بُرْدَةُ البُوصِيرِي أبوعبد الله محمد بن سعيد البوصيري [608هـ / 696هـ] | ||
أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي أَمْ هَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ كَاظِمَةٍ فَمَا لِعَيْنَيْكَ إِنْ قُلْتَ اكْفُفَا هَمَتَا أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الْحُبَّ مُنْكَتِمٌ لَوْلَا الْهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ فَكَيْفَ تُنْكِرُ حُبَّاً بَعْدَ مَا شَهِدَتْ وَأَثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَةٍ وضَنًى نَعَمْ سَرَى طَيْفُ مَنْ أَهْوَى فَأَرَّقَنِي يَا لَائِمِي فِي الْهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً عَدَتْكَ حَالِيَ لَا سِرِّي بِمُسْتَتِرٍ مَحَضْتَنِي النُّصْحَ لَكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ إِنِّي اتَّهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ فِي عَذَلٍ فَإِنَّ أَمَّارَتِي بِالسُّوءِ مَا اتَّعَظَتْ وَلَا أَعَدَّتْ مِنَ الْفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّي مَا أُوَقِّرُهُ مَنْ لِي بِرَدِّ جِمَاحٍ مِنْ غِوايَتِهَا فَلَا تَرُمْ بِالْمَعَاصِي كَسْرَ شَهْوَتِهَا وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى فَاصْرِفْ هَوَاهَا وَحَاذِرْ أَنْ تُوَلِّيَهُ وَرَاعِهَا وَهيَ فِي الْأَعْمَالِ سَائِمَةٌ كَمْ حَسَّنَتْ لَذةً لِلمَرْءِ قَاتِلَةً وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوعٍ وَمِنْ شِبَعٍ وَاسْتَفْرِغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قَدِ امْتَلَأَتْ وَخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا وَلَا تُطِعْ مِنْهُمَا خَصْمَاً وَلَا حَكَمَاً أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلَا عَمَلٍ أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ لَكِنْ مَا ائْتَمَرْتُ بِهِ وَلَا تَزَوَّدْتُ قَبْلَ الْمَوْتِ نَافِلَةً ظَلَمْتُ سُنَّةَ مَنْ أَحْيَا الظَّلَامَ إِلَى وَشَدَّ مِنْ سَغَبٍ أَحْشَاءَهُ وَطَوَى وَرَاوَدَتْهُ الْجِبَالُ الشُّمُ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكَّدَتْ زُهْدَهُ فِيهَا ضَرُورَتُهُ وَكَيْفَ تَدْعُو إِلَى الدُّنْيَا ضَرُورَةُ مَنْ مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الْكَوْنَيْنِ وَالثَّقَلَيْنِ نَبِيُّنَا الْآمِرُ النَّاهِي فَلَا أَحَدٌ هُوَ الْحَبِيبُ الَّذِي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ دَعَا إِلَى اللهِ فَالْمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ فَاقَ النّبِيِّينَ فِي خَلْقٍ وَفِي خُلُقٍ وَكُلُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ وَوَاقِفُونَ لَدَيْهِ عِنْدَ حَدِّهِمِ فَهْوَ الَّذِي تَمَّ مَعْنَاهُ وَصُورَتَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ فِي مَحَاسِنِهِ دَعْ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فِي نَبِيِّهِمِ وانْسُبْ إِلَى ذَاتِهِ مَا شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ فَإِنَّ فَضْلَ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَهُ لَوْ نَاسَبَتْ قَدْرَهُ آيَاتُهُ عِظَمَاً لَمْ يَمْتَحِنَّا بِمَا تَعْيَا الْعُقُولُ بِهِ أَعيا الوَرَى فَهْمُ مَعْنَاهُ فَلَيْسَ يُرَى كَالشَّمْسِ تَظْهَرُ لِلْعَيْنَيْنِ مِنْ بُعُدٍ وَكَيْفَ يُدْرِكُ فِي الدُّنْيَا حَقِيقَتَهُ فَمَبْلَغُ الْعِلْمِ فِيهِ أَنَّهُ بَشَرٌ وَكُلُّ آيٍ أَتَى الرُّسْلُ الْكِرَامُ بِهَا فَإِنَّهُ شَمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَوَاكِبُهَا أَكْرِمْ بِخَلْقِ نَبِيٍّ زَانَهُ خُلُقٌ كَالزَّهْرِ فِي تَرَفٍ والْبَدْرِ فِي شَرَفٍ كَأَنَّهُ وَهوَ فَرْدٌ مِنْ جَلَالَتِهِ كَأَنَّمَا اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ فِي صَدَفِ لَا طِيبَ يَعْدِلُ تُرْبَاً ضَمَّ أَعْظُمَهُ أَبَانَ مَوْلِدُهُ عَنْ طِيبِ عُنْصُرِهِ يَوْمٌ تَفَرَّسَ فِيهِ الْفُرْسُ أَنَّهُمُ وَبَاتَ إِيوَانُ كِسْرَى وَهوَ مُنْصَدِعٌ وَالنَّارُ خَامِدَةُ الْأَنْفَاسِ مِنْ أَسَفٍ وَسَاءَ سَاوةَ أَنْ غَاضَتْ بُحَيْرَتُهَا كَأَنَّ بِالنَّارِ مَا بِالْمَاءِ مِنْ بَلَلِ وَالْجِنُّ تَهْتِفُ وَالْأَنْوَارُ سَاطِعَةٌ عَمُوُا وَصَمُّوا فَإِعْلَانُ الْبَشَائِرِ لَمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَخْبَرَ الْأقْوَامَ كَاهِنُهُمْ وَبَعْدَ مَا عَايِنُوا فِي الْأُفْقِ مِنْ شُهُبٍ حَتَّى غَدَا عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ مُنْهَزِمٌ كَأَنَّهُمْ هَرَبَاً أَبْطَالُ أَبْرَهَةٍ نَبْذَاً بِهِ بَعْدَ تَسْبِيحٍ بِبَطْنِهِمَا جَاءَتْ لِدَعْوَتِهِ الْأَشْجَارُ سَاجِدَةً كَأَنَّمَا سَطَرَتْ سَطْرَاً لِمَا كَتَبَتْ مِثْلَ الْغَمَامَةِ أَنَّى سَارَ سَائِرَةٌ أَقْسَمْتُ بِالْقَمَرِ الْمُنْشَقِّ إِنَّ لَهُ وَمَا حَوَى الْغَارُ مِنْ خَيْرٍ وَمَنْ كَرَمٍ فَالصِّدْقُ فِي الْغَارِ وَالصِّدِّيقُ لَمْ يَرِمَا ظَنُّوا الْحَمَامَ وَظَنُّوا الْعَنْكَبُوتَ عَلَى وِقَايةُ اللهِ أَغْنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ مَا سَامَنِي الدَّهْرُ ضَيْمَاً وَاسْتَجَرْتُ بِهِ وَلَا الْتَمَسْتُ غِنَى الدَّارَيْنِ مِنْ يَدِهِ لَا تُنْكِرِ الْوَحْيَ مِنْ رُؤْيَاهُ إِنَّ لَهُ وَذَاكَ حِينَ بُلُوغٍ مِنْ نُبُوَّتِهِ تَبَارَكَ اللهُ مَا وَحْيٌ بِمُكْتَسَبٍ كَمْ أَبْرَأَتْ وَصِبَاً باللَّمْسِ رَاحَتُهُ وَأَحْيَتِ السُّنَةَ الشَّهْبَاءَ دَعْوَتُهُ بِعَارِضٍ جَادَ أَوْ خِلْتَ الْبِطَاحَ بِهَا دَعْنِي وَوَصْفِيَ آيَاتٍ لَهُ ظَهَرَتْ فَالدُّرُّ يَزْدَادُ حُسْنَاً وَهوَ مُنْتَظِمٌ فَمَا تَطَاوَلُ آمَالُ الْمَدِيحِ إِلَى آيَاتُ حَقٍّ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثَةٌ لَمْ تَقْتَرِنْ بِزَمَانٍ وَهي تُخْبِرُنَا دَامَتْ لَدَيْنَا فَفَاقَتْ كُلَّ مُعْجِزَةٍ مُحَكَّمَاتٌ فَمَا تُبْقِينَ مِنْ شُبَهٍ مَا حُورِبَتْ قَطُّ إِلَّا عَادَ مِنْ حَرَبٍ رَدَّتْ بَلَاغَتُهَا دَعْوَى مُعَارِضِهَا لَهَا مَعَانٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ فِي مَدَدٍ فَمَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى عَجَائِبُهَا قَرَّتْ بِهَا عَيْنُ قَارِيهَا فَقُلْتُ لَهُ إِنْ تَتْلُهَا خِيفَةً مِنْ حَرِّ نَارِ لَظَىً كَأنَّهَا الْحَوْضُ تَبْيَضُّ الْوُجُوهُ بِهِ وَكَالصِّرَاطِ وَكَالْمِيزَانِ مَعْدِلَةً لَا تَعْجَبَنْ لِحَسُودٍ رَاحَ يُنْكِرُهَا قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ يَا خَيْرَ مَنْ يَمَّمَ الْعَافُونَ سَاحَتَهُ وَمَنْ هُوَ الْآيَةُ الْكُبْرَى لِمُعْتَبِرٍ سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلَاً إِلَى حَرَمِ وَبِتَّ تَرْقَى إِلَى أَنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً وَقَدَّمَتْكَ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ بِهَا وَأَنْتَ تَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ بِهِمْ حَتَّى إِذَا لَمْ تَدَعْ شَأْواً لِمُسْتَبِقٍ خَفَضْتَ كُلَّ مَقَامٍ بِالْإضَافَةِ إِذْ كَيْمَا تَفُوزَ بِوَصْلٍ أَيِّ مُسْتَتِرٍ فَحُزْتَ كُلَّ فَخَارٍ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ وَجَلَّ مِقْدَارُ مَا وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ بُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الْإِسْلَامِ إِنَّ لَنَا لَمَّا دَعَا اللهُ دَاعِينَا لِطَاعَتِهِ رَاعَتْ قُلُوبَ الْعِدَا أنْبَاءُ بِعْثَتِهِ مَا زَالَ يَلْقَاهُمُ فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ وَدُّوا الْفِرَارَ فَكَادُوا يُغْبَطُونَ بِهِ تَمْضِي اللَّيَالِي وَلَا يَدْرُونَ عِدَّتَهَا كَأَنَّمَا الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فَوْقَ سَابِحَةٍ مِنْ كُلِّ مُنْتَدِبٍ للهِ مُحْتَسِبٍ حَتَّى غَدَتْ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ وَهيَ بِهِمْ مَكْفُولَةً أَبَدَاً مِنْهُمْ بِخَيْرٍ أَبٍ هُمُ الْجِبَالُ فَسَلْ عَنْهُمْ مُصَادِمَهُمْ وَسَلْ حُنَيْنَاً وَسَلْ بَدْرَاً وَسَلْ أُحُدَاً الْمُصْدِرِي الْبِيضَ حُمْرَاً بَعْدَ مَا وَرَدَتْ وَالْكَاتِبِينَ بِسُمْرِ الْخَطِّ مَا تَرَكَتْ شَاكِي السِّلَاحِ لَهُمْ سِيمَا تُمَيِّزُهُمْ تُهْدِي إِلَيْكَ رِيَاحُ النَّصْرِ نَشْرَهُمُ كَأنَّهُمْ فِي ظُهُورِ الْخَيْلِ نَبْتُ رُبَاً طَارَتْ قُلُوبُ الْعِدَا مِنْ بَأْسِهِمِ فَرَقَاً وَمَنْ تَكُنْ بِرَسُولِ اللهِ نُصْرَتُهُ وَلَنْ تَرَى مِنْ وَلِيٍّ غَيْرَ مُنْتَصِرِ أَحَلَّ أُمَّتَهُ فِي حِرْزِ مِلَّتِهِ كَمْ جَدَّلَتْ كَلِماتُ اللهِ مِنْ جَدَلٍ كَفَاكَ بِالْعِلْمِ فِي الْأُمِّيِّ مُعْجِزَةً خَدَمْتُهُ بِمَدِيحٍ أَسْتَقِيلُ بِهِ إِذْ قَلَّدَانِيَ مَا تُخْشَى عَوَاقِبُهُ أطَعْتُ غَيَّ الصِّبَا فِي الْحَالَتَيْنِ وَمَا فَيَا خَسَارَةَ نَفْسٍ فِي تِجَارَتِهَا وَمَنْ يَبِعْ آجِلَاً مِنْهُ بِعَاجِلِهِ إِنْ آتِ ذَنْبَاً فَمَا عَهْدِي بِمُنْتَقِضٍ فَإِنَّ لِي ذِمَّةً مِنْهُ بِتَسْمِيَتِي إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَعَادِي آخِذَاً بِيَدِي حَاشَاهُ أَنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ وَمُنْذُ أَلْزَمْتُ أَفْكَارِي مَدَائِحَهُ وَلَنْ يَفُوتَ الْغِنَى مِنْهُ يَداً تَرِبَتْ وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَةَ الدُّنْيَا الَّتِي اقْتَطَفَتْ يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ وَلَنْ يَضِيقَ رَسُولَ الله جَاهُكَ بِي فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَ ضَرَّتَها يَا نَفْسُ لَا تَقْنَطِي مِنْ زَلَّةٍ عَظُمَتْ لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِّي حِينَ يَقْسِمُهَا يَا رَبِّ وَاجْعَلْ رَجَائِي غَيْرَ مُنْعَكِسٍ وَالْطُفْ بِعَبْدِكَ فِي الدَّارَيْنِ إِنَّ لَهُ وَائْذَنْ لِسُحْبِ صَلَاةٍ مِنْكَ دَائِمَةٍ مَا رَنَّحَتْ عَذَبَاتِ الْبَانِ رِيحُ صَبَاً | سَلَمِ