.
 
21-13-2018

مع أن البعض يدعي أن الاسم (العلم) لا يدل إلا على تميز مسماه عن غيره إلا أن الحديث حول أسماء الرسول الأكرم يختلف تماماً فلأسماء النبي ميزات وبركات تزيد عن مجرد التمييز, وللوقوف على بعض دلائل أسماء المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نضع بين يدي القراء الكرام هذه الملاحظات: 
"محمد": هو اسم مفعول مشتق من الحمد, يفيد المبالغة والكثرة في الصفات التي يحمد لأجلها ويمدح بها, ولكون المصطفى لا أحد يوازيه في صفاته المحمود عليها فهو يمدح أكثر من غيره, وقد سماه الله تعالى "محمداً" فقد ﻛﺎﻧﺖ أمه ﺁﻣﻨﺔ بنت وهب ـ رضوان الله عليها ـ ﺗﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺗﻘﻮﻝ: "ﺃﺗﺎﻧﻲ ﺁﺕ ﺣﻴﻦ ﻣﺮ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺣﻤﻠﻲ ﺳﺘﺔ ﺃﺷﻬﺮ, ﻓﻮﻛﺰﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻡ ﺑﺮﺟﻠﻪ, ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻲ: ﻳﺎ ﺁﻣﻨﺔ إنك ﻗﺪ ﺣﻤﻠﺖ ﺑﺨﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ, ﻓﺈﺫا ﻭﻟﺪﺗﻴﻪ ﻓﺴﻤﻴﻪ ﻣﺤﻤﺪاً ﻭاﻛﺘﻤﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻚ", وعلى هذه الرواية تكون التسمية من الله تعالى.


"أحمد": وهو الاسم الذي بشر به عن الله عيسى بن مريم صلى الله عليه يحكي الله لنا قول عيسى صلى الله عليه: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [سورة الصف/ 6] وأصل لفظة "أحمد" اسم تفضيل مشتق من الحمد واسم التفضيل يشتق من ما يشتق منه التعجب ومن شروطه أن يكون مما يقبل معناه التفاوت وأن ﻻ يكون مبنياً للمفعول فلا يبنى من نحو ضرب بضم أوله وكسر ما قبل آخره فهو صلى الله عليه وآله وسلم من حمد الله أكثر من غيره حمداً بالقول والفعل حمد إيمان راسخ في قلبه تتحول قوالبه طاعة لله مطلقة ومتواصلة وتسليم لله وإسلام للنفس والمال للخالق المتفضل المنعم وبذل للجهد في سبيل إعلاء كلمة الله ودينه حتى أظهره الله وأعلاه وتجلى للناس مدد الله لهذا الدين فهو دين يأبى الله إلا أن يتمه ويظهره (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[سورة التوبة/ 33] 
فقد كان صلى الله عليه وآله أفضل من حمد الله وعبده من بني آدم عليه السلام خاشعاً لله وعابداً لله في كل وقته ولحظاته "فمحمد" أكثر شخص يستحق الحمد والمدح و"أحمد" من عبد الله وجاهد في سبيله حتى أتاه اليقين.


"البشير" و "النذير": وهما إشارة للآية الكريمة (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ ) [سورة البقرة/ 119] وهما على وزن فعيل من أمثلة المبالغة الدالة على الكثرة والكثرة فيها تنوع بشارات في الأقوال وبشارات في الأفعال وبشارات في النتائج والغايات فكان جمال أقواله وأفعاله يعم ويخص فكان بذلك له تأثير في قبول الحق والانقياد لله حتى الإنذارات والتهديدات مصبوغة بالرحمة والبشارة, فهو "البشير" أي المبشر لمن أطاعه بما هو حق من الثواب و"النذير" أي المنذر لمن عصاه بما هو صدق من العقاب وفي البشارة والإنذار ما يقول الرحمن الرحيم (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا) [سورة مريم/ 97] و(لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) [سورة يس/ 6] (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [سورة الشورى/ 7] فالبشارة والانذار لها دور كبير في استقامة الإنسان ومما ذكر الله عن الأمم السابقين (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) [سورة الصافات/72 - 74] والإنذار هذا له غاية (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [سورة القصص/ 46].


"الأمين": كان هذا الاسم وصفاً يطلق على رسول الله قبل أن يختاره الله رسولاً للعالمين, ومع غلبة الإطلاق صار علماً, وفيه من المدح ما لا يخفى, كيف لا وهو أحق من يوصف به من البشر, وقد اصطفاه الله وأتمنه بأكبر أمانة وهي تبليغ الدين وحمل الرسالة الإلهية إلى العالمين, فمحمد صلوات الله عليه وعلى آله أمين الله المأمون، وخازن علمه المخزون، وحجة الله يوم الدين، ولقد أدى صلوات الله عليه وعلى آله الأمانة وبلغ الرسالة, واضطلع بهذه المهمة وقام بها أحسن قيام, حتى قال تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ) [سورة المائدة/ 3].


"الشاهد": وفيه قول الله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) [سورة النساء/ 41] ومعنى الآية كيف يكون موقفهم يوم تشهد أنت عليهم ببلاغك، وإعذارك وإتمامك البلاغ، وأنهم قد كذبوك وظلموك، وآذوك، فمعنى "الشاهد" أي شهيد على الأمة بأن الحق بلغهم وللمطيعين منهم بقيامهم بالطاعة وعلى المنكرين والعصاة منهم بإنكارهم وميلهم إلى المعصية, قال تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) [سورة النحل/ 89] 
يقول الإمام علي عليه السلام متحدثاً عن بعض أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمين وحيه وخاتم رسله، وبشير رحمته، ونذير نقمته" ويقول: "فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك بالحق ، ورسولك إلى الخلق"
نسأل الله العلي العظيم أن نكون ممن أمن بأمان الأمين واستبشر ببشارات النبي الكريم وتذكر بما أنذر به النذير ذاك أحمد خلق الله لله ومحمد الخصال والخلال والأفعال صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه وعلى آله الذين هم ورثة الكتاب وعيبة علم الرسول والأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين.

 

;