعه، وعقبه وعقب عقبه، فلا نجاة إلا بتسليم الأمر لله والنزول عند حكمه ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) [الأحزاب:36]).
• رؤيته عليه السلام حول اختلاف أهل البيت عليهم السلام
قال عليه السلام في الجوابات المهمة ص10 في سياق الكلام: (ولا فرق بينهم ولا اختلاف عندهم في نظام الحكم ولا في مسألة من مسائل أصول الدين).
ويقول في ص14: (هذا وليس بين الزيدية كلهم قاسمية وهادوية وناصرية ومؤيدية خلاف في الأصول الدينية التي هي عمدة الإسلام وأساس الدين الحنيف).
وفي ص15 من الجوابات المهمة بما لفظه: (وأما المسائل الفرعية الاجتهادية فلكل إمام أنظاره واجتهاداته يوافقه فيها من أراد موافقته وكلهم نجوم هدى وأعلام اقتداء.
من تلقَ منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل الجوم التي يسري بها الساري
فمهما كان المتابع مقتدياً بآثارهم مهتدياً بأنوارهم فقد اعتصم بالعروة الوثقى).
• كانت نظرة الإمام عليه السلام إلى الاختلاف في الدين صارمة بتحريم ذلك
قال عليه السلام في كتاب لوامع الأنوار ص31: (ومن المعلوم: أن الله تعالى أمر عباده بسلوك دين قويم، وصراط مستقيم، ونهاهم عن اِلافتراق في الدين، واتباع أهواء المضلين؛ قال جل جلاله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام]، في آيات بينات، وأخبار نيرات.
ثم قال عليه السلام ما لفظه: (وقد قص الله على هذه الأمة أنباء الأمم السابقة، والقرون السالفة، وما كان سبب هلاكهم، من الإختلاف في الدين، وعدم الائتلاف على ما جاءتهم به أنبياؤهم من الحق المبين؛ قال عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران]، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الأنعام:159]، في آي منيرة، ودلائل كثيرة).
• يرى الإمام عليه السلام أن أهل البيت عليهم السلام أفضل الخلق
قال عليه السلام في كتاب لوامع الأنوار ص72: (ولقد كان الإضراب أوفق، والإمساك أليق، لولا أن الله تعالى أمر بقول الحق وإن شقّ، فإن المقام خطر، يترتب عليه أي أثر؛ وقد قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لا يؤمن عبد حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته)) رواه الإمام الناصر للحق(ع) في البساط، بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ثم قال عليه السلام بعد أن سرد الأدلة في تفضيل أهل البيت ما لفظه: (وهذا قليل من كثير، والمقام أوضح من أن يحوج إلى تطويل وتكثير، وقد صادف مناسبة للمقصود، وارتباطاً بالمطلوب، وما حمل عليه إلا واجب النصح والتذكير؛ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
• كلامه عليه السلام في السبب الرئيسي للميل عن العترة
قال عليه السلام في كتاب لوامع الأنوار ص228: (وأصل كل ضلالة وفتنة، ومنبع كل فُرقة ومحنة، في هذه الأمة والأمم السابقة، اتباع الأهواء، والإخلاد إلى الدنيا، ومحبة الترأس على الأحياء، فإنه لم يستقم الملك للملوك العاتية، والجبابرة الطاغية، إلا بمخالفة أنبياء الله وكتبه، ومباينة أوليائه وأهل دينه، كما قصه الله في كتابه، وعلى ألسنة رسله.
ولم تتم لعلماء السوء الرئاسة منهم، والتقرب لديهم، ونيل حطام دنياهم، إلا بتقرير ما هم عليه، وتأييد ما مالوا إليه.
وقد عَلِمَ كل ذي عِلْم، وفَهِمَ كل ذي فَهْم، ما جرى لأهل بيت النبوة في هذه الأمة، وما فعله ملوك الدولتين الطاغيتين مع العترة المطهرة، وما ساعدهم به علماء السوء، وفقهاء الضلال، من اتباع أهوائهم على كل حال، ورفض أهل بيت نبيهم، وطرح ما يدينون به من دين ربهم؛ حتى غيروا معالم دين اللَّه، وافتروا على اللَّه، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لترويج ما يَهْوَوْنه من الصد عن سبيل اللَّه في الأفعال والأقوال؛ كل ذلك معارضة للآل، ومخالفة لما أمرهم به في شأنهم ذو الجلال.
وقد قصد ملوك السفيانية، والمروانية، والعباسية، استئصال السلالة النبوية، وإبادة الذرية العلوية، وإزالتهم عن وجه البسيطة بالكلية، وأبلغوا مجهودهم في طمّ منارهم، وطمس أنوارهم، فأبى اللَّه تعالى لهم ذلك، وغلبهم على ما هنالك؛ كيف وهم قرناء الكتاب، والحجة على ذوي الألباب، والسفينة المنجية من العذاب، والثقل الأصغر، الذين خلفهم الرسول مع الثقل الأكبر في الأرض، ولن يفترقا إلى يوم العرض؟!؛ يريدون أن يطفئوا نور اللَّه بأفواههم، ويأبى اللَّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وتهافت في أثر الملوك الجبارين، والعلماء المضلين، الذين حذر عنهم سيد المرسلين، الأتباعُ من العوام، والهمج الرعاع من الطغام، أتباع كل ناعق، وسيقة كل سائق، وركضوا في ميادين الدول، كما وصفهم اللَّه عز وجل: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الفرقان:44]، وهم الجم الغفير، والجمع الكثير، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللَّه، وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين؛ فعظمت الفتنة، واشتدت المحنة، وتمت الفرقة المنهي عنها في الكتاب المبين، وعلى لسان الرسول الأمين.
وحجج الله تعالى واضحة المنهاج، بينة الفجاج، ودينه قويم، وصراطه مستقيم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة وإن اللَّه لسميع عليم.
وهذا مع ما تقدم معظم ما خالفوا فيه أهل بيت نبيهم من العقائد، وإليك النظر أيها المطلع المتبع لكتاب ربه، وسنة نبيه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، إن كنت عن طريق الحق غير حائد، ولا لضروري المعقول والمنقول بجاحد، لتنظر أي الفريقين أهدى سبيلاً، وأي الطائفتين أقوم قيلاً، وأبين دليلاً.
والمقصود بالخطاب أرباب النظر والاعتبار، من ذوي الأبصار؛ إنما يتذكر أولو الألباب.
فأما من أعمى بصائرهم الهوى، وأعشى أبصارهم الردى، من طائفتي المتمردين والمقلدين، الذين أَلْفَوا آبائهم ضالين؛ فليسوا بمقصودين؛ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولّوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون.
ومالم نورده من الدلائل، فللإحالة على ما قرره علماء الأمة، وحرره في علم الأصول أعلام الأئمة، في جميع المسائل).