بسم الله ، والحمد لله ، والصّلاة والسّلام على مَن أنارَ الله بقدومِه ظُلمَات الجَهل والوثنيّة والعصبيّة الجاهليّة ، سيّدنا وإمامنا وقُدوتنا ومرشدنا محمد بن عبدالله ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، وبعد :
يطل علينا الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، ليُحيي في أنفُسنا ذكرى مولد خير من وطَئ الحصَى ، النبيّ الأمي الخاتم الأمين ، الذي كان يقول : (أدّبني ربّي فأحسنَ تأديبي) ، ويقول الله تعالى فيه : ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) ، ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق) ، فكانت هذه الرسالة وهي الإتمام لمكارم الأخلاق من أهم بل هي جوهر رسالته صلوات الله عليه وعلى آله للأمّة .
فمن مَكارم الأخلاق : الشكر للمُنعِم ، ومن شُكر المنعم معرفته ، ومن كمَال مَعرفته توحيده ، ومن كمَال توحيدِه تنزيهُه عن كلّ ما لا يَليق به جلّ شأنه ، ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) .
ومن مَكارم الأخلاق : الإقرارُ بالفضَل لمن أنقذنَا الله به من ظُلمات العصبيّة والوثنيّة والجاهليّة ، فلم نكُن بدونه عالمين فتعلّمنا ما يُحيينا كتاباً وسنّةً ومُعاملةً ، فهذا من الوفَاء .
من أخلاق النّبي صَلوات الله عليه وعلى آله مع أهلِه :
كان صَلوات الله عليه وعلى آله حسن التّعامل مع زوجاتِه ، لطيفاً معهم ، رحيماً بهم ، وقال في هذا صلوات الله عليه وعلى آله : ((خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيركُم لأهلِي)) ، وليسَ ما نجده اليَوم من تعامل الزّوج مع زوجتِه من الإقصَاء ، والعصبيّة ، وعدم الاحترَام ، من ذلك الخلق المحمديّ في شيء ، وكذلك ما نجدهُ من نتعامل الزوجَة مع زوجهَا بالإهمَال ، وعدم الاحترام ، فواجبٌ على الزّوجين أن يتخلّقا بخلق رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، والزوجان متى حافظا تلك الأخلاق الإسلامية في تعاملهما ، سينعمس ذلك إيجاباً على عبادتهما ، وعلى ذريّتهما .
من أخلاق النّبي صَلوات الله عليه وعلى آله مع الأطفال:
أيضاً كان من عظيم أخلاق النبي صلى الله عليه وعلى آله الاهتمام بالجانب النفسي لدى الطفل بما يعزز عنده الثقة في نفسه ، والرجولة ، فقد كان صلوات الله عليه وعلى آله إذا مر بالطفل سلّم عليه ، وكان صلوات الله عليه وعلى آله إذا سمع بكاء الصبي ربما أسرع في الصلاة يخاف من افتتان أمّه ، وكان ينزل من الخطبة فيحمل ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام ، وكان صلوات الله عليه وعلى آله يُكنّي الأطفال ، وليس هذا للأسف بتصرف كثير من الآباء اليوم مع الأطفال ، فلا يجدونَ إلاّ الإهمال والابتعاد عنهم ، ولا يكاد الوالدان أو أحدهما يشجّع ابنه ، أو يقترب منه ، أو يشاركه تفكيره ، ثم هما يطمحان في صلاح ابنهما وبره بهما ، وهما لم يُحسنا تأديبه وتوجيهه منذ صغرِه ونشأتِه .
من أخلاق النّبي صَلوات الله عليه وعلى آله الرّحمة:
وقد كان صلوات الله عليه وعلى آله يُعامل النّاس من حولِه بالرّحمَة ، ويستمعُ لهُم ولا يُسيئُ بهم الظنّ ، ويحملهُم على السّلامَة ، وقال الله تعالى يصفهُ صلوات الله عليه وعلى آله : ((وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) ، وهذا الصفات نفتقدها كثيرً في حياتنا اليومية ، فأصبح الكثير يتعاملون بسوء الظنّ ، وليسَ من أسلوبهم إلا الغلظَة ، فهذه أخلاقٌ شيطانيّة لا محمديّة ، وقد كان للمسلمين في رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله قدوة حسنَة .
من أخلاق النّبي صَلوات الله عليه وعلى آله التّواضع :
وقد كان صلوات الله عليه وعلى آله يُعامل النّاس بلين الجانب ، يجلسُ مع الفَقير ، ويحنو على العَبيد والخدَم ، وبيتع من سعف النّخيل ، وقد كان بوسعه بإذن ربّه ودُعائه له أن يكون مِلكَاً نبياً كما جاءات الأخبَار ، إلاّ أنه صلوات الله عليه وعلى آله آثر حياة عامّة الأمّة على حياة الرفاهيّة والمُلك ، وصدق الله تعالى القائل : ((تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ)) ، واليوم ليسَ أهل أكثرُ أهل الجاه والمَال والسّيادَة من ذلك الخُلق المحمديّ في شيء ، فهُم يتكبّرون على العباد ، ويستعبدونَهم ، ويستعضفُونَهم ، وأشنعُ تكبّرهم على خالقِهم جلّ شأنُه ، والجنّة فمحرّمة على المتكبّرين ، لا يردّون السّلام ، وتأخذُهم العزّة بالإثم من النّصيحَة ، ولا يُجالسون الفَقير والضعيف استكباراً واستحياءً من النّاس!! ، وتتجهّم وجوههم النّاس ، وإن صافَحوا فمصافحَة المتمنن بلا مُناصفة ، وليست تلك بأخلاق سيّدنا وقُدوتنا محمّد بن عبدالله صلوات الله عليه وعلى آله .
ليس هذا مقام الإسهاب في تفصيل شمائل ومكارم أخلاق من شهدَ الله له والمؤمنون بكمال الأخلاق ، ولكن نتبرك في هذه الذكرى المباركة ببعض ما نقدّمه للأمّة للعظَة والذّكرى بالتأسّي بقدوة الأوّلين والآخرين ، اللهم صلّ وسلّم عليه وعلى أهل بيته الطّيبين الطّاهرين .
الكاتب الكاظم_الزيدي