للإمام زيد بن علي عليهما سلام الله أربعة من الأولاد وهم: يحيى، وعيسى، ومحمد، والحسين، وعقب الإمام زيد من عيسى ومحمد والحسين، ولقد كانوا جميعاً من أعلام الإسلام الخالدة وأقطاب العلم العظيمة، تحكي سيرتهم جانباً من مؤهلاتهم العلمية والدينية والمعرفية، ولهم مواقف جليلة في الجهاد والبذل في سبيل الله ، كما كانوا من أكثر الناس عبادة وأشدهم ورعاً وزهداً، وهنا سنورد تراجم مختصرة لأشهرهم:
يحيى بن زيد
هو الإمام أبو طالب يحيى بن زيد عليهما السلام، وأمُّه ريطة بنت أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية؛ كان مولده بالمدينة المنورة سنة 97هـ، وهو أكبر أولاد الإمام زيد (ع).
صفته عليه السلام: كان قطط الشعر، حسن اللحية حين استوت، وكان مثل أبيه عليهما السلام في الشجاعة، وقوة القلب، ومبارزة الأبطال، كما كان شديد العبادة والزهد، وهو أحد أعلام الآل العظام.
وهو القائل:
يا بن زيد أليس قد قال زيد |
من أحب الحياة عاش ذليلا |
|
كن كزيد فأنت مهجة زيد |
تتخذ في الجنان ظِلاً ظليلا |
قاتل يحيى بين يدي والده الإمام زيد عليهما السلام أشدَّ قتال، وكان عمره 25 سنة, فلمَّا أصيب والده عليه السلام جاء يحيى، فأكبَّ على والده وهو يبكي، والدماء تنزل على وجه الإمام، والسهم نابت في جبينه، فجمع يحيى قميصه في يده ومسح به الدم من وجه أبيه، ثم قال له: أبشر يا بن رسول الله، تَرِد على رسول الله وعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين وهم عنك راضون.
قال الإمام: صدقت يا بني، فأيُّ شيءٍ تريد أن تصنع؟
قال يحيى: أجاهدهم إلا أن لا أجد الناصر.
قال: نعم يا بني، جاهدهم، فوالله إنك لعلى الحق، وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك في الجنة، وقتلاهم في النار.
وبعد استشهاد الإمام زيد خرج ابنه يحيى عليهما السلام من العراق إلى خرسان، باحثاً عن موطن يستطيع منه ترتيب الثورة من جديد, وتنفيذ وصية والده، فقاد من خرسان ثورةً جديدة على الحكم الأموي.
حظيت ثورة الإمام يحيى عليه السلام بتأييد كبير من أهل خرسان, وهو ما قض مضاجع الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبدالملك, والذي عرف عنه استهانته بالدين والقرآن؛ فهو الذي مزق المصحف الشريف بالسهم حين افتتح المصحف, فكان أول حرف منه: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد}, فأنشد:
أتوعدني بجبار عنيد |
فهاأنا ذاك جبار عنيد |
|
إذا ما جئت ربك يوم حشر |
فقل يا رب مزقني الوليد |
عمل الخليفة الأموي على إفشال ثورة الإمام يحيى، واستنفد لأجل ذلك طاقاته، وسخر إمكانيته، وأرسل الجيوش تلو الجيوش لقتاله؛ فاستشهد الإمام يحيى عليه السلام بعد معارك كبيرة، ومواقف بطولية عظيمة؛ وذلك يوم الجمعة من شهر رمضان سنة 126هـ, فعم الحزن أهل خرسان، وسموا من ولد لهم في تلك السنة بيحيى؛ وقبر عليه السلام في مدينة الجوزجان، وهو معروف مزور إلى يومنا هذا.
عيسى بن زيد
علمٌ من أعلام الإسلام الخالدين، وواحد من عظماء أهل البيت الطاهرين؛ وُلِدَ عليه السلام في شهر محرم، سنة 109هـ.
وكان عليه السلام طويل القامة، قد أثر السجود في جبهته، كثير الذكر لله تعالى والخشية منه, ممن يُضرب بهم المثل في العلم والفقه والعبادة والورع والزهد.
عرف بفقيه العترة، وبمؤتم الأشبال؛ وسبب ذلك أنه لمَّا انصرف من وقعة باخمرا، التي استشهد فيها الإمام إبراهيم بن عبدالله، خرجت لبوة معها أشبالها فعرضت في الطريق، وجعلت تحمل على الناس، فأخذ عيسى بن زيد - عليهما السلام - سيفه وترسه, ثُمَّ نزل إليها فقتلها، فقال له مولىً له: أيتمت أشبالها يا سيدي؟! فضحك عيسى فقال: نعم، أنا مؤتم الأشبال.
عاش عيسى بن زيد مجاهداً في سبيل الله, وكانت له مواقف في الشجاعة والبطولة تقصر عنها مواقفُ الأبطال, فقد شارك في ثورة الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله، كما كان صاحب راية أخيه الإمام إبراهيم بن عبدالله عليهم السلام في وقعة باخمرا.
عاش عليه السلام ثلاثين عاماً، متخفياً من الظالمين, مخيفاً لهم, وتعرض في سبيل ذلك لأنواع من البلاء, حتى توفاه الله في الكوفة، سنة 169هـ.
الحسين بن زيد
الإمام الحسين بن زيد بن علي, هو أحدُ أعلام العترة المطهرين، وُلِدَ عليه السلام سنة 115هـ, واستشهد والده وعمره سبع سنوات, فكفله الإمامُ جعفر الصادق عليه السلام، فقعد في رحابه سنين، وأخذ العلم عنه.
عُرِفَ الحسينُ بذي الدمعة؛ لكثرة بكائه، و قد روي عن ولده يحيى بن الحسين أنه قال: قالت أمي لأبي: ما أكثر بكاك؟! فقال: (وهل ترك لي السهمان والنار سروراً يمنعني من البكاء)، يعني بالسهمين السهم الذي قُتِلَ به أبوه زيد، والسهم الذي قُتِلَ به أخوه يحيى عليهما السلام.
كان للحسين عليه السلام مشاهد عظيمة من الشجاعة والاستبسال في ثورة الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله، وثورة أخيه الإمام إبراهيم بن عبدالله عليهما السلام.
ولمكانته العظيمة، وتحركه الجاد ظلت السلطات العباسية الظالمة تترصده وتبحث عنه، فعاش زمناً متخفياً عن الناس، حتى توفي عليه السلام سنة 191هـ.