.
 
16-32-2018

من أساسيات الدين وأركان الرسالة ومسلمات القرآن ومحكماته أن النبي محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدوة وأسوة ورسالته التي بعث لتبليغها ودعوة الناس إليها هي رسالة الله رب العالمين للناس قاطبة بلا استثناء قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] فرسالته عالمية ويؤكد على ذلك آيات كثيرة منها على سبيل المثال قوله سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وقوله تعالى أيضاً {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107]

لذلك فالمسلمون اليوم في أمس الحاجة لمراجعة السيرة النبوية والأخلاق المحمدية والآداب و الضوابط والقوانين التي من خلالها يستحقون أن يكونوا خير الأمم وشاهدين على الناس، فالقيم و الأخلاق التي بعث الحبيب المصطفى ليتممها ثابتة لا تسقط بحال من الأحوال ولا تتغير أو تتبدل، ومن الأحوال والظروف التي لا بد من مراعاة الضوابط الأخلاقية والقيم الإسلامية فيها ظروف  الحرب وأحوال المواجهة بحيث لا يتحول كل شيء إلى هدف مشروع كما يحلو للعقلية العسكرية المجرمة توصيفه لكن بأدنى تأمل وأبسط مراجعة لسيرة الرسول في الحرب والمواجهة نجده يصدر قرارات وتوجيهات يحرم فيها قتل من لا يقاتل واستهداف من لا يواجه كما بين ذلك النبي عندما قتلت امرأة فقال معاتباً وناهياً: (مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِل) وكان في مقدمة الجيش الإسلامي خالد بن الوليد فأرسل إليه النبي توجيهاً وقال لحامل التوجيه أو الرسالة (قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا (العسيف: الأجير الذي يستهان به))  وكان رسول اللّه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- إذا بعث جيشاً من المسلمين بعث عليهم أميراً، ثم قال: (انطلقوا باسم الله، وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول اللّه، أنتم جند الله تقاتلون من كفر بالله، ادعوا إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به محمد من عند الله، فإن آمنوا فإخوانكم، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن هم أبوا فناصبوهم حرباً، واستعينوا بالله عليهم، فإن أظهركم الله عليهم فلا تقتلوا امرأة، ولا وليداً، ولا شيخاً كبيراً لا يطيق قتالكم، ولا تغوروا عيناً، ولا تقطعوا شجراً إلا شجراً يضر بكم، ولا تمثلوا بآدمي، ولا بهيمة، ولا تظلموا ولا تعتدوا، وأيّما رجل من أقصاكم، أو أدناكم، أو أحراركم، أو عبيدكم أعطى رجلاً منهم أماناً، أو أشار إليه بيده، فأقبل إليه بإشارته فله الأمان حتى يسمع كلام الله، فإن قبل فأخوكم في الدين، وإن أبى فردوه إلى مأمنه، واستعينوا بالله، لا تعطوا القوم ذمتي ولا ذمة اللّه، فالمخفر ذمة الله يلقى الله عزَّ وجلَّ وهو عليه غضبان، أعطوهم ذممكم وذمم آبائكم، وفوا لهم، فإن أخفر أحدكم ذمته، أو ذمة أبيه فذاك، ولا يخفر ذمة الله، ولا ذمة رسوله) هذا النص النبوي الشريف يحتوي على توجيهات وتكاليف لا مناص لمسلم من الالتزام بها ولا حجة له بعد أن نطق لسان الرسول بها فإن خالف وتجاهل أو جهل هذه التعاليم السامية فالعاقبة سيئة والمآل وخيم {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

إن مما يقر به كل مسلم ومسلمة ويسلمون به تسليما مطلقا ويقطعون به أن طاعة الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي عين طاعة الله وأن من يتأسى بالرسول محمد فهو في الحقيقة يمثل أو يتمثل حقيقة العبودية لله تعالى حتى أن الله تعالى جعل التأسي بحبيبه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم دليلاً حقيقياً على رجاء المؤمن لربه وقربه الصادق منه وإخلاصه الكبير له قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب : 21] وجعل الله تعالى علامة حب العبد له اتباع نبيه والسير بسيرته والتأسي بسنته وأخلاقه والتزام آدابه التي أدبه ربه بها فهو المقر بفضل الله عليه قائلا "أدَّبني ربِّي فأحسنَ تَأْديبي" وهكذا هي سنة الله وحكمته مع الأنبياء المرسلين يرعاهم بلطفه ويحوطهم بعين عنايته ويكرمهم برحمته وقربه ويؤهلهم لتحمل أعباء الوحي وتبليغ الرسالات وإقامة الحجج البينات كما هو الحال مع موسى الكليم ومحمد خاتم النبيين وكل رسله أجمعين حيث قال في شأن موسى {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39].

وأمام الرعاية الإلهية والعناية الربانية للأنبياء والرسل نجد الغاية من ذلك والحكمة التي لأجلها أرسلهم الله تعالى للناس كافة قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّه} [النساء 64].

 فطاعة الأنبياء مقصد إلهي ومبدأ قرآني وفريضة من الفرائض التي كلف الله بها عباده في الحياة الدنيا وهذا التكليف لا يخضع لاختيار الإنسان أو هواه ومزاجه ومصلحته أو يدور مع مصلحته حيثما دارت بل عليه أن يدور مع التعاليم والقيم والتوجيهات النبوية حيثما دارت مهما كانت الأحوال والظروف والتحديات فلا يكتمل إيمان المؤمنين بالله  ورسوله حتى تكون أهواءهم وعواطفهم ومشاعرهم وسلوكياتهم ومواقفهم وتوجهاتهم وكل أخلاقهم ومعاملاتهم وسلوكياتهم في السلم والحرب تابعة لما جاء به الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال النبي في هذا الشأن (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) حتى إن حب النبي والتأسي به يجب أن يكون أعظم من حب المؤمن لنفسه وولده وأهله وكل الناس مهما كانت منزلتهم ومهما بلغت هيبتهم وكان إحسانهم كما أشار إلى ذلك الحبيب المصطفى بقوله (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)- فلا يكونُ الْمؤمن مؤمناً حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميعِ الخلق، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرْسله. والمحبةُ الصحيحة تقتضي الْمتابعة والْموافقة فِي حب المحبوبات وبغض المكروهات، قال عزَّ وجلَّ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24].

والأمر الثاني الذي لأجله أرسل الله الأنبياء هو إقامة الحجة والبرهان وقطع الطريق على أولئك المعاندين والغافلين الأكثر جدلا وأعذاراً  ودحضاً لتلك الشبه التي قد يحتج بها البعض ممن جهلوا النبي أو تجاهلوه وأنكروه أو تنكروا لهداه وأخلاقه وآدابه في السراء والضراء والشدة والرخاء والغنى والفقر والسلم والحرب  فالله تعالى يعلم خبايا النفوس المتمردة وخفايا العقول المتحجرة التي تسير وراء أهواءها وتقودها وتتحكم فيها ولاءات وانتماءات ومصالح دنيوية فانية ويعلم مدى ميلها إلى الشهوات وخلودها إلى الملذات وجموحها لارتكاب المحرمات حيث أن الإنسان قد يقول محتجا على ربه عند إهلاكه واستحقاق عذابه وسخطه {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه : 134].   

 

 فحاشا الله تعالى أن يهلك أمة أو يدمر قرناً من القرون السالفة أو اللاحقة لم تبلغهم الحجة ويصل إليهم البلاغ المبين {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].

 

 وبعد أن بعث الله خاتم النبيين محمدا فلا حجة لأي إنسان في العالم لا سيما المسلمون فلاعذر للجميع أمام الله تعالى القائل {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء : 165].

وكما أن الأخذ الوبيل والنكال الكبير استحقه فرعون اللعين وقومه لأنهم لم يستجيبوا لموسى ويطيعوا أمره ويؤمنوا برسالته فإن أمة محمد قد يصيبها ما أصاب فرعون وقومه كما دلت على ذلك النصوص القرآنية: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل:15-19].

وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء : 14] وقال سبحانه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.

الكاتب: أ. خالد موسى.

 
;